طباعة هذه الصفحة

«الشعــب» تستطلــع وضعيــة الصحـة بقسنطينـة

مرضى بين مطرقـة المستشفيـات العموميــة وسندان العيــادات الخاصــة

قسنطينة :مفيدة طريفي

بعد النقص الذي سجله القطاع العام في التكفل بالمشاكل الصحية للمواطن رغم تخصيص بشكل دوري ميزانية ضخمة تشمل تجهيزات ومعدات كبيرة إلا أن المريض لا يجد ضالته عند اللجوء للمؤسسات الاستشفائية فتنطلق لديه دوامة البحث عن جهة تتكفل بحاجاته وأمراضه حيث لا يزال المواطن يعاني وسط الفوضى والمجهول، وهي الحقيقة التي أضحت تفرضها أغلب المستشفيات التي بوضعيتها الحالية لا تدل إلا على تدني خدماتها ونقص في تقديم خدمات طبية، وهو الأمر الذي فسح المجال للقطاع الخاص بالتوغل والتميز على المستشفيات العمومية ما دفع بالمواطن للجوء إليه سيما فيما تعلق بالعمليات الجراحية المستعصية وحتى البسيطة منها ففي عاصمة الشرق قسنطينة أصبح المواطن يعاني من نقص التكفل الصحي بالمستشفيات العمومية حيث تجد الغياب التام للأطباء المختصين بشتى الأقسام والعيادات الجوارية، ليجد المواطن نفسه مضطرا  للجوء  للعيادات الخاصة التي أضحت سيدة الموقف بعاصمة الشرق الجزائري أين يجد في معظم الأوقات المواطن ضالته في خدمات واستقبال أحسن، تعكس الوضعية المزرية التي يعيشها القطاع العام. انها حقائق رصدتها «الشعب» في استطلاع ميداني...


قسنطينة :مفيدة طريفي
وفي محاولة منا لتسليط الضوء على ظاهرة تراجع المستشفيات أمام العيادات الخاصة التي وبالرغم من عجزها أمام الحالات الحرجة وتنازلها للقطاع العام في حل أصعب الحالات بسبب توفرها على أقدم الأطباء إلا أن المستشفى الخاص أضحى ضرورة لابد منها وواقع يثبته تفاقم وضعية الخدمات الصحية بالمستشفى العام بشكل كبير، بدءا من خطر الفيروسات والجراثيم التي انتشرت مؤخرا بعديد أقسام المستشفى الجامعي والتي أثرت سلبا على التكفل الجاد بالمرضى وتهدد حياته بعدوى خطيرة هو في غنى عنها وصولا إلى غياب الإمكانيات اللازمة ونقص التكفل الصحي بالمريض الطامع في الحصول على علاج يشفي علته، إلا أن الوضعية لا تنفك وأن تتأزم وتتفاقم دون تدخل فعلي من طرف الجهات الوصية، ليجد المواطن نفسه في ظل هذه الظروف المتدنية ضائعا بين مجانية القطاع العام الذي أضحى عاجزا أمام توفير التكفل التام والخدمات الصحية وبين غلاء العيادات والمستشفيات الخاصة التي تفرض مبالغ مالية خيالية مقابل عمليات جراحية بسيطة .

 تنازل المستشفيات للعيادات الخاصة

ففي ظل التراجع الذي تعرفه المستشفيات عن التكفل الصحي وجدت العيادات الخاصة فرصة لجذب المواطن نحو الاستفادة من خدماتها رغم ارتفاع تكاليفها، «الشعب» قامت بعمل ميداني للعديد من العيادات الصحية التي كانت من بينها عيادة نوفل، عيادة المهدي، عيادة ابن رشد، وأخرى لا تعد ولا تحصى تسهر على تقديم أحسن الخدمات انطلاقا من كيفية الاستقبال والمعالجة حيث أكد لنا أحد المرضى الذي صادفناه «بعيادة المهدي» أنه يفضل العيادات الخاصة بالرغم من غلاء التكلفة ذلك لتميزهم في التشخيص والمعالجة لتبقى التكلفة المالية أمام المرض ضئيلة مفضلا إياها على الدوامة التي يضطر لعيشها بمستشفيات القطاع العمومي.
وفي حديثه عن كلفة العمليات الجراحية فقد أكد أنها تتفاوت من عيادة لأخرى وأنه ليس بإمكان المواطن البسيط تحمل هذه التكاليف العالية سيما في ظل تدني المستوى المعيشي، وهي ذات الوضعية التي تعرفها جل العيادات الخاصة التي تستغل تراجع القطاع العام لتصل العملية الواحدة بهذه المؤسسات إلى حدود خيالية تصل العمليات القيصرية بهذه الأخيرة إلى ٩ مليون سنتيم لتبقى عمليات العظام التي تعتبر أكثر تكلفة، أما العمليات على مستوى الرأس فحدث ولا حرج اين تصل إلى حوالي ٢٠ مليون سنتيم ناهيك عن التحاليل الكثيرة التي يجريها ويدفع ثمنها باهضا قبل و بعد العملية  إلى جانب الفاتورات الإضافية التي يدفعها، وهنا يكون المريض قد دفع ثمن علاجه باهضا ليبقى السؤال من يتولى مهام إنقاذ المريض من سندان العام ومطرقة الخاص ومن يراقب كلاهما ومن يخفف وجع المريض الذي يعاني بسبب مرضه ويئن أيضا بسبب مايواجهه من متاعب في البحث عن الأحسن والأضمن                              .
من جهة أخرى تعرف المستشفيات وعلى رأسها المستشفى الجامعي ابن باديس حالة غير مسبوقة من التراجع في التكفل الصحي انطلاقا من غياب الأطباء المختصين في مختلف الأقسام الطبية الذين تنازلوا عن المسؤولية للأطباء المقيمين الذين يتعاملون مع الحالات المرضية بنقص تجربة وهو ما زاد من تفاقم الوضع، فالتكفل معدوم والتكوين لهؤلاء المقيمين مهزوز بسبب اهتمام الأطباء المعول عليهم بعياداتهم الخاصة ومدخولهم الخاص لتدفع ضريبة الإهمال المتعمد المستشفيات العمومية التي أضحت مجرد هياكل لا تقدم أي خدمات ترقى وطموحات المواطن فضلا عن دفع المواطن بطريقة أو بأخرى للتوجه نحو العيادات الخاصة التي تكلفه مبالغ مالية، ويبقى السؤال المطروح ما هو مصير المستشفيات في ظل عزوف الأطباء المختصين في العمل بنزاهة بهذه الهياكل العمومية التي تبقى بلا رقيب ولا حسيب.

قاعات محدودة التجهيزات وأطباء يتحايلون على القانون

تعرف العديد من القاعات العلاجية المنتشرة عبر عديد بلديات وأحياء الولاية مجموعة من المشاكل والعراقيل التي تقف في وجه تحقيق تكفل أحسن بالصحة الجوارية التي كانت من المفروض أن تقدم خدمات صحية، حيث تعيش جملة من الهياكل العلاجية التي خصصت لها أغلفة مالية ضخمة من أجل ضمان تغطية صحية عبر إقليم الولاية، حيث جملة مشاكل تمثلت في معظمها في محدودية الخدمات الطبية على مستوى العديد من العيادات الطبية وعلى رأسها  قاعة علاج واقعة على مستوى حي ٩٠٠ مسكن رغم أنه يشهد كثافة سكانية عالية والتي لا تتماشى والعيادات الطبية التي لم تتمكن من تغطية العدد الهائل للسكان والذي يبقى بحاجة ماسة لرفع مستوى الخدمات بقاعات العلاج التي  تبقى محدودة لا سيما وأنها تعرف توافدا وإقبالا كبيرا للسكان خاصة من قبل الأحياء المجاورة على غرار حي «٤٠٠ مسكن»، حي «٥٠٠ مسكن»، وكذا حي «٢٣٨ مسكنا»، فمحدودية الخدمات العلاجية المقدمة من طرفها خاصة مع ضيق المساحة بهذه القاعات العلاجية ما يخلق اكتظاظا وفوضى كبيرين إلى درجة تشكل سلاسل بشرية وطوابير من المرضى الذين لا حل لهم سوى تحمل هذه الوضعية، التي لا تنفك وأن تتفاقم خاصة و أنهم يتوافدون عليها بشكل يومي رغم نقص الإمكانيات المادية و نقص التجهيزات الطبية و كذا محدودية الطاقم الطبي حيث تضم أربعة أطباء يعملون بالتناوب ويتقاسمون قاعة فحص واحدة بها طاولة للفحص ومكتب، لتقتصر بذلك مهامهم على تقديم العلاج القاعدي من فحوصات طبية، و حقن بالإضافة إلى معالجة الجروح والإصابات البسيطة.
 أما بالنسبة للتلقيحات الخاصة بالأطفال هي تشهد نقصا فادحا إن لم نقل انعداما بها حيث أكدت لنا عدد من القاطنات بحي ٩٠٠ مسكن أنهن يعانون جراء انعدام اللقاح بذات القاعة حيث يصطحبن أطفالهن في ساعات مبكرة عساهن يحضين بجرعة من اللقاح لأطفالهن، وهو الأمر الذي يدفع بهم للتنقل إلى مناطق أو حتى بلديات أخرى بحثا عن اللقاح هذا وقد أكدت لنا إحداهن أن اللقاح بالقاعة المذكورة يشهد نقصا فادحا وعلى كافة الأعمار لدرجة لا يتجاوز عدد المستفيدين منه ٢٠ طفلا في الأيام التي يتواجد بها هذا الدواء من جهة أخرى فإن قاعة العلاج بحي « ٩٠٠ مسكن» غالبا ما تعيش حالة متدهورة بسبب قنوات صرف المياه والرائحة الكريهة المنبعثة من القاعة، خاصة وأنها تقع في أقبية إحدى العمارات، وهو الأمر الذي جعلها غير مواتية لأن تكون قاعة لتلقي الفحوصات الطبية والعلاجات القاعدية هذا إلى جانب كونها ضيقة المساحة لا تكفي لاستيعاب الأعداد الكبيرة من سكان المنطقة الذين يعتبرون وجود مؤسسة صحية متكاملة بذات المنطقة من بين أهم الضروريات التي من شأنها أن تمنحهم خدمة طبية كاملة تزيل عنهم شقاء التنقل إلى المناطق الأخرى لتلقي أبسط الفحوصات لاسيما فيما يتعلق بتلقيح الأطفال الذي يشكل نقصه وإنعدامه في غالب الأحيان مشقة بحث طويلة لهؤلاء السكان في مناطق مختلفة زادت من حدة وتأزم الوضع.