طباعة هذه الصفحة

تتوفّر على 4 سدود بطاقة استيعاب تتجاوز 291 مليون م 3 ومحطة تحلية

سكيكــدة تعيـش أزمـة عطـش وتسويتها مؤجّلة إلى إشعـار آخــــــر

سكيكدة: خالد العيفــــة

 أكثر من 60 في المائة من المياه تضيع بسبب التسرّبات

  تعيش عديد الأحياء بمدينة سكيكدة أزمة عطش خانقة بعد أن عرفت انقطاعا في التزود بماء الشرب تجاوز الأسبوع، وذلك بسبب العطب الذي وقع بمحطة تحلية مياه البحر الكائنة بالمنطقة الصناعية الكبرى بالعربي بن مهيدي حسب تأكيدات المسؤولين القائمين على القطاع، الأمر الذي أحدث تذمّرا كبيرا من قبل السكان جراء هذا التذبذب في تزويد أحياء المدينة والبلديات المجاورة، ما جعل ظاهرة الصهاريج تزدهر بمختلف الأحياء السكنية وبشكل مريب، خصوصا وأن مصدر تلك المياه يبقى مجهولا. «الشعب» رصدت الوضعية وتنقل أدق التفاصيل في هذا الاستطلاع.
أعربت شريحة كبيرة من السكان المتضررة عن بالغ استيائهم من تأخر المصالح المختصة في تصليح العطب، الذي أجبرها على ترك أشغالها والبحث عن الماء في مختلف جهات الولاية أو الاضطرار إلى شرائه من الخواص في وقت تعذر على العائلات ببعض الأحياء السكنية جلب هذا المادة الحيوية.
 حيّا بوزليفة رابح وزيغود يوسف صورتان حيّتان عن المعاناة اليومية من التزود بالمياه الصالحة للشرب، حيث يعرف سكانهما الأمرين بسبب الانقطاع الحاصل بحي بوسط المدينة، نظرا للتذبذب المتواصل لعملية التوزيع والانقطاع الذي يمتد إلى أزيد من شهر على أقل تقدير، ولا يتم الحصول على المياه إلا لساعات قليلة لا تكفي السكان لضعف ضخ المياه هذا فيما سبق، أما الآن فالمياه مقطوعة عن الحي تماما، ما جعل السكان يتساءلون عن شبب الأشكال.
«الشعب» التقت سكان الحي المحتجّين الذين عبروا عن انشغالهم ومعاناتهم اليومية جراء الانقطاعات المتكررة والطويلة للمياه، حيث أبدوا الكثير من الاستياء عن استمرار الأزمة، متسائلين عن السبب موجّهين نداء إلى مؤسسة المياه بالنظر في القضية ومحاولة معالجتها، خاصة وأن مخزون مياه الولاية يعرف باحتوائه على هذه المادة على مستوى السدود الأربعة بسكيكدة باعتبار أننا عرفنا موسما مطريا مريحا بسبب تساقط الأمطار الوفير، إلى جانب ما توفّره المياه الجوفية ومحطة تحلية مياه البحر من ثروة مائية تحسد عليها المنطقة، ما يؤكّد أن هنالك خلل تقني توجّب من المؤسسة النظر فيه ومحاولة تداركه خاصة في هذا الفصل الحار، حيث يزداد الطلب على استغلال المياه بشكل أكبر.
 وفي هذا المقام، طالب سكان الحي ممّن يعانون من أزمة المياه جراء الانقطاعات المتكررة لها لفترات طويلة من السلطات المحلية، التدخل السريع لوضع حد لهذه الظاهرة، وأخذ الملف على محمل الجد ووضع حد لمعاناتهم وإعادة النظر في عملية التوزيع، والمطالبة بالقضاء على التذبذب والأعطاب التي باتت تتكرّر وتحرمهم من ماء الشرب، خاصة سكان الطوابق العلوية الذين باتوا هم كذلك يحلمون بالمياه بعدما جفت حنفياتهم.
 وذكر محدّثونا في هذه النقطة أنّ سكان سكيكدة يعيشون على وقع أزمة مياه خانقة تأزّمت أكثر خلال شهر رمضان المنقضي، حيث شحّت الحنفيات بمعظم الأحياء رغم أن الولاية تمتلك 4 سدود تؤهلها لضمان تموين منتظم 24 ساعة على 24 ساعة، إذ تعد على حد تعبيرهم من أغنى الولايات على المستوى الوطني من حيث مخزون المياه السطحية والجوفية، إلاّ أنّ الواقع أثبت أنّ اهتراء شبكة التوصيل أدخل القطاع بأكمله في أزمة شاملة، تجسّدت في تسربات كبيرة في العديد من الأحياء.

شكــاوى من تسرّبات كثيرة

 من جهة أخرى، تعرف أحياء مدينة سكيكدة ظاهرة التسربات المائية دون إسراع الجهات المعنية لإصلاح العطب ما يؤدي إلى هدر كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب، على غرار حي 500 مسكن، ورغم أنه في السنوات الأخيرة خصصت ميزانية معتبرة لتجديد قنوات توزيع المياه إلا أن التحجج بقدم الشبكة مازال يثار كل حين، ناهيك عن عدم توفر المصالح المعنية الممثلة في الجزائرية للمياه على المعدات الكافية واللازمة للحد من هذه التسربات، ويبقى المواطن هو المتضرر في كل الحالات.
وشهد حي علي عبد نور وبالضبط أمام «المسرح الروماني» كارثة من هذا القبيل بعد تسربات ضخمة للمياه عرقلة حركة المرور، وتسببت في مشاكل للمواطنين، ونفس الأمر في بعض الأحياء التي تستمر تلك الوضعية فيها لأيام حتى تستيقظ مصالح الجزائرية للمياه لاحتواء الوضع ولكن لفترة زمنية محدودة ليعود الأمر لما كان عليه.
الى جانب هذا تعرف الأحياء تسرّبات المياه القذرة متسببة في انتشار الروائح الكريهة عكّرت صفوة حياة المواطنين، يحدث هذا بالأخص في حي الإخوة خالدي، حيث تحولت أجزاء كبيرة من التجمعات السكانية الى مستنقعات للمياه القذرة، مشكّلة خطرا حقيقيا على الأطفال والقاطنين عامة خاصة بعد أن أصبحت مصدر الحشرات الضارة، والروائح الكريهة المنبعثة منها دون تحرك مصالح البلدية المعنية، رغم إعلامها من قبل سكان الحي بالوضعية البيئية الخطيرة، والأمر نفسه بحي الأمل أين توجد حفر لقنوات الصرف الصحي منذ سنوات لم يتم إصلاحها.

بعد أسبوع من العطش بالقل الأمور تعود إلى نصابها

غير بعيد عن مدينة سكيكدة، شرعت مؤخرا الشركة الوطنية (FOREMHD) المكلفة بتجديد خزائن مولدات الكهرباء المحترقة بمحطة ضخ المياه بسد بني زيد بدائرة القل، بعد أسبوع من تعرضها للاحتراق بفعل شرارة كهربائية ونشوب حريق أتلف 6 خزائن لمولدات كهربائية تقوم بضخ المياه إلى نحو 30 خزانا للمياه لتمويل سكان بلديات القل، بني زيد ،الشرايع و كركرة، و هو ما جعل المنطقة تعرف أزمة عطش حقيقية، وتجدد رحلة البحث عن هذه المادة الحيوية في عز فصل الحر، ومما اضطر العديد من المصطافين على هجرة الشواطئ التي ظلت ولعقود من الزمن وجهة المواطنين من كل جهات الوطن لاسيما الولايات المجاورة الداخلية.
 وكلفت الوضعية خسائر حسب مصادر محلية، فاقت قيمتها 200 مليون دينار، وحسب ممثل الشركة، فإن الخزائن الكهربائية التي وصلت إلى المحطة، خاصة بتمويل بلدية كركرة، في انتظار وصول خزائن أكبر لتمويل منطقة القل في غضون ساعات قليلة من أجل الشروع في تركيب الخزائن دفعة واحدة والدخول في تجارب ضخ المياه وتموين السكان.
وقد انتعشت بشكل رهيب تجارة المياه من خلال تزايد نشاط أصحاب الجرارات المزودة بالصهاريج، واستغل البعض منهم الظرف للمضاربة بالأسعار أين تراوح سعر الصهريج الواحد بين 1000 و1500 دج، ويضطر السكان للانتظار ليوم أو يومين أو أكثر من أجل الظفر بصهريج مياه.

تسرّبــــات في كـــل مكـان

تواجه مدينة سكيكدة منذ سنوات تفاقم ظاهرة تسرب المياه الصالحة للشرب من قنوات التوزيع، حيث لا يوجد شارع أو مرفق عمومي لا تسيل منه المياه طوال أيام السنة، حتى أن هذه الظاهرة أصبحت عادية ومألوفة رغم ما يكتنفها من خسارة مادية، تضاف إلى تأثيراتها القوية على حياة السكان وعلى فرصهم في الحصول على الإمدادات اليومية الضرورية للمياه الصالحة للشرب، واستنادا إلى إحصائيات رسمية، فإن نسبة 60 في المائة من المياه الصالحة للشرب التي يتم إنتاجها يوميا تضيع في الخلاء ولا يستفيد منها السكان، وجزء آخر لا يقل أهمية لا يصل إلى الخزانات سواء من السدود أو من محطة تحلية مياه البحر الكائنة بسواحل العربي بن مهيدي.
 والأمر المحيّر أنّ الشّبكات الكائنة حاليا في مدن الولاية الكبرى وبالأخص سكيكدة غيّرت، إلا أن المياه ما تزال تتسرب، حيث أن كميات هائلة من المياه المعالجة من الخزان المائي الواقع بالقرب من حي عبد الحق بن حمودة ببلدية فلفلة، استغلّته الشركات الصينية المكلفة بإنجاز المشاريع السكانية بالقطب السكني بوزعرورة للتزود بالمياه الصالحة للشرب بالمجان، حيث أسالت المياه المتسربة والمتجمعة في جوف كبير يبعد بأقل من 10 أمتار عن الخزان لعاب أصحاب شاحنات ذات الصهريج من الوزن الثقيل والشاحنات المختصة في الخرسانة، وكذا أصحاب الجرارات الذين أصبحوا يتردّدون يوميا على هذه النقطة السوداء الكبيرة من أجل التزود بالمياه المعالجة المكلفة، والتي تذهب أغلبها للمشاريع السكنية.
 و الإضافة إلى ضياع كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب في الخلاء دون حسيب أو رقيب، فالمشكلة تؤثّر سلبا على عملية تزويد التجمعات السكنية المحاذية للخزان باعتبار أن الأخيرة مخطط لها أن تكون مرة كل 3 أيام أو 4 أيام على عكس المناطق الأخرى، يحدث هذا في الاحتياج لمثل هذه المادة الحيوية.

أغلب بلديــات الولاية تعيش نفـس الاشكـال

 كما تشهد شوارع وأحياء سكنية متفرقة بمدينة القل ولاية سكيكدة انتشارا كبيرا للتسربات المائية من شبكة التوزيع، وحول بعضها إلى ما يشبه الشعاب بفعل التدفق الكبير للمياه وانتشارها على مساحات شاسعة مما حول بعض الأماكن إلى برك ومستنقعات، هذا الوضع جعل المياه لا تصل إلى حنفيات المواطنين، سيما بالطوابق العليا من العمارات، كما أفرز ذلك اختلالا في توزيع المياه وانقطاعها لعدة أيام. وأدخل السكان في رحلة بحث مضنية على المياه، تكلّفهم مصاريف إضافية على غرار سكان مدينة القل.
كما استغرب مواطنو سكيكدة من عدم تمكن الجزائرية للمياه من حل المشكل قبل أن يتفاقم، على الرغم من أن ولاية سكيكدة تعد من الولايات التي من المفروض أن لا تعاني من أزمة الماء الشروب نظرا للإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها من المياه، خصوصا وأنها تملك 4 سدود وكذا وجود أودية كثيرة كوادي قبلي ووادي الزهور والوادي الكبير زيادة على 12 حاجزا مائيا و745 بئر وأكثر من 35 بئر عميقة. وأمام هذا الوضع اضطر السكان إلى اللجوء إلى عملية اقتناء الصهاريج المائية، والتي بلغ ثمن الصهريج الواحد منها أزيد من 800 دج، وكذا شراء قارورات الماء العذب القادم من السهول، والتي بلغ ثمن القارورة الواحدة ذات سعة لتر ونصف 30 دج.
 والأرقام تؤكّد أنّ سكيكدة تزخر بموارد مائية جد هامة وخاصة السطحية منها والمستغلة عن طريق 04 سدود بطاقة استيعاب تتجاوز 291 مليون م3، بالإضافة إلى وحدة تحلية مياه البحر طاقتها 100 ألف م3 يوميا.
للإشارة، تمّ الاستغناء على العديد من المشاريع لإنجاز سدود بالولاية للضائقة المالية التي تمر بها البلاد على غرار، سدين كانا قيد الدراسة وهما سد زردازة، بطاقة استيعاب 72 مليون م3، وســد بوشطاطـة بطاقة 8 مليون م3، إضافة إلى سد واد الزهور الذي تبلغ طاقته 22 مليون م3، والتي انتهت دراسته التقنية.