طباعة هذه الصفحة

لم تخرج عن الإطار الحضاري العقائدي للجزائريين

الأسماء الثورية قلب النضال التحرري وبعده الاستراتيجي

أم الخير.س

هواري بومدين، عبد القادر المالي، سي الطيب الوطني... ألقاب ولدت من رحم نوفمبر

ضرب الشعب الجزائري أبرز وأقوى أمثال التحرر من قبضة أطول استعمار عرفته البشرية و أعظم ثورة في القرن العشرين، بفعل عزيمته الصلبة التي قادته نحو الاستقلال بعد سنين مريرة من الاستبداد الفرنسي، الذي قبع على أنفاس شعب عُرف بنزعته التحررية الفطرية و قيمه المثلى المتوارثة من حروب خاضها و أسقط بها أعتى الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والحديثة، في وقت صنع الشعب الجزائري أمجاده و بطولاته خلال عدة مراحل و حقب تاريخية قبل أول وطأة قدم للمستعمر الفرنسي و يذكر المؤرخون ذلك عبر كتاباتهم الموثقة للثورات التي قادها رجالات و نساء الجزائر الأمازيغ الأحرار ضد الاستعمار البيزنطي و الروماني و غيرها.
صارت استراتيجية الجزائريين في خوض حروبهم ضد المؤامرات الاستعمارية و نزعتهم التحررية حلقة مهمة في فكر باقي الشعوب التي تبغي نيل استقلالها، كما لا تزال العبقرية الحربية لأبطالها تلقى في شكل دروس مفصلة في الكليات الحربية وجامعات أقوى الدول المتقدمة التي تتغنى بترساناتها العسكرية المتطورة و لعل أبسط مثل -عدا ذلك الذي يعرف لدى العام والخاص من تعليم الاستراتيجية الحربية للأمير عبد القادر في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من الدول ذات الزعامة العالمية، ما جاء في شأنه فريق علمي من الباحثين الدوليين لاستكشاف التقنية الهندسية التي بنى بها الأمير عبد القادر أسوار زمالته بتركيبة ترابية بسيطة، في شكل خطوط دفاعية لا تزال واقفة تقاوم أقسى الظروف الطبيعية و المناخية على امتداد الزمن و ذلك أقل ما يكون مدعاة للفخر والاعتزاز بدون أي أدنى تشكيك  بالانتماء الفطري إلى الرحم التي لم تكف يوما عن إنجاب الرجال و النساء سليلات لالة فاطمة نسومر و حسيبة و بوحيرد، و ذاك الأمير عبد القادر الذي أجبر جيوش فرنسا بعبقريته الحربية و دفعها إلى تغيير وتكييف خططها العسكرية لمواجهة رغبة الجزائريين في صد و رد جيوش المستعمر في تلك الفترة لو ما فرضت الوسائل الحربية الثقيلة وعدم تكافؤ الفرص بين الطرفين منطقها في استيطان أطول استعمار في تاريخ الإنسانية بشمال إفريقيا .
و قد شكلت الثورة التحريرية بمراحلها التحضيرية و التنظيمية إلى أوج مراحلها أهم محطة في تاريخ الجزائر قادت الشعب الجزائري إلى استقلال سقط من أجله ما عدته أقلام الإحصاء والمؤرخين زهاء المليون والنصف مليون شهيد و آلاف الثكالى والعشرات مثلها من اليتامى و المشردين، و إن كان الثابت أن الثورة المجيدة جاءت بفضل تضحيات جسام صار يضرب بها المثل في الخطابات المناسباتية فخرا و اعتزازا، فإن المتغير هو درجات اهتمامنا بالمكاسب الثورية و ما يمكن أن نستفيد منه من دروس و استنتاجات و عبر، و في موضوعنا حاولنا قدر الممكن و بما هو متوفر من شهادات حية ممن بقي على قيد الحياة من الآباء المجاهدين، لربما كان التمعن في تاريخ بلادنا المجيد و معرفة الحقائق التاريخية واستكشاف ما خفي من أسرار نيرة لثورتنا المجيدة هو الغاية من بقائهم يواصلون الكفاح في أرذل عمرهم ضد شقاء الزمن وقسوة السنون، نقول ذلك لأننا حقا لم نع إلا القليل من حجم تضحياتهم ولم نقتبس منها المعارف والعبر إلا ما اقتصر ذكره في كتب التاريخ و ها هم يرحلون الواحد تلو الآخر ويوما بعد يوم في غفلة منا دون أن نستفيد منهم.
نظام الألقاب و التسميات الثورية الأسماء الثورية
ظلت الأسماء منذ الخلق الأول للبشرية تشكل واحدة من أهم أبجديات التواصل الإنساني و أساسيات العلم و المعرفة، وشكلت خلال الثورة المباركة إحدى الحلقات التنظيمية المحكمة فسهلت الحراك الثوري و أربكت جانب العدو وأتلفت خططه ومخططاته، في مراحل متوالية سجل فيها أبطال ثورة التحرير انتصاراتهم على حساب إخفاقات عدو شرس بفضل تضحيات جسام ونزعة تحررية قوية، مصحوبة بإمكانيات بسيطة و إمداد مادي يكاد ينعدم بفعل التطويق و الحصار الذي ضرب على الجزائريين بعد اندلاع الثورة الذي لم يكن قرارا سهلا و لا بالمهمة الأسهل، و بإسقاط طرح التسميات واعتبارها حلقة تنظيمية مهمة في الاستراتيجية الحربية خلال ثورة التحرير المباركة.
 قال أستاذ التاريخ بجامعة معسكر الدكتور حمايدي بشير لـ «الشعب»، أن الإلمام بكل جوانب الموضوع يحتاج توسعا و بحثا معمقا، للوقوف على أهم المحاور الأساسية لموضوع التسميات الثورية أو الألقاب المزدوجة للثوار، فهذه التقنية والاستراتيجية التنظيمية حملت دلالات عدة و أمثلتها كثيرة أغلبها تصب في خانة العقيدة الدينية والنزعة الروحية للجزائريين التي كانت محركا لثورتهم المباركة، كما كانت لها أبعادها الحضارية والأمنية والاستراتيجية، تختلف باختلاف الرتب و كانت قيادة الثورة تحرص على بقاء الألقاب الثورية حية متداولة حتى بعد استشهاد حاملها، حفاظا على العهد والوفاء في الدفاع عن القضية الوطنية، فضلا عن ما كان يقدمه تداول الأسماء و توارثها بين المجاهدين من خدمة أمنية تضلل السلطة الاستعمارية و تخيب مساعيها لخنق الثورة .
نقطة نظام و عصب الثورة التحريرية الكبرى
كما كان للتسميات الثورية و الألقاب المزدوجة للمجاهدين خلال الثورة المباركة، بعدها الاستراتيجي، يضيف الدكتور بشير حمايدي من جامعة معسكر، حيث لم تخرج عن إطار الانتماء الحضاري و العقائدي للجزائريين، الذي بقي قائما بالرغم من محاولات طمس الهوية الوطنية و استهداف القواسم المشتركة بين الجزائريين، لذلك كان للتسميات الثورية رمزيتها إضافة إلى أهدافها التنظيمية والروحية.
هواري بومدين، عبد القادر المالي، سي الحواس.. و غيرها
و ظلت الألقاب الثورية بروحانيتها و دلالتها العميقة ترتبط بصاحبها، و هو كذلك اللقب الثوري الذي حمله الرئيس الراحل محمد بوضياف «سي الطيب الوطني.واللقب الذي حمله الرئيس الراحل  الراحل بوخروبة محمد «هواري بومدين» إلى أجل غير مسمى، تحفظه الأقلام التاريخية و يبجله الجزائريون من خلال تسمية أبنائهم جيلا بعد جيل، تقديسا لمكانة المجاهد الباسل و الرئيس الصنديد «هواري بومدين «.
اقتبس اللقب من أعراف منطقة الغرب الجزائري التي قاد بها الرجل الثورة المجيدة، تيمنا بالولي الصالح العلامة سيدي الهواري و العلامة سيدي بومدين، فامتزج اللقب بشخصية الرئيس و لازمه و كأنه اسمه الأزلي الميتافيزيقي، لدرجة يكاد فيها يلغى اسمه الحقيقي من دواوين المؤرخين.
ومثله عبد القادر المالي، الاسم الثوري للمجاهد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية الحالي الذي تولى عدة مهام قيادية خلال الثورة المباركة قبل أن يوفد القائد العسكري للقواعد الجنوبية للبلاد لتولي مسؤولية إحباط مساعي التخطيط الاستعماري لتقسيم البلاد، فقاد المجاهد عبد العزيز بوتفليقة «جبهة مالي» ، ليعرف حينها باسمه الثوري عبد القادر المالي .
و لاسم عبد القادر دلالات كثيرة في الغرب الجزائري، فهو الاسم الأول لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة و اسم العالم الصوفي الجليل و الولي الصالح سيدي عبد القادر الجيلاني، تضاف إلى الاسمين ما يضاف من معايير الإنسانية و النخوة و خصال المروءة و الحزم، ما يضاف، فتلصق بحامل الاسم و تلتحم بصفاته، فيزيدها الاسم الثاني الدال على جغرافيا المكان ، قوة الدلالة ، فالمجاهد عبد العزيز بوتفليقة و هو يعتلي رأس السلطة في الدولة الجزائرية عبر مسار تاريخي مهم، كان دائما و يظل وليد رحم جزائرية لا شرقية و لا غربية ، قد يكون التصق به لقب «عبد القادر المالي « لدلالات و إيحاءات روحانية مخفية، قد لا يعرفها باحث أو مؤرخ، خاصة و أنه كان لجد المجاهد عبد العزيز بوتفليقة اسم مشابه ،»عبد القادر الملي» ، لتبقى للتسمية الثورية ما لها من أسرار و الغاز ، لا ينيرها إلا شعاع الشهادات الحية لحاملها أو من عايش معه فترات النضال .
 لذلك وجب الاجتهاد في كتابة التاريخ و البحث في طيات الزمن، الوقوف في كل يوم « جزائري»، هو في الأساس محطة للتذكير بمآثر و بطولات الأمجاد ، - وقفة حزم إزاء تاريخ وطننا المجيد، ننفض الغبار عن صفحاته المتآكلة احتراما لذكرى الشهداء و التزاما بالأمانة التاريخية التي هي حق للأجيال الصاعدة.