طباعة هذه الصفحة

مركز الردم التقني بباتنة

عين على البيئـــــة وحرب علــــى فــــيروس كورونا

باتنة: حمزة لموشي

قطعت المؤسسة العمومية لمركز الردم التقني، بولاية باتنة، أشواطا كبيرة في مجال جمع ومعالجة النفايات ورسكلتها، في إطار تحسين خطط إدارة وتسيير واقع النفايات وعصرنة قطاع البيئة بعاصمة الاوراس ولاية باتنة، وذلك تنفيذا للإستراتيجية الوطنية للوزارة الوصية.
يعتبر مركز الردم التقني، بولاية باتنة، من بين أهم مراكز الردم وطنيا، افتتح سنة 2009 وبه 9 مفارغ عمومية موّزعة عبر إقليم الولاية، بالمدن الكبرى، على غرار باتنة، عين التوتة، بريكة، اريس وغيرها، وذلك في إطار المساعي الرامية للحفاظ على البيئة وترقية الوسط الإيكولوجي، خاصة فيما يتعلق برسكلة النفايات المنزلية والصلبة.
وذلك في انتظار اطلاق مشاريع أخرى وبرامج جديدة تابعة للمركز، تتعلق بنشاط الفرز التقني للنفايات، إضافة إلى توسيع المفارغ العمومية، وهو التحدّي الذي بادرت به مديرة المركز السيدة شامية مرابطي، منذ تعيينها على رأس هذه المؤسسة الحيوية، حيث يهدف هذا التوجه الاستراتيجي إلى دفع التنمية المحلية واستحداث موارد مالية من خلال استثمار الوحدات الإنتاجية والشركات في نفاياتها الصناعية.

الحفاظ على الصّحة العمومية أولوية

شهدت ولاية باتنة قفزة نوعية في مجال الاهتمام بالبيئة ونظافة المحيط، لاسيما من خلال إعادة الاعتبار لبعض الهياكل والمرافق ذات الصلة بنشاط إعادة رسكلة النفايات وتدويرها والردم التقني، حيث مكّنت جهود والي باتنة ومديرة المركز مرابطي شامية والمصالح المركزية، من التقليل من حجم التلّوث المسجل عبر الوحدات الصناعية ومخلفات النفايات المنزلية والاستشفائية، ما ساهم في تحقيق مداخيل مالية إضافية ستوّجه لمواصلة تفعيل دور هذه المؤسسة.
أشارت مرابطي شامية، المديرة العامة للمركز في تصريح لجريدة «الشعب»، إلى أنها تعكف منذ مدة على توسيع طاقة استيعاب المفارغ العمومية الموجودة وانجاز خندق جديد بباتنة، لاستقبال النفايات القادمة من مختلف أحياء ومناطق المدينة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، لحماية البيئة والحفاظ على الصّحة العمومية، التي اعتبرتها أولوية لا تنازل عنها، حيث تعتبر بلدية باتنة خامس بلدية وطنيا من حيث التعداد السكاني، ومن بين مجهودات المركز تحقيقها لعمليات رسكلة ناجحة جدا في النفايات وتحويلها إلى مواد مختلفة قابلة للتدوير على غرار الكارتون والبلاستيك والخبز وغيرها، وذلك من خلال فرز هذه الأخيرة وتعزيز الوحدات التابعة لها بحاويات جديدة.
يعود الفضل في تعزيز ودعم نشاط رسكلة النفايات بالولاية، لدور هذه المؤسسة العمومية الرائدة في مجال تسيير مراكز الردم التقني للنفايات المنزلية، رغم بعض النقائص التي تعاني منها خاصة ما تعلق بالعتاد والتجهيزات، من خلال سعيها الحثيث إلى القضاء على مختلف المفارغ العشوائية وما تشكله من خطر على صحّة المواطن وتهديد للبيئة والمحيط على مستوى جميع دوائر باتنة 21.
أشارت مرابطي خلال لقائنا معها إلى امكانية انجاز مصنع لفرز النفايات ورسكلتها على مستوى مركز الردم التقني الأبيار بباتنة والعمل على استرجاع المواد الأوّلية من النفايات الوافدة إلى المفارغ العمومية المراقبة التابعة للمؤسسة وذلك خلال اجتماعها برئيس بلدية باتنة نور الدين ملاخسو رفقة محمد الهاني مدير المؤسسة العمومية للنقاوة «كلين بات»، لدراسة جدوى المشروع الذي يمتاز بقدرة استيعاب 500 طن من النفايات المنزلية يوميا إلى غاية الهدف المرجو منه المتمثل في رسكلة جميع النفايات بنسبة 80 بالمائة دون حرق أو ردمها بطريقة تراعي الاعتناء بالمقتدرات الطبيعية، وكذلك إعطاء الأولوية للتخلص التدريجي من الروائح الكريهة أثناء عملية المعالجة للنفايات، فضلا عن الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في تجسيد ذلك.

خندق جديد لردم النفايات   

للقضاء على مشكل التلوث البيئي بادرت، المؤسسة العمومية لتسيير مراكز الردم التقني بولاية باتنة، لإطلاق مشروع جديد لإنجاز خندق لردم النفايات، وهذا بعد أن تم تشبّع الخندق القديم الذي تم انجازه في سنة 2018.
جاء هذا المشروع الجديد، بحسب السيدة شامية مرابطي والذي يعتبر مكسبا لقطاع البيئة، عقب الشكاوى الكثيرة والحركات الاحتجاجية المتكرّرة التي يقوم بها بين الحين والآخر ساكنة منطقة لبيار التابعة لبلدية الشعبة والأقطاب السكنية الجديدة حملة 01، 02 و03، والتي تضررت فعلا من الروائح الكريهة والمنبعثة من هذا المركز، الأمر الذي ساعد على انتشار كبير للحشرات الضارة والتي أثرت سلبا على صحّتهم واستقرارهم، تضيف المتحدثة.
 ساهمت أيضا الوكالة الوطنية للنفايات في تدعيم قدرات مركز الردم التقني، بباتنة، من خلال منحها عصارة جديدة لمعالجة النفايات، وهذا من أجل رفع طاقة واستيعاب حجم النفايات التي تستقبلها عاصمة الولاية، في اطار حماية البيئة المحيطة بكل الأحياء القريبة من مركز الردم، حيث يتم اتباع جملة من الإجراءات لضمان ذلك على غرار مضاعفة حصص الحرق بشكل يومي ودائم، أين بلغت الكمية المحروقة في اليوم الواحد بـ 340 طن، إضافة إلى إتباع سياسة جديدة بتغطية النفايات بالأتربة والأسمدة الى جانب اتباع نظام التدفق العالي للمياه بعد حرق النفايات.
كما يعتبر مركز الردم التقني للنفايات العضوية بولاية باتنة، واحدا من بين النظم البيئية الحديثة التي تعوّل عليها الدولة للحفاظ على البيئة وترقية المحيط، إضافة إلى تحقيق المزيد من النجاح في مجال البيئة الحضرية والاقتصاد الأخضر الذي أصبح حتمية لا خيار فيها خاصة مع التوّجهات الجديدة للدولة، والتي أكد عليها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد في العديد من المناسبات بغية مواجهة التحديات المستقبلية خاصة في ظل تراجع أسعار النفط وحتمية الإنتقال الطاقوي.
في هذا الصدد، أشارت مديرة المركز إلى ان عقلية استمرار مراكز الردم كمطامر لجمع وتخزين ودفن النفايات فقط لم تعد تواكب التطورات الحالية رغم عملها وفق نظام بيئي آمن، بل لا بد من التوّجه إلى تحويل هذه المنشآت لتكون خلاقة للثروة، وكذا موردا اقتصاديا ينتج المواد المسترجعة ذات القيمة المالية الكبيرة، خاصة ما تعلق بالبلاستيك والورق كونها المواد الأكثر طلبا بالسوق المحلية والوطنية، حيث تطمح محدثتنا إلى تحويل وحدات المركز التقني الموّزعة بباتنة إلى ورشات صناعية حيوية تساهم في خدمة الاقتصاد الوطني بتزويد قطاع الصناعة الخفيفة بكميات كبيرة من المواد القابلة للتدوير والاسترجاع لاستغلالها لاحقا في صناعة مواد أخرى توجه للاستهلاك الوطني، خاصة تلك التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة.

تطبيق نظيف للفرز الانتقائي المنزلي

تسعى المديرة العامة لمؤسسة الردم التقني بباتنة، شامية مرابطي إلى تسيير المركز باحترافية والانفتاح أكثر على المحيط الخارجي بالوصول إلى العائلات لتشجيعها على الفرز الانتقائي للنفايات المنزلية بنفسها، وذلك من خلال دعوة المواطنين إلى ضرورة اتباع الفرز الانتقائي على مستوى المنازل لجعل النفايات أكثر قابلية للرسكلة وبصفة سليمة، بهدف رفع تحدّيات مكافحة التلوّث بكل أشكاله، مكافحة التلوّث بشتى أنواعه وضمان تسيير مدمج للنفايات بهدف الحفاظ على البيئة.
 قالت مرابطي إنها تسعى لإطلاق تطبيق جديد وضعته الوكالة الوطنية للنفايات والمسمى بـ «نظيف» عن طريق الهواتف المحمولة الذكية من شأنه تمكين المواطنين التبليغ على النقاط السوداء، مشيرة أن لجنة تقنية على مستوى الوكالة تتكفل بتسجيل كل البلاغات للتدخل من أجل القضاء عليها، مؤكدة أن المحافظة على البيئة عملية اجتماعية مجتمعية أكثر منها تقنية.
كما شدّدت من جهة أخرى المتحدثة على ضرورة التحسيس والتوعية من أجل تبني ثقافة الفرز الانتقائي المنزلي، حيث تحرص شامية، منذ تنصيبها على رأس مؤسسة الردم التقني، بباتنة، على استدراك بعض النقائص المسجلة سابقا واعترفت في هذا الصدد، أن المشكل يتمثل في كون هذه المراكز تم إنجازها دون أن تكون هناك متابعة والتدقيق وتشخيص كل المشاكل التي تعرفها هذه المراكز واختيار الأماكن الملائمة التي من المفروض أن تُبنى عليها.
أوضحت محدثتنا أن مثل هذه الآفاق والمشاريع المستقبلية تهدف إلى تحقيق تحد واحد وهو التخلص نهائيا من المفارغ العشوائية والنقاط السوداء لتواجد القمامة التي لها آثار سلبية على صحّة المواطن وباتت تهدّد البيئة.

تثمين المواد المسترجعة وتحويلها  

أوضحت مديرة مؤسسة تسيير مراكز الردم التقني للنفايات، أن المؤسسة تقوم بالإعلان عن مناقصات شهرية لبيع المواد المسترجعة من مختلف المواد في المزاد العلني، وفق دفتر شروط يسحبه المهتمون باقتناء البلاستيك والكرتون والورق والحديد والألمنيوم، مشيرة في ذات الإطار أن المؤسسة استرجعت كميات كبيرة، حوّلتها بعد البيع إلى عائدات مالية.
تحرص المؤسسة العمومية على تثمين المواد المسترجعة كونها تعد إضافة نوعية بتعزيزها للمداخيل المالية، وهي المهام الجديدة لمركز الردم التقني في سعي من مسؤولته الأولى مرابطي شامية إلى توسيع نشاطها وإقحامه في مجال التنمية المحلية.
تتركز المهام الجديدة على النظافة والإنارة العمومية، إلى جانب المهام الرئيسية المتمثلة في معالجة النفايات المنزلية وفرزها وتسويق المواد الصناعية كالورق والبلاستيك، لتحقيق مداخيل مالية تسمح للمؤسسة بالتطور والتكفل بأعباء التسيير المرتفعة بسبب توسيع نشاط المؤسسة لكل دوائر الولاية، من خلال دعم جهود القضاء على مشكل النفايات والإنارة العمومية عبر مختلف بلديات الولاية، خاصة الكبرى منها، وهو ما ظهر في تحوّل شوارع وطرق باتنة إلى نموذج للنظافة والتهيئة الحضرية.
بعد توسيع نشاطها إلى النظافة والإنارة العمومية، ستصبح مؤسسة الردم التقني للنفايات بباتنة، بمثابة داعم كبير للبلديات العاجزة ماليا عن مواجهة مشاكل النفايات والإنارة العمومية، بالرغم من حملات التطوّع المتواصلة، حيث أصبحت مؤسسة الردم التقني للنفايات، تتمتع حاليا بسمعة كبيرة في مجال جمع ومعالجة النفايات المنزلية، نظرا لتوفرها على كوادر بشرية مؤهلة وكفؤة تساهم بشكل كبير في إنجاح مشروع توسيع النشاط وتحقيق مزيد من المداخيل وتوظيف العمال والمساهمة الفعالة في اقتصاد الولاية، بالتنسيق والتعاون مع بعض الشركاء على غرار مديرية البيئة ومؤسسة كلين باتنة للنظافة والنقاوة.
يواجه مركز الردم التقني للنفايات بباتنة العديد من التحدّيات الصعبة لتحقيق التوازن المالي من خلال بيعه المواد المسترجعة، وإنتاج طاقة للاحتياجات الذاتية، وتوسيع المؤسسة بتوظيف المزيد من العمال لتغطية كل إقليم الولاية، إضافة إلى دفع أجور الموظفين، وكذا صيانة وتجديد المنشآت وتجهيزات الطمر، والاسترجاع والتوظيب وغيرها من الأعباء.

مجهـودات في مجابهة الفيروس

تصدّرت المؤسسة العمومية لتسيير مراكز الردم التقني لعاصمة الأوراس باتنة، الصفوف الأمامية الأولى في دعم الجهود الوطنية لمحاربة فيروس كورونا كوفيد 19، وذلك من خلال إطلاق المئات من عمليات التعقيم والتطهير الواسعة النطاق في كل إقليم الولاية، منذ تفشي الجائحة وإلى غاية اليوم وبالإشراف المباشر والميداني للمديرة شامية مرابطي التي رافقت العمال في ذروة تفشي الوباء للقيام بطمر مخلفات المواد الطبية الخاصة بالفيروس والتي رفض الجميع في البداية القيام بها، غير ان حس المسؤولية لدى المديرة دفعها لارتداء اللباس الواقي والخروج للميدان في مبادرة شجّعت باقي العمال على القيام بالمهمة لاحقا في عدة مرات والتي كلّلت بالنجاح، حيث أصبح طمر وحرق المخلفات الطبية الخاصة بالكوفيد عملية روتينية للمركز يقوم بها بإتباع شروط الوقاية والصّحة العامة.
ذكرت مرابطي في هذا الصدد أن عمال المؤسسة ظلوا في المواقع الأمامية، منذ بداية الجائحة العالمية، وعبر عمليات واسعة في 21 دائرة، وأبرزت أن المؤسسة التي تعنى بالبيئة والمحيط، كيّفت نشاطها ومهامها التقليدية مع جهود الدولة في محاربة الوباء، من خلال تسخير كل الامكانيات المادية والبشرية الضرورية على غرار فرق عمال للقيام بعمليات التطهير والتعقيم والرش في مداخل المرافق العمومية والمباني، وكذا العمارات ومختلف مقرات الإدارات وحتى بالشوارع والتجمعات السكنية.
أكدت مرابطي أن هيئتها نجحت في الانخراط كلي في المساعي الخاصة بمكافحة الفيروس بالموازاة مع مهام المركز في معالجة النفايات والحفاظ على البيئة وترقية المحيط، كما تساهم بالتنسيق مع جميع الشركاء في الحملات الوطنية للنظافة التي أقرتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية بين الحين والاخر.