طباعة هذه الصفحة

الجمعيات والدخول الاجتماعي

المصداقية بعيدا عن المناسباتية

إستطلاع : فتيحة كلواز

شهادات أهل الاختصاص تنقلها «الشعب»

 يسيل العمل الجمعوي الكثير من الحبر على اعتبار أنه الأقرب إلى المجتمع الذي يعيش الكثير من المنغصات التي أضحت تؤثر سلبا في حراكه، الأمر الذي جعل أغلب الجمعيات عاجزة عن إثبات وجودها في العمل الميداني لأنها وبكل بساطة ربطت نشاطها بالمناسبات، ما افقدها ثقة المواطن والمجتمع بصفة عامة وأبعدها عن مشهد الأحداث. «الشعب» قامت بتحريات في الميدان للاجابة على السؤال الكبير كيف هوالدخول الاجتماعي للجمعيات؟ واين موقعها من الحراك الوطني والصيرورة في التآزر والتضامن عصب النشاط الجمعوي والمجتمع المدني في ابعد مداه.
سألت «الشعب» المواطن عن مدى الفاعلية الاجتماعية للجمعيات وارتباط نشاطها بالدخول الاجتماعي، فكان لنا هذا الاستطلاع...
بعيد عن الهدف الأسمى
كاميليا بن طواليب، 29 سنة عاملة خياطة في إحدى الورشات بحسين داي، قالت عن الموضوع: «ارتبط في ذهني منذ سنوات العمل الجمعوي بمناسبات معينة أهمها شهر رمضان، الأعياد والدخول المدرسي والاجتماعي، أما خارجها فلا تسمع عنها شيئا لأنها تدخل في سبات عميق وكأنها غير معنية بما يحدث في المجتمع وهذا مرفوض تماما».
وأضافت كاميليا: «البلاد بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وفاعل داخله بل له السلطة الكاملة لاتخاذ القرارات الحاسمة في بناء مجتمع سليم، هذا بالضبط ما نراه في الدول المتقدمة. عندنا الأمر مختلف لأن  الجمعيات تبحث عن الاعتماد من اجل الحصول على الإعانة المادية التي تقدمها الهيئات الرسمية والمعنية لها، لذلك تراها لا تملك برنامجا أوخطة عمل طيلة أيام السنة، وكأن الفئة الهشة لا تكون كذلك في الأيام العادية ...، فالمعوق بحاجة إلى مساعدة دائمة، والمطلقة واليتامى والأرامل والمعوزين والمرضى وكل شخص ينتظر معونة من أي جهة كانت ليتجاوز حالته السيئة».
نسيبة تاج الدين، 35 سنة موظفة في مؤسسة عمومية قالت عن نشاط المجتمع المدني: «لم يعد المواطن يثق في الجمعيات التي حوّلته إلى وسيلة ناجعة لربح المال من الدولة والمحسنين الراغبين في إعطاء يد العون إلى المحتاجين، ففي كثير من الأحيان تُستغل الفئة الهشة من المجتمع أبشع استغلال من هؤلاء الذين يبحثون عن الربح السريع بطريقة مؤسفة وغير إنسانية، ما يجعلنا نتساءل عن دور الرقابة التي تقوم بها الهيئات الرسمية على أرض الواقع».
وهنا لاحظت نسيبة قائلة: «لا يمكن ترك الوضع على ما هوعليه لأن العمل الجمعوي مبني على مبدأ إنساني جوهره خدمة الواحد للآخر، أي انه يجسد الجانب الطيب لكل فرد من المجتمع ما يساهم في وحدته وتماسكه، لذلك علينا أن نحرس على بقاء هذه الأرضية الإنسانية حتى لا يفقد العمل التطوعي روحه، لأن ضياع هذه المعاني السامية يجعل المجتمع وعلاقاته بكل أنواعها كالصخرة الصمّاء ما سيكون له عواقب وخيمة على الحراك الاجتماعي وتغيراته المتسارعة ولعل ما نراه ونعيشه اليوم من هوة بين الفرد وذاته يعكس ما يحدث بوضوح تام في صورة مؤسفة ومحزنة، ما يدعونا إلى القول انه لا بد من اتخاذ إجراءات ردعية من اجل ترك الجمعيات الفاعلة فقط في الميدان أما الأخرى فيمكنها أن تتعرف عن المعنى الحقيقي الذي تؤسس من اجله قبل الانطلاق في نشاطها».
المراقبة ضرورية لتنظيم العمل الجمعوي
 سيد علي لعبادي رئيس حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع، قال لنا، «إن العمل الجمعوي لا يجب أن يرتبط بمناسبات وتواريخ معينة لأن المجتمع بحاجة إلى دعم ومساعدة على طول أيام السنة، فالعمل التطوعي مرهون بالظروف المحيطة والتي تعيشها الفئة الهشة يوميا، مع تخصيص المناسبات سواء كانت دينية أو مواعيد مهمة بخطة عمل تواكب متطلباتها ومستلزماتها، فمثلا أطلقت جمعية حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع مبادرة «كتابي كتابك» في الدخول المدرسي أين تبادل الأطفال المتمدرسين الكتب القديمة.
 كما قامت الجمعية بإعادة تهيئة الكتب التي يأتي بها المحسنين وتمنح للأطفال المحتاجين، كما دأبت الجمعية على برمجة دروس تدعيمية لأقسام الامتحانات: السنة الخامسة، الرابعة متوسط والثالثة ثانوي، أما هذه السنة حسب سيد علي لعبادي ستخصص الدروس التدعيمية للأطفال المتمدرسين في كل من السنة الثالثة والخامسة ابتدائي، مع بداية شهر نوفمبر القادم.
وطالب سيد علي الجهات المعنية بمراقبة العمل الميداني للجمعيات حتى لا تنحرف عن روح وجوهر نشاط المجتمع المدني الذي يكرّس الجانب الإنساني والتضامني في المجتمع، لأنه شريك أساسي للهيئات الرسمية في الحفاظ على المجتمع معافى وسليم. ويذكر أن جمعية حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع اعتمدت سنة 2013، وهي تنشط على مستوى ولاية الجزائر مقرها الرئيسي بحي باب الواد العتيق، لديها 27 فرعا بلديا في الولاية، تركز نشاطها على حماية الأحداث من الأخطار المحدقة بهم كالمخدرات، التسول ومنع استغلالهم في الأعمال الإجرامية.
أما المسبوقين قضائيا فتعمل الجمعية على إبعادهم عن الانحراف بإدماجهم داخل المجتمع من جديد حيث قدمت دورات تكوينية لتصليح الهواتف النقالة أشرف عليها محسنون مختصون في هذا المجال، ولن تقدم هذه المساعدة بعيدا عن عائلاتهم التي تعيش الأمرّين بسبب انحراف أبنائها، بالتنسيق مع مديرية الشباب والشباب لولاية الجزائر، مصالح الأمن، مجموعة حماية الأحداث للدرك الوطني وطبعا مديرية النشاط الاجتماعي لولاية الجزائر.
من غير المعقول ارتباط العمل الإنساني بتواريخ معينة
احمد ملحة رئيس الجمعية الوطنية للعمل التطوعي، أكد من جهته انه من غير المعقول أن يكون العمل الجمعوي مناسباتي لأنه عمل متواصل على مدار أيام السنة، فالمجتمع بحاجة إلى يد العون والمساعدة في شتى المجالات الاجتماعية، ولن يكون العمل الجمعوي مفصولا عن الهيئات الرسمية لأن الجمعية هي بمثابة الوسيط بينها وبين المجتمع بكل أطيافه وتفاعلاته، خاصة وأنها تعيش ظروف اقتصادية حسّاسة. بذلك يجب على جمعيات المجتمع المدني أن تخرج من المناسباتية وإحياء الأيام الوطنية او العالمية أو تقديم دروع التكريم وتنظيم الأبواب المفتوحة، إلى إيجاد الخطط والمشاريع التي من شأنها أن تقدم إضافة للمجتمع، حتى ولوكانت بسيطة، لأنه سيكون لها أثرا ايجابيا مع مرور الزمن. في المقابل استغرب احمد ملحة في حديثه لـ «الشعب»، من عدم إعطاء الاهتمام الكافي من طرف الجهات المعنية لترقية المجتمع المدني، حتى تجعل منه شريكا حقيقيا في عملية التنمية وبناء المجتمع، ولن يكون الاهتمام بالجمعيات ـ حسبه - بتوفير الدعم المادي فقط، لأن التطوع يعني أولا الاعتماد على النفس وإيجاد إمكانيات التمويل عبر تفعيل جميع القوى الفاعلة في المجتمع من محسنين ومهتمين بإسداء خدمات إلى المحتاجين إليها، ولكن المعنى  للاهتمام هو إشراك الجمعيات في مختلف المجالات في عملية بلورة الأهداف الكبرى الموجهة لترقية المواطن وتوعيته بالرهانات التي يعيشها، ما يسمح لها بلعب دور مهم وفاعل في صناعة الرأي العام  للمجتمع. وأكد انه من واجب الدولة مراقبة العمل الميداني للجمعيات فتقول لمن أحسن أحسنت وتكرمه من أجل تحفيزه ليكون الأفضل وكذا ليكون نموذجا يحتذى به للجمعيات الأخرى وحتى نضع المجتمع المدني في المكانة التي يستحقها والتي تجعل منه قوة حقيقية تعمل جنبا إلى جنب مع السلطات المعنية.