طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع أسواق السمك بتيبازة و اللّحوم البيضاء بالبليدة

ســوء تنـظــيم الســوق يخلــط الأوراق والمـواطـن الضحيـة الأكـــبر

تيبازة: علاء ملزي

تفريغ النفايات بعرض البحر يمنع التكاثر ويلوث المياه

  الطلب المتزايد عليها ساهم في ارتفاع لحومها 

لا تزال أسعار السمك بمختلف انماطه و أنواعه تصنع الحدث، بتيبازة، من حيث تجاوزها حدود القدرة الشرائية للمواطن البسيط بكثير لاسيما وانّ مختلف الأسواق كانت قد شهدت وفرة نوعية، خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ الطلب المتزايد عليها أربك جميع المستهلكين الراغبين في تذوق أكبر قدر منها خلال فترة الانتاج الحدية.
 ببوهارون كما بتيبازة وشرشال و قوراية أيضا وهي أكبر الموانئ بولاية تيبازة لا أحد يجرأ على التغريد خارج السرب الذي يشكله أباطرة السمك ولا أحد يمكنه ابتكار حيلة لضبط أسعار هذه المادة، لأنّ شبكة الاباطرة أقوى وأقدر من كل الطاقات الأخرى التي تنادي بتمكين أهل المنطقة من تناول منتجات ساحلهم الذي يمتد على مسافة تربو عن 120 كلم و تحوي أكبر موانئ الصيد عبر الوطن، إلا أنّ ذلك لم يشفع لهم الاستمتاع بما تكتنزه مياه البحر على مقربة من ديارهم لسبب واحد وبسيط يرتبط بتحكم شبكة قوية من الاباطرة في سيرورة هذا المنتج و تسعيرته وكمية استخراجه من البحر.
  في ذات السياق، يقول أحد ممتهني مهنة الصيد البحري، منذ صغره، ببوهارون بأنّ قضية السمك تخضع في الواقع لعدّة عوامل تأتي في مقدمتها قضية العرض والطلب و بالنظر الى زيادة الطلب على هذه المادة مقارنة مع قلّة العرض المرتبطة هي الاخرى بعوامل شتى فقد أسفر هذا الواقع عن ارتفاع جنوني للأسعار بالشكل الذي لا يمكن ذوي الدخل المحدود من اقتنائها، وقال محدثنا بأنّ كميات السمك المحصل عليها تبقى بعيدة كل البعد عن الطلب المعبّر عنه لاسيما في ظلّ توافد اعداد كبيرة من المصطافين والسياح على المنطقة خلال موسم الاصطياف ومن ثمّ فقد وجد تجار السمك و ورائهم الصيادون ضالتهم لرفع الأسعار وفقا لما يخدم مصلحتهم، كما أشار محدثنا أيضا الى وجود عدة عوامل أخرى تحول دون تمكن الصيادين من إغراق السوق بالسمك بحيث تبقى السواحل الجزائرية عرضة لظاهرة تلوّث رهيبة ناجمة عن تفريغ النفايات الصلبة والسائلة بعرض البحر دون رقيب ولا حسيب الأمر الذي لا يساعد على تكاثر السمك بل بالعكس من ذلك، فإنّ ذات الظاهرة تساهم مساهمة فعالة في حرق واتلاف مختلف النباتات والكائنات البحرية التي تتغذى منها الأسماك وأشار متحدثنا أيضا الى أنّ بعض الصيادين لا يزالون يمارسون نشاطهم بطرق غير شرعية من حيث استعمال الديناميت بعيدا عن أعين الرقابة وكذا استعمال بعض الشبكات غير المرخصة دون مراعاة حجم السمك المسموح بصيده.
 أسواق الجملة ببوهارون وقوراية في مهّب الريح
 برمجت مصالح الصيد البحري بولاية تيبازة انجاز أسواق للجملة تعنى بتسويق السمك بمختلف موانئ الولاية إلا أنّه بالنظر الى تكلفة المشروع الباهضة فقد تمّ اختيار مينائي بوهارون و قوراية في مرحلة أولى لتجسيد نماذج من ذات الأسواق بحيث تمّ الاعلان عن الفكرة سنة 2014، إلا أنّ ذلك لم يتم تجسيده على أرض الواقع الى حدّ الساعة بحيث أشارت مصادرنا الموثوقة من المديرية الولائية للصيد البحري الى أنّ المشروعين اصطدما مؤخرا بواقع ترشيد النفقات العمومية باعتبارهما ليسا ذات أولوية مقارنة مع مشاريع إستراتيجية أخرى ومن ثمّ فقد تواصلت ظاهرة تسويق السمك بالطريقة التقليدية المعروفة لدى الصيادين والوسطاء والتي تعتمد على الهمس في الأذن لتحديد أعلى سعر للصندوق الواحد الأمر الذي فتح باب الاحتكار والمضاربة على مصراعيه بحيث يعمد أباطرة السمك عادة الى إقتراح أعلى الأسعار لقطع الطريق أمام صغار التجار، فيما يتعلق باقتناء السمك ولاسيما ما تعلق منه بالسمك الأزرق، على أن يتكفل هؤلاء بتوزيع الحصص على باقي الوسطاء والتجار الآخرين بأسعار محددة سلفا، الأمر الذي كان يمكن تجاوزه في حال اعتماد أسواق رسمية تنشط تحت أعين الرقابة.
تفاوت لافت للأسعار بمختلف أسواق السمك
ما يلاحظ بشكل لافت في مختلف أسواق السمك، بولاية تيبازة، هو التفاوت الواضح في الأسعار المتداولة على أرض الواقع ما يترجم وجود مضاربة كبيرة في هذا المجال فلا يعقل بأن يسوق سمك السردين مثلا بـ600 دج بفوكة و بـ300 دج بشرشال و بـ400 دج بحجوط بنفس التوقيت، كما يشهد سوق السمك بالقليعة عادة انخفاضا في الأسعار مقارنة مع ما يتم تداوله بفوكة و تيبازة وبوسماعيل فيما لوحظ تفاوت قدره 100 دج للكلغ الواحد بين تجار السمك لمدينة فوكة، خلال الأسبوع المنصرم، ولنفس النوعية التي تمّ اقتناؤها من طرف وسيط واحد، مع الاشارة الى أنّ هؤلاء التجار يقتنون سلعهم من مصدر واحد، بحيث لا يمكن تفسير هذه الظاهرة بما يغاير جشع التجار وسعيهم الحثيث للربح السريع مستغلين زيادة الطلب على استهلاك مختلف انواع السمك ولاسيما فصيلة السردين.
الأسعار المتداولة لا تعكس كمية الانتاج السنوية المصرّح بها
تشير مصادرنا من مديرية الصيد البحري بالولاية الى أنّ 16 من المائة من نشاطات الصيد الوطنية تتم حاليا بولاية تيبازة التي تحوز على 10 مواقع للصيد البحري من بين 23 موقعا عبر الوطن وتنتج سنويا 13 ألف طن من السمك مقابل 82 ألف طن عبر الوطن على ان تشهد هذه الأرقام، بحسب التحاليل الاستشرافية قفزة نوعية في حدود سنة 2020 حين تستكمل الأشغال على مستوى 126 مشروع استثماري تتعلق بتأهيل سفن الصيد و 11 مشروعا لتربية المائيات و 27 مشروعا لدعم وسائل الانتاج، غير انّ هذه الأرقام مجتمعة لا تعكس في الواقع صورة الانتاج السمكي محليا من حيث كون الأسعار تبقى مرتفعة الى درجة كبيرة و تبلغ أحيانا حدودا خيالية لا تطاق، مثلما حصل بالنسبة للجمبري الملكي الذي تمّ تسويقه بـ 3500 دج خلال شهر رمضان الفارط و بـ3  ألاف دج حاليا في حين لم يكن سعره يتجاوز حدود ألفين دج منذ فترة ليست ببعيدة عنا، كما تجاوز سعر الجمبري الأبيض حدود 1800 دج هذه السنة في حين كان يسوق من ذي قبل بمعدل 1500 دج للكلغ و شهدت باقي الأصناف الأخرى مجالات متفاوتة في أسعارها وفقا لمقتضيات العرض و الطلب ولكن صنف السردين الذي ظلّ على مدار عدّة سنوات خلت ملاذا آمنا لذوي الدخل المحدود لم يعد كذلك حاليا بالنظر الى سعره المرتفع و الذي لا يقلّ عن 300 دج للنوعيات الرديئة منه في حين يبلغ سعر النوعية المقبولة الى  حدود 600 دج للكغ بالرغم من كون الفترة الصيفية تنظم خلالها حملة صيد السردين السنوية، إلا أنّ وفرة المنتوج لم تشفع لسعره بالانخفاض الى الحد الذي يطيقه ذوو الدخل المحدود.
 ما يمكن استخلاصه من كلّ هذه التجاذبات كون قطاع الصيد البحري يشهد حاليا قبضة بيد من حديد من لدن أباطرة السمك الذين يتحكمون في الأسواق، وفقا لما يخدم مصالحهم و يروق لهم مستغلين سوء التنظيم الحاصل وغياب الادارة عن دواليب الانتاج والتسويق، الأمر الذي أفرز واقعا مريرا ظاهره يكشف معاناة الصيادين مع ندرة السمك والتلوث و غلاء تكاليف وسائل العمل في حين يبرز باطنه تحكم الوسطاء والأباطرة في توجيه الأسعار وفق ما يخدم مصالحهم الذاتية الضيقة.