طباعة هذه الصفحة

الراية الوطنية خط أحمر، خيشان لــ «الشعب»:

كفانا متاجرة بمكونات الجزائر الثقافية والدينية

أجرت الحوار : سهام بوعموشة

المؤسسة العسكرية صمام الأمان للحراك
 على الرئيس القادم إعداد دستور دولة لا دستور أشخاص

يرى الدكتور محمد خيشان أستاذ مادة تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، أن أولويات المرحلة الراهنة إعادة مراجعة قانون الانتخابات والبحث عن شخصية جامعة، وبحسبه فإن المؤسسة العسكرية في المرحلة الراهنة صمام الأمان للحراك، مؤكدا أن الراية الوطنية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، داعيا للكف عن المتاجرة بمكونات الجزائر الثقافية والدينية.
الشعب: بداية ما هي قراءتك لدوافع ظهور الحراك الشعبي ؟
الدكتور محمد خيشان: بالنسبة لي الحراك في الواقع يعود إلى نهاية عقد الثمانينات وخاصة بعد إفرازات أزمة المحروقات عام 1986، ثم تدني القدرة الشرائية للجزائريين والذي نتجت عنه، فيما بعد بطريقة أو بأخرى ما يسمى بأحداث 1988، آنذاك ارتفعت أصوات كثيرة خاصة من الشخصيات التي كانت في دواليب الحكم داعية النظام إلى مراجعة سياسته الاقتصادية، وهذه المراجعة تلخصت بالإسراع في البحث عن بديل عن البترول، وفي نفس الوقت الإسراع في جعل نظام الحزب الواحد للانفتاح على تعددية جديدة أويسمح بديمقراطية حقيقية داخل الحزب.
العهد مع الخروج من دائرة الحكم المطلق والنظام الأحادي
 وطبعا بين مد وجزر قبل النظام بالحل الثاني ألا وهوالتأسيس لديمقراطية داخل الحزب، بحيث تشكلت أحزاب معظمها آنذاك من داخل النظام وأصبحت تأتمر بأوامره وفيما بعد أصبحت تأتمر بأوامر هيئات نافدة ليست حتى مؤسسات نظام واحدة، وهذا الوضع أدى بنا إلى مأساة عشرية كاملة دفع الجزائريون ثمنها، وظل المخيال الجزائري وطبقات المجتمع المدني والسياسيوـن والمثقفون وبعض الهيئات متشبثة بفكرة التغيير، توقفت خلال 1991 بسبب ما حدث من انقلاب على أول شرعية دخلتها الجزائر وهي الانتخابات ، لكنها لم تمت في وجدان الجزائريين، وهذا الانقلاب زاد الجزائريين إصرارا على تحيين الفرص ليجددوا العهد مع الخروج من دائرة الحكم المطلق والنظام الأحادي.
فترة نظام بوتفليقة للأسف ظاهريا تعافت خلال عهدتين من آفة العنف وحالة اللاإستقرار، لكن في نفس الوقت أسست لظاهرة فساد لا مثيل لها لم يكن يتوقع الجزائري أن بلده تدخل في هذا النفق المظلم، الذي دمر بنية الاقتصاد برمتها وهذا ما بينته الكثير من التقارير الدولية أن الجزائر تحت حكم بوتفليقة أصبحت تتصدر التقارير الدولية في مجال الفساد المتعدد، وخاصة الفساد المالي، والفساد كما هومعروف في تاريخ الأمم عندما يستشري يعني أن الدولة إما أن تسقط وإما أن تنفجر وإما أن يأتيها احتلال أجنبي.
لكن بحمد الله لم يأتنا ذلك، وإنما ولدت ضغطا تجسد في خروج الجماهير كما خرجوا سنة 1988، لكن الفرق هو أن هذه المرة الذين أطروا الجزائريين من وراء شاشات الهواتف النقالة المتطورة وعبر شبكات التواصل الإجتماعي والوسائط الإعلامية اتسموا بظاهرة خاصة من الحنكة، بحيث أنهم إستفادوا من كل ما حدث في تونس، مصر، سوريا، ليبيا وغيرها، خرجوا سلميين هدفهم الخروج من هذا النفق المظلم، والذي ساعد هؤلاء في هذه الخرجة أنهم أخذوا صفة حراك، بدل ما سمي في تونس ومصر ربيعا نتيجة حفاظهم على أمن البلد رغم أنهم شكلوا تيارا جارفا.
- ما هوالمطلوب منا في الوقت الراهن كي نتجنب الإنزلاقات؟
نحن الآن أمام وضعية تتطلب أن لا نعود إلى الوراء، وأن نلتف وراء الوطن الجريح، معارضة كانت، مثقفين، جامعيين، نقابيين،سياسيين، والجيش باعتبار أن المؤسسة العسكرية في المرحلة الراهنة هي لولب أحكام هذا التغيير، وكمثقفين نؤمن وقلناها في الماضي أن التغيير يأتي على ظهر الجيش، لأنه هوالذي يجب أن يرافق ويحمي ويساعد ويكون بالمرصاد لحالة الإنزلاقات، لأننا نعرف إن لم تحرك أيادي داخلية البلد نحوالهاوية تحركها أيادي خارجية، وعلى الجيش أن يكون ضد هذه التدخلات المتوقعة وهي معروفة في مثل هذه الحراكات.
الآن تشكل تقريبا قطبان في هذا الحراك، قطب نسميه مجازا الناطقون باسم الحراك نقابيون، سياسيون، وأحزاب وشخصيات وباحثون ومحللون والقطب المهم وهو هيئة الأركان، إذا كانت المعلومات التي تداولتها الصحف ووسائل الإعلام في الأسبوعين الأخيرين صحيحة بمعنى أنه لابد من إقالة حكومة بدوي بالدرجة الأولى، وأن يتم الإلتفاف حول شخصية وطنية لها توافق تجمع بين وهج الحراك وتنبوءات هيئة الأركان وتكون حلقة وصل وتخلق توازن بين ما يطمح إليه الحراك وما يريده الجيش في الوقت الراهن، هذه الشخصية الجامعة تضمن الانتقال التدريجي إلى انتخابات شفافة، هذه الأخيرة لا يمكن أن يشرف عليها رئيس حكومة يضرب به المثل في تزوير الانتخابات.
شاهدنا كل يومي جمعة وثلاثاء شعارات يرفعها المتظاهرون، مصوبة نحو بدوي مباشرة لا يمكن أن يتخيل عاقل أن يجمع 6 ملايين بطاقة إمضاء لصالح المترشح بوتفليقة، نحن نعلم بأن الجزائريين أغلبيتهم قللوا من ميلهم للرئيس بوتفليقة منذ منتصف الفترة الثانية من العهدة الثالثة والعهدة الرابعة قاطعوها، ولولا التزوير ما أمكن أن يصل إلى الحكم، والعهدة الخامسة خرج الناس إلى الشارع، ولولا خروج هذه الجماهير إلى الشارع لتم تمرير عهدة خامسة وبنسبة خيالية وما هي بالمنطق.
-  إلى أين يتجه الحراك ؟
المعروف في التاريخ أن الأمم قد تدخل في سبات نوم، قد يطول وقد يقصر متوقف على دينامكية المجتمع في الداخل وعلى الظروف المحيطة، هذه الأخيرة ليست في صالحنا ولا في صالح أي مؤسسة تريد أن تدفع بالبلد إلى حالة اللاإستقرار ولذلك مادام أمام هذا الظرف المانع، فلابد من اتفاق الأطراف المتصارعة على الساحة حول الكيفية التي يمكن أن نخرج بها نظاما جديدا يتوافق مع تضحيات الجزائريين، ويلبي طموحاتهم ويقطع الشك باليقين .أن الجزائريين عازمون بلا هوادة بجميع ما يمتلكونه من قدرات لردم سلبيات وإفرازات نظام بوتفليقة بالكامل في جميع المجالات، حتى لا نترك هذا النظام يفرز أثارا سلبية على الأجيال القادمة التي لم تعاصر بوتفليقة ولم تولد في زمنه.
لأن الجيل إذا تلوث بسياسة معينة، فلا يمكن له أن يؤسس لحركة بناء جديدة تختلف عن ماضيها ولوجزئيا، الشيء الذي سعدنا له هوعندما دعت هيئة الأركان الأسابيع الماضية النخبة الجامعية إلى الإدلاء برأيها والالتقاء في تجمعات وندوات لتبصير الرأي العام بما يحدث، رغم ما يقال نحاول دائما الالتزام بالخطوط التي تجمعنا، البلد الواحد واستقرار الوطن خط أحمر لا يمكن تجاوزه، الراية الواحدة لا يمكن أن نجد بديلا عنها لأنها توحد، علينا التوقف بالمتاجرة بمكونات البلد التراثية والدينية وليتنافس المتنافسون في ساحة السياسة ومن يأتي ببديل قادر على احتواء الوضع وإخراج البلد من هذا النفق المظلم، وإظهار ملامح الذهاب نحودولة ديمقراطية تعددية شفافة فله ذلك.
لأن الدراسات الدولية الآن بالنسبة للدول التي لها إمكانيات النهضة مثل الجزائر،سوريا، العراق، مصر هي أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن تركب موجة البناء على الطريقة الغربية، لكي تتخلص من كل الضغوطات الأجنبية وإما أن تقبل بالوضع الراهن مقابل أن تتحول إلى لقمة صائغة لذوي المصالح في منطقة البحر المتوسط وعلى رأسهم الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، أوما يسمى بضفتي الأطلسي.
-  في نظركم ما هي أولويات الحكومة الجديدة؟
أولويات الحكومة الجديدة إعادة مراجعة قانون ألانتخابات والمعلومات تقول أن فيه 3 ملايين ناخب لا وجود لهم في الحياة، يجب تطهير القوائم الانتخابية وأن تكون متناسبة مع القوائم الرسمية التي تتواجد لدى مصالح البلديات ودوائر الوطن، وثانيا البحث عن شخصية لها مكانتها في المجتمع تكلف بتكوين لجنة لمراقبة الانتخابات، وما نتمناه هوأن يتم إبعاد حزب الإدارة من هذه اللجنة في إشارة إلى الولاة ورؤساء الدوائر، وإشراك قضاة نزهاء وممثلي الأحزاب التي ستخوض غمار الإنتخابات القادمة سواء الرئاسية أوما بعدها.
إذا استطاعت الحكومة الجديدة النجاح في هاتين المهمتين، ستكون الجزائر سباقة مثلما هي معروفة في تاريخها، وستكون منطلقا لبقية الدول العربية في تجربة ديمقراطية حقيقية كالتي كانت قبل 1954، هذه الأخيرة توقفت لسببين هما سوء التقدير من قبل بعض الشخصيات المناضلة في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وفي صراعها مع مصالي الحاج والعامل الثاني هو الدور الاستعماري الذي عمل على القضاء عليها حتى لا تعود هذه التجربة بعد استقلال الجزائر.
إطلعنا على تصريحات الكثير من الشخصيات منهم رحابي، بن بيتور، طالب الإبراهيمي وشخصيات أحزاب وجدنا نقاطا قابلة للتجسيد، منها إقالة بدوي على الفور وإبعاد كل عناصره من الساحة، تسليم الحكومة لشخص يقبله الجميع شريطة أن تتوفر فيه ثلاث نقاط، أن يكون مقبولا من الجميع، وأن لا يكون ملطخا بالفساد وأن لا يكون من المتآمرين على الجزائر في العشرية السوداء وأن يكون من التكنوقراطيين، وأن يلتزم بما يتعهد به أمام الشعب بعد تعيينه على رأس حكومة تصريف أعمال.
- هل يمكن الاعتماد على النخبة الجزائرية المتواجدة في الخارج؟
بطبيعة الحال، هذه النخبة ربما تتوفر على زاد علمي أغزر مما نتوفره نحن في الداخل بسبب أن الغرب يتوفر على وسائط العلم والمعرفة واللقاءات والندوات والجرائد المتنوعة، ونحن في الجزائر محاصرين بسبب نظام بوتفليقة أي منبر علمي يساهم في وعي الجزائريين حرم من الدخول إلى الوطن، لذلك ما يقوم به المثقف والباحث الجزائري بمجهوداته الذاتية لا غير، الدولة غائبة غيابا مطلقا في هذا المجال والهدف هوحتى لا تتشكل نخبة ومن وراءها يحصل التقدم والانفتاح على غيرنا، النخبة يعود لها الفضل في تبصير الرأي العام والهيئات الحكومية، إن أرادت أن تحذوحذوحكومات الدول المتطورة في أوروبا وآسيا.
- بالنسبة للندوة التي ستعقد في 6 جويلية الداخل، هل ستشارك فيها؟
ندوة المعارضة والشخصيات الوطنية دائما أتابعها عبر الإعلام المرئي والمكتوب، لكن إطلاعي على ما صرح به الكثير منهم يبدوأنهم في اتجاه مثلث متساوي الأضلع سيلتقون في نقطة ستكون قاسما مشتركا بينهم، وبين هيئة الأركان وعلى أساسها يتم إقالة حكومة بدوي والذهاب نحو ترتيب المرحلة الانتقالية، التي سيتم فيها توفير كل الشروط والظروف التي تفضي بنا إلى انتخاب رئيس شرعي ديمقراطي حسب المعايير المعمول بها في الدول الأوروبية.
-  هل نتفاءل لخروج الجزائر نحو بر الأمان في المرحلة القادمة ؟
نحن دائما نبني على ما يتوفر لدينا من معطيات، يجب على المؤسسة العسكرية أن تقتنع أن السياسة للسياسيين وشؤون الأمن والدفاع للعسكريين، الدولة يبنيها السياسي ويؤسس لها المفكر ويحميها ويلتف حولها العسكري، في الولايات المتحدة الأمريكية العسكري هو من يسير لكن بالاعتماد على أرمادة من الخبراء والمختصين في جميع المجالات، والعسكري في أمريكا لا يتخذ أي قرار إلا بعد أن يبصم عليه الباحث والمثقف والخبير.
بالنسبة لقضية بورقعة ما هي قراءتكم؟
اطلعت على ما كتب في الجرائد وشاهدت بعض الفيديوهات في شبكة التواصل الاجتماعي، بورقعة كضابط جيش التحرير لا يشك أحد في نضاله، لكن الذي تأسفنا له ونتفاعل معه لأننا في تخصصنا لا نريد أن يستغل من جهات معروفة وهي تتآمر على الجزائر منذ مدة، ولها علاقات مشبوهة مع أطراف أجنبية، كلنا لدينا مشكل مع فئة معينة من النظام السياسي هذا شيء لكن مع مؤسسات الدولة شيء آخر نحن حافظنا دائما على فكرة الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير.
في تقديري ما صرح به المجاهد بورقعة، فيه نوع من التهور وربما دخل في حالة سوء تقدير، لكن من المفروض أن يكون وراء الوطنيين لا أن يستغل ويستدرج لشخصيات وعناصر معروفة بولائها للغرب ضد الجزائر.
نعمل مستقبلا على تجسيد الإستقلال الحقيقي على أرض الواقع، لأن الغرب يحترمك عندما تحترم نفسك، نحن لم نحترم أنفسنا في الديمقراطية كل انتخاباتنا مزيفة، الكثير من المسؤولين على رأس هرم الدولة مزيفون، وبالتالي الغرب ليست له مصداقية تجاهنا ولا يريد التعامل معنا لونقدر حجم إمكانيات الجزائر مساحة بحجم قارة، الاستثمارات الأجنبية في الجزائر لا تساوي شيئا مقارنة بأثيوبيا التي خرجت من أزمة مدمرة على غرار إقرارها بإقامة نظام ديمقراطي شفاف.
السنة الماضية في مؤتمر المال والأعمال بأديس بابا جلبت 40 مليار دولار عبارة عن استثمارات، أيعقل دولة تاريخها مثقل بالصراعات والاقتتال العرقي تنجح في استدراج هذا المبلغ ونحن أموالنا تهرب واقتصادنا ينهك وسياستنا عرجاء؟ وبالتالي هذه الأمور لن نجد لها حلا إلا عبر نظام ديمقراطي شفاف، فليتنافس فيه المتنافسون من يقدم خبرة للبلد فأهلا به في المسؤولية ومن يريد الثراء على حساب البلد والشعب ومقدرات البلد فسيف القضاء بالمرصاد.
-  في رأيكم ما هي أولويات الرئيس القادم؟
إذا كان الرئيس القادم شفافا أول عمل سيقوم به، هوإشراك كل الفاعلين في إعداد دستور دولة لا دستور شخص، والاجتهاد في تحضير وثيقة دستور يحتكم إليها الجميع والتعديل فيها يكون حسب الحاجة والظروف وإذا كان التعديل يجب أن يمس بعض النقاط الثانوية دون المساس بالجوهر، كموقف العدالة من الفساد ومحاربة الجريمة، لأن الدستور بمثابة خريطة طريق لنظام الدولة لا يجب أن يتغير، والكل يحتكم إليه في انتخابات محلية أورئاسية أوبرلمانية. للأسف منذ الإستقلال إلى عهد بوتفليقة أعددنا دساتير أشخاص لا دساتير دولة.