طباعة هذه الصفحة

الذّكـرى ال 69 للإعـلان العالمـي لحقوق الإنسـان

مخاوف من تأثير الأزمات المالية والاقتصادية على تقليص الحــق في الإعــلام

استطلاع: حكيم بوغرارة

 الإعلام الالكــتروني يتطلّـب محاربـــة الأميّـة الرّقميــة

تحتفل الجزائر بالذكرى ال 69 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف ال 10 ديسمبر من كل سنة، وتأتي هذه المناسبة في ظل تحولات كبيرة تعرفها الجزائر والعالم في مجال حقوق الإنسان التي بقدر ما عرف الحديث عنها رواجا كبيرا ونقاشات حادة، يبقى الواقع يخفي ويوضح الكثير من الحقائق التي تغضب الجمعيات الحقوقية والناشطين، وجعلت السياسيين يطمئنون ويعدون بالأحسن.
وتبقى حرية التعبير والصحافة والحق في الإعلام من أكبر الحقوق التي تعرف تجاذبات كبيرة، ومخاوف من تقلص هذا الحق في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي عجّلت بغلق الكثير من المؤسسات الإعلامية المكتوبة والسمعية البصرية في العالم والجزائر، والتي بقيت منها في قيد النشاط تكون قد قلصت من أعداد السحب وعدد الصحافيين العاملين بها.
عرفت الساحة الإعلامية الجزائرية توقف العديد من العناوين عن الصدور على غرار (الجزائر نيوز 2014) و(الأحداث في ‏‏2016) و(لاتربين في 2017) و(التحرير 2017)، ناهيك عن وجود الكثير من الصحف الأخرى تحت وطأة متاعب كبيرة جدا على غرار «صوت الأحرار»، ويومية «ليبرتي». وكشفت وزارة الاتصال في أكتوبر 2017 عن توقف 26 جريدة يومية و34 جريدة أسبوعية اختفت من الساحة الإعلامية ‏‎الوطنية منذ 2014 مشيرا في الوقت الذي ينشط فيه 140 ‏عنوان، وتحدث الوزارة عن إمكانية اختفاء عناوين أخرى في ظل تواصل تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية.
ويحدث هذا في تراجع سوق الإشهار بنسبة 65 % ما بين سنتي 2015
و2016 مع ارتفاع ديون الصحف لدى شركة ‏الطباعة بالجزائر، ما بات يهدّد تواصل نشاطها، وتسبّبت الأزمة الاقتصادية والمالية كذلك في انخفاض عدد سحب الصحف ‏بأكثر من 50 بالمائة، حيث أشار وزير الاتصال مؤخرا إلى 900 ألف نسخة كإجمالي سحب الصحافة الوطنية بعد أن كانت ‏قبل 03 سنوات حوالي 03 ملايين نسخة.
ورغم ظهور العديد من المواقع والصحف الالكترونية التي يراهن عليها الكثيرين لتعويض المكتوب والسمعي البصري، إلا أن التجربة القصيرة التي عرفتها الجزار، ولو كانت فوضوية بدأ يطرح الكثير من الاستفهامات والتساؤلات حول حقيقة هذا النوع من الإعلام في الواقع في ظل عودة الحديث عن الأمية الرقمية، والأمية التقليدية ومدى انتشار التكنولوجيات الحديثة في المجتمع، وقدرة هذا الأخير على استخلاف وسائل الإعلام التقليدية في ظل عالم بات يعتبر الإعلام سلاحا أخطر من أسلحة الدمار الشامل والنووي.
إنّ اللّجوء للإعلام الالكتروني حتمية تفرضه التحولات العالمية في ظل تراجع الصحافة التقليدية - الورقية - من خلال كثرة الأزمات المالية والاقتصادية والتكاليف، ولهذا يتم التحول تدريجيا للصحافة الالكترونية التي تتميز سرعة الانتشار، قلة التكلفة شدة التأثير والقدرة على جلب الإشهار.
وقد نصّ دستور الجزائر بعد تعديله في 2016 في المادة 50 على «حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة، ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير، وحرياتهم وحقوقهم».
وقد تمّ تحديد أهداف الإعلام بصفة عامة من خلال نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون، واحترام ثوابت الأمة، وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية. كما نصّ قانون الإعلام 12 - 05 على وسائل الإعلام الالكترونية في المواد 67: «يقصد بالصحافة الالكترونية في مفهوم هذا القانون العضوي، كل خدمة اتصال مكتوب عبر الإنترنت موجهة للجمهور أو فئة منه، وينشر بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري ويتحكم في محتواها الافتتاحي».
أما المادة 68 فقد شدّدت على أصالة مضامين الصحافة الالكترونية، حيث نصّت «يتمثّل نشاط الصحافة المكتوبة عبر الإنترنت في إنتاج مضمون أصلي موجه إلى الصالح العام، ويجدّد بصفة منتظمة ويتكون من أخبار لها صلة بالأحداث وتكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي.»
وأشارت المادة 71 على أهمية احترام الثوابت والقيم الوطنية، مشيرة «يمارس نشاط الصحافة الالكترونية، والنشاط السمعي البصري عبر الإنترنت في ظل احترام أحكام المادة 2 من قانون الإعلام 12 - 05».
وتتحدّث المادة ٧٧ عن ممارسة نشاط الإعلام بحرية في إطار أحكام هذا القانون العضوي والتشريع والتنظيم المعمول بهما في ظل احترام: الدستور وقوانين الجمهورية، الدين الإسلامي وباقي الأديان، واحترام الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع، السيادة الوطنية والوحدة الوطنية، متطلبات أمن الدولة والدفاع الوطني، متطلبات النظام العام، المصالح الاقتصادية للبلاد، مهام والتزمات الخدمة العمومية مع ضمان حق المواطن في إعلام كامل وموضوعي، والالتزام بسرية التحقيق القضائي، وترقية الطابع التعددي للأفكار والآراء، واحترام كرامة الإنسان والحريات الفردية والجماعية».
وتحاول «الشعب» من خلال هذا الاستطلاع معرفة آراء الخبراء والإعلاميين حول واقع الإعلام والخدمة العمومية، ومدى تأثر الحق في الإعلام من خلال تلك التحولات.
ويذكر أنّ الجزائر قد تضمّن دستورها ل 10 سبتمبر 1963 في المادة 11 «توافق الجمهورية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتنضم إلى كل منظمة دولية تستجيب لمطامح الشعب الجزائري وذلك اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي»، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10 ديسمبر 1948 في مادته ال 19 نص على «...لكلِّ شخص ‏حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ‏ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود».
 كشف الخبير في علوم الإعلام والاتصال اليامين بودهان من جامعة فرحات عباس بسطيف، في سؤال حول تأثير الأزمة المالية والاقتصادية على الحق في الإعلام بعد أن أغلقت الكثير من الصحف والقنوات التلفزيونية، «...أن الحق في الإعلام، والحصول على الأخبار من الحقوق الأساسية للمواطن، وتجسيد هذا الحق يتحقق بتوفير الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعات، وباقي وسائل الإعلام التي تنقل الأخبار لهذا المواطن، وإغلاق عدد من وسائل الإعلام في الجزائر بسبب المتاعب الاقتصادية سيؤثر دون شك في حق المواطن في الإعلام، فتنقص أمامه الوفرة في العرض، لكن من جانب آخر أعتقد أن انسحاب كثير من الصحف والقنوات من ‏المشهد الإعلامي سيؤدي إلى تطهير المجال الإعلامي من الصحف والقنوات الفوضوية، وستصمد فقط المؤسسات القوية التي تملك تقاليد عمل، ممّا سيكون دافعا لها للاحتراف والتركيز على جودة الأداء وإلاّ ‏ستزول هي أيضا، ولن تصمد مستقبلا أمام الرّهانات الصعبة التي ستواجهها، سواء الاقتصادية منها، أو ‏الاتجاه القراء إلى الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية».

الالكتروني سيحقّق بقاء الحق في الإعلام؟

اعتبر الطاهر حليسي مراسل «الشروق» من باتنة، أنّ الأزمات المالية والاقتصادية قد أثّرت كثيرا على استمرارية المؤسسات الاعلامية، موضّحا بأنّ توقّف العديد من المراسلين أو توقيفهم قد جعل المواطن يصبح صحفيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتبليغ انشغالاته، ويمكن تلخيص الوضعية بأن التكنولوجيات الحديثة تكون قد وسعت من ممارسة الحق في الاعلان، موضحا «...لا أظن ذلك لأن وسائل الاتصال الجديدة باتت تهدد الصحافة الورقية بشكل كبير، نحن أمام ظاهرة المواطن الصحفي، حيث أن أغلب البلديات هنا في ولاية باتنة تملك صفحات خاصة حرة يديرها شبان بإمكانهم نقل الانشغالات بسرعة، خاصة وأن السلطات أيضا تملك صفحات رسمية».
وقال أيضا: «...بعبارة أخرى صار الفضاء الافتراضي هو الفضاء الواقعي بامتياز..فقط أصبح للجريدة نوع من الرسمية والقدسية فقط، وحينما تسمع أن جرائد عربية لبنانية وأمريكية توقفت عن الصدور فنحن أمام واقع جديد».
وأشار في سياق متصل أن ضحايا الأزمة المالية والاقتصادية لم تمس فقط المراسلين بل أن عدة جرائد بما فيها الجرائد الحكومية مهددة بالعجز والتوقف خلال السنوات المقبلة بالنظر إلى أنها تنشط في بلد ليس له قاعدة اقتصادية واسعة عدا مداخيل النفط. هي مشكلة جرائد في دولة مهدّدة بشح المداخيل وتوقف المشاريع».
 وحول ما إذا كان المجتمع محضّرا للإعلام الالكتروني، فقد تأكّد صاحب رواية «الميزونة» أنّ «القطاعات الناشئة في المجتمع هي قطاعات لا تنتمي لجيل الأمية التقليدية أو الأمية الإعلامية القطاعات الجديدة، والناشطة هي جيل آخر تماما وهو محرك التغيرات الكبرى. انظر عدد المتابعين مثلا لومضات «ديزاد جوكر»، «أنس تينا» و»لطفي دوبل كانو» سترى أنها ملايين، وهناك صفحات بعض الناشطين يتابعها عدد  يقارب نصف مليون  يغني شخص له قراء يفوقون عدد جرائد البلاد مجتمعة.»
 
تدهور الظّروف السوسيومهنية خطر على حرية التّعبير والصّحافة

اعتبر الإعلامي رياض بوخدشة أنّ الحق في الإعلام بات مهددا أكثر من أي وقت مضى لا أبدا، بيئة ممارسة الصحفي لعمله الاعلامي غير مناسبة على الإطلاق لا من الناحية المهنية ولا الاجتماعية، فمهنيا لازال الصحفي الجزائري غير قادر على النفاذ إلى المعلومة، ويواجه ضغوطا تفرض عليه رقابة ذاتية لما يكتب، ومع غياب التكوين والغموض في القوانين يجعله دوما عرضة للمتابعات القضائية، واجتماعيا غالبية نساء ورجال المهنة يعيشون أوضاعا هشة خاصة ما تعلق بالأجور أو ظروف الحياة الأخرى كالسكن والتأمين، وغير ذلك من الظّروف المشجّعة على التفرغ للعمل.

 لا خوف على الخدمة العمومية عبر الإعلام العمومي؟

طمأن الصحفي بالتلفزيون الجزائري سفيان تيسيرة بأنه لا خوف على الخدمة العمومية عبر التلفزيون الجزائري العمومي، موضّحا بأنّ المؤسسة العمومية للتلفزيون مازالت محافظة على طابعها الخدماتي للجمهور والمواطن، ولا تسعى وراء الربح مثلما يعمل عليه الكثيرين.
وضرب تيسير المثل بالانتخابات المحلية الأخيرة، حيث قال: «..أولا بالرجوع إلى الانتخابات الأخيرة تبرز دور التلفزيون الجزائري العمومي  في أداء الخدمة العمومية بشكل كامل عبر كل التراب الوطني.
ثانيا: أغلب البرامج هي أداء الخدمة العمومية من تحسيس، إعلام وتوجيه بمعنى إيجابي، أما البعد التجاري فيكاد ينعدم».
واقترح في سياق متصل لتطوير الإعلام السمعي البصري عدة شروط قائلا: «...تطوير هذه الخدمة يحتاج بالدرجة الأولى إلى ترقية تكوين الإعلاميين والتقنيين، وإعطاء نظرة أخرى الخدمة العمومية مع مراعاة تكنولوجيا الإعلام والاتصال بشكل يتكامل فيه الطرفان».
ودافع نفس المصدر عن الإعلام العمومي رغم بعض الانتقادات خاصة من بعض شخصيات المعارضة التي اشتكت حرمانها من الظهور في التلفزيون العمومي وفي الانتخابات كذلك. وقال نفس الصحفي: «....إذا أخذنا المنظور التقليدي للخدمة العمومية فإن التلفزيون الجزائري يقوم بدوره كما يجب..لكن عندما نرى واقع الإعلام بصفة عامة التي تطغى عليه المعلومة الساخنة بين الفضائيات وشبكات التواصل والأخبار الآنية على الهاتف النقال، فإنّ تقديم الخدمة العمومية يضمحل في ظل كثرة المعلومات التي في معظمها مغلوطة، حيث تختلط على المتلقّي منابع المعلومات وحتى الخبر وبنيته تجعل المواطن لا يفرق بين الحقيقة والخطأ.
ويرى في سياق تطوير أداء السمعي البصري «....القيام بمجهود أكبر لإيصال المعلومة وإقناع المشاهد أو المواطن صواب ما يبيله، وهو شيء نجح فيه التلفزيون الجزائري العمومي لأن الجميع ينتظر نشرة الثامنة لقطع الشك باليقين، حتى وإن كانت المعلومة قد تمّ بثّها من قبل القنوات الأخرى.

محاربة الأمية رقمية حتمية لإنجاح الإعلام الالكتروني؟

كشف الإعلامي عبد الوهاب بوكروح أن الإعلام الالكتروني وتحضير الرأي العام لذلك شر لا بد منه. موضحا «...أعتقد أن الإعلام الالكتروني بات حتمية على الصعيد العالمي، ومنه لا يمكن الجزائر أن تبقى في معزل عن هذا السياق العالمين، وإن حاولت السلطات العمومية إبداء بعض المقاومة لأسباب متعلقة بالحكامة السياسية والقيود الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير التي يكفلهما في الأساس الدستور».
وأضاف في حديث لـ «الشعب»: «...المشكل الأساسي أن نسبة التغطية بالأنترنيت زادت إلى أكثر من 60 % من المواطنين الراشدين، فضلا عن توجه أزيد من 90 % منهم نحو وسائل الإعلام الحديثة والرقمية منها على وجه الدقة، حيث أصبح الهاتف الجوال واللوحات هي المصدر الرئيس للحصول على المعلومة».
 وتساءل في سياق متصل عن التأخر الذي شهدته الجزائر في مجال السمعي البصري، والذي كلفنا غاليا ومنه تفادي نفس التجربة مع الإعلام الالكتروني قائلا: «...السؤال الذي يطرح على السلطات الجزائرية مع ما سبق من معطيات هل تفضل مرة أخرى أن يجد المواطن نفسه أمام محتوى رقمي اجنبي كما حصل من قبل مع تجربة التلفزيون الفضائي والقنوات الفضائية على غرار القنوات الفرنسية والجزيرة والعربية وغيرها والتي يعرف الجميع مضامينها، أم أنّ السلطات تعلّمت الدرس وستفكّر في تطوير إعلام رقمي بمضامين وطنية؟ هذا هو السؤال الكبير».
وحول قدرات المجتمع في مواكبة الثورة الرقمية إعلاميا، فأكد بوكروح: «...بخصوص الأمية الرقمية أعتقد أنّ الأمر غير مطروح مع الجيل الجديد، ربما كان الأمر سيطرح مشكلة لو أن الهرم السكاني في الجزائر كان لصالح الفئات العمرية المتقدمة، ولكن نحن في وضع مغاير تماما مع نسبة ارتفاع الفئات إلى غاية 49 سنة. وهذا ما يجعل الأمر لصالح الجزائر لو يحسن استغلاله لأنّه يوفر فرصة لبعث اقتصاد رقمي حقيقي».