طباعة هذه الصفحة

انهيار المنظومة التربوية والأخلاقية ساهم في بلوغ الفساد ذروته

راضية جراد: خروج الشعب للمطالبة بإزالة عرابي الفساد ومحاربتهم

حاورها: نور الدين لعراجي

اعتبرت الناقدة والباحثة راضية جراد بأن ما حدث في الجزائر كان نتيجة حتمية للكثير من الأحداث التي رافقت المشهد السياسي، ولعلّ أهمهما فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، وظهور السلطة السياسية بصورة نمطية، رغم ضبابيتها وسلبيتها، ورغم محاولات الترقيع التي باشرها النظام السابق في تسويق صورة الرئيس المريض المقعد، الا ان الشعب انتفض عن بكرة أبيه رافضا كل العروض المسرحية التي سبقت الانتخابات الرئاسية السابقة، والتي بموجبها خرج الى الشارع وتغيّرت معطيات المعادلة، وسقط النظام بكامله.
في حوارها مع «الشعب»، تقدّم الناقدة راضية جراد، رؤيتها كناقدة اجتماعية للوضع الحالي، من منطلق الظروف والراهن الذي نعيشه اليوم، وماهي سبل الخروج من هذا النفق، في ظلّ إعلام أجنبي يروّج دوما للأسوأ، وإعلام رقمي افتراضي يصنع الأكذوبة بامتياز، رغم جماهيريته في المدونات الالكترونية التي لا ينكرها أحد.
- «الشعب»: كمتتبعة للشأن السياسي في الجزائر وما يحدث من متغيرات، ماهي في نظركم القراءات التي رافقت المشهد؟
 الناقدة راضية جراد: في العشرين سنة الأخيرة بلغ الفساد ذروته، وانهارت المنظومة التربوية والأخلاقية، وأصبحت الخدمات الصحية منعدمة، هناك أوبئة اختفت في القرن الثامن عشر في أوروبا لتظهر في الجزائر، الكساد الصناعي تفشى بشكل كبير ومثير، وتمثلت النتيجة الحتمية في خروج الشعب إلى الشارع للمطالبة بإزالة عرابي الفساد ومحاسبتهم، والرجوع إلى النظام الديمقراطي.
 لتستغل بعض وسائل الإعلام الخارجية  مطلبه وتحاول تحريفه، فصور بعضها حراك الشعب الجزائري على أنه ثورة بمباركة الإخوان المسلمين، وبعضها الآخر قال بأنها ثورة لانفصال أجزاء من الجزائر، بينما ذهبت وسائل إعلام أخرى إلى دعوة الشعب الجزائري إلى الاستمرار في الحراك، ورفض أي حل سياسي لينتج عنه فوضى وانحراف في المطلب الشعبي.

- هناك من يرفض حتى العمل بالدستور أو عدم الاعتراف به كوثيقة رسمية؟
 إن رفضنا التقيّد بالمسار الدستوري يعني عدم اعترافنا بالقانون الأعلى للبلاد، صحيح أنه تمّ العبث فيه، وهذا ما جعل الشعب يفقد الثقة في تطبيقه، ولكننا يجب أن نضع نصب أعيننا أن هذا الموقف سيضعف قوام الجزائر، ما يجعلها سهلة المنال، ناهيك عن أنه سيدخلها في حالة فراغ سياسي، والبحث عن ممثل للحراك شبه مستحيل، لأننا نتكلّم عن بلد بحجم قارة، فضلا عن شعب فسيفسائي الأيديولوجيات، وتصوّروا أن بلدًا بحجم قارة وأكثر من أربعين مليون نسمة يتخبطون في الفوضى السياسية والتي ستكون لها تدعياتها الخطيرة على وطننا الحبيب.

- نعاني من أزمة وعي كبيرة أمام غياب المعلومة وانتشار الأخبار المغلوطة، كيف يمكن التخلص من هذه العقدة؟
 على وسائل الإعلام المحلية الوطنية التحلي بالروح المهنية والموضوعية والأخذ على عاتقها نشر الوعي أكثر والتعريف بالقوانين وبأهمية التقيد بالمسار الدستوري، لنصل إلى انتخابات نزيهة بعيدة عن التزوير، كما يجب عليها العمل على نشر روح المواطنة، وعلى الإعلاميين توخي الدقة والأمانة عند نشر الوعي فيما تعيشه الجزائر حاليًا، وبث الأفكار الايجابية.
 كما لا يصح أن ينحاز الإعلام لمصالحه، ولا يساير أحدًا من أصحاب النفوذ، أو يسعى وراء شعبية الجماهير عبر التكلّم بما يحبون سماعه، كما يجب عليه عدم اللجوء للتجريح، أو تقديم فكرٍ يتصادم به مع الشعب بصورةٍ مباشرة؛ لأنّ ذلك سيُبعد المواطن الجزائري عن رسالته، ويُخسره إمكانيّة التأثير في رأيه بهدف أن نصل بالجزائر إلى برّ الأمان.

- كيف نجعل من المتلقي فاعلا إيجابيا ونوجهه إلى خدمة نوعية تفيد المجتمع والبلد؟
 في الوقت الذي سيطرت فيه الوسائل الرقمية والعالم الافتراضي على الخبر والمعلومة، أصبح الإعلام بكل صوره هو المتحكم الرئيسي في عقولنا وتوجهاتنا، فإن تطوّره المخيف، الذي يعتمد على استراتيجية محاصرة المتلقي جعل له الدور الأساس في بناء الآراء والأيديولوجيات
وفي الإسهام بإسقاط أنظمة وصعود أخرى، فهو السلطة الرابعة بعد السلطات التشريعيّة، والقضائيّة، والتنفيذيّة.
إن القوى ألعالمية، أيقنت بأنها تسعى للهيمنة على الدول ذات الموارد الاقتصادية مدى تأثير الإعلام في صنع القرار وتوجيه اتجاهات الشعوب الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، التي تشكل الرأي العام، خاصة في البلدان ذات النظام الديموقراطي، والتي يعتبر فيها الشعب مصدر السلطات، وبالتحكم فيه، وتغيير تركيبته يتمّ إختراقه.

- هل يعني أن الاعلام مخترق بشكل كبير؟
لقد كان الإعلام هو بوابة الإختراق التي من خلالها بدأ التحكّم في الشعوب، اللحظات التي نشاهد فيها شريط الأخبار في التلفزيون، وتلك الدقائق القصيرة، التي  نستمع فيها إلى أحد المحللين السياسين في الراديو أو الأسطر القليلة التي تقرأ في السوشيل ميديا لها التأثير البالغ في تكوين معتقدتنا السياسية.
ولأن الجزائر جزءًا لا يتجزأ من هذا العالم، وفي ظلّ الظرف الراهن لم تسلم من المد الإعلامي، الذي انعكس على الإعلام الوطني، فبين الدور الإيجابي والسلبي لإعلامها وجد المواطن البسيط نفسه بين مفترق طرق، خاصة أن الصورة النمطية المرسومة في ذهنه هي أن الإعلامي يقول الحقيقة التي يجب أن يصدقها.