طباعة هذه الصفحة

عبد السلام فيلالي أستاذ بجامعة عنابة لـ «الشعب»:

ما يحدث منذ 22 فيفري محطة فاصلة من أجل تغيير النظام السياسي في الجزائر

حاورته: فريال بوشوية

 استرجاع كرامة المواطن ليس بالوعود لكن بأشياء ملموسة
 اختيار ممثلي الحراك عبر الانتخابات وليس المظاهرات

شدد الأستاذ بجامعة عنابة المتخصص في علم الاجتماع السياسي عبد السلام فيلالي، في حوار مع «الشعب»، على عدم «خذلان التطلعات، وترجمة روح الإخاء والسلم التي سادت في مشروع مجتمعي منفتح على قيم الحداثة والديمقراطية، وتحقيق القفزة الاقتصادية المنتظرة»، لافتا في سياق حديثه عن الحراك الشعبي السلمي إلى أن «اختيار الممثلين لا يتم في المظاهرات بل عن طريق الانتخابات»، وعبر النخبة السياسية وهو الرهان الحقيقي حسبه، لأن المطلب الأساسي هو تفعيل الحياة السياسية وجعلها في مستوى تطلعات عموم الشعب في الحرية والعدالة والكرامة.
- «الشعب»: ما هي قراءتك للحراك الذي تميز بالسلمية؟
 عبد السلام فيلالي: ما حدث في الجزائر منذ 22 فيفري الفارط، محطة فاصلة وحاسمة في تاريخ الجزائر، بوسعنا اعتبارها من المآثر التاريخية ولحظة نادرة لتشمل الوعي من أجل التغيير وصناعة المستقبل. في اعتقادي أن حدة وزخم ما ساد الحراك من تعبير سواء حين الخروج إلى الشارع أو على صفحات التواصل الاجتماعي، راجع إلى اعتمال طويل وهادئ وتفكير حول تغيير الأوضاع.
لقد مرت عاصفة ما يعرف بـ»الربيع العربي» بسلام على الجزائر، تطلب الأمر كثيرا من الصبر والحكمة لأجل تعديل مجرى الحياة السياسية واستعادة مؤسسات الدولة لكي تعمل كما يطمح أي جزائري غيور على بلده، وأول مطلب في هذا الحراك كان التعبير عن الرفض لحالة التصحر السياسي ونبذ الفساد، لقد بدت المطالب منطقية ومعقولة وذات مغزى إلى درجة أنها وحدت كل الأصوات، وهذا بترشيد الحياة السياسية بشكل عام .وقد صادف هذا الاعتمال التحضيرات التي تابعناها لأجل تنظيم انتخابات رئاسية.
لقد كان المطلب الثاني هو استرجاع الكرامة واحترام المواطن ليس بالوعود ولكن بأشياء ملموسة في مقدمتها احترام الشروط الدستورية والقانونية لكل من يريد الترشح لأعلى منصب في الدولة.
الآن مطلوب التفاعل بصورة إيجابية مع هذا الحراك، لا يهم كيف يقرأ وكيف يتم تأويل مضامين الحراك، بقدر ما يهم العدول عن الممارسات السياسية السابقة واستعادة الديمقراطية تألقها في الجزائر مثلما يستدعي الحال في أي عملية تغيير شامل.

مظاهر التحضر والتآخي أبهرت العالم

-  وكذلك تعامل الأمن الوطني معها؟
 شيء رائع أن يسود هذا الحراك مظاهر السلمية والتآخي، إنها مشاهد رائعة للتكاتف بين أبناء الوطن الواحد. الحقيقة أننا كنا متخوفين على خلفية ما جرى في مواعيد سابقة. إن هذا أعطى مزيدا من الإيجابية، أنا من جهتي علقت يوم 22 فيفري الماضي على ما رأيت بهذه العبارة «شارع الحق». فالمطالب كانت إنسانية وسياسية في نفس الوقت.
كان رد فعل قوات الأمن متجاوبا مع الانطباع العام، بأن ما أخرج المواطنين إلى الشارع هو إعادة الاعتبار للسياسة لكي تكون المسار الذي به تتحقق إرادة الشعب ومصالحه.
- كيف تأخذ مطالب الحراك شكل حوار، أو بالأحرى كيف تنقل من الشارع إلى الحوار؟
 لا يجب أن نعطي الحراك المضامين التي لا تنجز بالمظاهرات، أي مثلا اختيار الممثلين لا يتم في المظاهرات بل عن طريق الانتخابات، إن المطلب الأساسي هو تفعيل الحياة السياسية وجعلها تكون بمستوى تطلعات عموم الشعب في الحرية والعدالة والكرامة.
أما تنفيذها فيكون عبر النخبة السياسية (الأحزاب والفاعلين السياسيين)، وهذا هو الرهان الحقيقي الذي يجب إيلاؤه الأهمية القصوى. فالسياسة تحيل إلى فن تنظيم الإرادات العامة وبلورتها في قرارات تساهم في تحقيق المصلحة العامة والحياة الكريمة.
- ما تفسيركم لارتفاع سقف المطالب من مسيرة إلى أخرى؟
 لأن التفاعل الذي واجه به أصحاب القرار لا يتوافق مع المطالب المطروحة، فسحب الترشح لم يؤد إلى إطلاق عملية سياسية تستجيب لتطلعات التغيير وآمال الشعب وخاصة الشباب منه، في تخليص البلاد من كل المعيقات التي تحول دون تجاوز السلبيات القائمة.
- الأحزاب السياسية شبه غائبة، والمعارضة تتحرك رغم أن الشارع يقول إنها لا تمثله، أين موقع الأحزاب موالاة ومعارضة من كل ما يحدث؟
 في نظرنا أن حالة التصحر السياسي التي عاشتها الجزائر قد أفقدت الساحة السياسية مصداقيتها، وذلك أن الوصوليين هم الذين شغلوا الساحة السياسية، والفرز كان يتم على أساس الولاء والخضوع وليس على أساس مشروع سياسي معروف ومطروح على الفاعلين السياسيين للإثراء والبحث له عن شرعية. عاش المجتمع الجزائري وما يزال ضبابية من حيث «الحجم السياسي» لأي مشروع.
وعليه ليس بوسعنا تقدير حجم أي حزب سياسي، كما أنه لم تحدث عملية أقطبة للفاعلين السياسيين تبعا لمشاريعهم المجتمعية. وبالتالي يمكن القول أنه لا توجد ترجمة حقيقية لها على مستوى الجماهير. إننا نحتاج إلى إعادة تفعيل العمل السياسي لكي يتسنى لنا بعد ذلك تحديد ثقل كل تيار، عبر الانتخابات والتحالفات التي تفرزها العملية الديمقراطية.
يجب التنويه هنا أنه مع نهاية التيار الشعبوي (في صيغته اليسارية) ثم تيار الإسلامية الراديكالية، نحن لا نعرف طبيعة المشهد السياسي، وما هو تفضيل الناخب الجزائري، وأي مشروع سياسي يحظى بالقبول وأحقية التمثيل، وعليه وجب إعادة هيكلة الوضع السياسي العام، بإعطاء الكلمة لقواعد الأحزاب لاختيار ممثليها في هيئات الأحزاب والتحضير للمواعيد الانتخابية القادمة.

تحديد العهدات الرئاسية وعدم توظيف الدين الإسلامي في أي نشاط سياسي

- على ضوء هذا المعطى، ما هو تصوركم للمرحلة المقبلة؟
 من منطلق أني مواطن غيور على بلاده، وكأكاديمي ومثقف مهتم بالشأن السياسي ودارس لبنية الدولة والمجتمع في الجزائر، أقترح ما يلي لإعادة تفعيل الحياة السياسية وربط المجتمع بالدولة، العمل بالدستور وخاصة فيما يتعلق بتحديد مدة الولاية الرئاسية، والعمل على الفصل بين السلطات، وعدم السماح لأي طرف بتوظيف الدين الإسلامي في أي نشاط سياسي، وإعادة تفعيل الحياة السياسية من خلال إرغام الأحزاب على العودة إلى قواعدها الشعبية لاختيار ممثليها في هيئات الحزب، وتنظيم الانتخابات يتم تحت إشراف ومراقبة الأحزاب وبمساعدة الإدارة، وكذا تفعيل دور البرلمان في المسائل ذات السلطة بمبادئ الحكم الراشد، وذلك يكون بتعزيز صلاحياته وفق مبدأ التوازن بين السلطات، وعدم السماح باستخدام وتوظيف الرموز التاريخية ذات الصلة بثورة التحرير المجيدة.
إن هذه المقترحات هي عامة، بمعنى أن يكون التغيير منطلقه الرغبة الصادقة في الإصلاح وتصحيح الأخطاء، وأعيد وأكرر ترشيد الحياة السياسية، مثلا في ما يخص طريقة الاقتراع وسد الثغرات التي سمحت بتنفذ المال السياسي والفساد وتسربه إلى أهم مستوى من مستويات العملية الديمقراطية، أقصد الانتخابات.
إن عدم تحقيق هذا التغيير والإصلاح يعني عدم التجاوب مع الحراك السائد وترك باب الشك مفتوحا، إن بلادنا تستحق كل الخير، والشعب الجزائري أثبت حضوره حين يستدعيه الواجب الوطني. فلا يجب أن نخذل هذه التطلعات وأن نترجم روح الإخاء والسلم التي سادت في مشروع مجتمعي منفتح على قيم الحداثة والديمقراطية وتحقيق القفزة الاقتصادية المنتظرة.