طباعة هذه الصفحة

أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد السعيد بن غنيمة لـ «الشعب «:

التحّلي بروح المسؤولية حفاظا على الجزائر من مخاطر المراحل الانتقالية

حوار: نور الدين لعراجي

 تجديد النخب السياسية وتشبيبها والحوار الجاد

 تحرير القضاء دون المساس باستقلاليته مع فتح ملفات الفساد

اعتبر الدكتور محمد السعيد بن غنيمة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تيزي وزو، بأن الجزائر تعيش الآن ظرفا استثنائيا يتطلب من كل الفاعلين في المشهد السياسي التحلي بروح المسؤولية حفاظا على الجزائر من مخاطر المراحل الانتقالية وللعودة الى الشرعية الانتخابية بأقصى سرعة والجيش الجزائري كان دائما صمّام الأمان الذي يحفظ الاستقرار بالجزائر.
كما تطرّق الدكتور بن غنيمة الى عديد القضايا التي تعيشها الجزائر، اليوم، نتعرف عليها في هذا الحوار..


-«الشعب»: تؤكد مؤسسة الجيش الوطني الشعبي في كل مرّة بأنها ترافق وتتابع كل التطورات، وتحذر من  الشعارات التي يريد أصحابها التشكيك في مؤسسات الدولة، ماهي قراءتكم على ضوء ما يحدث؟

 الدكتور محمد السعيد بن غنيمة: الجزائر تعيش الآن ظرفا استثنائيا يتطلب  من كل الفاعلين في المشهد السياسي التحلي بروح المسؤولية، حفاظا على الجزائر من مخاطر المراحل الانتقالية وللعودة الى الشرعية الانتخابية بأقصى سرعة والجيش الجزائري كان دائما صمّام الأمان الذي يحفظ الاستقرار بالجزائر ولا ينكر أي أحد ما تحقق من انجازات  خاصة عى المستوى القضائي  الذي فتح الكثير من الملفات المتعلقة بالفساد ولم يكن أحد يتوّقع انه قد استشرى الفساد بهذه الصورة في مفاصل الدولة حتى أصبحت فعلا تنطبق على طبيعة الحكم صفة العصابة التي تنهب خيرات الجزائر وأموال الشعب دون حسيب أو رقيب  فمحاسبة من كان السبب في ذلك بدون أي قيود أو تفضيل يعتبر انجاز في المجال القضائي، أما على المستوى السياسي طبعا هناك العديد من المكاسب أهمها وأد مشروع العهدة الخامسة والتمديد، وقادة الاحزاب الاربعة الداعمون لهذا المشروع، هم الآن رهن الحبس الاحتياطي وكذلك فتح الباب لاعتماد احزاب جديدة، وهو ما سيساهم بالتأكيد في تجديد النخب السياسية وتشبيبها والحوار الجاد، وفي مثل هذه الأوقات يبقى هو السبيل الأنجع للحل وطبعا هناك العديد من الجهات تفضل أن تطول الفترة الانتقالية أكثر، خدمة لأجندتها ولعلّها تحقق في هذه المرحلة مالا تستطيع تحقيقه عن طريق الصندوق لذلك تشكك في كل المبادرات التي تقدم أو تقدم مبادرات من الصعب تحقيقها في هذه الفترة .
                                                                                                                            
- رافقت القيادة العليا للجيش الحراك الشعبي، ووقفت مع العدالة كضمان على تأدية مهامها ودعت الى فتح جميع الملفات الثقيلة، بما فيها تلك التي كانت عن قصد حبيسة الاداراج وفي طي النسيان، لماذا وكيف سيتم ذلك ؟   
                   
 الجيش الجزائري مميز جدا في تعامله مع الأزمات التي تمرّ بها الجزائر من فترة الى أخرى والتاريخ شاهد على ذلك، فمرافقة الجيش للحراك ومساندته له ساهم بشكل أساسي في تحقيق المطالب الأساسية التي رفعت في 22 فيفري الماضي، وتأكيد قيادة الجيش لأكثر من مرّة وفي مناسبات متعددة على دعمها وتشجيعها للعدالة على فتح ملفات الفساد دون انتقاء لمحاسبة من ساهم في العبث بخيرات الشعب الجزائري، وساهم بشكل أساسي في تحرير القضاء دون المساس باستقلاليته، مما عجّل في فتح ملفات الفساد ومحاسبة من تسبّب في نهب خيرات الجزائر دون استثناء، وهذه الخطوة مهمة جدا لبناء جزائر قوية أساسها العدل والمساوة بين الجميع والقيادة العليا للجيش بدعمها وتشجيعها لفتح جميع الملفات، جسّدت بالفعل مارفع بمختلف المسيرات من المطالبة بمحاسبة من ساهموا في نهب خيرات الجزائر.     
                                       
- أوضح الكثير من أساتذة القانون أن الموقوفين في الملفات الثقيلة المتعلقة بالفساد ليسوا سجناء رأي، كما تدّعي بعض الأطراف محاولة استغلال هذا الملف، بالرغم من أن العدالة هي المخوّلة للفصل، لماذا في رأيكم يسوّقون ذلك؟
           
 طبعا كل من تم توقيفه في اطار التحقيق في قضايا فساد لايعتبر سجين رأي فسجناء الرأي هم الذين يعبرون عن آرائهم في مختلف القضايا وعبر مختلف وسائل الاعلام سواء المرئية أو المسموعة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويسجنون بسببها دون سبب آخر، في هذه الحالة يعتبرون سجناء رأي، أما الذين نهبوا المال العام وشكلوا عصابات هدفها الوحيد نهب خيرات الجزائر أو التآمر أو التعدي على أمن الجزائري أو الاضرار بمعنويات الجيش، وهي التهم الموجهة للعديد من الشخصيات القابعة، اليوم، بسجن الحراش فهم ليسوا سجناء رأي  والحديث عن سجناء الرأي يجب ان تعرف أسماءهم، ولماذا تم سجنهم، وهذا مالم نطلع عليه، اليوم، في عصر الاعلام الجديد لا يمكن التستر على سجن أشخاص  دون ان يعرفهم الرأي العام الوطني لذلك الذين يرّوجون لوجود سجناء رأي يجب عليهم ان يعلنوا عن أسمائهم ليعرف الرأي العام من هم وتبقى العدالة الجزائرية، هي السيدة في الحكم في مثل هكذا قضايا.
                                    
- ذكر قائد الأركان، نائب وزير الدفاع الوطني، قايد صالح بأن القيادة العليا للجيش ليس لها رغبة، أية رغبة سياسية، وليست معنية بالترّشح للانتخابات الرئاسية، إنما هدفها هو الحفاظ على أمن واستقرار البلاد  وانتخاب رئيس جمهورية في أسرع وقت، فلماذا تتهم بغير ذلك، رغم أنها نفت ذلك من حراك 22 فيفري؟  
    
 نعم قد أكد قائد الاركان، نائب وزير الدفاع الوطني، قايد صالح في أكثر من مناسبة بأن القيادة العليا للجيش ليس لها أي رغبة في الترّشح للانتخابات الرئاسية وأن مهمتها في هذه الفترة هي حماية الوطن والرجوع بأقرب وقت للشرعية الانتخابية والتشكيك في هذه النوايا من طرف البعض يندرج في خانة التشويش على عمل المؤسسة العسكرية التي رافقت الحراك والعدالة، منذ البداية، والجيش هو العماد الأساسي للدولة واستقراره من استقرار الجزائر لذلك يجب على الطبقة السياسية والفاعلين بالمشهد السياسي التحّلي بروح المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالجيش وإبعاده عن التراشق السياسي السلبي الذي لا يخدم الجميع، بل يعمّق من الازمة ويساهم في زعزعة استقرار المؤسسات والى غاية اليوم، ومنذ انطلاق الحراك، لم نلحظ ما يثبت أن القيادة العليا للجيش لها رغبة في الترشح لرئاسة الجمهورية أو في فرض خارطة طريق ما، بل كانت قيادة الجيش دائما تدعم مايرفعه المتظاهرون كل جمعة وأثبت الجيش انه فعلا سليل جيش التحرير الوطني وأنه الحصن المنيع الذي يحمي الوطن من مختلف المخاطر.

- أثارت تصريحات اللّواء المتقاعد خالد نزار كثير من الاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد دعوته لأفراد الجيش بالعصيان على القيادة الحالية، هل هي اللّحظات الأخيرة له بعد صدور مذكرة توقيف ضده أم أنها املاءات خارجية بذلك، خاصة وأنها تزامنت وبرودة التعامل في العلاقات الرسمية بين الجزائر وفرنسا؟   
                                                                  
 ما صرّح به اللّواء المتقاعد خالد نزار خطير جدا، يهدف الى زعزعة مؤسسة أساسية في الدولة، وهي مؤسسة الجيش الوطني الشعبي التي تعتبر هي العمود الاساسي للدولة الجزائرية، لذلك عند مطالبة خالد نزار لأفراد الجيش بالتمرد وتحريضهم على العصيان، تعتبر هذه الدعوة بمثابة التحريض على نشر الفوضى في الجزائر، وهو ما لقي سخطا كبيرا لدى المواطنين الذين  ثمنو اصدار مذكرة توقيف دولية في حق اللواء المتقاعد خالد نزار  وطالبوا بمحاكمته خصوصا انه معروف لدى الجزائريين بأن له العديد من العلاقات المتشابكة مع الجانب الفرنسي، وكل ماله علاقة بفرنسا أصبح منبوذا حاليا بالجزائر، لأن الكثير من الجزائريين يعتبرون ما تعيشه الجزائر من أزمات هو نتاج الاستعمار والوصاية الفرنسية لذلك تصريحات خالد نزار في هذه الفترة وبهذه الحدة ضد قيادة الجيش الوطني الشعبي ليست بريئة ويجب التعامل معه بكل حزم .   
           
- ملفات ثقيلة فتحتها العدالة وتتعلق بالفساد المالي واستغلال الوظيفة والاستفادة من امتيازات بغير وجه ذي حق جرّت الى السجون المئات من  إطارات الدولة، في رأيكم، كيف تعمّد هؤلاء اللّعب بأموال الشعب واستنفاذ الخزينة العمومية؟

 نعم، ربما كنا قبل 22 فيفري نتحدث عن الفساد في مختلف القطاعات، لكن لم نكن نتخيل ان الفساد قد تغلغل بهذه الصورة في مختلف المؤسسات الكبرى وان الفساد أصبح الوسيلة المثلى للترقية في مختلف المناصب والتقرّب أكثر من المسؤولين الذين كانوا يسيرون الدولة بمنطق العصابة وليس بمنطق الدولة، مما ساهم في استنزاف أموال الخزينة العمومية، فالكثير من الاطارات السامية قد توّرطوا، في الفساد المالي والثراء عن طريق استغلال الوظيفة سواء عن قصد أو غير قصد، لأن منطق تقاسم المكاسب كان سائدا طيلة فترة حكم الرئيس السابق مما أضر بالاقتصاد الوطني كثيرا وساهم في تكريس الثروة في يد فئة قليلة تستولي على أهم المشاريع الاستثمارية، وهي مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر مع أفراد العصابة التي كانت تحكم سابقا، واليوم دقت ساعة المحاسبة وبدأت الملفات تظهر للعلن ويطلع المواطن على حجم الفساد الذي كان منتشرا من أعلى هرم السلطة، مثل توّرط الوزراء والولاة ومدراء المؤسسات الكبرى وصولا الى قاعدة الهرم، مثل توّرط رؤساء البلديات وعمل بسطاء في الوكالات  والمحافظات العقارية أو مختلف المؤسسات الذين توّرطوا في قضايا الفساد لذلك من المهم محاسبتهم حتى يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه المساس بأموال الشعب الجزائري أو العبث بخيراته، ويبقى العدل هو أساس الملك وهو أساس قيام الدولة الحديثة .