طباعة هذه الصفحة

“الشعب” تقف على آثار التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية

الجريمـة الصامتـة العابـرة للقـارات ... مازالــت تقتـل الإنسان والبيئـة

الاتفاقيات الدولية تفرض على فرنسا تطهير المنطقة من النفايات النووية حفاظا على المحيط وصحة البشر

السرطان والإجهاض والتشوهات.. ثمن الجريمة

ضرورة تمويل باريس لدراسات حول تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية

خلّفت التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية نفايات ضخمة منها ما تمّ دفنه تحت الأرض ومنها ما بقي فوق سطحها ، ناهيك عن الاشعاعات المنتشرة عبر ربوع المنطقة التي شهدت تجارب نووية تعد الأقوى عبر تاريخ البشرية، حيث خلّفت وراءها ضحايا كثيرين من البشر وأضرارا بمختلف مناحي الحياة والبيئة.وتسعى “الشعب” بعد 67 سنة من أول تفجيرات نووية في الصحراء الجزائرية بمناطق رقان والحمودية وتنزروفت ـ وعين ايكر بتمنراست الى معرفة أخطار ترك النفايات على البيئة والحياة البشرية، وعن ما يمكن القيام به لتطهير المنطقة من خطر هذه النفايات النووية التي تبقى جريمة ضد الانسانية ستظلّ تتابع فرنسا مدى الحياة.

ذكر المركز الوطني للبحث والدراسات في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، أن الاستعمار الفرنسي قد أجرى 17 تجربة نووية من 13 فبراير 1960 إلى 16 فبراير 1966، حيث كانت التجربة الأولى في 13 فبراير 1960 بقوة 70 كطن، وسميت بعملية اليربوع الأزرق، أما التجربة الثانية فكانت في الفاتح فبراير من نفس السنة بقوة  05 كطن وسميت عملية اليربوع الأبيض. وأتبعت تلك التجارب بعمليتين أخريين في 27 ديسمبر 1960، و25 أفريل 1961 بطاقة 10 كطن.  
وقامت فرنسا بين 1961 و 1966 بـ 13 تجربة باطنية منها أربع لم يتمّ احتوائها بصفة آمنة وبلغت طاقة مجموع تلك التجارب 405 كطن وأخطرها كانت تجربة “روبي” في 20 أكتوبر 1963 بطاقة 100 كطن وتجربة “سفير” في 27 فبراير 1965 بطاقة 150 كطن.
وذكرت الدراسة التي نشرها المركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، أن اختيار منطقة رقان جاء بعد دراسات معمقة، حيث كشفت الاستطلاعات العامة والدراسات الاستراتيجية إلى اختيار رقان كمجال جغرافي أمثل لإجراء وتنفيذ مشروع التجربة النووية الفرنسية وذلك في جوان 1957، وأن تكون قاعدة التفجيرات منطقة الحمودية غير البعيدة عن رقان، ومنطقة “تانزروفت” القريبة من الحمودية نقطة الصفر أي النقطة التي يطلق منها التفجير. وكان المسؤول المباشر على المشروع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الجنرال” شارلي ايلات”.
وتمّ اعتبار رقان قبل إجراء التجربة منطقة محرّمة قٌسّمت إلى ثلاث مناطق رئيسية، فالمنطقة المركزية تبلغ مساحتها 6000 كلم مربع، وقد مُنع الطيران فوقها بصفة دائمة  ابتداءً من 15 أكتوبر 1959. أما المنطقة المحيطة برقان فتمتد على مساحة 50 كلم مربع أُطلق عليها اسم “المنطقة الزرقاء” ومُنع الطيران فوق أراضيها على ارتفاع أقل من 3000م أثناء الست ساعات التي تعقب وقت الانفجار.
وتحتوي المنطقة الثالثة المنطقتين السابقتين، وأطلق عليها اسم “المنطقة الخضراء” ويبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 200 كلم وطولها من الشمال إلى الجنوب 150 كلم، ومنع تحليق الطيران فوقها على ارتفاع أقل من 3000م مدة 12 ساعة التي تعقب ساعة الانفجار.
وأمام حجم هذه التجارب المرعبة أكد الخبراء أن النفايات النووية والإشعاعات تتطلّب قرونا للتخلص منها وتستدعي عدم السكوت عنها وضرورة حشد كل الطاقات الحيّة في العالم من أجل إعادة الحياة لهذه المساحات الميتة من بلادنا وتخليص مئات الآلاف من الجزائريين من جحيم الاشعاعات.
وكان لتلك التفجيرات انعكاسات سلبية وآثار وخيمة على الانسان والبيئة جعلت الصحراء الجزائرية مقبرة للنفايات، إذ أنه بعد رحيل القوات الفرنسية من قواعد التجارب النووية، وضعت حفرا عميقة جدا بواسطة الآلات الضخمة، وكدّست بها كامل المعدات والآلات المستعملة في تنفيذ الأشغال الثقيلة والنفايات من مواد كيميائية وبيولوجية ومواد إشعاع، دون مراعاة المقاييس العالمية في هذا المجال، وهو ما جعل خطرها يتوسّع  على الطبيعة والإنسان.
وعرفت المنطقة كذلك ظهور عدة أمراض خطيرة وقاتلة في مقدمتها مرض السرطان، والعقم وإجهاض النساء، وتسجيل حالات تشوّه في المواليد الجدد ووفاة الكثير منهم.
وكشف تقرير يتضمن حالات مرض السرطان والتشوهات الخلقية حصلت عليه “الشعب” من جمعية الغيث القادم لمساعدة مرضى السرطان الناشطة برقان تؤكد أن من 1996 إلى 2016، تمّ إحصاء 286 حالة سرطان وتشوّه خلقي، وهي الاحصائيات التي تمّ ضبطها في المنطقة، ولا يدرج معهم المئات أو الآلاف الذين ذهبوا خارج مناطق التجارب للتداوي والتشخيص وهم يُعدّون بالمئات، ولا يحصون مع مرضى المنطقة، حيث يتمّ احتسابهم في الولايات التي يقومون فيها بالتشخيص والتداوي.
وفي تحليل للإحصائيات فهي في ارتفاع متزايد، حيث من 1996 التي عرفت 05 حالات وصلت في 2015 إلى 47 حالة ومن 2011 إلى 2016 فعرفت المنطقة 189 حالة سرطان وتشوّه خلقي، وهي ما تمثل أكثر من 60 بالمائة من الحالات التي تمّ تسجيلها منذ 1996.
وأكد عبد الرحمن تومي في تصريح لـ«الشعب” أن انتشار هذه الأمراض أكيد له علاقة بالتفجيرات النووية ولكن المختصين هم أدرى بهذا الأمر، ولكن ما يحز في نفوس أهل رقان غياب الأطباء الاختصاصيين والتجهيزات الخاصة بالكشف المبكر عن مرض السرطان والتشوّهات الخلقية.
وأوضح نفس المصدر، أن الاحصائيات الخاصة بسنوات الستينات والسبعينات والثمانينات منعدمة لدى الجمعية، في ظلّ نقص الامكانيات وعدم توفر الامكانات اللازمة لذلك.
ومن الناحية البيئية تعرف المنطقة تأثر المنتوج الزراعي الذي ما فتئ يتناقص، مع التخوف من تلوّث آبار المياه… وحرمان المنطقة من أراض شاسعة يمكن أن تكون قيمة مضافة للتنمية المحلية.
وتضاف هذه التفجيرات النووية التي عرفتها الجزائر الى 2004 تفجيرا نوويا عرفها العالم من أوت 1945 الى غاية سبتمبر 2016، حسب الخبير عمار منصوري منها 524 فوق الأرض والأخرى باطنية وهو ما يجعل كل الكرة الأرضية ملوثة ومهدّدة بالمزيد من الكوارث والأمراض. وعليه فكل العالم معنيا بقضية التفجيرات النووية والنضال من أجل وقف تدمير البيئة والإنسان، وإجبار الدول  المتسببة في هذه الكوارث والدمار من تحمل مسؤوليتها موضحا بأنه يجب تركيز الجهود للتعريف بأن كل الكرة الأرضية تأثرت بمخلفات الاشعاعات النووية، وليس الدول التي تعرضت للتفجيرات فقط، وقال لـ«الشعب” في هذا الشأن “القوانين في أمريكا تمنح صفة ضحية التفجيرات النووية لكل فرد كان متواجدا على بعد 700 كلم عن المنطقة صفر من التفجير، ولنا أن نتخيل عدد الأفراد المتضررين”.
ويبقى خطر 524 تفجيرا نوويا فوق الأرض قائما، خاصة من خلال انتقال الاشعاعات وانتشارها عبر الهواء والتراب وغيرها من المعادن والآلات التي استعملت في التفجيرات.

فرنســــا مسؤولــــة ... لكن بعد الاعتراف؟
كشفت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم المختصة في الدفاع عن ضحايا التجارب النووية، أن فرنسا تبقى مسؤولة على تحمّل تبعات ومسؤولية تطهير مناطق التجارب النووية، وما جاورها من النفايات النووية بحكم القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية، وأوضحت في حوار مع “الشعب” أن هذا لن يتأتى إلا بعد اعترافها بجرمها.
واستندت نفس المصدر في حكمها هذا على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 1998، حيث أكد في ديباجته “الجرائم الخطيرة تهدّد السلم والأمن والرفاه في العالم”.
وأشار كذلك، “...وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألاّ تمرّ دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعّال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي”.
وتشير المــادة “5” من الاتفاقية التي أمضت عليها فرنسا في 1998 وصادقت عليها في 2002، إلى مجالات اختصاصها وهي جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.
وفصلت المادة 8 في جرائم الحرب التي تنطبق على التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر وهي “الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أوت 1949” وتشمل القتل العمدي، التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية، مع تعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة”.
ومن جرائم الحرب التي قامت بها فرنسا وتحملها الاتفاقية المسؤولية ما جرى أثناء التفجيرات وبعدها من أضرار على صحة البشر والبيئة ما جاء في الجزء العاشر من المادة الثامنة التي فسّرت بشكل دقيق في جرائم الحرب مؤكدة ، “إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفي للشخص المعني، والتي لا تجري لصالحه وتتسبّب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد”.
وهذه مادة صريحة تجعل من فرنسا مسؤولة على ما حدث في الصحراء الجزائرية، وبالتالي ضرورة تحمّل كل التبعات من خلال تعويض الضحايا، وملاحقة المجرمين وتطهير المنطقة مثلما حدث مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في بعض المناطق والجزر التي أجروا فيها تجارب وتفجيرات نووية.
وعادت المحامية للسياق التاريخي للتفجيرات منذ 1957، تاريخ طلب فرنسا من الأمم المتحدة اجراء تجارب نووية لتدخل النادي النووي وتحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية التي أرعبت العالم بالقنابل النووية التي ألقتها على “نقازاكي” و«هيروشيما” من خلال تقديمها لمعلومات مغلوطة لتأخذ رخصة اجراء التجارب في الصحراء الجزائرية، بعد أن انتهكت كل الأعراف من خلال اختطاف جزائريين،وأفارقة تمّ نقلهم لمناطق التفجيرات لبناء القواعد والمنشآت والآبار التي مازالت الى يومنا هذا  كما تحدثت عن نقل 150 محبوسا من سجن وهران استعملوا كفئران تجارب، وتحدث المؤرخ لحسن زغيدي عن 200 سجين تمّ نقلهم من سجن تلاغ بسيدي بلعباس. والغريب أن جنودا فرنسيين لم يتم ابلاغهم بإجراء التفجيرات وذهبوا ضحايا الاشعاعات المنبعثة، كما تحدثت تقارير فرنسية بعد أن تمّ رفع السرية عن جزء من الأرشيف الفرنسي حول حقيقة التفجيرات النووية في 2006 عن وجود 400 الف شخص في محيط التفجيرات النووية كان يمكن أن تمسهم الأضرار، ناهيك عن تلويث المحيط والمياه الجوفية،والهواء والتربة، حيث باتت المنطقة ميتة، وما يجعل الجزائر في موقع قوة هو عدم تقادم مثل هذه الجرائم.
وتحدثت بن براهم في مجلس الشيوخ الفرنسي بعد دعوتها لندوة فرنسية دولية في جانفي 2011، أمام مهتمين وخبراء وصحافيين من كل أنحاء العالم، عن كل الدلائل التي تؤكد مسؤولية فرنسا الجنائية،ودعت “إلى تعويض كافة مخلفات” التجارب النووية الفرنسية، التي أجريت بالصحراء الجزائرية “الصحية والبيئية”.
واعتبرت الأستاذة استرجاع الأرشيف إحدى شيفرات استكمال ملف إدانة فرنسا، وإجبارها على الاعتراف واسترجاع حقوق الجزائر والضحايا، وكشفت أنها قدمت توصيات في نهاية الندوة الدولية تشدّد على رفع “السر الأمني”، “حتى يكون الأرشيف وثائق مرجعية” للباحثين والخبراء، وحتى الهيئات الدولية  التي جاءت للجزائر لأخذ عينات من مناطق التفجيرات على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تصدر تقريرها حول التفجيرات الى غاية يومنا بضغط من فرنسا التي دخلت على الخط، وعملت كل ما في وسعها حتى لا تفضح أمام الرأي العام العالمي.  
وأقرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 22 ديسمبر 1995، أن الدول التي قامت بتجارب نووية هي التي تتحمل كل النفقات المترتبة عنها من تعويضات للضحايا والتكفل بإزالة مخلفات تلك التجارب، وأيضا التأثيرات على الإنسان والبيئة، ويعتبر هذا الأمر مهما للجزائر لكن يبقى مشكل الاعتراف من فرنسا هو زاوية حل عقدة ملف التجارب النووية من خلال الحصول على الأرشيف والخرائط الخاصة بمناطق التفجيرات وكذا ملفات مكونات القنابل النووية التي تمّ تفجيرها، وكل هذا ترفضه فرنسا رفضا قاطعا وقامت بتصنيفه في خانة سري للغاية، وربطته بالأمن القومي الفرنسي. وإجراءات تسليمه ستكون معقدة وصعبة بالنظر لتعقّد وتشابك الملف، خاصة وأن الدراسات أكدت مشاركة اسرائيل مع فرنسا في الأبحاث النووية والتخطيط لتجريبها في الجزائر.
ودعا المؤرخ لحسن زغيدي المجتمع المدني ووسائل الاعلام الى التركيز على ما وقع من تفجيرات في الصحراء الجزائرية ونقله إلى مختلف منابر العالم للضغط على فرنسا من أجل تحمل مسؤوليتها وتشرع في تطهير المنطقة من مخلفات التجارب النووية، موضحا في رده على سؤال لـ«الشعب” حول تأثير الدراسات العلمية على الضغط على فرنسا، حيث أكد، “صحيح أن الدراسات العلمية أمر مهم جدا لتثبيت وتوفير دلائل الجريمة ولكن يبقى المجتمع المدني ووسائل الاعلام صاحبة الريادة في مثل هذه القضايا.
ومن جهته شدّد الخبير في العلوم الذرية عمار منصوري عن أهمية مواصلة توثيق الجرائم النووية والكيماوية الفرنسية في الجزائر، وهذا من خلال تقصي الحقائق علميا وإعلاميا وكل ما من شأنه أن يعزّز التراكمات في هذا الملف حتى يشكّل رأيا عاما عالميا ويجعل فرنسا تستسلم للأمر الواقع، خاصة في ظلّ التحركات الكبيرة التي شهدها هذا الملف في السنوات الأخيرة، وتغيّر الرأي العام الفرنسي الذي بات يميل للاعتراف بالجرائم ضد الانسانية وهو ورقة ضغط تضاف لبروز تعديلات على قانون موران الذي يعترف بضحايا التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في مختلف مستعمراتها القديمة.   

السرطان والتلوث النووي بلغ إفريقيا وحوض المتوسط...
أشار المؤرخ لحسن زغيدي إلى أن الدراسات التي قام بها والتي اطلع عليها حول التجارب النووية في الصحراء الجزائرية بأن آثارها لن تُمحى نهائيا موضحا بأن الاشعاعات النووية بإمكانها النشاط من 10 ثواني الى 10 مليون سنة، أي أن جرائم فرنسا ستتسم بالاستمرارية.
وأكد نفس المصدر لـ«الشعب” ان خريطة التجارب النووية الفرنسية التي تمّ الكشف عنها في أفريل 2014، قد أكدت أن آثار التجارب قد وصلت الحدود الليبية وتشاد ونيجيريا، وكوت ديفوار، ومعظم دول غرب افريقيا وانتقلت الى دول شمال افريقيا، وجنوب المتوسط من اسبانيا الى جنوب فرنسا، وايطاليا واليونان وتمّ تسجيل حالات سرطان ـ أكثر من 16 نوعا من السرطان - ورفع دعاوى قضائية بعد أن أكدت التحقيقات أن التجارب النووية الفرنسية قد انتشرت في الكثير من المناطق عبر مختلف أنحاء العالم.
من جهته، الخبير في الطاقة الذرية عمار منصوري تحدث لـ«الشعب” أن التخلص نهائيا من آثار التجارب النووية سيكون مستحيلا، موضحا بأن ما قامت به فرنسا لا يمكن إزالته ولكن يمكن التقليل منه فقط، وأن أكبر رهان اليوم هو حماية الأجيال القادمة من مختلف أنواع الأمراض التي تخلفها التجارب النووية وخاصة الجزائر التي عرفت تجارب كيماوية في سنوات العشرينات ببني ونيف ببشار ووادي الناموس، كما أن التفجيرات مازالت تقتل الى غاية يومنا هذا، وكل فرد يجب أن يقرأ حول أخطار تفجير مادة البلوتنيوم في الهواء الطلق أنه أمر مرعب.  
وكشفت المحامية بن براهم أن السحابة النووية التي خلفتها التفجيرات وصلت آثارها الى غاية جنوب افريقيا وعاودت الرجوع الى غاية  الحوض المتوسطي، حتى ان اسبانيا شهدت في بعض السنوات التي تلت التفجيرات سقوط امطار سوداء وبعد التحري والتحاليل اكتشف الاسبان ان تلك الأمطار نابعة من سحابة نووية عبرت المنطقة وهي التي تسببت فيها التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية.
وقالت بن براهم أن تلك الآثار بلغ مداها مرسيليا وجنوب ايطاليا وتمّ تسجيل حالات كثيرة من امراض السرطان تبين فيما بعد انها من تبعات التفجيرات النووية، وهو ما دفع بالضحايا الى رفع دعاوى قضائية ضد الدولة الفرنسية.

  النفايــات الموجودة في الجزائر ...الأخطر؟؟
اعتبر الباحث عمار منصوري النفايات النووية المتواجدة في الصحراء الجزائرية بالخطيرة جدا، خاصة وأنها تركت مرمية في أماكن التفجيرات، وهو ما جعلها تنتشر عبر الهواء والرمال المتنقلة عبر الرياح والعواصف الرملية وبالتالي انتقالها الى الكثير من المناطق الأخرى.
وما يزيد في خطورة النفايات النووية التي خلفتها التفجيرات، والتي أكد المؤرخ لحسن زغيدي بأنها كانت اسلحة ومعادن، وأقفاص حيوانات ونباتات مازال جزء كبير منها شاهدا في المنطقة، حتى ان منطقة عين ايكر بتمنراست المعروفة بالصناعة التقليدية ذهب الكثير من الضحايا فيها بسبب استعمالهم للنحاس الذي استعمل في التجارب، حيث تؤكد الشهادات أن فرنسا قامت بجلب آلاف الأمتار من كوابل النحاس للمنطقة لتجريبها، وأمام نقص الوعي وعدم الإلمام بالمخاطر تمّ تسجيل في وقت سابق الكثير من الضحايا بسبب تلك الغنائم المسمومة.     
وكشف الخبير في الطاقة النووية أحمد محمدن في مقال نشره على موقع مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية، أن تصنيف النفايات النووية يتحكم فيها عاملان وهما غزارة الإشعاع ونصف العمر موضحا”... أن نصف العمر يترواح بين جزء صغير من الثانية وبلايين السنين” وهو ما ينطبق على الجزائر التي تؤكد فيها كل الدراسات والآراء أن تلك التجارب لن تزول إلا بعد مرور قرون من الزمن، حيث أكد رئيس جمعية الغيث القادم عبد الرحمن تومي عن 24 ألف سنة للتخلص تلقائيا من تلك النفايات مثلما استقاه من خبراء التقى معهم في مختلف الملتقيات والندوات التي حضرها.  
وتصنف مخلفات التفجيرات التي عرفتها الصحراء الجزائرية في مصف النفايات الثقيلة وهي النفايات الغزيرة الإشعاع الطويلة العمر، ورغم أن حجمها الإجمالي لا يتجاوز 3% من نفايات العالم، فإنها تحتوي على 95% من التلوث الإشعاعي. ومن هنا يتطلب التعامل معها مزيدا من الحيطة والحذر.
هذه النفايات حسب أحمد محمدن تشمل الوقود النووي المستعمل ونواتج الانشطار الثانوية وكثيرا من العناصر الثقيلة ذات الأعمار الطويلة. وبسبب طبيعة النشاط النووي لهذه المواد.
ويقترح الخبراء 3 طرق للتخلص من النفايات النووية أهمها تلك المتعلقة بمعالجة النفايات النووية الثقيلة، وطريقة التحويل هي التي يمكن أن تفيد الجزائر، وتعني تحويل النفايات المتبقية بعد “التصنيع إلى مواد أقصر عمرا أو أخف إشعاعا أو أقل ضررا على البيئة.
وتبقى طريقة التخزين من أنجع الطرق كذلك كآخر ورقة للتخلص من النفايات النووية لأن أعمار هذه الإشعاعات تصل ملايين السنين وبالتالي لا بد من دراسة خيارات التخزين وسلامته بشكل دقيق. على أن الإنسان مهما بذل من جهد لن يستطيع حساب كوارث المستقبل القريب على غرار الزلازل.
وكشف ذات الخبير أن الإشعاع يتناقص مع الزمن بعلاقة أسية، فإن كمية الإشعاع المفقودة في السنوات العشر الأولى لا يفقد مثلها إلا في المائة عام التالية وهكذا. لذلك فإن النفايات الثقيلة تخزن في موقع إنتاجها بين 10 سنوات و50 سنة قبل نقلها إلى محطات المعالجة.
ثم ما استعصى على المعالجة يهيأ لتخزين أبدي فيكبس في الزجاج ثم في الإسمنت ثم في أسطوانات شبيهة بقارورات غاز الطبخ المنزلي من حيث الشكل ولكنها أكثر تحملا للضغط والحرارة وأشدّ مقاومة للصدأ، بحيث لا تستطيع قوة بشرية أو صناعية معروفة أن تكسر هذه الأسطوانات، أو هكذا يراد لها على الأقل. وأخيرا تطلى هذه الأسطوانات بخزف مانع من تسرب الماء إليها.
ثم يلزم أن يكون التخزين في مكان آمن من الزلازل والبراكين وما شابهها من الظواهر الجيوفيزيائية التي تؤثر على تضاريس الأرض.
كما يشترط أن تكون بعيدة عن أيدي الإنسان. ويتحتم أن تكون هذه النفايات معزولة عزلا تاما عن المياه الجوفية والتربة حتى لا تتسرب إلى السلاسل الغذائية والنظم البيئية. كما أن هذه الشروط يجب توفرها على امتداد أزمان جيولوجية من ملايين السنوات.

المجتمع المدني يطالب فرنسا بتطهير المنطقة...
طالب المجتمع المدني برقان وتمنراست فرنسا بتطهير المنطقة من النفايات النووية كجزء من اعترافها بهذه التجارب البشعة التي دمّرت البيئة والإنسان على حدّ سواء.
وأكد سيدي عمر الهامل رئيس جمعية 13 فبراير 1960 ـ تاريخ إجراء أول تجربة نووية برقان - أن تطهير المنطقة من النفايات النووية مثلما تحدث عنه جميع الخبراء سيكون مهمة صعبة وعسيرة تتطلب تقنيات عالية ومتطورة، وأظرفة مالية ضخمة داعيا فرنسا إلى تحمل مسؤولياتها والعمل على تطهير المنطقة من مخلفات التجارب النووية، خاصة وأنها دخلت النادي النووي بفضل تدمير الجزائر، ومنه فتقديمها للتجهيزات والتقنيات اللازمة للمساعدة على التلخص من تلك النفايات النووية جزء من تكفيرها عن المحرقة التي اقترفتها.
وأوضح رئيس الجمعية التي تنشط منذ 2000، أن عمليات التحسيس في أوساط السكان وتوعيتهم بمنطقة التجارب النووية وتطمينهم فيما يخص اجراءات الوقاية من التعرض لخطر الاشعاعات قد أتى ثماره، خاصة بعد تخلي المواطنين هناك عن الذهاب الى مناطق التجارب وجلب بعض المعادن والحديد الذي تمّ استعماله في التجارب لاستعماله في تغطية البناءات، خاصة بعد أن تعرض الكثير منهم لأمراض سرطانية وأخرى لها علاقة بالإشعاعات النووية.
وطرح في سياق آخر يعاني سكان رقان من تواجد ماكنات حفر استعملت في مرحلة التفجيرات تحت الأرض يرجح أنها استعملت في دفن تلك النفايات النووية، حيث يتمّ العثور عليها عندما يتمّ الحفر في المنطقة لبناء مساكن أو لإنجاز أشغال وهو ما يخلق نوعا من الاضطراب لدى المواطنين من خلال تخوفهم من امتداد رقعة التفجيرات النووية الى مناطق غير معروفة وقد تكون آهلة بالسكان.  
ويرى عبد الرحمن تومي رئيس جمعية “الغيث القادم” لمساعدة المرضى برقان أن المنطقة بحاجة الى اهتمام أكبر من خلال التكفل بسكان المنطقة خاصة من الناحية الصحية، حيث تنعدم أجهزة الكشف المبكر عن السرطان، حيث يضطر السكان الى الذهاب للعاصمة أو وهران للتأكد من إصابتهم.
وأوضح نفس المصدر الذي ينشط في القطاع الصحي أن المنطقة تعرف انتشارا كبيرا لأمراض العيون، والتشوهات الخلقية موضحا أن ضبط الاحصائيات الخاصة بالأمراض التي قد تكون ناتجة من منطقة التجارب النووية برقان صعبة جدا لأن المرضى يعالجون خارج المنطقة، وبالتالي يتم احصاؤهم في المناطق التي تلقوا فيها العلاج.
وأكد بالمقابل أن منطقة رقان تعرف تراجعا كبيرا في تربية الحيوانات والفلاحة موضحا أن حالات السرطان والتشوهات الخلقية، وإجهاض النساء في ارتفاع مستمر، وهو ما يتطابق مع ما يقوله الاختصاصيون الذين يؤكدون أن تأثير الاشعاعات النووية ستتضاعف بعد 50 سنة، إذا لم يتم معالجتها، مع امكانية انتشارها خارج منطقة التجارب بآلاف الكيلومترات.
ودعا الى ضرورة اجراء أبحاث حول امكانية تأثير الرمال المنقولة من مناطق التجارب النووي بفعل الرياح على حياة السكان، ناهيك عن ضرورة متابعة أسباب تراجع الانتاج الفلاحي والحيواني.
وفي المجال الصحي دائما، أكد بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان لـ«الشعب” أن مسؤولية فرنسا في التفجيرات النووية تبقى قائمة بحكم القانون والأعراف، والمعاهدات الدولية، وهي مطالبة حاليا بضرورة إجراء دراسات معمقة حول درجات التلوث الاشعاعي للمنطقة موضحا بأن اجراء التحاليل على التربة والهواء والمياه الجوفية أمر مهم للغاية حتى تتمكن الهيئات الصحية من تشخيص أنواع السرطانات المنتشرة بالمنطقة والتي تتزايد بشكل كبير، ناهيك عن حالات التشوه الخلقي ومختلف أمراض العيون التي تبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتفجيرات النووية التي ستكون لها عواقب وخيمة إذا لم تتحرك فرنسا وتتحمل مسؤوليتها تجاه سكان المنطقة.
وطالب بالمقابل باريس التكفل صحيا بالضحايا سواء بالمنطقة من خلال بناء مستشفيات ومراكز متخصصة أو بنقلهم إلى فرنسا لمواصلة العلاج.
وقال بركاني أن الأضرار البيئية تتطلّب تكنولوجية عالية، وكذا الكشف عن الخرائط الخاصة بمناطق التفجيرات لتطهيرها نهائيا وتخليص الجزائر من هذه الكارثة والجريمة ضدّ الانسانية.    
وتوقف المؤرخ لحسن زغيدي عند المجال الصحي وأوضح لـ«الشعب” أن الدراسة والإحصائيات التي تحصل عليها تؤكد أن سكان الصحراء الجزائرية مازالوا يتعرضون للإشعاعات ومختلف أنواع السرطانات التي هي في ارتفاع مستمر، وقال أن أمراض العيون منتشرة بقوة وحتى العمى الذي يصيب الكثيرين في المنطقة راجع الى التجارب النووية، ناهيك عن التشوهات الخلقية، وانتشار العقم في ظاهرة تجمع كل النظريات بأنها مرتبطة بالتجارب النووية.   
وقال عمار منصوري أن دراسات بريطانية حديثة أجريت حول الأمراض في مناطق التجارب النووية وأثبتت أن 22 جيلا  تلت فترة التجارب ستكون كلها مهدّدة بأمراض السرطان والتشوهات وغيرها من الأمراض الأخرى التي تعرفها مناطق التجارب النووية.
وأشار في سياق متصل، أن سبب تهرب فرنسا من تحمل مسؤوليتها فظاعة الجريمة، وكذا التكاليف الباهظة جدا التي يتطلبها تطهير مناطق التفجيرات.

باريس مطالبة بتكوين خبراء جزائريين لإزالة الإشعاعات
بررت الجهات القانونية إصرارها على المطالبة بالحصول على الأرشيف حتى تعرف عدد الجزائريين ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية، سواء الذين تمّ توظيفهم لتطهير المواقع النووية دون مراعاة اجراءات السلامة والوقاية التي تتطّلبها مثل تلك المناطق التي تعرضت للإشعاعات، وحتى رفع السرية عن الأرشيف ستكشف عدد الضحايا بشكل دقيق.
وترى بن براهم أن استرجاع الأرشيف سيجعل السلطات تحدّد بدقة أماكن التفجيرات، والتجهيزات التي تمّ تركها في مناطق التجارب، بما فيها أقفاص الحيوانات التي تمّ تجريب التفجيرات عليها، ما يؤكد ان المنطقة كانت تعجّ بالحياة البرية ومتنوعة بيولوجيا، وهو ما يدحر ادعاءات فرنسا بأن المنطقة كانت خالية، وميّتة.   
وشدّدت بن براهم مثل ما أكد عليه رئيس عمادة الأطباء بقاط بركاني على ضرورة تكفّل السلطات الفرنسية بضمان المتابعة الطبية لمختلف ضحايا الإشعاعات النووية، بإنجاز منشآت صحية متخصصة للتكفل بالأمراض الإشعاعية التي يعاني منها ضحايا التجارب النووية الفرنسية من الذين عاشوا التفجيرات وذويهم وأولادهم من أجيال الاستقلال.
وقالت المحامية، إن مرحلة التشخيص المبكر تبقى مهمة جدا للمرضى من اجل انقاذهم من المضاعفات الخطيرة قبل بدء مرحلة التكفل الملائم المعتمد في الحالات الشبيهة، على غرار ما فعلته باريس في بولينيزيا وما قامت به الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا في استراليا.
ودافعت في سياق متصل عن تعويض الضحايا الجزائريين وفقا للنماذج الأمريكية  “مارشال 2” ، والمملكة المتحدة باستراليا وفرنسا - بولينيزيا”، حسب مبدأ موازاة الأنماط، والعمل على وضع نظام مراقبة لمناطق التفجيرات النووية، مثلما حدث في مختلف مناطق العالم.
 واعتبرت في الوثائق التي قدمتها أمام مجلس الشيوخ الفرنسي بأن مناطق، الحمودية، و«هضبة رقان” و«إن يكر” ،«تاوريرت تان افلا” و«تان اترام”، التي تعرضت لتفجيرات نووية ما بين 1960 و1966، مصنّفة في خانة التفجيرات الملوثة جدا وقتلت البشر والحياة البرية وستستمر مضاعفتها طيلة 24 ألف سنة. كما أفرزت أكثر من 36 نوعا من الأمراض.
وفي سياق متصل، تساءلت بن براهم عن سرّ رفض فرنسا بعد اقرار قانون موران في 2010، الخاص بتعويض ضحايا التفجيرات النووية في استثناء الضحايا الجزائريين من التعويضات.
وعرف القانون الاعتراف وتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية مراجعة في 2013، فضلا عن صدور 3 مراسيم (2010 ،2012 ،2014 )، ولكنه ظلّ متجاهلا الجزائر خوفا من وقوعها في اتهامات الاتفاقيات الدولية بضرورة تحمل تبعات تجاربها النووية في الجزائر،ومن أصل حوالي 800 ملف تمّ وضعها على مستوى مصالح قدامى المحاربين في الجزائر لم يتمّ قبول أي واحد  بداعي أن الأمراض المذكورة غير مدمجة في قائمة الأمراض المعترف بها في قانون “موران”، كما برّرت السلطات الفرنسية أن فترة ما بعد 1967، غير مدرجة في هذا القانون.
وكشف الخبير والمتابع لملف التفجيرات النووية في الجزائر عمار منصوري، أن فرنسا قرّرت سحب المادة 113 من قانون موران التي كانت تقف وراء منع الكثير من الفرنسيين والجزائريين والكثير من الضحايا الذين رفضت ملفات تعويضهم، وبالتالي ستكون هناك امكانية لتعويض ضحايا آخرين، ولكن هذه الخطوة الايجابية التي تمّ اتخاذها في فبراير 2017، تعرف صراعات كبيرة داخل فرنسا حتى أعضاء اللجنة المكلفين بدراسة ملفات التعويض استقالوا جميعهم احتجاجا على سحب المادة 113.
وعلق في سياق متصل على هذا التراجع بالضغوطات الكبيرة التي تفرضها منظمات غير حكومية وجمعيات المجتمع المدني وصحافيين وباحثين على الدولة الفرنسية التي باتت محرجة جدا أمام االرأي العام الفرنسي والعالمي.

الملف قضية دولة...
أعلنت السلطات العليا في البلاد، دعمها ومساندتها المطلقة لضحايا التجارب النووية في 2006، حيث تبّنت الدولة الجزائرية الملف وبدأت الكثير من التحركات لإجبار فرنسا على الاعتراف بجرمها واتخاذ الاجراءات اللازمة للمساعدة في التكفل بضحايا التفجيرات النووية والمساهمة في تطهير البيئة من مخلفاتها القاتلة.
وجدّدت أعلى السلطات في الجزائر من خلال الرسالة التي وجهها الرئيس بوتفليقة للأمة بمناسبة الذكرى الـ 65 لعيدي الاستقلال والشباب التمسك بحقّ متابعة ملف الجرائم التي اقترفتها فرنسا حتى الحصول على حقّ الأمة في الاعتراف والتعويض والاعتذار، وهو حق للجزائريين وواجب على السلطات وجاء في الرسالة “....حقا، لقد أبلى الشعب الجزائري، على مدار القرون، بلاء ما فوقه من بلاء في  مقاومة لا هوادة فيها لسائر الغزاة الذين ابتلي بهم تباعا وكان آخرهم المحتل الفرنسي الذي تأتّى طرده بعد 132 سنة من المعاناة والآلام بفضل تلك المقاومات التي توجتها الثورة التحريرية المباركة التي نالت إكبار العالم أجمع”.
 واعتبرت الجزائر اهتمامها بماضيها وبذاكرتها نقطة فخر واعتزاز،واعتراف لأسلافنا، وليس لأمور أخرى كما يحاول البعض الترويج له،مؤكدا”...  من خلال استذكار الماضي وما تكبدناه فيه من مآس تحت وطأة الاحتلال الفرنسي إنما نمارس حقّنا في حفظ الذاكرة وفاء لأسلافنا الذين قاوموا فاستشهد منهم الملايين وسجن منهم مئات الآلاف أو أخرجوا من ديارهم بينما جرد ملايين آخرون من أراضيهم وممتلكاتهم. إننا نمارس حقّنا في حفظ الذاكرة وفاء لشعبنا الذي ضحى بمليون ونصف مليون من أبنائه وبناته لكي يسترجع سيادته الوطنية واستقلاله.”
وطالبت السلطات من فرنسا تحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية تجاه ما اقترفته من جرائم مثلما أوردته الرسالة”....  ليس في هذا التذكير بالماضي أية دعوة إلى البغضاء والكراهية حتى وإن ظلّ  شعبنا مصرا على مطالبة مستعمر الأمس بالاعتراف بما اقترفه في حقّه من شر ونكال”.
وأشار الطيب زيتوني وزير المجاهدين مؤخرا أن الجزائر طلبت رسميا من باريس ضرورة مراجعة قانون “موران” الخاص بالتعويضات الفرنسية لضحايا التجارب النووية بالجزائر، مؤكدا أن ملف الذاكرة الوطنية ملف لا يمكن نسيانه ولا يمكن التنازل عنه، وعلّق على قانون “موران” بأنه قانون لا ينصف الجزائريين من ضحايا التجارب النووية.
كما تحدّث وزير المجاهدين عشية ذكرى عيد الاستقلال، أن اللجان المشتركة المنصّبة بين الجزائر وباريس لمعالجة مختلف قضايا الذاكرة ستدرس قضية التعويضات لضحايا التجارب النووية، مؤكدا بأن السلطات لن تسمح في الملف وأن تحركات المجتمع المدني والباحثين والمؤرخين والإعلاميين بين ضفتي المتوسط بدأت تشكل ضغطا رهيبا على السلطات الفرنسية لتحمل مسؤولياتها تجاه الجرائم التي ارتكبتها في الجزائر، ومنها التفجيرات النووية، موضحا بأن 50 بالمائة من الشعب الفرنسي بات مع الاعتراف بجرائم فرنسا الوحشية، وقال بأن الرئيس ايمانويل ماكرون قد اطلق تصريحات في هذا الاطار أثناء حملته الانتخابية في انتظار تجسيد الاعتراف وما يتبعه ميدانيا.
وقامت فرنسا بقبول مناقشة ملف تعويضات الجزائريين ضحايا التجارب النووية في اللجان المشتركة المنصبة بين البلدين التي ستواصل اجتماعاتها شهر سبتمبر المقبل.     
وطالب الخبير عمار منصوري بضرورة التحرك على مستوى الملتقيات والندوات الدولية للعمل على تنظيم ندوة أو ملتقى دولي تحت إشراف الأمم المتحدة للتنبيه بضرورة خطر التجارب النووية العالمية على المعمورة، فالكل معني بالأضرار ومنه جلب تأييد الرأي العام العالمي وربط كل قضايا التفجيرات النووية مع بعضها البعض،للوصول الى حلول واقعية لما بعد التجارب وهو تطهير العالم من النفايات النووية والتقليص من خطر الاشعاعات، التي مازالت تقتل الى يومنا هذا.
كما تعتبر الندوات والملتقيات فرصة لجلب كبار الاختصاصيين في هذا المجال وخاصة اليابانيين الذين أعادوا الحياة لهيروشيما ونقازاكي،والروس الذين تصدوا لكارثة تشرنوبيل وحتى الأمريكان والبريطانيين الذي لهم تجربة مهمة في استراليا، وحتى الفرنسيين الذين قاموا بتطهير المناطق التي مسّتها الأضرار النووية ببولينيزيا ووضعوا أنظمة تنبيه متطورة جدا، وهو ما من شانه أن يعزز طلبات الجزائر في المساعدة على تطهير الصحراء من المخلفات الكيماوية والنووية.
وأشار منصوري إلى تسجيله للكثير من الأصداء الايجابية من مختلف الخبراء في العالم لمساعدة الجزائر على تطهير صحرائها من مخلفات التجارب واستعادة الحياة في تلك المناطق التي باتت ميتة.

دور الإعلام مهم للتعريف بالملف والضغط...
أكد الصحفي رمضان جعفري من إذاعة أدرار، أن التناول الاعلامي لقضية التفجيرات النووية في رقان بعيدا عن الاحترافية لأن ابقاء التغطيات على ظروف اجراء التجارب النووية دون التطرق لمخلفاتها وآثارها أمر يدفع الى الحديث عن مدى وجود احترافية في مختلف وسائل الاعلام، موضحا في تصريح لـ”الشعب”.. في الواقع الاهتمام الاعلامي بملف التفجيرات النوويه الفرنسيه.. لم يكن في المستوي الذي يعكس بشاعة وفظاعة المأساة، وتأثيراتها السلبيه علي الانسان والبيئه والمنطقة عموما، لأن الاهتمام الاعلامي بالملف اقتصر على المناسبات فقط.. يعني اقتصر على 13 فيفري، وبعد هذا التاريخ يتم التعتيم.. وأضاف: “منطقه رقان تعاني في صمت جراء هذه التفجيرات امراض سرطانيه، امراض للعيون تشوهات خلقيه، اضرار بيئيه، نفايات موجوده حتى الآن....الاعلام عالج الموضوع بصورة بسيطة ولم يبحث في عمق الموضوع.. المتابعة المستمره على مدار العام تكاد تكون شبه غائبه.....البحث في عمق المشكل والبحث عن الأسباب والمسبّبات...للفت انتباه صناع القرار...الخبراء....الباحثين والدراسات التي تثبت تأثيرات التفجيرات النوويه على المنطقه ومعاناتها حتى الآن...”
وأشار عزيز طواهر صحفي جريدة “صوت الأحرار”، أنه تنقّل لرقان مرتين بين 2009 و2011 وأنجز عدة ربورتاجات حول مخلفات التجارب النووية، خاصة على صحة الانسان مؤكدا بأن الواقع يخفي الكثير من الأمور لأن حجم التجارب مثلما وقف عليه لا يمكن وصفه في ربورتاج أو تحقيق بل يتطلّب الأمر تركيزا اعلاميا طويل المدى حتى نشكل رأي عام حول القضية التي تتطلب دعما عالميا بالنظر للمآسي التي خلفتها التفجيرات.

خبراء اقتصاديون..  التنمية لتعويض الجزائر وسكان المنطقة
يقترح الخبير الاقتصادي مبارك سراي الاقتداء بالتجارب اليابانية والروسية في التعامل مع الكوارث النووية التي ضربت منطقة رقان والعمل على تطهيرها، وتحويلها لمناطق استثمار وأقطاب اقتصادية بامتياز، ونزع الصورة السوداء التي ظلّت ملتصقة بالمنطقة.
دعا مبارك سراي في تصريح لـ«الشعب” أن رقان منطقة اقتصادية بامتياز يمكن أن تتحوّل إلى قطب استثماري ضخم إذا ما تمّ استغلال الامكانيات التي تتوفر عليها، وخاصة المياه موضحا بأنه ذهب للمنطقة رفقة 05 وزراء ووقف بنفسه على وفرة المياه التي لا تتواجد سوى على بعد 200 متر عن سطح الأرض وهي تتدفق بمعدلات مرتفعة ممكن أن تستغل في توليد الطاقة الكهربائية وبعث النشاط الزراعي من خلال توفير المياه لسقي الأراضي.
ويرى في سياق متصل، أن الجزائر بإمكانها التحرّك في مختلف المنتديات والمحافل العالمية لجلب الخبرات والتمويل اللازم لتطهير صحرائها من مخلفات التجارب النووية، والحصول على الدعم للضغط على فرنسا لتحويل التكنولوجيات المناسبة وإجراء الدراسات حول مناطق التلوث النووي والإشعاعي، ومنه رسم خريطة واضحة للمنطقة تحدّد المناطق الملوثة من عدما حتى يتمكن المستثمرون من النشاط هناك وانجاز مشاريعهم اللازمة، وكشف في نفس السياق أن رقان توجد بها 240 كلم مربع كمساحة قابلة للاستثمار والنشاط الزراعي الذي أثبت نجاعته.
ويقترح سراي تنظيم ندوة دولية توجه فيها الدعوة لخبراء الدول التي عرفت تجارب وتفجيرات نووية، وعرض مختلف التجارب لتطهير المناطق التي عرفت تفجيرات حتى تستفيد الجزائر من أحسن التجارب، على أن تخرج التوصيات بضرورة جلب الدعم التمويل للجزائر.
ويتنبأ ذات الخبير بمستقبل زاهر للمنطقة يكون متنفسا لسكان المنطقة والمناطق المجاورة لتعويضهم عن الضرر الذي يبقى كبيرا، ولكن يبقى الضغط على فرنسا وعدم تذكر المنطقة في المناسبات فقط كشرط مهم لتجاوز مرحلة التفجيرات التي قال ديغول بشأنها أنها ستقتل المنطقة ولكن الرد يكون “بأن الأمل سيولد في المنطقة بالإرادة”.
واعتبر فارس مسدور الخبير الاقتصادي أن منطقة رقان يجب أن تحظى بأولوية قصوى في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية طالبا من الجزائر أن تضغط على فرنسا لتطهير المنطقة من التفجيرات النووية كتكفير عن جرائمها ضد البيئة والإنسان، مؤكدا أن المنطقة ووفقا للدراسات تمتلك امكانيات استثمارية ضخمة يمكن أن تنعكس ايجابا على حياة السكان هناك والذين يستحقون كل الفضل بالنظر لتمسكهم بالأرض وتفضيلهم البقاء في المنطقة.
وأشار مسدور فارس إلى أن المنطقة تحتاج لمسح شامل لوضع مخطط تنموي يرد الاعتبار للمنطقة وينزع منها تلك الصورة السوداء، فرقان لمن لا يعرفها أكبر بكثير من أن تلصق بها التفجيرات النووية حتى يخيّل للفرد بأنه لا يستطع زيارتها.        
وفي نفس السياق، أكدت الاعلامية فاطمة الزهراء بن دحمان أن رقان تمكنت من الحصول على مشروع اقتصادي هام يتمثل في تحويل الطماطم الصناعية، ونجاحها في إقناع دول اوروبية للتفاوض حول استيراد الطماطم المجففة المعروفة بها المنطقة، وأشارت بأنها زارت المنطقة في 2015 رفقة وزير الفلاحة ووقفت على مختلف المشاريع الفلاحية المشجعة والتي يمكن أن تكون مؤشرا مهما على امكانية تجاوز وضع التفجيرات من خلال تطهير المنطقة والعمل على الاسراع في تجسيد هذا المشروع لحماية البيئة والإنسان والتخلص من كابوس التفجيرات.