طباعة هذه الصفحة

مصارعة الكباش بعنابة وحكاية هوس شباب

ظاهرة توارثتها الأجيال.. وعيد الأضحى لتتويج الأسطورة

عنابة: هدى بوعطيح

مئات الفضوليين في حلبات المصارعة وأضاحي تونس المنافس الأقوى

في الوقت الذي يشتري فيه أغلب المسلمين الأضحية لأداء شعيرة من شعائر الإسلام، والتضحية بها في عيد الأضحى المبارك، يتباهى آخرون بظاهرة غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية السمحة، بمصارعة الكباش فيما بينها وتنظيم حلبات خاصة، وإقحامها في معارك لا تنتهي، حيث لا يمر عيد دون أن يكون الكبش بطلا فيه، ويحمل أحدهم وسام الفوز ويصبح المصارع الأول دون منازع. “الشعب” تستطلع هذه العادات والطقوس المستمرة عبر الأزمنة.
تعتبر عنابة من بين أكثر الولايات التي تنتشر فيها ظاهرة مصارعة الكباش، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث أصبحت بالنسبة لبعض الشباب تقليدا سنويا، ويخيل لمن يشاهدها أنه أمام مباراة للملاكمة أو مبارزة ما لشخصيات معروفة، وليس لحيوانات كان من المفترض أن تكون أضحية العيد ليس إلا.. حيث يمتد الحماس والصراخ، لاسيما وأن هذه الظاهرة تجلب مئات الفضوليين.

«مباريات تصفوية والفائز أسطورة بونة”

«لاكوست”، “فاغبو”، “الفرعون”، “تسونامي”، “المريول” و«غلادياتور”.. هي من بين الأسماء التي اختارها الشباب المهووس بمصارعة الكباش، فهناك من يشتريها بأثمان باهظة لهذا السبب، وآخرون يعمدون إلى تربيتها منذ ولادتها وتهيئتها لمثل هذه المناسبات، ليعتبر هذا الحيوان ضحية لتهور شباب وانعدام المسؤولية، دون مراعاة شعائرنا الإسلامية التي تنبذ مثل هذه الظواهر التي تدعو إلى الرأفة بالحيوان، خصوصا وأن هناك من الكباش من تكون نهايته مأسوية في هذه المبارزة.   
والأدهى من ذلك أنه يتم تنظيم مباراة تصفوية وصولا إلى النصف النهائي والنهائي، حيث يخصص المنظمون للمنافسة حلبة للكباش المقاتلة وسط الملعب، ومكانا خاصا لباقي الكباش أين يتم مناداة اسم المنافسين لإدخالهما باستعمال مكبر الصوت، وهنا يتراءى هوس وعشق أبناء بونة لمناطحة الكباش.
ويتعمد الكثير من الشباب إلى ابتياع كبش حين ولادته، وتربية منذ الصغر وتحضيره للمناطحة والمنازعة، حيث يتم تجهيزه لهذه المنافسة والتي أصبحت مع مرور الوقت دولية، حيث يشارك فيها شباب من تونس، والذين لا يجدون مشقة في التنقل من بلد لأخر لأجل هذه المنافسة التي باتت الشغل الشاغل لهؤلاء، ويتم الاستعداد والتحضير لها وكأنها منافسة رياضية عالمية، والفائز يتحصل على ميدالية وكأس، ويصبح الكبش أسطورة بونة دون أي منازع.
وتوارث أبناء بونة هذه الظاهرة أبا عن جد، حيث بقي الأبناء على سيرة أجدادهم إلى يومنا هذا، والهدف منها المنافسة فقط دون أن يكون ورائها جني المال كما يؤكده مربو هذه الكباش، التي انطلقت على وجه الخصوص من الأحياء الشعبية خلال التسعينيات على يد رجال الأعمال، وكانت تتم بين أحياء الحي الواحد، لتنتشر فيما بعد إلى أحياء أخرى، ثم تصبح منافسة بين الولايات المجاورة، على غرار قالمة، سكيكدة، الطارف وسوق اهراس، وفي الآونة الأخيرة أصبحت تونس دولة منافسة، حيث تتمّ المصارعة أحيانا بعنابة وأحيانا أخرى بتونس ويكون فيها حكم صارم يقوم بتتويج الكبش الفائز وصاحبه دون أي تحيز لطرف على آخر.

«مصارعة الكباش بين من يعشقها وينبذها”

حديثنا إلى بعض مربي الكباش كشف لنا عن الهوس الذي يعيشه هؤلاء الشباب المدمن على مناطحة الكباش، حيث يقول “محمد لامين” إنه يملك كبشا يبلغ من العمر 7 سنوات وقد رباه منذ ولادته وهيّأه لمثل هذه المنافسة، مضيفا أنه يطلق عليه اسم “لاكوست” وقد فاز في 03 منافسات، وخسر في واحدة فقط، وقال إن لا يريد بيعه أو ذبحه ويريد المواصلة في هذه اللعبة التي ورثها أبوه عن جده وهو الآن يواصل مسيرتهم، حيث يعتبرها متعة فقط لا شيء آخر، والآن لا يمكن أن يمرّ عيد دون أن يقدم كبشه للمنافسة، متمنيا أن يكون الأفضل ولائيا.
ويقول سيف الدين ويبلغ من العمر 16 سنة أنه يهوى مصارعة الكباش، فهو لا يملك كبشا مصارعا إلا أنه لا يفوت فرصة حضور جميع المنازلات التي تنظم بولايته، حيث يقوم بتشجيع الأفضل، مضيفا أنه مع اقتراب عيد الأضحى لا ينتظر شيئا آخرا سوى حضور هذه المنافسات في أي وقت كان، وإن تطلب الأمر الغياب عن مقاعد الدراسة..
وفي الوقت الذي يهوى الشباب هذه الظاهرة، يراها آخرون غريبة عن عاداتنا ومعتقداتنا ويطالبون بتوقيفها وعدم الترويج لها، خصوصا وأنها انتشرت بكثرة في ولاية عنابة مقارنة بالولايات الأخرى، حيث باتت تشتهر بتنظيم دورات خاصة سنويا، تنتقى فيها أقوى الكباش على المستوى الوطني، مشيرين إلى أن عيد الأضحى عند البعض ارتبط بالمصارعة وليس بتطبيق شعائر الإسلام ونحر الأضحية، بالرغم من أنها مكروهة لما فيها من تعذيب للحيوان، لا سيما أيضا وأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عنها، فعن ابن عباس رضي اللهُ عنهما قال: “نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التحْرِيشِ بَيْنَ البَهَائِمِ”..

«نظام غذائي خاص”

يتبع كبش المصارع نظام غدائي مميز ورعاية خاصة لترويضه وتدريبه على المناطحة والمصارعة، ويقول “محمد أنيس” الذي يمتلك كبشا منذ 04 سنوات وقدم 14 منازلة كان فيها هو الفائز، أنه يقدم خلطة خاصة مكونة من العدس ـ ورفض إعطاء الوصفة كاملة حتى تبقى سرا خاصا به ـ كما يتابعه برعاية طبية خاصة قبل وبعد المباراة، حيث يأخذ حقنة كل شهرين لأجل الحفاظ على لياقته البدنية، ويقدم له نوع خاص من الحليب المعروف بـ«الرايب” كل 15 يوما، فضلا عن أنه يأكل كيلوغراما ونصف من الشعير، كما أن بعض المربين يضطرون لاصطحابه إلى الشاطئ للمشي على الرمل لتعويده على التحمل.

«مبالغ مالية ضخمة لشراء الكبش الفائز”

مساومات مالية تعدت المعقول لشراء الكبش الفائز، فظاهرة المصارعة تعدت الجنون عند بعض الشباب، الذين يساومون صاحب الكبش لأجل إغرائه وشرائه بمبلغ قد يتعدى سعره الـ50 مليون سنتيم، وقد ترتفع قيمته بعد المنازلات التي يفوز بها إلى 80 مليون سنتيم، وعند خسارته يكون مصيره عند البعض الذبح وتنتهي حكايته مع الكباش المصارعة.
وبالرغم من المبلغ الخيالي الذي يقدم لصاحب الكبش، إلا أنه يرفض بيعه على أساس أنه ليس وسيلة للمتاجرة بها، ولا يهدف من ورائه جني المال، وإنما هي هواية وعشق أبدي بالنسبة له ورثها عن أجداده وسيواصل فيها، وأغلب الشباب يرفضون التضحية به حتى بعد خسارته ليبقى الكبش المصارع أنيسه إلى غاية وفاته.