طباعة هذه الصفحة

قسنطينــة عــــاصمــة الثقــــــــافــة العــــــــربيــة ٢٠١٥

مقومات سياحية وحضارية شاهدة على تاريخ سيرتا

مفيـدة طـريفـي

تزخر عاصمة الشرق الجزائري قسنطينة بتاريخ عريق ومميز جسدته حضارات متعاقبة وموقع استراتيجي هام الأمر الذي عزز من مكانتها، لاحتضانها عديد الصروح العلمية والثقافية على غرار مساجد وزوايا عتيقة تعود لأزمنة غابرة، قصور ومنازل كانت لأعظم الحكام والملوك، جسور ومدن أثرية سجلت تعاقب حضارات نوميدية، بونية، رومانية، وندالية، عثمانية وبيزنطية وثم إسلامية، هذه الحضارات التي تركت ورائها موروثا ثقافيا وتاريخا حضاريا كتبته أمم عاشت بمدينة الجسور المعلقة وجسدت من خلاله خليطا أثريا متنوعا جعل المدينة تكتسي حلة خيالية تستحوذ على ألباب كل زوارها ومحبيها وكل التفاصيل في هذا الإستطلاع لـ (الشعب) .

تعيش هذه المدينة اليوم أفضل حالاتها بسبب اختيارها  لتكون عاصمة للثقافة العربية لسنة ٢٠١٥، حيث تعكف ومنذ ذلك، على تأهيل وترميم معظم الهياكل والصروح العلمية، الثقافية والتاريخية، حيث استرجعت مدينة الجسور المعلقة عددا من أماكنها التاريخية والتي تحدثت في معظمها عن حضارة هذه المدينة المخضرمة.
فبعد مرور حوالي ٢٠ سنة استطاعت سيرتا من محادثة القصر الجميل المعبر عن حضارة عثمانية وتواجد ثقافة عمرت لقرون أين تركت بصماتها على جدران قصر الحاج أحمد باي العتيق، هذا القصر الذي يعكس جمالية التراث في الفترة العثمانية وجمالية الفن المعماري لليد العاملة الجزائرية، حيث تحول بعد عملية الترميم الضخمة التي مست هياكله ودعائمه إلى متحف عمومي وطني للفنون والتعابير الثقافية، هذه العملية التي مرت بمرحلتين أساسيتين لم يتبق منها سوى الجزء الهام والخاص بالرسومات الجدارية التي يعتبرها المختصون الأصعب والأدق من حيث التجسيد على عكس الترميم المعماري للقصر.

قصر أحمد باي بين عبق الماضي وجمالية الحاضر

المعلم التاريخي مصنف منذ سنة ١٩١٣، ويحتل جانبا من ساحة «سي الحواس» وهذا المبنى الواسع المقدرة مساحته بـ ٥١٠٠ متر مربع أنجز في عهد آخر باي لقسنطينة «أحمد باي» خلال الفترة الممتدة ما بين (١٨٢٥-١٨٢٨) على أنقاض بنايات قديمة، وأنجز من طرف «قايد الداربن لبجاوي» وأكمل إنجاز هذا المعلم التاريخي سنة ١٨٢٨ قبل الاستيلاء على مدينة قسنطينة من قبل الفرنسيين بمدة قصيرة، ليكلف الايطالي «سجيفينول» بشراء الرخام والبلاط من إيطاليا وقرطاج، والبناءان القسنطينيان الحاج الجباري والخطابي بإتمام البناء.
واجهة القصر عادية ولكنه من الداخل يشكل واحة في وسط المدينة محاط بثلاثة حدائق بأروقة، وقصر الباي يتلقى الضوء على مدار اليوم بفضل وجود ثلاثة عشر نافذة تطل على الحدائق والساحات والأزقة، وغير بعيد عن القصر يوجد حمام سباحة يتم النزول إليه  بواسطة سلالم رخامية جميلة، وجدران القصر تحمل لوحات زيتية للفنان «الحاج يوسف» الذي يعتبر من أكبر الرحالة الجزائريين، هذا إلى جانب الزخرفة الحساسة للأقواس، الحدائق الخلابة، خرير مياه النوافير واللوحات الجدارية الساحرة، كل هذه شاركت في إبهار زوار قصر الباي العتيق .
القصر شكله مستطيل يتربع على مساحة تقدر بـ٥٦٠٩ متر مربع يتكون من ثلاث طوابق وثلاث أجنحة رئيسية تفصل بينها حديقة النخيل، وحديقة البرتقال، يتوسط القصر الجناح الإداري الذي يضم مجلس أو ديوان الباي فتحت به ١٤ نافذة تطل على جميع أجنحة القصر بجانب الديوان غرفة قائد الحرس مرزوق الملقب بالقهواجي يميزها باب من خشب الجوز جلب من دار صالح يحتوي على كتابة بخط النسخ وهي مدح لصالح باي.
أما على يسار الجناح الإداري نجد الجناح العائلي يضم دار الأم، جناح ابنته، غرف على الجناح الإداري، يوجد جناح الحرم خصص لنسوة القصر يتوسطه حوض كبير به نافورة رخامية وغرف وما يعرف بالحمام، أما وسط الدار فيعتبر الجناح الشتوي، وهو نموذج مصغر للبيت القسنطيني، ومن القاعة الشرفية لوسط الدار نمر إلى جناح القضاء به محكمتين إحداهما للمذهب المالكي والأخرى في الطابق الأول للحنفي، أما الطابق الثاني فيسمى «علية» وهي المخصصة للحرس والطابق تحت الأرضي مساحته ٥١٣ متر مربع استعمله الباي كإسطبل، فعند دخول الفرنسيين حولوه إلى سجن.

....ويتحول بعد ٢٠ سنة من الترميم إلى متحف وطني للفنون

قصر الحاج أحمد باي أو المتحف الوطني للفنون والتعابير الثقافية يتواجد بأحد شوارع قسنطينة الشعبية إذ يعتبر من أهم الصروح الثقافية والمعالم التاريخية بالمدينة ومركز إشعاع ثقافي مميز، حيث يتميز باحتضانه مجموعات للفن التقليدي للفترة العثمانية على غرار الرسومات الجدارية التي تغطي ١٦٠٠ متر مربع وتجسد هذه الرسوم رحلة الباي إلى عواصم وحواضر البحر الأبيض المتوسط وإلى البقاع المقدسة فضلا عن المربعات الخزفية «الزليج».
ويحتوي القصر على ٤٧,٠٠٠ قطعة من الزليج، قوام زخارفها أشكال هندسية ونباتية من مصادر مختلفة «محلية، تونسية، ايطالية، هولندية» أما فيما يخص الخشب فيضم القصر مجموعة قيمة تتمثل في ٤٥ بابا، ٦٣ نافدة، الدرابزين والمشربية ١٨٨ مترمربع، الأسقف ٢٣٠٠ متر مربع، خزانات جدارية ١٤ خزانة، هذه الأجنحة ترتبط فيما بينها بـ٢٢ رواقا زينت بـ٢٥٠ عمود رخامي من أجمل ما جادت به أنامل الحرفيين زخارف تيجانها مستمدة من طرز الحضارات القديمة الإغريقية، الرومانية، البيزنطية والإسلامية.
وفي إطار مشروع المتحف خصصت الجهات المكلفة بإدارة القصر أغلبية غرف القصر إلى قاعات عرض دائمة، يستطيع من خلالها الزائر أن يغوص في تاريخ وسيرة الحاج أحمد باي الذي هو آخر بايات قسنطينة، وكذلك يتعرف على العادات والتقاليد التي تزخر بها الجزائر من خلال إعادة تصور لمواضيع لها علاقة بالتراث المادي والغير مادي، والبقية إلى فضاءات وظائفية، المكتبة، ميدياتيك، مخازن التحف، مخبر، ورشات، قاعة عرض مؤقتة وقاعة الإجتماعات.
القصر العتيق الذي تحول إلى المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية أضاف بعد ترميمه وإعادة تأهيله رونقا جماليا وأنعش سكان مدينة الصخر العتيق بذكريات قسنطينة في عهد البايات، حيث أضحى القصر يقدم خدمات ثقافية، علمية وواجهة تاريخية لا تخلو من العادات والتقاليد وحضارة لا تنطفئ مع مرور الزمن، فإلى جانب استرجاع قصر احمد باي من براثن الإهمال والتهميش سيكون أخيرا مستعدا لاستقبال التظاهرة الثقافية «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ٢٠١٥» حيث احتضن ومنذ افتتاحه العديد من التظاهرات الثقافية كللتها ملتقيات علمية ومعارض فنية أذهلت زوار هذا الصرح الحضاري، حيث أصبح المنارة الثقافية التي أضاءت عاصمة الشرق الجزائري.
 
...عاصمة تاريخية بدون منازع

تعرف المدينة ومنذ إعلانها عاصمة ثقافية عربية لسنة ٢٠١٥ أجواء تحضيرية مست كافة القطاعات إلا أن العمل الجاري سهلته التركيبة الجمالية التي تتمتع بها مدينة الصخر العتيق، هذا الجمال الرباني الذي يتلخص في مقوماتها الثقافية، التاريخية والأركيولوجية حيث لا يمكن الحديث عن السياحة والصناعة التقليدية بالولاية بمعزل عن موقعها وتاريخها كونها من أقدم مدن العالم حيث عاشت قرابة ٣٠٠٠ سنة.
فانطلاقا من هذه المقومات التاريخية والأثرية المتمثلة في مدينة تيديس الأثرية أين كانت المدن الكبيرة في العصور القديمة محاطة بمدن صغيرة محصنة تعمل على حمايتها وذلك هو حال مدينة تيديس التي كانت تحمي مدينة سيرتا من هجمات تعرف بـ «كاستيلا» الأجنبية، حيث تبعد مدينة تيديس عن قسنطينة بحوالي ٣٠ كلم عن الطريق الوطني رقم ٢٧ بجبل ذي صخور صلبة شديدة الارتفاع تنتشر عليها آثار بارزة ذات لون أحمر ساطع لمدينة قديمة كانت تعرف بمدينة قسنطينة القديمة، إلى أن اكتشفت بها بعض الكتابات التي بينت اسمها الحقيقي «كاستلمتيدتانوم» وصولا إلى ضريح ماسينيسا كمعلم تاريخي وأثري يعتبر موضع هام للاكتشاف .
وجلب فضول العديد من السياح، هذا الضريح يقع ببلدية الخروب على بعد ١٦ كلم عن مدينة قسنطينة، بني في مكان عالي لاعتقاد النوميديين أنه أقرب إلى الآلهة، كما أن الملوك والأمراء في تلك الفترة كانوا يدفنون في أماكن عالية قبالة العاصمة التي يحكمونها، بني في النصف الأول  من القرن الثاني قبل الميلاد من طرف عمال إغريق وقرطاجين أحضرهم ملوك نوميديا مثل ماسينيسا ويعتبر طرازه المعماري مزيجا بين الإفريقي والبونيقي  ويظهر ذلك جليا في حجارته المنحوتة بالأسلوب البنائي المعروف عن الحضارتين والذي ساد خاصة خلال الأيام الأخيرة من استقلال قرطاجة، ويتخذ الضريح شكل مستطيل بني على شكل مدرجات، يبلغ شكل المدرج الأرضي ١,٩٠ متر، يتكون من ثلاثة صفوف حجرية، حيث ضلت معالمه مجهولة حتى بداية أشغال التصنيف والابحاث به سنة ١٩١٥ .
وقد قامت الوكالة الوطنية للآثار سنة ١٩٩١ ١٩٩٢- بتوقيع بطاقة فنية وتسييج المساحة المحيطة بالضريح كذلك توظيف حراس بالتعاون مع بلدية الخروب لكن الحراسة توقفت عن الموقع سنة ١٩٩٤ إثر الأوضاع الأمنية المتدهورة التي عاشتها البلاد، وفي سنة ٢٠٠٠ تم إعادة استصلاحه هذا في إطار مشروع إعادة الاعتبار بضريح في شكل قرية سياحية وتعرف بـ«القرية النوميدية» تحترم فيها مواد البناء والهندسة المعمارية والتهيئة على أن تتماشى والطابع الخاص بالعهد النوميدي، ليتم برمجت عدد من التجهيزات بهذه القرية السياحية والتي تتمثل في مساحات العرض، مسرح على الهواء الطلق، حدائق تتماشى والهندسة النوميدية، قاعة عرض ومتحف، ورشات للحرف التقليدية، مساحات خاصة باللعب.
...الأقواس الرومانية والكهوف شواهد الحضارة وتاريخ المدينة

عاصمة الشرق الجزائري تتواجد عند إلتقاء واد الرمال بواد بومرزوق، أين كانت تستغل لحمل قنوات التزويد بالمياه الصالحة للشرب من منابع بومرزوق إلى الخزانات والصهاريج الموجودة في كدية عاتي يبلغ طولها ٦٠ مترا وارتفاعها ٢٠ مترا لأن عدد الأقواس ١٠ مبنية من الحجارة ولم يبق منها سوى ٥ وتم تصنيفها كتراث وطني سنة ١٩٠٠ .
وتتوفر الولاية الفريدة من نوعها على ثلاثة كهوف، على غرار كهف الدببة الذي يبلغ ٦٠ مترا والمتواجدة بالصخرة الشمالية لقسنطينة فضلا عن كهف الأروى البالغ طوله ٦ أمتار ويعتبر كلا الكهفين محطتين لصناعات أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، كما كانت مقابر أهالي المدينة على قدر كبير من الفخامة تقع بقمة سيدي  مسيد  في المكان المسمى نصب الأموات، وتم اكتشاف قبور أخرى ناحية بكيرة شمال شرق المدينة كما توجد مقابر أخرى بمنطقة الخروب بالمواقع المسماة خلوة سديد بوحجر، قشقاش وكاف تاسفة ببونوارة حيث تسجل المقبرة الميغاليتية لهذه الأخيرة ما بين ٣٠٠٠ و٤٠٠٠ دولمان غير أن عددا كبيرا منها تعرض للتلف والاندثار.

...إقامة صالح باي امتداد لتواجد عثماني يحتضنه واد الرمال

هو منتجع للراحة يقع على بعد ٠٨ كلم شمال غرب قسنطينة، والذي كان من قبل منزلا ريفيا خاصا حيث قام صالح باي ببنائه لأسرته في القرن ١٨، لينتصب بناية وسط الحدائق التي كانت تزين المنحدر حتى وادي الرمال، وتتوفر الإقامة على قبة قديمة هي محج تقصده النساء لممارسة بعض الطقوس التقريبية التي تعرف باسم النشرة.
 
هياكل الإيواء السياحي في تصاعد
 
يقدر عدد الفنادق بولاية قسنطينة بـ ٢٠ مؤسسة فندقية مصنفة وغير مصنفة، ببطاقة إيواء إجمالية تصل إلى حوالي ٢٠٧٩ سرير موزعة على ١١٠٥ غرفة، ودخول فندق جديد مرحلة الاستغلال هو فندق حسين بالمدينة الجديدة علي منجلي الخروب بقدرة إيواء ٢٠٠ سرير وذلك في بداية سنة ٢٠١٣، التصنيف المقترح ٤ نجوم ذلك حسب المعايير المحددة  بالمرسوم التنفيذي ١٣٠ /  ٢٠٠٠ المتضمن شروط التصنيف للمؤسسات الفندقية.
وتنشط على مستوى الولاية حوالي ٤٤ وكالة سياحة وأسفار، منها ٢٣ وكالة من الصنف ألف و٢١ وكالة من الصنف باء، أين تشكل الاستثمارات السياحية  النسبة الأكبر من الدور الذي يلعبه القطاع السياحي في التأثير على القطاعات الاقتصادية الأخرى، حيث يعمل على خلق توازن جهوي بين المناطق، كما تساهم في استيعاب المزيد من السياح وبالتالي تشجيع الحركة السياحية، لتتوفر الولاية على الشروط الأساسية لإقامة صناعة سياحية رائدة، فهي وجهة للمستثمرين الجزائريين والأجانب كونها بوابة الشرق سيما مع المشاريع المقرر استلامها نهاية ٢٠١٣ التي من شأنها إضافة ٦٤٦ سرير لترتفع طاقة الإيواء بالولاية إلى ٢٧٢٥ سرير.