طباعة هذه الصفحة

فــــــاز دونالنـــــــــد ترامـــــب وقامـت قيـــــــــامـــــــــــــــــــــة شركـــاء أمريكــــا التقليـــــــــــــديين!

بقلم أ.د عبد الرحمان دراجي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

لما تكلم أو تهجّم ترامب على الإسلام والمسلمين فإنه كان ينظر إلى الوضع بمرآة أحداث ١١ سبتمبر الإرهابية أو بوجه التحديد مجموعة الإرهابيين الذين ينتمي أو انتمى معظمهم إلى تلكم المنطقة، وعليه فإن سخطه على هؤلاء و تلكم الأحداث كان حسب معظم الملاحظين الغربيين في الصّميم.

 ولكن ترامب تكمن في تعميمه على جميع المسلمين والعالم الثالث أجمع بما فيه السّود والمهاجرين من ذوي الأصل اللتيني.
حقيقة أن ترامب بحكم معرفته وثقافته السياسية المحدودة وبالدين الإسلامي الحنيف بتعاليمه كان قد تكرّس بحدة الدعاية الإعلامية المعادية للمهاجرين والمسلمين المتواجدين التقليدية حاليا، والتي تزامنت مع الأحداث العنيفة والإرهابية التي حدثت بفرنسا وبلجيكا وألمانيا وقبلها بإسباينا وبريطانيا، بحيث أصبح كل مسلم مهاجر خاصة في أوروبا أو بوجه التحديد بفرنسا مسؤولا عما يجري أو عما جرى سابقا وعليه توجّب على الجالية المسلمة ككل تقديم عذرا رسميا كلما وقع حدثا إرهابيا تسبب في أفراد من أصول إسلامية ومهاجرة.
فإن ترامب إذن كان قد تتبّع تلكم الأحداث التي حدثت هناك بتأن وكان قد ساند حكامها وشعوبها قلبا وقالبا وبدون تردد أو تعريف أو مساءلة، كما يبدو أيضا أنه كان قد تتبع سابقا أحداثا إرهابية بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والتي أعطته بدون شك ثقة كاملة على أن بؤر الإرهاب وروادها مترسخة بدول منطقة الشرق الأوسط كقطر والعربية السعودية إلى جانب دول أخرى، إلا أنه نسي أو تناسى جد مهم على أن سبب الإرهاب عينه، يكمن في فلسطين المحتلة أو بما يسمى الآن بدولة إسرائيل والتي يكن لهذه الدولة الدخيلة ليس احتراما فقط بل تعهدا بمزيد من المساعدة والمالة وتبني القضية الصهيونية ككل.
إن تجاهل ترامب الآخر هو تسرّعه في الحكم، خاصة إبان دعايته الإنتخابية على المسلمين جاء بدون محاولة فهم أو على الأقل تفهم ظاهرة الإرهاب، فمعظم الملاحظين والباحثين في هذ المجال ناقشوا أو تطرقوا إلى الإرهاب من حيث الأفعال الإرهابية بدون إعطاء أي اهتمام إلى أسباب وقوعه.
فالإنسان كما هو معروف لا يولد إرهابيا أو متطرفا بل يصبح كذلك لسبب من الأسباب.
وكما يبدو، أن ترامب بحكم تكوينه وبعده عن المجال السياسي فهو رجل أعمال عادي، والذي يهمه الربح الأكبر بتكلفة أصغر ليس إلا، ورجل الأعمال بحكم طبيعته لا يريد أن يدخل في مجال اللباقة الدبلوماسية ولا المناورات السياسية، ولا حتى المساومات إلا إذا كانت تعني مصلحته التجارية الربحية.
فترامب عندما أعطى رسالته المشفّرة والتي جاءت شبه مفتوحة إلى كل العالم والعالم الإسلامي بما فيه منطقة الشرق الأوسط وبشكل مدقّق دول الخليج العربي، أراد أن يكرّس فكرته التي كان قد جسّدها في خطابه إبّان الدعاية الانتخابية والتي أدّت حتما إلى فوزه، هو أنه من الآن فصاعدا فإن أولاوياته ستكون أمريكا، وتقوم على شعار أمريكا للأمريكيين وأمريكا أولا حتى وإن كان هذا على حساب شركاء أمريكا التقليديين مثل أوروبا ، دول الخليج و إلى حد ما اليابان. وعلى هذا الأساس فإن فوزه الذي جاء غير متوقع، أرعب البعض وأدهش الآخرين في أمريكا نفسها وخارجها، والآن الكل ينتظر بصدد ماذا سيقول وماذا سيقع لهؤلاء، فإيران تنتظر إن كانت الاتفاقية النووية التي أبرمتها مع الإدارة السابقة ما زالت سارية المفعول أم لا، ودول الخليج الذين قدّموا الكثير ـ والأكثر من الكل ـ للإدارات الأمريكية المتعاقبة من المال بدون حساب، والعتاد والعدة لتدمير العراق وأفغانستان والآن سوريا وحتى اليمن سابقا، إلى جانب ليبيا ودول أخرى وإلى جانب التنازلات والصفقات التجارية، والتي كان قد أبرمها واستفاد منها ترامب نفسه كرجل أعمال بكل من قطر، السعودية والإمارات العربية، وغيرها بما فيها تركيا، والتي ما زالت علاقة دونالد ترامب التجارية تشهد في مجالات ملاعب الغولف، الفندقة والعقارات بهذه الدول، ولعلّ كل هذا لربما لا يشفع لهذه الدول في استمرارية علاقاتها المميّزة مع الحاكم الأمريكي الجديد.
إذن فالكل ينتظر، فأروبا تنتظر أيضا كيف ستغدو أمريكا ترامب الجديدة؟ وكيف سيكون موقفها من الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن روسيا الآن جد متلهفة لاستغلال هذه القضية ومحاولة جذب واستلهام مساعي الحاكم الأمريكي الجديد لكونها تشاركه في عدة قضايا وأفكار خاصة عندما يدور الوضع حول محاربة بما يسمى بالإرهاب والمتشددين الدينيين (الإسلاميين) في منطقة الشرق الأوسط وخارجه، فإن أي تغير في السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه القضية الأوكرانية، فإن روسيا تجد نفسها متقربة من ترامب أكثر، ومحاولة جذبه إلى إغراءات تجارية واستثمارية على حساب أوروبا في روسيا الكبرى سيكون ويصبح أكبر، وعليه فإن التضحية بالقضية الأوكرانية سيصبح هو أيضا احتمالا في هذا المجال.
إلا أن شيئا أكثر أهمية هو إمكانية التخلي عن الالتزام  وديمومة المظلة الأمريكية الدفاعية بحلف ناتو (الأطلسي)، هل ستبقى وفية وحافظة للمسؤولية الدفاعية، أم ستحول الحلف الأطلسي إلى مركز شبه تجاري على أن من سيدفع حصة اشتراكه أكثر سيحضى بخدمات دفاعية أكبر في حالة تعرضه إلى عدوان خارجي والمقصود بؤر الإرهاب والعداء (الدولة الإسلامية داعش، القاعدة، حركات عنفية أخرى، كوريا الشمالية، روسيا وإيران)؟.
فكما هو معلوم، فإن دونالد ترامب رجل أعمال بامتياز وكما يبدو أيضا أن مقولة من يملك يحكم هي التي ستسيطر على مستبقل علاقاته مع شركائه وشركاء أمريكا التقليديين، وأنه من يدفع سيحضى حتما بالحماية الدفاعية لردّ العدوان.
إذن، فالكل ينتظر، بما فيه الدول التي أخطأت في تنبّؤها بنتائج الإنتخابات، والتي كانت قد ساندت هيلاري كلينتون على حساب ترامب ماديا وسخاء، فدول مثل قطر والمغرب تنتظر أيضا ماذا سيكون مصيرها، وهل سينتقم الحاكم الأمريكي الجديد منها أم سينسى أو يتناسى بمجرد إهدائه تنازلات وصفقات تجارية أكثر جاذبية من سابقتها؟
فنحن بصدد مجال التجارة والأعمال، فإن أوروبا ما زالت مصدومة بل بعض حكامها جدّ مذعورين وقلقين عما وكيف ستتعامل أمريكا ترامب الجديدة إقليميا، وقاريا وفي شتى مناطق وبؤر الصراع الأخرى؟
فبمجرد ظهور النتائج الانتخابية وفوز ترامب تهاوت آمال بضع الزعماء الأوروبين ومنهم ميركل حاكمة ألمانيا وفرانسوا هولند بفرنسا، فالتخوف من انهيار شراكتهم المزعومة في شتى القضايا سيغير حتما تصرف كل دولة على حدى، خاصة وإن أقلب ترامب موازين القوى بتغير أساليب وحتى بعض المفاهيم في السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة.
فهناك أوساط ملاحظة في العالم تقول بأن أمريكا الترامب ستحاول اختراق بعض المناطق في العالم، ومنها منطقة شمال إفريقا وإفريقيا ككل تجاريا، والتي تعتبر مناطق حيوية بالنسبة لأوروبا التقليدية وبامتياز.
وعليه، وإن حدث هذا والذي سيقع عاجلا أم آجلا سيكون له تأثير على أوروبا خاصة في دول الحزام الجنوبي بشكل موفق مثل إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال، مالطا وغيرها، وقسطا من دول الشمال مثل ألمانيا تجاريا ومصلحيا، كما ستتحوّل المنطقة إلى بؤرة صراع تجاري عنيف بين ثلاث قوى: الصين، أوروبا وأمريكا.
وبالمقابل ستصبح دول شمال إفريقيا طرفا حيويا إن استقرت الأوضاع في ليبيا، ووجد حلاّ تنازليا بالنسبة للقضية الصحراوية، ولكن تحت هزّات الظروف الإقليمية والأمنية في المنطقة سيبقى الحوار مفتوحا والكل ينتظر حاكم أمريكا الجديد كيف يتعامل مع العالم؟.