طباعة هذه الصفحة

“الشعب” ترصد العنف في الوسط المدرسي

حالات لجرائـم مخفيـّة وراء ستار “الطابوهات”

استطلاع : فتيحة /ك

 المواقع المشبوهة، المخدرات تؤجج المشاهد العدوانية ضد البراءة
عند القيام بهذا الاستطلاع شعرت بانقباض في صدري، ففي داخلي مشاعر خوف الأم من الحقائق التي ستسمعها من مختلف الهيئات المعنية من مخدرات واعتداءات، ولكن مع بداية العمل الميداني عرفت أن المدرسة الجزائرية وان كانت تتعرض إلى مخاض صعب بسبب التحولات الاجتماعية التي أدخلتها في دوامة كبيرة، متاهة اصطلح على تسميتها بالعنف المدرسي، وجدت أناس يؤمنون بفكرة الإصلاح والبناء، أشخاص جعلوا من أبنائنا أمانتهم التي يجب الحفاظ عليها، لأننا أولا وأخيرا نرسل صغارنا إلى المدرسة التي دوت بين جدرانها ضحكاتنا وأحلامنا التي رسمناها ونحن في سن فلذات أكبادنا. التفاصيل في هذا الاستطلاع الميداني.

 سنة من الاعتداء على البراءة

هي حالة عاشت الأمرين داخل أسوار المؤسسة التعليمية التي كان من المفروض أن تكون أول طريق تسلكها نحو المستقبل، وأول درجات الحياة يصعدها نحو العلا، لمدة سنة كاملة كانت تعاني العذاب النفسي والجسدي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي صمت مطبق كان أقرانه في المؤسسة التعليمية وداخلها ينتهكون حرمة جسده الذي لا يملكه غيره.
هي قصة مراهق لم يستطع الدفاع عن نفسه بسبب خوفه من مجتمع خلق طابوهات زادت الطين بله، وجعلت الكثيرين يقدمون على فعل الممنوع والمحرم متخفين وراء ستار “الطابو” الذي أصبح لهم “افعل ولا تتحدث عنه “ لأنه عار و يخدش الآداب العامة و التقاليد و الأعراف لمجتمع عجز عن إبقاء البراءة بعيدة عن الطابوهات.
هو طفل مراهق إذا، كان تمنُعه وخوفه من فضيحة قدّر حينها أنها ستحطم حياته كلها السبب وراء سكوته للابتزاز الذي مارسه ضده 7 من زملائه في المؤسسة التعليمية الذين كانوا يتحينون الفرص للفتك بفريستهم داخل الحرم التعليمي، بل وصل بهم الأمر إلى الاعتداء عليه خارجها، ما جعله يكون عبدا لهم لأن الخوف من  كشف المستور وفضحه جعله يرضخ و لا يقاوم إلا نادرا ولكن بان الدخان من بعيد وارتفعت رائحة الفعل المشين.
إصابة الفتى الصغير بمرض كان السبب وراء رفع الستار عن جريمة نكراء ضد البراءة سواء كانوا السبعة مراهقين الذين عجزت عن وصفهم بالذئاب البشرية، لأن الفطرة الإنسانية تقول أن سلوكهم المنحرف يعكس تحول جذري عن المبادئ التي نعرفها وتعكس تعطش كبير للانتقام من مجتمع ربما كانوا في يوم من الأيام احد ضحاياه، أما الطفل المراهق الذي وجد نفسه يفحص على يد الطبيب الشرعي في أكبر مكان يوصي المجتمع بالحفاظ عليه لأنه معيار الرجولة من عدمها، هي صدمة حقيقية بعد صدمة الاعتداء عليه أما الصدمة الأكبر، فأن يكون الفاعل مضروبا في السبعة وفي نفس سن الضحية.  

أرادت معاقبتها فقطعت أذنها
 
الضحية الثانية للعنف المدرسي التي اخترناه هي طفله لا يتعدى سنها الثماني سنوات تدرس بالسنة ثانية ابتدائي بإحدى المدارس الابتدائية بحي شعبي وعريق بالعاصمة تتعامل، قطعت أذنها وكادت أن تفقدها بسبب لحظة غضب أعمت عيون المعلمة عن المهمة المنوط بها داخل المدرسة ، فبدل ان تتعامل مع التلميذة بطريقة بيداغوجية تربوية تشد من انتباهها، أمسكت بأذنها لتعاقبها عن سلوك طفولي بريء لم يع  بعد تكاليف حياة وآلامها المدر... أمسكت بأُذن الصغيرة بكل قوتها و كأنها تحمل بين أصابعها لعبة أو قطعة ورق، لم تع ما تفعل و لم تستفق من غفلتها إلا بعد سماع صراخ الطفلة، نزعت يدها لتراها مخضبة بالدماء،...تفقدت إذن الطفلة فوجدت الأذن الخارجية مقطوعة إلى النصف...
ذهبت الطفلة في تلك الحالة إلى والدتها التي أخذتها بدورها إلى الطبيب الذي خاط الأذن الخارجية وكتب شهادة طبية تشخص حالة الطفلة المصدومة بما قامت به المعلمة.
الأدهى والأمر أن المعلمة لم تعترف بفعلتها و قالت انه لا تخاف من احد و بتواطؤ مع مديرة المؤسسة التعليمية نصبت نفسها في الكفة الأقوى، هذا السلوك جعل الأم تودع شكوى لدى مصالح الأمن الوطني الأمر الذي جعل زوج المعلمة يرجوها لسحبها حتى لا يتأذى مستقبل المعلمة المهني.
 
——عرعار رئيس شبكة “ندى”:
 42 بالمائة من العنف الممارس ضد الطفولة في الوسط المدرسي

« المدرسة ليست وليدة العنف ولا تولد العنف”، بهذه الكلمات وصف عبد الرحمن عرعار رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى” ظاهرة العنف المدرسي التي أخذت  منحى خطير وأكد انه الواقع الراهن يتطلب تشريح دقيق لهذه الحالة اللاعادية والغير طبيعية في مختلف المؤسسات التربوية، ما يتطلب التكلم عن الوضعية بكل صراحة و دقة حتى نتمكن من إيجاد الحلول الناجعة والفاعلة لها، خاصة إذا علمنا أن 42 بالمائة من العنف الممارس ضد الأطفال مدرسي.
 قال عرعار في تصريح لـ “الشعب” أن المدرسة ضحية تحولات اجتماعية جعلت المجتمع الجزائري يفقد توازنه الذي كان دائما مرتبطا بمنظومة أخلاقية ومبادئ اجتماعية تتمثل في التقاليد التي حافظت على سلامته لسنوات طويلة، وجعلها تعيش جوا مشحونا ومحتقنا.
المدرسة إذا – حسب عبد الرحمن عرعار – تعاني نوعين من العنف، الأول يمارس ضدها من الخارج من طرف المنحرفين الذين نجدهم في الغالب مدمنون يعيشون على هامش المجتمع، يعتدون على التلاميذ والأساتذة، بل وصلت بعض الحالات إلى درجة القتل أمام المدرسة، وهذا عنف لا يجب السكوت عليه لما له أثار سلبية على التحصيل المعرفي للتلميذ، كما انه مساس صارخ بصورة المدرسة التي كانت لعقود طويلة السبب في نشر العلم و محو الأمية و تخرج الإطارات من أصحاب الكفاءات العالية، لذلك وجب تعاون كل القطاعات المعنية من أجل الحفاظ على رمزية المدرسة.
أما النوع الثاني فمبني على علاقات بيداغوجية و تربوية بين التلاميذ والأساتذة، بين التلاميذ فيما بينهم و بين التلاميذ والإدارة، لذلك لا بد من إعادة النظر في بعض الإجراءات البيداغوجية والإدارية التي تتبعها المدرسة حاليا في تعاملها مع التلميذ.
أغلب الحالات من التلاميذ المُعَنِفين والمُعَنَفين داخل المدرسة يعانون نزاعات عائلية، لذلك نراه عندما يأتي إلى المدرسة يتصرف بطريقة غير لائقة، فتتخذ ضده إجراءات تأديبية قد تصل إلى حرمانه من حقه في التمدرس أي الطرد من المؤسسة التعليمية، ما يجعل ردة فعله قاسية اتجاه المدرسة، هذه الوضعية كما قال عبد الرحمن عرعار تستوجب معرفة حقيقية من طرف الإدارة للوضعية الاجتماعية للتلميذ قبل اتخاذ أي إجراء إداري أو قضائي ضده.
  نوه رئيس شبكة “ندى” بأهمية فتح باب الشراكة مع الجمعيات من أجل إيجاد الحلول لهذه الظاهرة التي تضرب كيان المدرسة الجزائرية وتحولها عن مسارها الأساسي في التعليم و التربية، وحتى لا تبقى محصورة بين النقابات وجمعيات أولياء التلاميذ، فتحها سيخلق نوعا من التفاعل الايجابي بين الأسرة، الحي والمدرسة خاصة وأنها أهم الفضاءات المؤثرة في التلميذ، فلا يمكن للمؤسسة التعليمية إيجاد الحلول الناجعة بمفردها، لأن أغلب الحالات، كما ذكرنا سابقا، دوافعها لممارسة العنف، ضغوطات اجتماعية أي الأسباب خارجية.
يجب أن يعالج الحالات الموجودة المختصون في علم النفس والاجتماع والجمعيات الممثلة للمجتمع المدني، - كما قال عرعار- وفي آخر المطاف تتدخل الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية الردعية ضد المنحرفين، والملاحظ في السنوات الأخيرة اتساع رقعة المنحرفين في الوسط المدرسي فاليوم نتكلم عن إدمان المخدرات والتدخين داخل المدارس، نتكلم عن الانتحار الذي أصبح الحل النهائي لأطفال لم يتجاوزوا المرحلة الابتدائية، هذه الحالات إن تتبعنا مسارها في التنشئة الاجتماعية نجدها ضحية ظروف معينة، هذه الحقيقة الجلية -حسب تصريح عبد الرحمن عرعار لـ«الشعب”-  تستوجب منا التعامل معها بطريقة مدروسة تعتمد الحوار لتشخيص الحالة واقتراح الحلول المعيشية التضامنية الصحية والاجتماعية لمساعدة الضحية على العيش في وسط ملائم يعيد إليه براءته المفقودة.

بن زينة رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ:
 المجتمع المدني شريك أساسي للقضاء على الظاهرة

صرّح بن زينة، رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ أن المنظمة قدمت اقتراحات للوزارة للحد من الظاهرة و لكن لم تجد أذانا صاغية و كان من بينها تشكيل خلايا على مستوى المؤسسات التعليمية تضم أساتذة عقلاء يكون دورهم في التعامل مع الأخصائيين النفسانيين و المعلمين من أجل ضمان توعية داخل المؤسسة التربوية، أولياء التلاميذ و هم معنيين بالتعامل مع الأئمة والشرطة من أجل تنظيم حملات تحسيسية للحد من الظاهرة التي تفشت في وسط المدرسي، وأخيرا التلاميذ الذين يملكون قدرات في التواصل مع زملائهم خاصة الفئة الممارسة للعنف على زملائهم، لأن تلميذ الألفية الثانية ليس نفسه تلميذ الألفية الأولى فهو يسمع النصيحة من صديقه و لا يقبلها من الشخص الكبير.
كشف بن زينة في اتصال مع “الشعب” ان المنظمة شاركت في عدة ورشات فتحتها وزارة التربية لمناقشة ومحاربة ظاهرة العنف المدرسي التي تطورت وتحولت في الآونة الأخيرة إلى إجرام يستعمل فيه السلاح الأبيض، منذ سنتين عكفت الوزارة المعنية جمع الأطراف المعنية كل شهر أو شهرين ولكن تأسف المتحدث عن غياب نتائج ايجابية أو حلول ناجعة للقضاء عليها، والسبب بحسبه راجع إلى إغلاق الوزارة المعنية الأبواب على نفسها.
 أصدرت تعليمة لمديريات التربية التي وزعتها على مختلف المؤسسات التعليمية بعدم التعامل مع الجمعيات والمنظمات التي لا تملك اعتمادا أو ترخيصا من وزارة التربية رغم أنها معتمدة من وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وهذا إقصاء يمنعهم من المشاركة في محاربة الظاهرة داخل المؤسسات التعليمية، رغم أن المجتمع المدني له دور محوري ومفصلي في أي خطة عمل للقضاء على العنف المدرسي.
قال بن زينة إن المنظمة تعمل في الميدان من اجل الاطلاع على الواقع الحقيقي الذي تعيشه المؤسسة التعليمية، كما أنها تتدخل للحفاظ على المصلحة العليا للتلميذ دون المساس بالأطراف الأخرى في المعادلة التربوية، ففي بلدية برج الكيفان تدخلت المنظمة لحل مشكل بين أولياء تلميذة أصيبت بعاهة بعد ضرب أستاذة اللغة الفرنسية لها، فقد منح الطبيب الشرعي الضحية عطلة مرضية مدتها 10 أيام ما يعني بلغة القانون دخول المعلمة السجن بسبب اعتدائها على قاصر ولكن تم منع ذلك بفضل التدخل الحكيم للمنظمة التي تبحث على توفير المناخ الملائم والمناسب للتحصيل العلمي دون منغصات تعرقل العملية التربوية.
 لكن في المقابل لا يمكن السكوت على توظيف مساعدة تربوية في إحدى الثانويات بولاية وهران، سجلها القضائي غير نظيف ومسبوقة في قضايا أخلاقية وسجنت بسببها ولكنها  تزاول عملها بصفة طبيعية في الثانوية رغم أنها خطر على التلاميذ لأنها غير مؤهلة لإعطائهم القدوة الحسنة.

علي لجادي، رئيس جمعية الأحداث والاندماج في المجتمع لولاية الجزائر:
المواقع المشبوهة زادت الطين بله

ندّد علي لجادي، رئيس جمعية الأحداث من الانحراف و الاندماج في المجتمع مما تعيشه المدرسة الجزائرية من عنف دخيل لم تعشه من قبل، واصفا إياه بالخطير ونصح جمعيات أولياء التلاميذ والهيئات المعنية بالتحرك الفعلي داخل المدارس، بدل إدخالها في دوامة الإضرابات والتلاميذ وسيلة ضغط من كلتا الجهتين.
 قال لجادي أن الجزائري كان يسمع عن حرب الشوارع ثم حرب العصابات، ثم العنف في الملاعب وأخيرا العنف داخل المؤسسة التربوية والتعليمية، أصبح بسببه التلميذ يحمل السلاح الأبيض للاعتداء على زميله داخل المدرسة، هذا الواقع أفقد الأولياء الثقة في مؤسسة التربية والتعليم وجعل عددهم أمام بابها ينتظرون أبناءهم أكبر من عدد التلاميذ داخل المدرسة وهذا أمر مؤسف يجب أن نجد له حلا بصفة استعجاليه.
  قال لجادي ان المخدرات و مختلف الانحرافات  فعلت فعلتها بالمؤسسة التربوية وأصبحت التلميذ بدل التركيز على الدرس داخل القسم عقله مشوشا بالمواقع المشبوهة التي يتابعها و الأستاذ أمامه يشرح الدرس، ولعل حادثة التلميذة ذات الـ 15 ربيعا التي انتحرت في بومرداس خير دليل على ذلك فبعد ان قام زملائها بفبركة صورتها وابتزازها لم تجد مهربا من الورطة التي وقعت فيها سوى وضع حد لحياتها خوفا من الفضيحة، أما في تيارت قام تلميذ وزميلته في المتوسطة بتشويه وجه زميلتهم بشفرة الحلاقة، ويجب أيضا أن نتكلم عن العصابات التي تتنقل بيت مختلف الثانويات بغية ادخال الطلبة في شبكات متخصصة في الدعارة.
لذلك طالب علي لجادي بيوم وطني “لا للعنف في الوسط المدرسي” و بوضع خطة مدروسة و موحدة للتعامل مع الظاهرة داخل المؤسسة التعليمية، كما نوّه بالعمل الجبار الذي تقوم به مديرية الأمن الوطني خاصة امن ولاية الجزائر و الدرك الوطني من اجل الإمساك بقتلة المجتمع الجزائري وفي الشبكة العنكبوتية والذين أصبحوا يعملون على توريط البراءة في قضايا خطيرة عبر الانترنيت.