طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع واقع صناعة الفخار بمعاتقة

حرفة تواصل الصمود وتصارع من أجل البقاء

استطلاع: ضاوية تولايت

تعد صناعة الفخار ببلدية معاتقة، الواقعة شرق ولاية تيزي وزو على بعد حوالي 35 كلم، من أقدم الصناعات اليدوية التي تواصل صمودها بالمنطقة، رغم مرور السنوات، حيث يتم توارثها أباً عن جد. فالعديد من الحرفيين يمارسون مهنة تصنيع الأواني الفخارية بالطين عن طريق اليد أو عن طريق العجلة وهي «آلة تدار بالقدم عن طريق السير». واستنادا لبعض الحرفيين الذين تحدثت إليهم «الشعب»، فإن هذه الصناعة تمر بعدة مراحل. وللوقوف أكثر عند سر هذه الحرفة، قمنا بهذا الاستطلاع بمناسبة إحياء المنطقة الطبعة السابعة لعيد الفخار.

تنقلت «الشعب» لبلدية معاتقة، وذلك لاكتشاف أسرار حرفة صناعة الفخار، هذه البلدية مختلفة بكل المقاييس، فقد يحتار البعض في الزمن التي تعيشه المنطقة، حيث تحتفظ بصناعة عمرها قرونا. واستنادا للسيدة يامينة، وهي إحدى الحرفيات في مجال صناعة الفخار، فإن هذه الحرفة دخلت قارة إفريقيا وبالضبط منطقة القبائل منذ الأزل، مشيرة إلى أن هذه المهنة تعتمد على المهارة والسرعة، التي يجب أن يتمتع بها كل من يعمل في هذا المجال، قائلة: «إنها صناعة تقليدية، لكنها تمثل جزءاً مهمّا من حضارة وتراث منطقة القبائل، وحتى الآن ماتزال هذه المهنة رائجة ولديها زبائنها، مشيرا إلى أنها حكر على نساء منطقة القبائل».
وعن التربة المستخدمة في صناعة الفخار، أضافت محدثتنا قائلة: هناك أنواع معينة من التربة تستخدم في هذه الصناعة، ونعتمد في صنع الفخار على مادة أساسية وهي التربة الصلصالية، إضافة إلى الماء الذي يلعب دورا أساسيا في التكوين والتذويب.
وتشرح السيدة يامينة مراحل تجهيز الخلطة الطينية المستخدمة في صناعة الفخار، قائلة: «نقوم أولا بتحضير التربة والتي هي مزيج من الطين والماء والقليل من شوائب الفخار التي تطحن على شكل رمال وذلك ليحافظ الطين على تماسكه، ويجب أن يبقى المزيج لمدة يومين قبل أن يستعمل لصناعة الأواني الفخارية».
وتضيف قائلة: «بعد تجهيز الطين يقسم إلى قطع حسب الكمية المطلوبة، فيما يخبّأ الباقي ويغطى بأكياس من البلاستيك وذلك حتى لا يجفّ، ومن ثم يتم البدء في صناعة الأواني مختلفة الأشكال.
وأوضحت، أنه عند الانتهاء من صنع الأواني، توضع القطعة في مكان بعيدا عن الشمس لمدة يومين حتى لا تتشقق، ومن ثم توضع داخل كومة حطب تشعل فيها النار وفق الطريقة القديمة التقليدية.
من جهتها قالت السيدة فاطمة في السبعين من عمرها، إن أهم الأواني الفخارية التي تصنع منذ القدم، تتمثل في جرار الماء المعروفة محليا باسم «افطاش، اشموخ، ثاسبالت» وتستخدم لتبريد الماء وتعرف في القدم بـ «ثلاجة الفقراء». وتضيف «نحن نصنع مجموعات كبيرة من الفخار بأشكال متنوعة وبألوان مختلفة حسب الطلب، وهناك المزهريات المخصصة لنباتات الزينة المنزلية، وأواني أخرى تستخدمها النساء على غرار «الجفنة» التي تستخدم لفتل الكسكسي وكذا الأطباق الصغيرة التي تستعمل للأكل».
غياب سوق واستغناء جيل اليوم عن الأواني الفخارية يهدد الحرفة بالزوال
مع أن سوق الصناعات الفخارية يستقطب عددا لا بأس به من المهتمين بالتراث والموروثات القديمة، إلا أن أصحاب المهنة يشتكون من عدة صعوبات، تتمثل في قلة المهتمين بهذه المهنة وكذا غياب سوق يومي من شأنه أن يساعد الحرفيين على تسويق منتوجاتهم على مدار السنة، بدل انتظار فقط المناسبات للتسويق. كما أشار الحرفيون إلى مشكل العائد المادي لصناعة الفخار، الذي لم يعد كافيا لمواصلة هذه المهنة، إذ يباع معظم المنتجات الفخارية بأثمان قليلة.
ما جعل هذه الحرفة تصارع من أجل البقاء، جراء التطور التكنولوجي، والعائد المادي الضعيف، في مقابل استغناء المواطنين عن الأواني الفخارية، حيث ارتبطت منذ القدم بحاجاتها واستعمالها في المنازل وأضحت اليوم غير مستعملة في عديد المنازل القبائلية، حيث تم الاستغناء عنها. وأضحت تستعمل فقط للزينة، بعد أن كانت توضع بها احتياجات من طعام وشراب، وعلى الرغم من شهرتها بمنطقة القبائل، إلا أنها تواجه صراعا شرسا في سبيل البقاء، بسبب التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم وعدم اهتمام السلطات بمثل تلك الصناعات بدائية الصنع، بجانب العائد المادي القليل، ما أدى إلى عزوف الكثير عنها والاتجاه إلى العمل بحرف أخرى مجزية ماديا.
إنجاز دار الحرف التقليدية لتسويق المنتوجات
أكد محافظ المهرجان الثقافي لصناعة الفخار لبلدية معاتقة في تصريح لـ «الشعب»، أن هذه الحرفة بدأت تواجه عدة عواقب، في مقدمتها مشكلة التسويق، إلى جانب غياب فضاء لعرض المنتوجات التقليدية للبيع بصفة مستمرة، أملا في أن تستجيب السلطات لمطلب الحرفيين المتمثل في إنجاز دار للحرف التقليدية، التي يلحون عليها منذ سنوات دون أن تعرف النور لأسباب مجهولة، داعين في ذات الصدد إلى ضرورة أخذ مطلبهم بعين الاعتبار، نظرا للأبعاد التجارية التي تحظى بها هذه الحرفة، خاصة وأنها مصدر رزق عديد العائلات.
وأكد ذات المتحدث وجوب إيلاء الأهمية لهذه الحرفة للقضاء على عدة مشاكل، على غرار البطالة التي تنخر شباب المنطقة، إلى جانب مشكل النفايات التي غزت الشوارع، فالعودة لاستعمال الفخار سيقضي على البلاستيك والزجاج المترامي في جميع أزقة الولاية، كون استعمال الفخارية عبارة عن قطع مصنوعة من الطين وحتى وإن رميت فهي لن تخلق أية مشكلة بيئية، مضيفا في السياق ذاته أن هذه الحرفة تعود لقرون طويلة، ففضلا عن بعدها التجاري لابد من حمايتها من الزوال، نظرا لبعدها الثقافي والحضاري الذي يعكس هوية ونمط معيشة أهالي المنطقة.