طباعة هذه الصفحة

“الشعـب” تسـتطلــع واقـع الـتنمية في تبحيرين بالمدية t

”حرائر” المنطقة.. من مقاومة الإرهاب ومحاربة الفقر إلـى بـناء أسرة منتجة ومصدرة

ربورتاج: حكيم بوغرارة

المسجــد ، الكنيسـة ، الجمعيــات والمدرســة للنهـوض بالتنميــة

 اقترنت منطقة “تبحيرين” التابعة لبلدية ذراع السمار بالمدية بالعملية الإرهابية، التي ذهب ضحيتها الرهبان الستة في مارس 1996، وهي الواقعة التي حاولت بعض الأطراف الفرنسية استغلالها للتشويش على الجزائر ومحاولة الضغط عليها، لافتكاك امتيازات في مختلف المجالات، لقد كانت لنا فرصة زيارة “تبحيرين” لأول مرة في مارس 2012، حيث قمنا بتحقيق حول قضية اغتيال الرهبان الستة، وكم اندهشنا لجمال المنطقة وبساطة أهلها وإرادتهم القوية في تجاوز تلك الصورة النمطية السلبية التي رسمتها بعض وسائل الإعلام عن المنطقة، فالحديث عن كلمة “تبحيرين” يجر الكثيرين لتخيل تلك العملية الشنيعة واسترجاع الذكريات المريرة للعشرية السوداء، ولكنها في الحقيقة جنة من جنان الجزائر الجميلة خاصة بما تزخر به من مناظر وطبيعة خلابة تجعل من يزورها لأول مرة مدمنا عليها في ظل ما تكتنزه من قدرات سياحية فائقة الروعة والجمال، فهي بمثابة شرفة طبيعية في علو يمتد أكثر من 1300 متر عن سطح البحر- تطل على ولاية المدية وتمزقيدة، في منظر يتمنى الفرد عدم مفارقته خاصة وأنه يمكنك من ملامسة السحاب.

ونحن نغادر حي “تبحيرين” في 2012 -والتي كان عدد سكانها في 2008 حوالي 486 نسمة قبل أن تصبح اليوم في حدود 1000 نسمة، حسب إحصائيات بلدية ذراع السمار- بقي في أذهاننا مشهدا لم نستطع نسيانه، حيث وقفنا على مجموعة من الفتيات من “تبحيرين” داخل الدير التابع لكنيسة تبحيرين يتعلمن فنون الخياطة وصناعة مربى التفاح، وتحدثنا مع الأخت الناشطة بالكنيسة “آن بلوكين” إلى أمر تلك الفتيات فأكدت أنهن يرغبن في تعلم حرفة تمكنهن من مساعدة أسرهن في تحقيق مصدر دخل جديد.
وعلى تلك الصور الرائعة التي بقيت في أذهاننا حول تعايش الديانات، وصورة المسجد المتواجد على بعد حوالي 20 مترا من الكنيسة واستعادة المنطقة لهدوئها، قررنا العودة في 2016 لاستطلاع واقع المرأة والتنمية والبحث في أسرار روضة من رياض الجزائر التي تجاوزت محن الإرهاب، وتمكنت من القضاء على الفقر، والوصول إلى تصدير منتجات المنطقة لمختلف نواحي الولاية وباقي ولايات الوطن، من خلال دعم المرأة وتمكينها من التعليم ودورات تكوينية في مختلف المجالات، وتسهيل عملية الاستفادة من القرض المصغر وغيرها من البرامج التي جعلت من بلدية ذراع السمار (7 كلم جنوب غرب المدية) التي تضم حي تبحيرين، منطقة نموذجية في التنمية.
الأمهات رفضن التخلي عن الأرض
 دفعنا الفضول لمعرفة سبب تمسك المواطنين هناك بأرضهم رغم المراحل الصعبة التي عرفتها المنطقة في العشرية السوداء فتقاطعت الإجابات في رفض الأمهات التفريط في الأرض أمام همجية الإرهاب.
 تروي لنا السيدة فاطمة مختيش رئيسة جمعية “أمل ذراع السمار” الناشطة بالمنطقة أن أحياء تبحيرين، وعين العرائس، وذراع السمار معروفة بتمسك سكانها بأرضهم وحتى الإرهاب لم يتمكن من إجبارنا على هجر المنطقة، وذكرت بتأثر كبير إرداة أمها “الحاجة جابرية” صاحبة 74 سنة في الحفاظ على العائلة ودعوتها للصمود والتضامن للبقاء في البيت وعدم الاستسلام، «وهو ما مكننا من الحفاظ على أرضنا واليوم الحمد لله نجني ثمار تلك المقاومة والصمود».
وقالت “أمينة” مواطنة أخرى من المنطقة “لقد كانت أمي “الحاجة فاطمة الزهراء 54 سنة” تقول لقد حاولت وضعكم في “عين المفتاح” لحمايتكم من الإرهابيين والحفاظ على العائلة، وقامت بالسهر علينا والإصرار على مواصلة دراستنا لمواجهة المستقبل.. لقد كان لها بعد نظر ثاقب”، وتضيف أمينة “سألت أمي عن سبب إصرارها على مواصلة دراستنا، فأكدت لنا بأنها حرمت من الدراسة في صغرها لأنها كانت أخت لستة ذكور ولشدة خوف أبيها عليها منعها من الدراسة، وهو ما حز في نفسها ولم ترغب في أن نحرم نحن من الدراسة والتعليم لمعرفتها بأن المدرسة هي بداية طريق النجاح وترقية للمرأة، وأنا اليوم بفضل أمي أكملت دراستي الجامعية، وأصبحت موظفة، وأساهم في ميزانية العائلة وأشارك في قرارات العائلة دون عقدة، وفهمت لماذا كانت أمي تصر على استكمال مساري التعليمي”.
ووصل الأمر ببعض العائلات في المنطقة وخاصة بمنطقة “أولاد سنان” بإرسال أبنائهم، إلى أقاربهم في مناطق مجاورة وبقيت الأمهات والآباء تكافحن الإرهاب، وبمرارة تضيف أمينة المهندسة “لقد مسنا الإرهاب في الصميم من خلال تفكيك العائلة، ولكن أتذكر جيدا أن أولياءنا شددوا علينا النظر للمستقبل، والتحضير له من خلال مواصلة الدراسة، وبالفعل لقد عانينا كثيرا. ففي ذلك الوقت كان الانشغال الكبير في كيفية الحفاظ على الحق في الحياة، وكان هاجس الخوف مسيطر على الجميع، وحتى عندما كنا ندرس بالبليدة كنا نتوجس خيفة في الطريق الرابط بين المدية والبليدة، الذي كان خطرا خاصة في مقاطع الشفة، حيث كانت التضاريس صعبة، والحواجز المزيفة، وأخبار القتل وغيرها من المآسي ورغم ذلك صبرنا واليوم الحمد لله على نعمة الاستقرار والسلم التي كانت القاعدة التي نهضت عليها المنطقة وحسنت أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية”.   
وأشارت أمينة في سياق متصل “لقد كان التمسك بالأرض وعدم الركوع للإرهابيين مفخرة لحرائر المنطقة اللواتي رفضن ترك أرض الأجداد، الذين صمدوا أمام المستعمر، وواصل آباؤنا الكفاح والحمد لله نحن اليوم ننهض بالمنطقة ونحاول نزع تلك الصورة السلبية التي زرعها الإرهاب المقيت عن المنطقة». وتحدثت السيدة فاطمة مختيش “...لولا أرضنا لما استطعنا اليوم ممارسة حياتنا وتحسين مستوى معيشتنا والطموح لمستقبل أحسن. لقد بات يجمعنا بأرضنا روابط لا يمكن لأحد أن ينزعها منا»، وقالت «أن المنطقة “ولافة” وهناك الكثيرون ممن كانوا يعملون هنا قاموا بالاستقرار بالمنطقة، وهناك حتى من جلب أقاربه للعيش هنا”.
وكشف مندوب حيي “تبحيرين” محفوظ بوزيدي، وعين العرائس أن دور الأمهات والمرأة بصفة عامة كان كبيرا في عدم هجرة العائلات لأراضيهم، مضيفا بأن هذا الأمر ساعد فيه أيضا تواجد أفراد الجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن المشتركة، حيث تكاتفت جهود الجميع واليوم الحمد لله الكل يعيش في سلام وطمأنينة.
وقامت السلطات المحلية في السنوات الأخيرة بتقديم إعانات مالية لاستكمال السكنات وترميمها فاقت 3600 إعانة، وهو ما جعل الجميع يتخلص من السكن الهش والقصديري، وتمت متابعة جميع المشاريع، حيث تم تجسيد البرنامج بنسبة تتجاوز 98 بالمائة.  
وقال الأستاذ رابح بلقاسمي، من جامعة الدكتور يحيي فارس بالمدية - كلية العلوم الاجتماعية -..إن تبحيرين والمنطقة بصفة عامة يعود تاريخها إلى عصور غابرة، وما التنوع الديني والهدوء والتعايش الذي تعرفه إلا دليل على أن سكانها يتميزون بسلوك حضاري، فالكنيسة ـ
ما عدا العملية الإرهابية التي شهدتها في التسعينات ـ لم تشتك من مشاكل أو من تجاوزات بل تلقى كل الاحترام. كما أن سكان المنطقة يعتبرون السكان الأصليين حافظوا على أراضيهم عبر المراحل العثمانية وفترة الاحتلال الفرنسي، وحتى الإرهاب لم يتمكن من فصل العلاقة بين السكان وأراضيهم”، وأوضح “أن مشاريع التنمية والدعم اللذين قامت بهما السلطات زادت من توطين السكان، وتمسكهم بأرضهم التي توفر لهم المأوى والرزق من خلال التمسك بالحرف والأنشطة الفلاحية والتجارية، التي حسنت كثيرا من المستوى المعيشي للسكان، وبالتالي أصبحت الأرض مصدر كل الثروة لأهل المنطقة، الذين يعتبرون الأرض من العرض والشرف، ولهذا لا تجد لافتات أرض للبيع”.     
”أبيع ذهبي لتدرس ابنتي”
تعتبر الدراسة في المنطقة شيئا مقدسا فجميع العائلات أيقنت أن تعليم الأبناء دون تمييز بين البنين والبنات من أهم سبل النجاح. لأن الاستثمار في المورد البشري يجب أن يكون أولوية وهو أساس ترقية المستوى المعيشي والقضاء على الفقر والتخلف، ما تجني المنطقة ثماره اليوم من خلال توفير ما تحتاجه “تبحيرين”، و«ذراع السمار” و«عين العرائس” من كفاءات وإطارات في مختلف المجالات الصحية والتربوية والإدارية، والاقتصادية وغيرها من المجالات فجل الموظفين والعمال أبناء المنطقة، وهو ما زاد من تأكيد الاهتمام بتشجيع الشباب على مواصلة الدراسة.    
استوقفتنا موظفة بالبلدية “كريمة.ب” خريجة كلية الحقوق من جامعة البليدة في سنة 2000، التي كافحت لاستكمال دراستها، حيث تحدت الإرهاب ونقص وسائل النقل منذ 1995 إلى غاية تخرجها في سنة 2000، وقالت صاحبة تخصص القانون العقاري لـ«الشعب” لقد كانت أمي تقول “سأبيع ذهبي لتكملي دراستك، لا تكترث لكلام الناس، ولا لنظراتهم المليئة بالترسبات البالية حول ماذا ستفعلين بالدراسة، والمرأة مكانها في البيت”، وبالفعل اليوم أكن كل الاحترام لأمي التي جعلت أصحاب تلك النظرات المحبطة، والكلام القاسي في حق المرأة يتوددون لخطبة الجامعيات، والمرأة العاملة دون حرج بل بات الكثيرون يفتخر في العلن بأن زوجة ابنه جامعية أو امرأة عاملة.
وبالنظر للوعي الكبير الذي بلغته الأسرة الجزائرية حتى في الجزائر العميقة بأن المدرسة من أهم وسائل التنشئة الاجتماعية، وترقية المرأة ودفع التنمية. ولفت انتباهنا الارتفاع الكبير لنسب التمدرس عند الفتيات التي بلغت 100 بالمائة، كما أن عدد المتمدرسات يرتفع من سنة لأخرى حيث كشف “فريد القلة” رئيس مصلحة التنظيم والشؤون العامة بالبلدية، أن عدد الفتيات في الطور الابتدائي في الموسم الدراسي المنقضي (2015/2016) قد بلغ 907 بينما في المتوسط فقدر بـ246 فتاة، وهذا في الوقت الذي بلغ عددهن في السنة الدراسية 2014/2015 تقريبا 817 في الابتدائي والمتوسط 236 وفي سنة 2013/2014 بلع عدد المتمدرسات على مستوى 07 ابتدائيات ومتوسطة 1059، وبالمقارنة بين سنة 2015 و2006 فقد ارتفع عدد التلميذات بـ30 بالمائة تقريبا، وهو ما يعكس اهتمام سكان المنطقة بضرورة تعليم أبنائهم وخاصة الفتيات متجاوزين تلك النظرة التي كانت تنادي بضرورة ابقاء البنات في البيت ونظرات الخوف عليهن.
ويذكر أن المنطقة بين ذراع السمار وعين العرائس و«تبحرين”- تضم 13 ألف نسمة حوالي 50 بالمائة منهم اناث حسب الإحصائيات التي استقيناها من بلدية ذراع السمار – ستعرف تدشين ثانوية بـ800 مقعد بيداغوجي في سبتمبر المقبل،على أن توسع مستقبلا لتستقبل 1000 تلميذ، حسب نائب رئيس البلدية عبد الحفيظ لمداني الذي أكد بأن ضمان الحق في التعليم من أهم الأولويات يالنظر لما له من أهمية في تحسين المستوى الثقافي لأبناء المنطقة وتحفيزهم على مواصلة المسار الدراسي وهو الأمر الذي سيعود بالنفع على المنطقة، فالكثير من العائلات كانت تتخوف على بناتهن المجبرات على مواصلة الدراسة في الثانوية بعيدا عن المنطقة، وهذا الموسم الدراسي سيكون استثنائيا بعد تدشين الثانوية الجديدة، وهو المشروع الذي سيسمح بتحسين قدرات التلاميذ وتحفيزهم على تحقيق نتائج أحسن في شهادة البكالوريا، فالمجهودات التي كانوا يبذلونها في وسائل النقل، والمتاعب التي كانت تصادفهم في فصل الشتاء المعروف بالتساقط الكثيف للثلوج كلها لن تكون هذا العام، ومنه ننتظر نتائج أحسن ومستوى أعلى للتلاميذ في مختلف المسابقات والامتحانات.
وعبر عمي موسى لـ”الشعب” وهو متقاعد عن سعادته برؤية الثانوية في المنطقة والتي ستكون ـ حسبه ـ قيمة مضافة من خلال مساعدة العائلات عن التخلص من مصاريف زائدة، وتقريب أبنائهم من مقر سكناهم، وحتى اجتياز أبنائنا وبناتنا لشهادة البكالوريا في بلديتهم سيكون حدثا كبيرا. وأضاف “لقد كنا نتخوف كثيرا عن بناتنا وهن يدرسن بعيدا خاصة في فصل الشتاء أين يكون النهار قصيرا، ووسائل النقل تتوقف عن النشاط في ساعات متقدمة، كما أن فصل الصيف تعرف فيه درجات الحرارة ارتفاعا كبيرا”.  
وحسب مصالح التنظيم والشؤون العامة للبلدية فإن عدد الأساتذة على مستوى 08 مؤسسات تعليمية يقدر بـ85 منهم 60 بالمائة من العنصر النسوي، حيث يسهرن على تربية أجيال المستقبل، وعلقت السيدة “كريمة.ب” على ظاهرة سيطرة العنصر النسوي على التعليم، وأكدت بأن هذه المهنة نبيلة جدا والعديد من فتيات المنطقة يأملن أن يصبحن معلمات، وذكرت السيدة فاطمة مختيش رئيس جمعية «أمل ذراع السمار» بأن الكثير من الجامعيات اللواتي لم يظفرن بمنصب عمل يقمن فيه بتقديم دروس خصوصية في المنازل أو في مقر الجمعية لمساعدة تلاميذ المنطقة على تحسين مستواهم وبالتالي لا عجب من سيطرة العنصر النسوي في المجال التربوي.
وتتميز مناطق تبحيرين وذراع السمار اللتين أصبحت بلدية منذ التقسيم الاداري لـ1986، وعين العرائس بتضامن واسع بين مختلف الأسر والعائلات، وهذا من خلال متانة الروابط الاجتماعية وكثرة الزيارات بين العائلات، ونقل التجارب الإيجابية بين فتيات المنطقة خاصة اللواتي ذهبن للدراسة خارج المدية، حيث شكلن رموزا في المنقطة وباتوا قدوة لفتيات أخريات، وكانت لقيمة النجاح في الدراسة والظفر بمنصب عمل والمحافظة على العادات والتقاليد حافزا للجميع لتشجيع الفتيات على استكمال دراستهم.
وصنعت السيدة نبيلة بختي ابنة البلدية الحدث من خلال تعيينها مديرة لبنك التنمية المحلية، وخاضت غمار التشريعيات السابقة كأول امرأة من المنطقة تعلق صورها في قوائم المترشحين، وهو ما صنع الحدث لأن كل قوائم البلديات كانت خالية من العنصر النسوي الذي يكتفي ليومنا هذا بممارسة النضال الحزبي دون الترشح، حسب السيدة “كريمة.ب” التي أكدت مرورها بتجربة حزبية في أحد الأحزاب، وقالت بأن هناك الكثيرات ممن انخرطن في المجال السياسي، لكن أمر الترشح ليس اليوم بالنظر لطبيعة وعادات المنطقة، ولم تستبعد أن تكون هناك مرشحات مستقبلا في ظل فرض المرأة لمكانتها، وخطة السيدة نبيلة بختي التي كسرت عقدة كبيرة وقد تكون حافزا لترشح إطارات نسوية مستقبلا.
وفي سؤال حول مدى متابعة المرأة في المنطقة لمواضيع تخصها والنقاش الدائر حولها، أكدت موظفات التقينا بهن في مقر المصلحة التقنية بالبلدية بأنهن يتابعن كل كبيرة وصغيرة حول ما جاء به الدستور، العنف ضد المرأة ومختلف التشريعات والتعديلات التي مست مختلف القوانين، لكنهن يرغبن في تجسيد تلك الأفكار ميدانيا خاصة من خلال منح المناصب والمساواة مع الرجل في هذا الجانب وحماية المرأة من التعسف.     
محو الأمية.. رد لجميل الأمهات
 تسهر العديد من الجامعيات على تقديم دروس لمحو الأمية للأمهات وكبار السن بالمنطقة بمسجد الشيخ “حمادو”، حيث كشفت السيدة فاطمة مختيش عن توافد المئات من الأمهات والشيوخ لتعلم القرآن والكتابة والقراءة، واعتبرت هذه الخطوات بالمنطقة كرد للجميل من بنات المنطقة للأجيال السابقة من الآباء الذين حفزوهم وشجعوهم على استكمال دراستهم.
وكشفت “لمياء.م” موظفة بالمنطقة بأن حلمها الكبير كان تمكين أمها التي حرمت من الدراسة من متابعة دروس محو الأمية بمسجد المدينة، واليوم أصبحت تكتب وتقرا وهو حال المئات من الذين، واللواتي لم يسعفهم الحظ في استكمال دراستهم في الصغر، وأكدت “..لا يمكنك أن تتصور فرحتهن وهن يتلون القرآن ويكتبن أسماؤهن، وقالت “..كان هذا دين على بنات وأبناء المنطقة تجاه آبائهم وأمهاتهم، وبات الجميع في العائلة اليوم يقرأ ويساعد الأولاد على الدراسة، وحتى الدروس الخصوصية ناقصة جدا في المنطقة بالنظر للتكافل الموجود داخل العائلات وارتفاع مستوى التعليم، والقضاء على الأمية”.
وفي سياق نشر الوعي لدى حرائر المنطقة، باتت النساء يحضرن بقوة للأيام الدراسية والملتقيات الخاصة بحماية صحة المرأة والأمومة والوقاية من الأمراض المزمنة والسرطان وغيرها من المواضيع التي ساعدت كثيرا في تعزيز الجانب الوقائي وتوجيه الكثيرات للقيام بالفحوصات المبكرة وخاصة حول سرطان الثدي، حيث فاقت عمليات الكشوف الأولية أكثر من 105 حالة منذ بداية السنة حسب العيادة المتعددة الخدمات بالمنطقة.
وتنظم الجمعيات في سياق الترفيه عن العائلات بتنظيم رحلات سياحية للحمامات (ملوان بالبليدة وحمام ريغة بعين الدفلى) في سياق التكفل الاجتماعي، وتمكين ربات البيوت من مرافقة أولادهن وبناتهن للاستفادة من أوقات راحة واسترجاع بالنظر للمجهودات الكبيرة التي يقمن بها في البيوت.
وتحدثت السيدة فاطمة مختيش المسؤولة بجمعية «أمل ذراع السمار»،و الموظفة بالقطاع الصحي بأن كل هذه النشاطات الموجهة نحو المرأة هدفها تعزيز الادماج الاجتماعي وتمكين المرأة من معرفة سبل تحسين وترقية دورها الأسري في ظل التمسك بالعادات والتقاليد وبعيدا عن الأفكار المشوهة.  
 العائلة المصدرة تقضي على الفقر
... إن الزائر لتبحيرين والمناطق المجاروة لها يلمس ذلك التغيير الكبير والتحول الهام في حياة السكان، حيث تم تعبيد الطرقات، وتزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب، وشبكة الغاز الطبيعي التي تم توصيلها لجميع العائلات، وحتى المستوى المعيشي للسكان تطور كثيرا بفعل التركيز على التكوين وخاصة للمرأة الماكثة بالبيت ومنح القروض المصغرة لمساعدة العائلات، والأسر الفقيرة على تطوير نشاطاتها الاقتصادية والقضاء على الفقر بعد الاستفادة من برامج تكوينية.
استفادت فتيات ونساء المنطقة من عديد البرامج التكوينية في مجالات الحلاقة، والخياطة، والصناعات التقليدية، وصناعة الحلويات والطبخ وغيرها من للتخصصات التي تتلاءم وطبيعة المنطقة.
وكشف أحمد حضري مسيّر القاعة المتعددة النشاطات التي تحتضن نشاطات جمعية مستقبل الفتاة الحرفية، التي أنشأت في 1996، وجمعية “أمل ذراع السمار” التي أنشأت في 2014 أن أكثر من 300 امرأة وفتاة استفدن من تكوين في مختلف التخصصات وهذا منذ 2012 فقط دون احتساب السنوات المنصرمة التي كانت تشهد اقبالا كبيرا.
وتمتد فترة التكوين بين 06 أشهر، وعامين حيث تمنح شهادة متربص على أن يجتازوا مسابقة للحصول على بطاقة الحرفي في غرفة الصناعات التقليدية بالمدية.
وقد سمحت هذه الدورات التكوينية رفقة تلك التي تقوم بها الكنيسة – دير تبحيرين- في تخصصات الخياطة وصناعة المربى في تمكين عديد العائلات والأسر من دخول عالم الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي والوصول لتصدير منتجاتهم للمناطق المجاورة وبعض ولايات الوطن في ظل خصوصية مختلف المنتجات المحلية ،والتقليدية على وجه الخصوص.
وتحدثت فاطمة مختيش رئيسة جمعة “أمل ذراع السمار” عن تألق بنات المنطقة في الخياطة والطرز فكل عروس من منطقة المدية تقبل على المنطقة لتحصل على ما تريد من لباس تقليدي، حيت تبدع أنامل وبنات حواء المنطقة في تقديم الأحسن وتصل أسعار الخياطة والطرز في بعض الى الأحيان الى مبالغ تصل إلى 30 و40 الف دج للباس الواحد.
وقد ساعدت الخياطة في تحسين مستوى معيشة العائلات والأسر حيث باتت تدر عليها أموالا كبيرة، ناهيك عن صناعة الحلويات بمختلف أنواعها التي باتت المنطقة مصدرا لها بامتياز ومعظم متاجر حلويات وسط مدينة المدينة والبلديات المجاورة تعرض حلويات مناطق تبحيرين وذراع السمار وعين العرائس بسبب ذوقها المميز وقدرة نساء المنطقة على تقديم أنواع جديدة ومتنوعة، وبإبداع كبير لقي اعجاب الجميع.
وتقوم السلطات المحلية ومختلف الجمعيات بتنظيم معارض محلية وجهوية وحتى وطنية في مختلف الأعياد الوطنية والدينية لتمكين الأسر والعائلات من عرض ابدعاتهم والتعريف بها وتحقيق مداخيل مالية اضافية لتطوير أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وزرع ثقافة تكوين مؤسسات صغيرة لمن يرغب في توسيع نشاطه لتطوير وترقية التنمية بالمنطقة.
ومن النشاطات الناجحة التي برزت فيهن “حرائر تبحيرين” صناعة المربى بمختلف أنواعه (التفاح، التين، والكرز)، والذي يتميز بجودة عالية والطلب عليه مكثف حيث بات العديد من الزبائن الذين يقصدون المنطقة للسياحة زبائن مدمنين على منتوجات المنطقة التي تعتبر طبيعية مائة بالمائة.
وكشف السيد أمين بن سالم (35 سنة) تاجر بوسط مدينة المدية بأن “تبحيرين” في الربيع وفصل الشتاء والخريف تعتبر جنة ومقصد المئات من السياح، وقال “..بعد اكتشافي المنطقة أصبحت أتوجه اليها رفقة العائلة حيث نستمتع بجمال المكان ونقوم بشراء المربى،والبيض من البيوت التي تتفنن حتى في صناعة الخبز التقليدي الذي يعتبر من احسن أنواع الخبز، داعيا الجزائريين الى التوجه نحو المنطقة التي تعرف هدوءا مميزا بعيدا عن ما تروج له بعض وسائل الإعلام.  
وتقوم الكنيسة بشراء العديد من منتجات المنطقة من الأسر والعائلات التي وسعت نشاطها لتربية المواشي والدجاج في سياق تعزيز التنمية ومحاربة الفقر، واستعمالها في حملات خيرية وتوزيعها على المعوزين ومنه تعزيز الحركة التجارية والاقتصادية للمنطقة.
وكشف عبد الحفيظ المداني نائب رئيس البلدية، وإطار سابق في الوكالة الوطنية لتسير القرض المصغر بأن السلطات قدمت تقريبا لجميع الأسر والعائلات قروضا مصغرة تتراوح بين 30 و60 ألف دج لتجسيد مشاريعهم وخاصة شراء المواد الاولية،وبعض الآلات البسيطة خاصة تلك المتعلقة بالخياطة، وهو ما ساعد على تنمية المنطقة والقضاء فيها على الفقر بصفة كبيرة، وحتى قفة رمضان تناقصت كثيرا، حيث أصبح السكان جلهم من المتبرعين، وقالت فاطمة مختيش مسؤولة بجمعية محلية بأن المساعدات التي كانت تقدم في رمضان للعائلات المعوزة تناقصت كثيرا، حيث سجلت مؤخرا من بين 25 عائلة معوزة «لم نعد نرافق سوى 10 عائلات معوزة»، وهو ما يؤكد تحسن الوضع المعيشي للمنطقة كثيرا بفعل اعتمادها على نفسها.  
 وبرمجت السلطات العديد من المشاريع الهامة خاصة على مستوى الهياكل القاعدية، حيث من المنتظر أن يساهم الطريق الاجتنابي الولائي الذي يربط الطريق الوطني رقم 01 من منطقة لغزاغزة بذراع السمار مرورا على “تبحيرين” والذي تم الانتهاء من أجزاء كبيرة على مسافة 14 كلم من فك العزلة عن المنطقة، وإنجاح مشاريع التنمية والسياحة بالمنطقة ومساعدة الأسر والعائلات على تحسين قدراتهم الانتاجية،كما يعتبر انجاز 3 آلاف مسكن جديد،وحديقة على مساحة 30 هكتارا قيما مضافة للتنمية بالمنطقة والرقي بها إلى مصاف المدن الكبيرة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.  
ومن المشاريع المهمة هو بناء دار للشباب، قدرة استيعابها تفوق 100 سرير، قرب الكنيسة لاستقطاب الشباب من مختلف مناطق الوطن وتميكنهم من مساحات للمبيت والتجوال، مع برمجة فضاءات لتكوين المرأة وتخصيص مكان للجمعيات لممارسة نشاطتها، وخاصة البرامج التكوينية، حسب مدير دار الشباب أحمد قاسمي في تصريح مقتضب لـ«الشعب”.  
خـبراء يثمنـون التجربـة
ثمن الخبير الاقتصادي فارس مسدور، في تصريح لـ«الشعب” مجهودات النهوض بالتنمية بمنطقة تبحيرين والتيطري بصفة عامة، مؤكدا بأنه زار المنطقة ووقف على انتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية بالمنطقة بعد تمكين الأسر والعائلات من القرض المصغر، وتكثيف الدورات التكوينية للمرأة، حيث تم مراعاة خصوصيات المنطقة وتمسكها بالعادات والتقاليد تطبيق نموذج الخبير الدولي في الاقتصاد محمد يونس، الذي أحدث ثورة تنموية في دولة “بنغلاداش” من خلال دراسة قام بها حول خصوصيات بعض القرى، وتطوير قدراتها في الحرف التي تمارسها وهو ما جعل التجربة تنجح فيما بعد وباتت تلك القرى نموذجا عالميا في التنمية خاصة من خلال تشجيع اقامة المؤسسات المصغرة، ولو كانت عائلية، مع مرافقتها في جانب التسيير و«المناجمنت” للتفريق بين ميزانية العائلة وميزانية المشروع وهو المحور الذي ساعد سكان تلك المناطق المعزولة والمهمشة في “بنغلاداش” للوصول إلى التصدير واحتلال العديد من الأسواق العالمية.
ودعا نفس الخبير في حديث لـ«الشعب” الى تطوير القرض المصغر وتعميمه على المناطق المعزولة والنائية وتحويله للقرض الحسن من دون فوائد لتشجيع الأسر والعائلات على الاقبال عليه، وتنظيم أنفسهم في مؤسسات مصغرة، قد تصبح فيما بعد مصدرا لجني ضرائب للخزينة العمومية ومنه الانتقال من العائلة أو الأسرة المستهلكة إلى الأسرة والعائلة المنتجة المكتفية ذاتيا والمساهمة في مجهودات التنمية وتقليص الفقر وخلق الثروة ومناصب العمل، وتمكين المرأة من لعب دور إيجابي في الحياة الاقتصادية للعائلة والأسرة وتجاوز دورها الاستهلاكي فقط.
وأشار بالمقابل إلى دور المرأة في النهوض بالمنطقة وتحقيق التوازن بين الاقتصاد المنتج، ومناصب العمل الإدارية، موضحا بأن تطور تواجد الاناث بجامعة المدية يؤكد بأن المنطقة تتميز بوعي كبير بمكانة المرأة منذ سنوات طوال حيث باتت تزود نفسها بنفسها مختلف الكفاءات في المناصب المتعلقة بالتعليم، والصحة والخدمات، ولم تنس الاقتصاد المنتج المتعلق بالفلاحة ومختلف الصناعات الغذائية والنسيج وغيرها من التخصصات التي باتت علامة مميزة للمنطقة، مشددا على أهمية مساعدة تلك الأسر والعائلات على ايجاد مساحات لتسويق والتعريف بمنتجاتها، لأن ذلك سيعزز من قدرات الإنتاج ويفتح الباب لخلق مناصب عمل اضافية وخلق الثروة والتقليص من الاعتماد على الدولة في كل شيء.
وبدد مسدور كل المخاوف من مشاركة الكنيسة بمنطقة “تبحيرين” في عملية تكوين الفتيات، موضحا بأنه يعرف المنطقة جيدا وزارها في العديد من المرات، وتيقن بأنه لا سكان المنطقة غيروا من دينهم، ولا الكنيسة تكره أحدا على اعتناق المسيحية، مقابل الاستفادة من التكوين أو الإعانات.
نعوّل على الإعلام لتطوير “تبحيرين”  
تأسفت بنات حواء “تبحيرين” ومناطق “ذراع السمار وعين العرائس” على الدور السلبي للكثير من وسائل الإعلام الأجنبية من خلال تركيزها فقط على عملية اغتيال الرهبان الستة، مؤكدات بأنهن يتأثرن كثيرا لتلك الحادثة البريئات منها براءة الذئب من قميص سيدنا يوسف، داعين وسائل الإعلام إلى زيارة المنطقة ونقل الحقيقة وعدم الانسياق وراء الدعاية الأجنبية المغرضة.
وعبرت سهيلة، كريمة، فاطمة وغيرهن من اللواتي التقينا بهن، ونحن نقوم بهذا الربورتاج عن حنينهن لأيام زهور ونيسي، وزهية بن عروس، وخديجة بن قنة وحسيبة بوالمرقة، والحصص التي كانت تتحدث عن جميلة بوحيرد وجميلات الجزائر، مؤكدات بأنهن كنّ رموزا لهن، ولأمهاتهن من أجل النجاح في الحياة، حيث كنّ قدوة لمواصلة مسيرتهن نحو النجاح.
ودعا الدكتور مصطفى سحاري، من جامعة الدكتور يحي فارس بقسم الإتصال، أن الإعلام وخاصة مراسلي المنطقة مطالبون بالاهتمام والبحث عن الجوانب الإيجابية الكبيرة التي تعرفها المنطقة في مختلف المجالات، وخاصة الصناعات التقليدية، ونشاط الأسر المنتجة في سياق الترويج للمنتجات، مع تخصيص مقالات واستطلاعات للتعريف بالقدرات السياحية للمنطقة، وإبراز مجهوادت المرأة الاجتماعية والاقتصادية لتصدير التجربة لمختلف مناطق الوطن.
وأضاف في تصريح لـ”الشعب”: “..لماذا لا نتكلم عن تبحيرين وعن المنطقة بصفة عامة، إلا عندما ينبش الاعلام الفرنسي في قضية اغتيال الرهبان الستة، إن التنمية وترقية المرأة يجب أن يتم عبر نقل الصور الإيجابية والنماذج الناجحة بالنظر للتأثير الكبير لوسائل الإعلام وقدرتها على التأثير، خاصة على المستثمرين، فالمنطقة يمكن أن تصبح قطبا سياحيا بامتياز في ظل شهرة تبحيرين العالمية، والتي يمكن أن تمنح صورة إيجابية عن الجزائر، من خلال دعوة السياح للإطلاع على التعايش الذي تعرفه المنطقة ومنه مساعدة سكان المنطقة على تطوير نشاطاتهم وتجارتهم.