طباعة هذه الصفحة

يستأجرون سيارات أو حافلات للذهاب إلى سد جرف التربة

مواطنون من كل الأعمار ببشار يتحدون الصعاب لممارسة الصيد الترفيهي

بشار: دحمان جمال

رافقت «الشعب» مديرية الصيد البحري بولاية بشار، خلال إشرافها على عملية استزراع 300 ألف بلعوط من سمك الشبوط  كبير الفم بسد جرف التربة، حيث استغلت الفرصة و اقتربت من الصيادين المدمنين على صيد الأسماك باستعمال السنارة، ورافقتهم يوما كاملا. التفاصيل في هذا الاستطلاع.

صيد الأسماك بسد جرف التربة ببشار شكل من أشكال الترفيه والترويح عن النفس والهروب من درجة الحرارة المرتفعة، لكن التعلق الشديد لبعض الصيادين بالقنادسة وبشار وبشار الجديد، سرعان ما حولها إلى إدمان حقيقي حيث يتحدون كل الصعوبات من أجل إلالتحاق بالسد وممارسة الصيد الترفيهي وإن كان على حساب عملهم وعائلاتهم.
تنتشر ممارسة الصيد بالسنارة بشكل ملفت للانتباه بعاصمة الساورة، فهي تحكم سيطرتها على قلوب شرائح كبيرة من العشاق بمختلف أعمارهم ومستوياتهم ومكانتهم الاجتماعية، فعلى ضفاف الأودية والسدود والمسطحات المائية التي زودتها مديرية الصيد البحري ببشار بمختلف يرقات الأسماك لا يمكن  التفرقة بين المهندس والإطار والعامل البسيط، الطبيب والبطال، الأستاذ الجامعي والطالب.
انتشار ظاهرة الصيد
وفي وصفه لانتشار ظاهرة الصيد في المياه العذبة، يقول لـ «الشعب» سليمان  بن كروم 65 سنة أستاذ متقاعد وصياد محترف معروف وممارس لهذه الهواية منذ  الصغر، أنه لا توجد عائلة في مناطق الشمال لا تخلو من صياد أو اثنين على الأقل، في حين في منطقة الجنوب لا تخلو الوديان والسدود من هؤلاء، حيث وجد منذ قدومه إلى بشار سنة 1972 الشباب يصطادون في الأودية والمسطحات المائية بعد أن عملت مديرية الصيد على استزراعها بيرقات الأسماك.
ويتذكر الأستاذ سليمان قصص أيام الصغر قائلا لنا، أنه عندما كان يقطن في مرسى العربي بن مهيدي  بتلمسان. وروى بعض القصص الجميلة مع هواية صيد السمك بالقصبة، ومن بين هذه القصص التي لازالت عالقة بذهنه استئجار عشرات الصيادين من بشار سيارة أجرة أو حافلة نقل جماعي للذهاب إلى السد جرف التربة أو منطقة (5) السانك، مقابل دفع كل واحد منهم 300 دينار جزائري ذهابا وإيابا، وكان من هؤلاء الصيادين من يتنقل على متن سيارات من نوع (نيسان) في منتصف الليل انطلاقا من الدبدابة وبشار الجديد.
وبنبرة لا تخلو من الأسف ذكر سليمان بأن عشرات العاشقين للصيد، كانوا يمارسون هوايتهم يوميا بالوديان بولاية بشار، خاصة منطقة (السانك 05) التي توجد فيها العديد من أنواع الأسماك، إلا أن البعض بسد جرف التربة لا يحترمون الفترات المرخصة للصيد مما تسبب في انقراض بعض الأنواع مثل ثعلب البحر.
ويرجع أغلبية صيادي الأسماك سبب صمود هذه الهواية رغم  تعاقب السنين والتحولات البيئية الكثيرة بالمنطقة، إلى كونها تكتنز سرا وجاذبية خاصة لا يدركها إلا من رافق الأب في رحلة الصيد ويشبه أغلبية صيادي الأسماك التعلق بهذه الهواية بـ «العدوى» أو «الفيروس» الذي ينتقل من شخص إلى آخر بالاحتكاك فيرثها الابن عن أبيه أوخاله أوعمه أوأحد أقاربه، كما كان ينقلها الجار إلى جاره والصديق إلى صديقه من دون قصد، لكن لا أحد يستطيع تفسير سبب التعلق الشديد بها وصرف أموال كبيرة من أجلها لشراء أفضل وأرقى أنواع السمك، ولا يختلف اثنان في وصف المميزات العديدة والفوائد الكبيرة التي  يجنيها الإنسان من رحلة جميلة لصيد السمك، فإلى جانب الترويح على النفس والتسلية والجلوس في أماكن خالية بعيدا عن ضجيج السيارات والمدينة، يتعلم الصياد أيضا الصبر والتحدي، ويمارس معها رياضة المشي وتحضير إبريق الشاي بالنعناع أو الشيح ويتعلم السباحة في بعض الأحيان.
صيد على حساب الالتزامات المهنية و العائلية
لكن كل هذه المميزات تصبح بدون معنى، عندما تستحوذ (عملية الصيد) على فكر وعقل شريحة واسعة من الصيادين، وتصبح اهتماماتهم وأحاديثهم ونقاشاتهم اليومية تقتصر على أنواع الأسماك ومناطق تواجدها وكيفية الوصول إليها والمعدات الحديثة لاصطيادها وطعمها يكون ذلك على حساب الالتزامات العائلية والمهنية.
قال السيد العرج طالبي صياد هاوي وهو صاحب أعمال حرة، بأنه لا يستطع أن يصف المتعة والنشوة التي يجدها حينما يكون جالسا وحيدا على حافة السد في صمت مطبق ينتظر «تحرك السنارة» وبجانبه كأس الشاي بالشيح أو فنجان قهوة، مضيفا بأنه ينتظر نهاية الأسبوع بفارغ الصبر ليتحرك رفقة صديقه مصطفي إلى السد، وقد وفر كل المستلزمات قبل  الشروع في هذه الرحلة  لتجنب اللوم والمعاتبات الكثيرة، غير أن ذلك يسبب له بعض المتاعب خاصة إذا كان في المقهى وقرر في تلك اللحظة التوجه إلى الصيد، مما يجبره على الاستنجاد بأحد ما لتسييره، كما يعترف أن توجهه إلى الصيد دون إشعار مسبق يجعله يخل بالتزاماته العائلية، وهو ما يضعه محل عتاب الأخ الأكبر خاصة إذا قضى يوما كاملا والليل خارج المنزل العائلي، إذ يفتح هذا التصرف الشك لدى العائلة ويصل إلى حد تهديده بتوقيفه عن تسيير المقهى.
من جهته، منير تركي موظف بمديرية التشغيل، يقول أنه مولع بصيد السمك بالسنارة وأصبح مدمنا عليها، واعترف لنا أن هذا الوضع جعله يدعي في الكثير من المرات المرض وتقديم  شهادات طبية لإدارة العمل، من أجل الذهاب الى الصيد، ويذكر بأن حالات كثيرة من المولعين بالصيد يكونون قاب قوسين أو أدنى من فقدان مناصب عملهم أو التعرض لعقوبات إدارية كثيرة بسبب تغييبهم غير المبرر.
ومن جهته يؤكد «بوزيان ع» متقاعد بأنه يحاول في بعض الأحيان تفسير حالة اللاوعي التي تنتابه عندما تعرض عليه فكرة الذهاب إلى الصيد، مشيرا إلى أنه عادة ما يخصص أكثر من 2000 دينار لتحضير المعدات والطعم اللازم ومصاريف التنقل إلى أماكن الصيد بسد جرف التربة أو السد الصغير بالعبادلة ومنطقة السنك»5» أو واد بويعلة في إحدى واحات النخيل الجميلة.
ويضيف نفس المتحدث أن الصياد مهما كانت مكانته يقضي ساعات طويلة من الأسبوع في البحث عن الطعم ويذهب إلى المزارع للبحث عن الديدان بعد تقليب الأرض أو يبحث عن ديدان المستنقع أو يحضر لبابة الخبز وغيرها من أنواع الطعم، كما يشتري أنواع القصب الطبيعي أو المصنعة ويعود أحيانا خاوي اليدين.
مغامرات وهوايات
متعة رحلة الصيد لا تتوقف لدى المدمنين عليها فقط على التفكير المتواصل في تحضير المعدات  والمستلزمات ووسائل التنقل ووجبات الأكل، بل تتعداها إلى الطرائف وروح الدعابة فيبالغ البعض في وصف أوزان الأسماك التي يصطادونها، أو المغامرات التي يعيشونها مع الكائنات المائية التي لا يستطعون إخراجها والتي عادة ما تكون مجرد جذع شجرة أو كومة حشيش أو حجر أو سلحفاة أو عجلة مطاطية تعلق بالسنارة.
ويقول «بن يحي. ب» بأن كل  الصيادين لا يجدون حرجا في الاعتراف بكذبتهم البيضاء ومنها أن السمكة  تكبر بين أيدي  الصيادين، مرجعا ذلك إلى الأجواء الودية التي عادة ما تطبع رحلة الصيد وروح التضامن السائدة بين الصيادين الذين يتقاسمون الطعام والشاي وطبق السمك المشوي وحتى فراش النوم عندما يتطلب الأمر ذلك، وحتى من يتعرض إلى لسعة عقرب ينقله أول صياد يكون بسيارته الخاصة إلى مستشفى القنادسة.
ويحتفظ الصيادون بالعديد من الحكايات المضحكة عن  قصص زملائهم، فمنهم من يقول أنه اصطاد سمكة تزن 15 كلغ وهي لا تتعدى في الواقع 3 كلغ، ومنهم من يصطاد سمكة واحدة  فيحولها إلى عشرات الأسماك، ومنهم من يعود من رحلة الصيد فارغ اليدين، ومن لا يصطاد يتضامن معه أصدقاؤه حتى لا يؤنب من طرف سيدة البيت فيمنحونه خمس 5 سمكات أو 7 ليحفظ بها ماء الوجه من طول الغياب في رحلة الصيد.