طباعة هذه الصفحة

مهماه الخبير في الشؤون النفطية لـ «الشعب»:

استقرار أسعار البترول مكسب ثمين والحفاظ عليه ضرورة حتمية

حاورته: فضيلة بودريش

مشروع ميثاق إستراتيجي وضعه لقاء الجزائر خارطة طريق

الحلقة الأولى
قدم الخبير بوزيان مهماه تشريحا مستفيضا لاهم مؤشرات السوق النفطية التي تشهد في الوقت الراهن تذبذبا محسوسا وعدم الاستقرار وكذا حذرا من طرف المنتجين والمستهلكين، مسلطا الضوء على لقاء منظمة «أوبك» المقرر عقده بالجزائر وما ينتظر من هذا الاجتماع المهم، متحدثا عن السيناريوهات المحتملة  لاتجاهات الأسعار في 2019.التفاصيل في هذا الحوار الذي اجرته «الشعب» مع الخبير بوزيان.

 الشعب: شهدت فترة الصيف تذبذبا ومنحى تنازليا لأسعار النفط، بالرغم من أنها بقيت صامدة ومتماسكة، حيث حافظت على سقف 75 دولارا للبرميل..هل هذا يعني أن أسعار النفط غير مرشحة  للارتفاع مرة أخرى أم أنه مؤشر على الاستقرار مستقبلا؟

  الخبير الطاقوي بوزيان مهماه: على ضوء قراءتنا لمؤشر أسعار برميل خام البرنت القياسي العالمي، نجده في منحى إيجابي منذ دخول إتفاق خفض الإنتاج حيز التطبيق والالتزام الفعلي بما تقرر في اجتمالع الجزائر وما بعده، فمثلا منذ سبتمبر 2017 إلى نهاية شهر أوت 2018 ، نجده تصاعديا في المتوسط العام على أساس شهري، فسعر البرميل أخذ منحى تصاعديا من نقطة 52,34 دولار ليصل إلى الـ 78,19 دولار. وقد بدأ التأثير مباشرة بعد «الإتفاق التاريخي للجزائر»، فبدءًا من أول أكتوبر 2016 نجد سعر البرميل أخذ المنحى التصاعدي بدءًا من نقطة 48,30 دولار للبرميل، ولم يعاود النزول بعدها إلى هذا المستوى (47,92 دولار) إلا مرة واحدة في 1 جوان 2017 بسبب موجة التشكيك في إمكانية تمديد الإتفاق والترويج لإمكانية انسحاب روسيا من الإتفاق، لكن مباشرة بعد تجديد الإتفاق في شهر جوان وتوافق الجميع على ضرورة العودة إلى مستوى الإمتثال الطبيعي (100%) لتخفيضات إنتاج النفط التي بدأ العمل بها مع مطلع سنة 2017، صعد سعر برميل النفط ليلامس سقف الـ 80 دولارا يوم 29 جوان. ورغم أننا لاحظنا خلال فترة هذه الصيف تذبذبات نسبية، فعلى سبيل المثال نجد سعر برميل النفط في ظرف شهرين (بين 29 جوان و29 أوت) تأرجح بين 79,43 و 76,04 دولارا، ليرتفع سعر برميل خام البرنت مساء يوم 31 أوت إلى 78,19 دولارا، كما أنه خلال الـ 36 يوما (من 10 جويلية إلى 15 أوت) شهد سعر برميل خام البرنت تذبذبات حادة، فقد نزل من 78,71 دولارا الذي سجله في 10 جويلية إلى 70,81 دولار يوم 15 أوت (وهو أدنى مستوى له منذ إعادة ضبط الاتفاق في جوان الماضي). هذا الفارق الذي كان في حدود الـ 7,9 دولار للبرميل، وهو فارق مهم. وكان النزول حادا بـ 7 دولارات للبرميل من 78,71 دولارا إلى 71,66 دولارا (يوم 16 جويلية) في أقل من أسبوع. وفي شهر واحد (بين 16 جويلية و 16 أوت) نجد ذروتي حضيض 71,85 دولارا و 70,85 دولارا على التوالي، لكن المنحى العام للأسعار يبشر بالاستقرار فوق عتبة الـ 70 دولارا للبرميل، كما أشرنا إلى ذلك في العديد من المرات.

  تحول تاريخي في محيط معقد

  كيف تقيمون سيران مبادرة منظمة أوبك التي جددت خلال العام الجاري العمل بمسعى التخفيض، ثم عاودت النظر في القرار بهدف مواجهة أي ندرة في تمويل السوق النفطية؟

 أعتقد ان آداء منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» خلال السنتين الأخيرتين، يعد تحولا إيجابيا ويحسب تاريخيا لها في فترة خطيرة تميزت بالتجاذبات السياسية الحادة بين أعضائها، وأيضا قدرتها على الوصول بأدائها مع شركاء وفاعلين من خارجها إلى مستوى من النضج الكبير برزت فيه خطابات «المسؤولية المشتركة» تجاه استعادة الاستقرار في أسواق النفط، وهذا يعدّ مكسباً ثميناً ينبغي المحافظة عليه وتعزيزه وتثمينه. لكن يبقى التحدي الأكبر في نظري يتعلّق بسياسات أوبك المستقبلية التي تحتاج إلى مزيد من التطوير والتعميق والتحيّين السريع والمستمر، لأننا أضحينا أمام مشهد طاقوي جديد ومعقد يتسم بتغيرات ملحوظة في هيكلية الإنتاج والاستهلاك الطاقوي العالمي، حيث نجد صعود منتجين كبار جدد بعد أن كشفت التطورات عن زيادة احتياطاتهم المؤكدة من النفط، وبذلك ظهور معدلات زيادة في الإنتاج من النفط الخام والمشتقات النفطية من خارج الأقطاب التقليدية، إضافة إلى بروز تغيرات على صعيد المستهلكين، مما أدى إلى إعادة ترتيب قائمة كبار مستهلكي النفط ومستورديه في العالم مع تراجع البعض وتقدم البعض الآخر. إضافة إلى بروز تحديات جديدة مرتبطة بحالات خاصة كالحالة الفنزويلية، لكنه إلى حدّ الساعة يمكن الإشادة بالنضج الكبير الذي تبديه منظمة أوبك في التعامل مع المسألة، ولو نستعرض إنتاج أوبك من النفط والذي سجل في شهر أوت المنصرم أعلى مستوى له خلال سنة (أعلى مستوى منذ سبتمبر 2017)، مع تعافي الإنتاج الليبي وبلوغ صادرات جنوب العراق مستويات قياسية، حيث ضخت المنظمة 32,79 مليون برميل يوميا في شهر أوت، بارتفاع قدره 220 ألف برميل يوميا مقارنة مع إنتاجها في شهر جويلية، نجد هذا المستوى القياسي يتوافق مع ما تم التوافق حوله بين أوبك وشركائها في الأسبوع الثالث من شهر جوان الماضي، والقاضي بضرورة العودة إلى مستوى الإمتثال الطبيعي (100%) لتخفيضات إنتاج النفط التي بدأ العمل بها مع مطلع سنة 2017، بعد تسجيل حالة من التخلف عن مستويات الإنتاج الإجمالية المحددة لأوبك بين (32,5 و 33 مليون برميل يوميا) حيث بلغ مستوى الالتزام إلى أكثر من 160%، بما جعل أوبك مجتمعة تنتج أقل من حصتها. ورغم ذلك لا يزال مستوى الامتثال لأوبك مرتفعا، فقد أظهر المسح أنه عند مستوى 117% في شهر جويلية (رغم بيانات أوبك التي تشير بأن مستوى التزامها وشركائها كانت 109% في نفس الشهر)، بينما تشير التقارير الأولية أنه سجل في شهر أوت مستوى 120% وهذا يفسره تراجع الإنتاج في فنزويلا وأنجولا وإيران كذلك، كما أن المملكة العربية السعودية التي باشرت رفع الإنتاج إلى مستوى 10,60 مليون برميل يوميا في شهر جوان، قد خفضت إمداداتها ليتراجع إنتاجها تحت هذا السقف إلى 10,40 مليون برميل يوميا في شهر جويلية، و 10,48 مليون برميل يوميا في شهر أوت. دون أن نغفل بأن هذه الزيادة يسهم فيها جزئيا إنتاج جمهورية الكونغو، بعد ضمها إلى أوبك في شهر جوان الماضي لتصبح العضو 15 ضمن أسرة أوبك.

  انخفاض الانتاج يستدعي المواجهة والقرار

 كيف تتوقعون سيناريوهات الأسعار مستقبلا في ظل ترقب فرض عقوبات على إيران شهر نوفمبر المقبل؟

 هناك توقع بأن ينخفض إنتاج أوبك إلى 31,7 مليون برميل يوميا في 2019، بسبب العقوبات التي ستطبق على إيران بدءً من 5 نوفمبر القادم، وهذا التوقع تسنده العديد من المعطيات المدركة، فالإنتاج الإيراني من الصعب تجفيفه كلية من السوق النفطية، لذلك من المتوقع أن يتراجع فقط في حدود المليون برميل، كما أن بقية أعضاء أوبك يصعب عليهم تعويض ذلك من الوقت الحالي إلى نهاية السنة، والولايات المتحدة الأميركية أضحت تدرك المسألة، ولذلك فقد عرضت واشنطن (في نهاية شهر أوت الماضي) 11 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للتسليم خلال شهري (أكتوبر ونوفمبر القادمين) حتى تعزز إستراتيجيتها في تنفيذ العقوبات التي أقرتها ضد إيران وحتى تبدد المخاوف من إمكانية وجود فجوة في المعروض على مستوى الأسواق النفطية. كما أنه مما يقلق الإدارة الأميركية هو تمدد فرق النقاط بين عقود نفط البرنت القياسي العالمي والنفط الخام الخفيف الأمريكي كلما ارتفعت أسعار البرنت، حيث أن الفرق يزيد عن 7,6 للبرميل في هذه الأثناء التي يتجاوز فيها البرنت 77,40 دولار للبرميل. كما أن وجهة النظر هذه المتعلقة بإستحالة تجفيف النفط الإيراني من السوق النفطية العالمية تعززها بيانات العشرة أشهر (أكتوبر 2017 - جويلية 2018) والتي أظهرت أن واردات كبار المشترين في آسيا من النفط الإيراني بلغت أعلى مستوياتها في شهر جويلية المنصرم، فقد استوردت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية 1,87 مليون برميل يوميا من إيران بارتفاع 23,3% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2017، وقفزت واردات الهند من إيران في جويلية بـ 85,1% على أساس سنوي، وتشير مصادر مستقلة إلى أن الصين تحولت إلى استخدام الناقلات الإيرانية لنقل الخام الإيراني منذ جويلية الماضي للالتفاف على العقوبات الأمريكية والاحتفاظ بالإمدادات الإيرانية. كما أنه بالنظر لتداعيات الحروب التجارية على الاقتصاد العالمي، وتعاظم مخاطر ذلك خاصة بعد تهديد الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية، مما قد يتسبب في تراجع الطلب على النفط، فإنه من المتوقع أنه ينهي برميل النفط أداؤه هذه السنة عند متوسط 72 دولارا للبرميل، كما أنه من المتوقع في سنة 2019 أن يرتفع قليلا ليكون في متوسط 72,5 دولار للبرميل. لكن حالة اللايقين تبقى جاثمة في الأفق، ويغذيها وهم نماذج التنمية المتفوقة التي تسوق لنا، إذْ أن حالة اللايقين هذه التي تطبع مستقبل الإقتصاد العالمي، بما يعني أن هذه الحالة ستنعكس كذلك بـ «اللايقين» على أسواق النفط بكل تأكيد، وهذا يعود إلى جملة من الأسباب الجوهرية، فعلى سبيل المثال : الهند التي لديها الاقتصاد الأسرع نمواً، والتي ستكون فاعلا عالميا فى غضون السنوات الـ 20 المقبلة، كونها ستكون صاحبة أكبر عدد من سكان العالم وصاحبة أكبر قوة عاملة، هي تعيش مشكلة كبيرة تلوح في الأفق وتتمثل في الاقتراض الحكومى المركزى الذى سيرتفع العام الجارى (2018)، وهذا الوضع سيعرقل النمو المستقبلى. كما أن تقييم الإقتصاد الصيني خلال الـ 10 سنوات الأخيرة (2007-2017) يقودنا إلى وجود تباطأ في نمو الناتج المحلى الإجمالى بمقدار النصف، كما انتقلت الصين من كونها دولة صاحبة مستوى ديون منخفض إلى صاحبة ديون مرتفعة أسوأ من الولايات المتحدة، كما أن الحكومة المركزية الصينية قد سمحت للديون بالتراكم لمستويات مهولة خلال العشر سنوات الاخيرة. كما تواجه الولايات المتحدة التزامات إنفاق هائلة فقد بلغ الإنفاق الحكومى الوطنى الموحد على الرعاية الصحية تريليون دولار، كما وصل إنفاق الضمان الاجتماعي إلى مبلغ مماثل، ومن المتوقع أن يصل العجز الفيدرالى كذلك إلى تريليون دولار العام الجاري. ولذلك فأحسن وصف لحالة الإقتصاد العالمي الذي تقوده هذه القوى الثلاثة أنه يسير على رمال متحركة، خاصة مع استمرار أكبر اقتصاديين في العالم (الصيني والأميركي) في حربهما التجارية وتصعيد الاختلافات التجارية المتبادلة بينهما.  
يتبع