طباعة هذه الصفحة

ينافس الشربة وعشاقه يرفضون التنازل عنه

الدوبارة البسكرية حاضرة بقوة في موائد الباتنيين خلال رمضان

باتنة: حمزة لموشي

تتزيّن خلال الشهر الفضيل كل موائد عائلات الأوراس بمجموعة من الأطباق مختلفة الأذواق والألوان والمكونات، يتصدرها طبق الشوربة بالفريك، الذي يعتبر سيد موائد الأوراسين، والذي بدأ يواجه من بضع سنوات منافسة شرسة من طرف طبق شتوي بامتياز وهو طبق الدوبارة البسكرية الذي ساهم «عشق» الكثيرين له في جعله طبقا رئيسا آخر على موائد سكان ولايات الأوراس. «الشعب» خرجت ألى الميدان وتعطي تفاصيل عن هذه الأكلة التي باتت أساسية في الشهر الفضيل.
الحقيقة التي وقفنا عليها من خلال الإستطلاع الذي قامت به «الشعب»  هو أنه وإن اختلفت موائد الإفطار في نوعية الآكلات التي تزينها إلا أنها تشترك في طبق واحد غزى موائدها في السنوات الأخيرة، قدم من ولايات الجنوب الكبير وبالتحديد من عروس الزيبان بسكرة.
على الرغم من حرص سكان ولاية باتنة وولايات الأوراس الكبير المجاورة على التمسك بإحدى أهم الوجبات الرمضانية. وتتمثل في طبق الشربة أو المعروف محليا بالجاري الذي يقدم مع الخبز التقليدي «الخميرة» المصنوع في البيت فوق طاجين الطين، إلا أن 30 يوما من الصيام تحتاج إلى التغيير، خاصة بعد انقضاء أسبوع من رمضان، ولا بديل عن الشربة في هذه الحالة سوى طبق «الدوبارة البسكرية».
طبق شتوي في رمضان ساخن وصيف حار
يعتبر طبق الدوبارة البسكرية الشتوي الطابع من بين الأطباق التي لم تعد تفارق موائد الباتنيين في السنوات الأخيرة بعد أن أصبح لها محلات خاصة موزعة عبر كل الأحياء الشعبية والراقية بولاية باتنة ومدنها الكبرى.
 أكد بلقاسم أحد الزبائن الذين إلتقيناه بسوق الرحبة الشعبي بمدينة عين التوتة أن الدوبارة طبق طبيعي وغني بالمواد التي يحتاج إليها الجسم فهو يضيف أكلة كل مكوناتها طبيعية لا تطهى باستثناء الفول والحمص ومن هنا جاء تميزها عن باقي الأطباق الأخرى التي غزتها المكونات الكيمائية وأنتم تعلمون تأثيراتها على جسم الإنسان ـ يضيف محدثنا ـ الذي اقتنى كيسين من الدوبارة وبدى مرتاحا بعد نجاح «مهمته»، كون التهافت على طبق الدوبارة والإقبال المنقطع النظير عليها يحرم عشاقها المتأخرين في الحصول عليها.
وذهب ابراهيم وهو زبون آخر أبعد من ذلك عندما قرن استمتاعه بمائدة رمضان بوجود الدوبارة فوقها فزوجته ـ حسب ما أكده لنا ـ ورغم محاولاتها الكثيرة في تعلم طريقة طبخ الدوبارة، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل وإن كانت نفس المكونات ونفس المراحل تتبعها زوجته في الطهي إلا أن سحر الوجبة والتلذذ بها لا يكون إلا عند اقتنائها من «عمي عياش»، وأضاف محدثنا «تجدني حريصا على اقتنائها قبل أن أختم جولتي الصباحية بشراء الزلابية التي تعتبر أيضا من ألذ الحلويات عندي».
 إدمان على الدوبارة منذ الدراسة
 ويضيف عمي عمار «شيخ» كان ينتظر دوره في الحصول على طبقه الشهي بإحدى محلات بيع الدوبارة بأن له حكاية مميزة مع الدوبارة بدأت منذ كان طالبا وهو اليوم مداوم على تناولها، لاسيما خلال فصل الشتاء أما في رمضان فالدوبارة البسكرية لا تفارق مائدة إفطاره، حسب ما أكده لنا وفي أغلب الأحيان تكون الطبق الذي يفتتح به  وجبته الغذائية بعد يوم شاق من الصيام.
واللافت في اغلب المحلات التي زرناها، تواجد كل الفئات العمرية لاقتناء الطبق عكس ما هو رائج بأن الإقبال على هذا الطبق يكون دائما من قبل الكبار في السن من كهول وشيوخ، حيث أوضح لنا الشاب «ر.ع» وهو يهم بالخروج من محل للدوبارة بوسط المدينة حاملا حصته من هذه الأكلة بأن عائلته تحب الدوبارة ويشتريها بطلب من إخوته الذين يفضلون أكلها خلال شهر رمضان بعد صلاة التراويح.
انتقلنا بعدها إلى الطرف الآخر من المعادلة، وهم صنّاع هذا الطبق المميز، حيث يشير «عمي أحمد» وهو صاحب محل لبيع الدوبارة بحي 5 جويلية بباتنة بأن الإقبال على هذه الأكلة الشعبية يبلغ ذروته في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، بعد أن يبدأ الصائمون في الملل من أكلة الشربة ويرغبون في التغيير فتلجأ العائلات إلى الدوبارة البسكرية المختلفة الذوق والمكونات.
وواصل «عمي أحمد» حديثه عن طبق الدوبارة مشيرا إلا انه ورث مهنته هذه عن أبيه مؤكدا أن الإقبال على اقتناء الدوبارة كبير طيلة العام ولكنه يتضاعف أكثر خلال الشهر الفضيل بحكم أن هناك من لا يأكل الدوبارة في الأيام العادية وتجده «مدمنا» عليها خلال أيام الصيام وهي المفارقة التي لم يفقهما «عمي أحمد» رغم تواجده لأكثر من 30 سنة بمحل الدوبارة. فخلال فصل الشتاء تكون الدوبارة حسبه «دواء»  لأنها تعتمد على توابل طازجة يتراوح عددها ما بين 18 إلى 25 نوعا من التوابل، بالإضافة إلى الثوم والبصل المقاومين للزكام، أما في شهر الصيام فالدوبارة تسيل لعاب الصائمين من محبيها الذين لا يستطيعون مقاومة رائحتها الزكية المنبعثة من المحلات المنتشرة كالفطريات.
200 عرض لمواجهة الطلب المتزايد
وبخصوص عدد الزبائن المقبلين على اقتناء الدوبارة في شهر رمضان فيعترف محدثنا انه يلبي يوميا طلبات أكثر من 200 إلى 210 زبون يأتون من مختلف دوائر ولاية باتنة.
ويبدو أن أشياء كثيرة تغيّرت في العادات الغذائية لسكان باتنة، فبعدما أن كان البوراك والشربة سيدا المائدة في رمضان، أصبح في السنوات الأخيرة طبق الدوبارة ينافس طبق الشربة بل ويتفوق عليه في كثير من الموائد.
ولا يجد عشاق الدوبارة حرجا في الحديث عنها «بلهفة» كبيرة حتى في عزّ الصيام، مؤكدين أن من تذوقها عكس من لم يطعمها في حياته، وفعلا فقد كان شكلها مميزا جدا، حيث يعمد الكثير من باعتها على إغراء الزبون بديكور مثير للحماس والرغبة في اقتناء طبق الدوبارة حتى وإن لم يكن بدافع الآكل فيكون الدافع إرضاء الشهية في الاستمتاع بمشاهدة من يأكل الدوبارة، بما ينطوي عليه الطبق من نكهة خاصة يطبعها مزيج من الفلفل الأحمر والأخضر والثوم والكمون، وتزيده بهاء قطع صغيرة من الليمون الأصفر، ما يمنح «الدوبارة» شكلا رائعا يثير الشهية خلال الشهر الفضيل.
وقد اختلف الكثير ممن تحدثنا إليهم في تفسير «السر السحري» وراء الإقبال المتزايد على الدوبارة، حيث أشار البعض إلى تأثير الرائحة المنبعثة من طبقها وشكل تقديمها، في الوقت الذي رأى البعض الآخر أن السر يبقى في الطريقة التي تباع بها الدوبارة، حيث حولها عديد الباعة المؤقتين إلى بضاعة رائجة خلال هذا الشهر الكريم، أين تجدهم يقومون بالإشهار الصوتي للدوبارة كقولهم «أرواح تشري لحرور» بالإضافة إلى الإشادة بخصال «الدوبارة» وإبراز خصائصها الغذائية أمام جمهور كبير واقع تحت تأثير فراغ المعدة ومستعد لابتلاع أي شيء بعد الإفطار.
ومن أساليب الدعاية الجديدة  للدوبارة، يقوم بعض الباعة بالترويج لفوائدها الصحية، فهي تمنح حسب بعض الذين التقت بهم جريدة «الشعب» كميات من الكالسيوم والحديد والفوسفور وحتى البوتاسيوم، في الوقت الذي لم نتمكن من تأكيد المعطيات من مصدر طبي.