طباعة هذه الصفحة

الدكتور إبراهيم رماني في حوار مـع «الشعـب»

الكتابــة لـــدي هـاجس معــرفي إبداعــي ذاتـي

أجرى الحوار: فنيدس بن بلة

 انطلاقتــي الواعـدة في الصحافــــــة والكتابـــة كــانت مــن جريــــده «الشعب»
 «الذاكـرة المتقـــدة» آخــــر مؤلفاتـي شهـــــادة وفــــاء لذاكــــرة شخصيـــــات بارزة

نــوفمبر ملحمــة نضــال مــوضوع بكــر للكتابـــة والتأليــف

كانت انطلاقته الحقيقية الواعدة في عالم الصحافة والكتابة من جريدة (الشعب) التي كتب فيها مقالا أسبوعيا في الثقافة والأدب والنقد عامي 1984- 1985،والتي تواصلت وتألقت عبر السنين في جرائد ومجلات وطنية وعربية.لم يتوقف عن تأليف الكتب في مجالات متعددة مساهما في اثراء المكتبة الجزائرية محفزا المواطن على المطالعة ومتابعة المستجدات في عالم الطباعة والنشر. «الكتابة هاجس معرفي ابداعي ذاتي» جوابه التلقائي على اي سؤال يطرح عليه .انه الدكتور إبراهيم رماني، باحث وناقد أدبي، دبلوماسي ومدير الدراسات والبحث حاليا بالمجلس الدستوري، أصدر اثني عشر كتابا في الثقافة والأدب والأيديولوجيا، آخرها « بوعلام بسايح، الدبلوماسي والسّياسي المثقف» و» الذاكرة المتّقدة،مقالات، شهادات ،ذكريات».التفاصيل في هذا الحوار الذي اجرته معه جريدة «الشعب» مستغلة حدثين بارزين «سيلا 2018» واحتفالية نوفمبر.

- الشعب- إبراهيم رماني، دكتور في الأدب العربي المعاصر، إطار سام بوزارة الشؤون الخارجية، باحث، لكنك صحفي مقتدر تشهد على ذلك الأنواع الإعلامية التي تكتبها بتلقائية وفن. كيف تجمع بين هذه المجالات وتبدع فيها؟

 د.ابراهيم رماني:  منذ شبابي المبكر كنت مولعا بالدراسات الأكاديمية والصحافة والكتابة، لذلك تركت بإرادتي قسم الرياضيات في الثانوية للتخصّص في دراسة الأدب بالجامعة، شغوفا بالبحث والصحافة عاشقا للثقافة والكتابة، فنشرت منذ كنت طالبا في الليسانس بجريدة (النصر) ثم (الشعب) التي كتبت فيها مقالا أسبوعيا في الثقافة والأدب والنقد عامي 1984- 1985. فكانت منها انطلاقتي الحقيقية الواعدة التي تواصلت وتألقت عبر السنين في جرائد  في صدارتها الشعب التي كانت بدايتي الاولى في المغامرة الابداعية والتعبير ومجلات وطنية وعربية. على الرّغم من اختلاف وتعدّد المسئوليات في الجامعة والصّحافة والدّبلوماسية، أجتهد دوما في التوفيق بين التزاماتي المهنية والتزاماتي المعرفية. طبعا لم يعد إيقاع القراءة - الكتابة مكثفا مثلما كان سابقا، لكنه حاضر متواصل قدر الإمكان. إذ تبقى الكتابة لديّ هاجسا معرفيّا إبداعيّا ذاتيا، وعيا وطنيّا فائقا وفعلا حضاريّا راقيا.قناعتي أن الإبداع لغة متعدّدة الأشكال والألوان تتجلّى في مختلف الاختصاصات، أن الثقافة جوهر راسخ في شخصيتي وهي قوام أي وجود انساني حضاري. ويقيني أن الكتابة لغتي الفسيحة البليغة التي أصنع بها ومن خلالها جسر تواصل وتفاعل وتكامل مع عالم الثّقافة والمجتمع.هي هوايتي القديمة المتجدّدة والتزامي لكبيرالأبدي.

الصحافـة جعلتنــي أغــوض في تحـــولات المجتمــع العميقـــــة

- أيّ القطاعات تجد نفسك فيها بأريحية، تجلبك أكثر وتغريك؟ أيّ تقييم لك للصحافة الجزائرية وهي احتفلت بيومها الوطني مؤخرا؟

 لكل قطاع خصوصيات تتقاطع مع طبيعته وحدوده، أحببت الجامعة التي أرى فيها دائما قلعة العقل المستنير والفكر الرّفيع والبحث الرصين، كما أحببت الصحافة التي جعلتني أغوص في تحوّلات المجتمع وأعماقه،متقرّبا من دنيا الناس وحركية التاريخ في تفاصيله اليومية، متفتّحا على عالم أوسع من جدران الجامعة. كما شغفت بالدبلوماسية،بما هي علم واسع وفن راق، رؤية شاملة مركّبة للوطن في علاقته بالعالم الفسيح المتحوّل المعقّد، الدبلوماسية التي أتشرّف من خلالها بخدمة بلادي والدّفاع عن مصالحها وصورتها الحضارية اللامعة في الخارج. إذن أرتاح في كل هذه المجالات، ولو تسعفني الظروف لمارست الدبلوماسية متواصلا دوما مع الجامعة والصحافة، أي ممارسة التفكير والتعبير، البحث والكتابة.
   أما عن الصحافة الجزائرية التي احتفلت بيومها الوطني منذ أيام، فهي أحد المكاسب الثمينة للديمقراطية في الجزائر الناهضة، التي تسجل تطورا وحضورا متزايدا مؤثّرا في صناعة الوعي والرأي العام. هي مسار حافل مشهود في خدمة القضايا الوطنية منذ سنوات التحرير، ومشروع واعد يحتاج إلى المزيد من الدّعم والتأطير والتشجيع ليبلغ درجات متقدّمة من الكفاءة والاحترافية والانتشار داخليا وخارجيا. بالمناسبة،هنيئا لأهل المهنة الأعزاء وذكرى وفاء وتقدير مشفوعة بدعاء الرّحمة والغفران لشهداء الاعلام، شهداء الثورة والواجب الوطني.

كتابــــات سياسيــــة في الواجهــــــة

- نلاحظ ميلك مؤخرا إلى الكتابات السياسية منها كتاب عن فقيد الجزائر الذي تقلد مسؤوليات هامة. كيف كانت المبادرة لإنجاز المؤلف(بوعلام بسايح، عشر سنوات مع الدبلوماسي، السياسي والمثقف) الصّادر بالعربية والفرنسية عن المؤسسة الوطنية للنشر والاشهار (لاناب)؟

 يندرج هذا الإصدار الأوّل عن بسايح ضمن « الكتاب – الشهادة»، أي ليس ببليوغرافيا ولا دراسة تحليلية، إنما شهادة موضوعية – ذاتية حول الصّديق العزيز والمعلم الكبير  د. بوعلام بسايح، الذي تشرّفت بالعمل تحت إشرافه مستشارا للشؤون السياسية والثقافية، عندما كان سفيرا للجزائر بالرباط (2002-2005) ومديرا للدراسات والبحث في ديوان المجلس الدستوري أثناء توليه رئاسة هذا المجلس (2006-2012)، فضلا عن أربع سنوات من التواصل المستمر عندما كان مستشارا خاصا لرئيس الجمهورية السّيد عبد العزيز بوتفليقة حتى وفاته رحمه الله في 28 جويلية 2016. إذن، شهادة حول الشخصية والمسار والأعمال، خلال الفترة التي رافقته فيها، مبرزا كفاءته الدبلوماسية وخبرته السّياسية وثقافته الواسعة ومؤلفاته القيّمة في التاريخ والشعر والأدب الشعبي والترجمة والدراما السينمائية، والتي تندرج جميعها ضمن رؤيته المتكاملة في خدمة الجزائر وتاريخها الملحمي الحضاري المجيد.
 بعد وفاته رحمه الله، وجدتني أكتب هذه الشهادة بشكل تلقائي سريع، بدافع ذاتي خاص، هو واجب الوفاء والاعجاب والتقدير لبوعلام بسايح الذي حظيت بشرف العمل معه مقرّبا منه سنوات طويلة حافلة في خدمة الوطن، وكذا تقاسم الانشغالات والهوايات الثقافية الأدبية.فالهدف الأساس هو التعريف به وهو الذي كان يحب العمل بعيدا عن الأضواء في صمت وتواضع. أما السبّب الموضوعي، فهو أداء واجب الشهادة نحو التاريخ والوطن الذي يمثل بسايح أحد شخصياته الكبيرة، التي ساهمت في خدمته أكثر من نصف قرن، عبر مسئوليات رفيعة متعدّدة وخدمات جليلة متنوّعة وأعمال فكرية أدبية قيّمة.

شهادات عن شخصيات صنعت الأحداث

- الكتاب يسرد مسار بسايح وجوانب من حياته المهنية التي عشت جزءا كبيرامنها ،وزادت أهميته الوثائق المتضمَّنة فيه، ما يعطي قيمة للتأليف التوثيقي الذي هو غائب أو مغيّب عندنا.كيف أحدثت الاستثناء واهتممت بهذا المجال الذي يمنح إضافة للكتابة ويزيدها إثراء وإقبالا عليها؟ ولماذا عزف الكتاب عن اقتحام عالم التأليف السّياسي وإصدار مطبوعات عن شخصيات جزائرية تركت بصماتها في الدبلوماسية أو الثقافية أو الإعلامية، مثلما تخوض أنت التجربة ؟

 ملاحظتك جيّدة، قلّما نجد في بلادنا الكتب المتضمّنة شهادات وسير ذاتيةحول شخصيات وطنية بارزة في مختلف المجالات، يكتبها أصحابها أو غيرهم ممن رافقوهم عن قرب، كما نجد ذالك في بلدان غربية وحتى عربية مثل مصر. وغياب ذلك يعتبر خسارة فادحة للتاريخ الوطني في مختلف جوانبه وأبعاده. لست أدري، لماذا يعزف الجزائريون عن الكتابة في هذا النوع بشكل خاص. لصعوبته وحساسيته، لأن الشفوية لا تزال سمة سائدة في العقل العربي والجزائري، لإهمالهم وعدم تقديرهم لأهمية ذلك علميا وتاريخيا؟ الأسباب متعددة ومترابطة.
آمنت أن الكتابة فعل حضاري بامتياز، هي سجل الأمم وديوانها الخالد، مدركا أن الجزائر بتاريخها العريق وأمجادها الحضارية تستحق وهي في حاجة إلى الكتابة في كل المجالات، ومنها الشهادات والببليوغرافيا التي تفيد بالمعلومات والاعترافات والآراء والوثائق وحتى الصور، كما فعلت في كتابي عن بسايح، مما يساعد الدارسين والأجيال اللاحقة على استيعاب جزء من تاريخها الحقيقي. هذا الكتاب - الشهادةخطوة أخرى على هذا الطريق، دعوة للكتابة والشهادة التي تضيف وتفيد في تخليد التاريخ الوطني.

«الذاكرة المتقدة» هي ذاكرتي وذاكرة الوطن

- «الذاكرة المتقدّة»  الصّادر عن المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية «إيناغ»، آخر مؤلف لك يعرض بصالون الكتاب، يحمل خصوصية أخرى من مقالات، شهادات، وذكريات.إلى أين ذاهب رماني في الإبداع والتألق؟

 كتاب (الذاكرة المتقّدة) هو ذاكرتي الشخصية المتلألئة ارتباطا بذاكرة الوطن الساطعة، هو ذاكرة المدينة التي كتبتُ عنها مقالات في بعض جوانبها المختلفة، ذاكرة شخصيات علمية ثقافية أدبية بارزة ارتبطت بها عبر صداقة عميقة متميّزة، كتبتُ عنها شهادات وفاء وتقدير وتعريف وتخليد مستحقة، بسايح، مصايف، سعد الله، ركيبي، محمد ناصر، حسن فتح الباب، حفناوي زاغز، بختي بن عودة. وهي ذاكرتي في القاهرة التي عملت فيها مسئولا للمركز الثقافي الجزائري بمصرخلال التسعينيات، مساهما في التعريف بثقافة بلادي وخدمتها عبر مختلف مواقع المسئولية وأنواع الكتابة.

- «سيلا 2018» يصنع الحدث هذه الايام. الطبعة تعلن عن بداية موسم ثقافي تعددي. كيف تنظر الى هذه المحطة. وهل يمكن اعتبارها رافدا لتسويق الجوهرة الثقافية للجزائر؟

 معرض الجزائر الدولي للكتاب تظاهرة ثقافية هامة، تساعد على نشر الكتاب وتشجيع المقروئية والتعريف بالكتّاب الجزائريين، وكذا الاطلاع على الإصدارات الجديدة عبر العالم، والتواصل المفيد بين دور النشر الوطنية والأجنبية. فهو فضاء إشعاع وتفاعل ثقافي بين الجزائر والعالم، يستحق التنويه والدّعم والتشجيع المستمر.
 
  نوفمبر مصدر إلهام للسلام والأمن

- نحن نعيش أجواء احتفالية ثورة نوفمبر المجيدة. اين موقع الكاتب والمثقف في هذه المحطة؟ هل أنصف الكتاب الثورة الجزائرية في التأليف عنها واطلاع الآخر بمآثرها ورسالتها؟

 ونحن نحيي الذكرى 64 لاندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة، أقول إنَّ هذه الثورة كانت عظيمة وستظل مصدر إلهام وفخر وتجدّد للأجيال المتعاقبة. هي امتداد وخاتمة مسار طويل شاق ملحمي من المقاومات الشعبية وجهود الإصلاح ونضالات الحركة الوطنية. كلها تنصهر في بوتقة نوفمبر الخالدة. أقول إنّ الملحمة الجزائرية تستحق الكثير الكثير وهي أكبر مما أنجز وكتب، لا يعني الأمر الكتاب فقط، بل يشمل كل أنواع الإبداع وأشكال البحث والتعبير. لا تزال موضوعا بكرا جديدا في حاجة إلى درس موضوعي وتمجيد مستحق، إنّ حب التاريخ الوطني وخدمته ليس نزعة ماضوية كما يروّج لها بعضهم، عن جهل أو قصد، بل هو وعي والتزام وخدمة لمقومات الهُويّة وركائز الشّخصية ومعالم الرؤية المستقبلية.

على المثقف الانخراط في قضايا الوطن

- كيف الترويج ثقافيا لمبادرات ترافع للسلام والأمان والتسامح منها «المصالحة الوطنية» وبعدها «العيش معا في سلام» حتى لا تكون هناك حواجز بين المثقف والسياسي وتكتمل مهمتهما وتكسب توازن المعادلة بعيدا عن عقلية هذا ليس من مهامي واختصاصي؟

 لا يمكن لأيّ أمة أن تتطوّر سياسيا واقتصاديا دون أن تتمكّن ثقافيا وعلميا، كل برامج التنمية تعتمد على قاعدة ثقافية صلبة، على مواطنة صالحة وشرائح اجتماعية إيجابية فاعلة. فالإيديولوجيا هي عالم الأفكار العميقة الرّاقية الهادفة في مجتمع واع منتج ناهض متماسك. إذن السّياسي والمثقف شريكان متكاملان في تخطيط وتنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة المستدامة. لذلك ينبغي للمثقف أن ينخرط إيجابيا بمختلف أشكال القول والفعل في قضايا الوطن الجوهرية وتحوّلاته التاريخية، كما هو الشأن في سياسة المصالحة الوطنية ومبادرة «العيش معا في سلام».  ويكون لذلك آثار إيجابية ثمينة وطنيا ودوليا.