طباعة هذه الصفحة

رغم الإنتاج الفلاحي الوفير بعين الدفلى

غياب الصناعة التحويلية يكبح المنحى التصاعدي للوفرة

عين الدفلى: و.ي. أعرايبي

ما يخشى على الأفاق التنموية في الإنتاج الفلاحي، بولاية عين الدفلى، أن يصطدم بتراجع مخيف على كل المستويات بعدما حققت نموا تصاعديا في كل الشعب الفلاحية بفعل ضعف آليات المرافقة من مشاريع استثمارية ذات طابع صناعي وتحويلي للمنتجات التي تزخر بها الولاية.
غير أن غياب الوحدات التحويلية التي ظلت الشغل الشاغل للفلاحين والمهنيين والسلطات الإدارية والولائية جعل دار لقمان على حالها، مما يجعل الملف شائكا وسط تبادل التهم وما ينجر عنه من أخطار تهدّد مصير القطاع والمنتجين واليد العاملة.

هذه الجدلية المسجلة، وبحسب المختصين في القطاع الفلاحي والتقارير التي تسجلها الجهات المعنية، فإن طبيعة المنطقة وامتداداتها ظل مساحة لممارسة النشاط الفلاحي الذي يشغل ما يفوق 77بالمائة من المساحة الزراعية المقدرة بـ181676هكتار، ناهيك عن أن شريحة كبيرة من سكان الولاية يشتغلون بالقطاع الذي صار موردا أساسيا في يوميات سكان عين الدفلى كمصادر رزق وعيش وتنمية محلية تنطلق منها قطاعات أخرى.. لذا فإنه من الضروري التعامل مع تحقيق هذه الرهانات لإنعاش الجانب الاقتصادي المحلي من جهة وتنويع مصادر الثروة بولاية تملك كل المؤهلات لتكون ضمن معادلة القفزة الاقتصادية الوطنية التي بإمكان عين الدفلى المساهمة بقوة في تحقيقها إذا ما تم استغلال مؤهلاتها الفلاحية وحرارة المهنيين بها.

 كثرة المردود تؤرق المنتجين

ما تكشفه الأرقام التي تصدرها مديرية الفلاحة مع كل موسم جني وحصاد ضمن التقارير الموّجهة للوزارة الوصية أو التصريحات الرسمية التي يطلقها المنتسبون للقطاع خاصة في شعبة البطاطا يعطي دلالة واضحة على حجم المساحات المخصصة لهذا المنتوج والذي يتربع على امتداد 6 و9 آلاف هكتار من هذا المنتوج الموجه للإستهلاك، في حين تخصص ما بين 4500 و5700 هكتار لإنتاج البذور التي صارت فيها الولاية رائدة وبمردود يتراوح ما بين 200 إلى 400 قنطار في الهكتار الواحد، بحسب رئيس الغرفة الفلاحية الحاج جعلاني.  
هذه الطفرة في الإنتاج -والتي تتوّسع من عام إلى آخر في البلديات المعروفة العبادية  والعامرة وعريب وعين السلطان وبئر ولد خليفة وجليدة وغيره ـ قد وفرت نسبة من الإنتاج لم يجد المنتجون طريقة لتسويقه بالنظر إلى الظروف الحالية التي تميز عملية التسويق جراء الانخفاض في الأسعار بالمقارنة مع المصاريف الباهظة التي علمتها عملية الإنتاج.
 وعلى غرار هذه المادة قفزت شعبة الطماطم كمنتوج لقي إقبال الفلاحين عليه تقريبا في نفس البلديات المذكورة بالإضافة الى جندل ووادي الجمعة وعين بويحي والعطاف  والتي حققت كميات هامة، بعضا منها صار عبئا على المنتجين أثناء عملية جني المحصول بالنظر إلى غياب الوحدات المستقبلة. إذا كانت هذه الوفرة مركز إزعاج  وقلق يهدد مصير هذه الشعب والناشطين بها فإن إقبال منتجين آخرين على زراعة البقول الجافة والحبوب بكل أصنافها أخذ يتسّع بما يجعل تجديد هذه الحرفة خاصة في البقوليات يتطلب إجراءات عملية لمجابهة المحصول السنوي الذي تعمل التعاونية الفلاحية بخميس مليانة على تحقيقه بعدما أنتجت ما يفوق 180ألف قنطار من البذور.
 نفس الإصرار يسجله المختصون في إنتاج البقول الجافة والحبوب بكل أنواعها  والتي سجلت هي الأخرى أرقاما معتبرة ضمن الحصيلة السنوية للإنتاج الفلاحي، الأمر الذي جعل تعاونية الحبوب بخميس مليانة تنتج 180ألف قنطار من البذور بحسب ما أكده المسؤول الأول عن التعاونية الذي كشف عن 80 ألف قنطار مخصّصة للولاية أما باقي الكميات موّجهة لولايات أخرى، يقول محدثنا، بخصوص الأراضي والدورة الزراعية التي يتقنها الفلاحون وتطبيق نظام السقي بالرّش بالنظر إلى وجود كميات هامة بسدود الولاية وحواجزها المائية، الأمر الذي جعل مردود محصول الهكتار الواحد يتراوح ما بين 45 إلى 60 قنطار في الهكتار الواحد بحسب الفلاحين خاصة ببلديات عين السلطان والعامرة والعبادية والعطاف وجندل  وجليدة وبئر ولد خليفة وعين الأشياخ وعين الدفلى وسيدي لخضر وخميس مليانة  وبوراشد وتبركانين.
 في ذات السياق، عرفت منتوجات أخرى سواء بمحيط الشلف الفغايلية وخميس مليانة كغرس الأشجار المثمرة التي تعتمد على السقي من مياه وادي الشلف  والسدود المجاورة كسدي أمد بن طيبة وأولاد ملود وغريب ودردر والمستقبل وحرازة نشاطا واسعا خاصة في فواكه التفاح والإجاص والزيتون والبرتقال الذي أخذ من اهتمام هؤلاء يقول الفلاح الحاج زيان من خميس مليانة الذي إختص في السنوات الماضية في انتاج هذه الفاكهة بعدما كان نشاطه مقتصرا على إنتاج مادة البطاطا، بحسب قوله. ناهيك عن غرس الأشجار الجبلية المثمرة من طرف الفلاحين الذين استفادوا من الدعم بالمناطق الريفية بكل من زدين وعريب وطارق بن زياد والماين  وتبركانين والحسينية وعين التركي وعين البنيان والجمعة أولاد الشيخ وبطحية ضمن نظام المحيط الذي تدعم في الآونة الأخيرة بحسب والي الولاية بمبلغ مالي يقارب 480 مليار لإنعاش هذه المحيطات على غرار محيط بويعل وبزدين والماين والجمعة أولاد الشيخ وغيرها.
إصرار المنتجين..   
على الرغم من الظروف المحيطة بالمنتجين والهزات التي تجابههم من حين إلى آخر  والأساليب البيروقراطية التي تحد من سرعة تنفيذ هذه المشاريع الاستثمارية، إلا أن إصرار الفلاحين والمهنيين على مواصلة عملية الإنتاج في مختلف الشعب يكشف عن تعلق هؤلاء بخدمة الأرض والقطاع، بحسب الأرقام التي تكشف عن آلاف الوظائف التي يوّفرها القطاع بالولاية. فالمزرعة العصرية الكائنة ببلدية بئر ولد خليفة نموذج في الإستثمار الفلاحي الذي يوفر أكثر من 145منصب شغل دائم وأزيد من 500عامل موسمي، بحسب ما أكده مدير المزرعة مصطفى بن عيني.
أما بشأن عملية الإنتاج فقد خصصت المزرعة العصرية أزيد من 1480 هكتار لإنتاج مختلف المزروعات حيث حققت ما يفوق 121200 قنطار من مادة البطاطا و21367 قنطار من القمح في انتظار منتوجات أخرى تحدث عنها الفريق التقني بالمزرعة العصرية. هذه الكميات المعلنة من طرف المستثمرين الخواص والتي تثبتها المصالح الفلاحية في تقاريرها الرسمية توضح مدى عزم المنتجين والمهنيين على عملية الإنتاج في كل الشعب، لكن آليات امتصاص هذا المنتوج والتسويق بالأسعار التي تحافظ على نشاط المنتج دون تسجيل خسائر تبقى هذه المعضلة التي تواجه هؤلاء خاصة في غياب صناعة تحويلية على مستوى الولاية بإستثناء بعض المطاحن الخاصة بالحبوب على غرار وحدة «سيم» بعين الدفلى ومطحنة طرشي بسدي بوعبيدة بالعطاف.
 لكن يبقى منتوج الطماطم والبطاطا والزيتون بدون مصانع تحويلية من شأنها امتصاص المنتوج وتشجيع المنتجين على الاستمرار في نشاطهم الذي يوفر آلاف مناصب الشغل كقطاع يفتك الريادة في هذا المجال، يقول مسؤولو القطاع والمنتجون أنفسهم. ومن جانب آخر، علمنا أن بعض المشاريع الخاصة بالوحدات أو الصناعة التحويلية تعرف بعض العراقيل على غرار المجمع الصناعي، ببئر ولد الخليفة الذي استنفذ صاحبه مصطفى بن عيني كل الوثائق القانونية والدراسة التقنية للمشروع الخاصة بالتعليب لمنتوج البطاطا والطماطم ومعصرة الزيتون وغرف التبريد عرف هو الآخر معضلات حقيقية وعراقيل أخّرت في تجسيد المشروع الذي من المنتظر أن يشغل مئات الوظائف، بحسب ما أكده مدير المزرعة العصرية ببئر ولد خليفة، الأمر الذي يفرض متابعة الملفات الخاصة بمثل هذه الاستثمارات ذات الطابع التحويلي للمنتوج الفلاحي.
ما تم رصده لحركية بعض المستثمرين الراغبين في تطوير آليات الإنتاجية وتوسيع نشاطه لم يتوقف عند هؤلاء، بل امتد إلى كل المنتجين الفلاحيين الذين يزيد عددهم عن 25ألف منتج بعض منهم يوجهون منتوجاتهم إلى سوق الجملة ببوراشد الذي مازال نشاطه ضعيفا وحركية التسوّق به دون الأفاق التي وضعت من أجله خاصة  وأن 196 محل الموجودة بداخله لازالت معظمها مقفلة رغم اللقاءات التي عقدت بشأنها، وهوما يتطلب عملية تحسيس وإعلام واسعة.
ليكون هذا الفضاء التجاري الذي يعد من أكبر وأجمل الفضاءات على المستوى الوطني بشهادة المختصين الذين عاينوا الهيكل. هذه المعطيات الواقعية في عالم الفلاحة بالولاية تتطلب تسريع وتيرة تسجيل مشاريع الصناعة التحويلية الصناعية التي أكد عليها الرئيس مادام هناك إنتاج وفير من المواد الفلاحية التي فرضت نفسها بقوة كآلية إقتصادية يمكن الاعتماد عليها في عملية الإنعاش التي بإمكانها خلق فضاء لتصدير المنتوج الوطني إذا ما حلت هذه المعضلة، يقول المختصون الذين شددوا من جهة أخرى على منح المنطقة الصناعية، بعاصمة الولاية، المجال لاسترجاع عقاراتها التي ظل في أيادي جمدت نشاطا وبقيت بدون استغلال، وهو ما أضاع على  واقع المنطقة إستثمارات كبيرة، ناهيك عن الخسائر التي كبدها هذا التجميد لاستغلال هذه العقارات، بحسب مسؤول المنطقة.
 قلّة التحسيس وراء ضُعف الإقبال على الاستثمار الصناعي
 في ذات السياق، فإن حصيلة المشاريع الاستثمارية على وجه العموم تبقى ضعيفة من حيث العدد والمردود بالرغم من الإمكانيات والقدرات التي تحوز عليها المنطقة  والتي يرجعها بعض المختصين والمتتبعين للشأن الاقتصادي بالولاية إلى غياب التحسيس والإعلام والتعريف بهذه بالإمكانيات الهائلة، ناهيك عن الموقع الهام الذي تحتله الولاية القريبة من الجزائر العاصمة ومحور ربط ووصل بين الولايات الغربية  والوسطى ومناطق السهوب، زيادة على شبكة الطرقات، منها مسلك شرق غرب وخط السكة الحديدية بالإضافة إلى قربها من موانئ الجزائر العاصمة والشلف وكذا مطار القواسمية بالشلف. هذه الترسانة من الإمكانيات والقدرات والامتيازات التي تحوزها لم تشفع لها لحد الساعة بنظر العارفين والمتتبعين للشأن الاقتصادي بالولاية التي مازالت عذراء بحسب حصيلة النشاط الإستثماري بالناحية.
 من جهة أخرى، أرجع هؤلاء غياب التحسيس والإعلام والأيام الدراسية بخصوص هذه الأفاق التي توفرها الولاية التي تتوفر على مناطق نشاطات بكل من تبركانين  والحسينية وبومدفع وجهات أخرى ما زالت شبه راكدة ومعطلة، وهو ما جعل حلم التشغيل وتطوير هذه البلديات يظل معلقا بحسب معاينتنا.
أما المنطقة الصناعية بعين الدفلى فعلى الرغم من تحقيق بعض المشاريع، إلا أنها غير كافية بالنظر إلى موقعها والإمكانيات التي تتوفر عليها وهو ماأكده لنا مسؤول المنطقة الصناعية التي تنتظر استرجاع بعض من عقاراتها التي ظلت بدون استغلال، منذ عدة سنوات.
هذه الوضعية المسجلة أفرزت لنا ضعفا كبيرا في المجال الاستثماري خاصة في الصناعة التحويلية التي تظل هي الأقرب من حيث التجسيد بالنظر إلى وجود المادة الخام بالمنطقة خاصة في القطاع الفلاحي الناجح بإمتياز، بحسب رئيس الغرفة الفلاحية الحاج جعلالي ومدير المزرعة العصرية ببئر ولد خليفة مصطفى بن عيني  والفلاح عبد القادر شاش والذي أكد أن تسويق مادة البطاطا، بمبلغ 10 د.ج للكيلوغرام الواحد لفائدة بعض الموّالين الذين يستغلونها كمادة للعلف الخاص بالحيوانات، بحسب قوله.