طباعة هذه الصفحة

الدكتـور عمـار فوفو لـ«الشعـب»:

مـن الضـروري الذهـاب إلى انتخابـات رئاسيــة

اجري الحوار بسكيكدة: خالد العيفة

 تعـــيين زغماتــي وزيـــرا للعـــدل  ضربـــة قويــــة لــرؤوس الفسـاد

قال الدكتور عمار فوفو، استاذ محاضر بجامعة 20 اوث55 بسكيكدة، أن إصلاح العدالة لن يتم إلا باستقلاليتها عن السلطة التنفيذية و يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء منتخب لا معين كما يحدث حاليا.
واعطى فوفو وهو  ناشط سياسي خبير في الفلاحة والتنمية الريفية،في حوار حصري ل»الشعب» ، قراءته في المشهد السياسي على ضوء ما يجري في الميدان من حراك متواصل منذ 22 فيفري الماضي وتمسكه بمطلب التغيير الجذري للنظام السياسي ورحيل رموزه وعصابته.

-  الشعب»: كيف ترون الحراك  خلال الاسابيع الاخيرة، هل  بدا يفقد بريقه مثلما يروج؟
 الدكتور عمار فوفو: في رأيي، الحراك الشعبي بدأ يخرج عن خطه الأساسي و عن رشده و سيطرت عليه الفئوية و الشعارات المفرغة من محتواها، و من تم أصبحت المسيرات الضخمة مختصرة في مجموعات صغيرة، لا تتعدى العشرات بشعارات شخصية لا صلة لها بالأسس التي خرج من أجلها الحراك يوم 22 فيفري الماضي..فالحراك كان وطنيا جامعا و قويا، ومنذ الأسبوع الأول كانت المسيرات عفوية وبشعارات هادفة حملها و رددها الكبير و الصغير، رنانة رافضة للنظام و جذوره و هذا تجلى انطلاقا من رفض العهدة الخامسة و تمديدها إلى رحيل الباءات و حكومة الكفاءات، الى سجن العصابات....
كان هناك شعارات ثابتة أساسية و أخرى متغيرة ناتجة عن ما يتحقق خلال الأسبوع تدريجيا، فقد سار الحراك على هذا النهج مدة 15اسبوعا، و كانت المؤسسة العسكرية ضامنا و مرافقا، سواء من حيث تأمين الحراك، أو من خلال تحقيق المطالب كون مؤسسة الجيش هي السلطة الفعلية و المؤسسة الوحيدة القائمة و المتماسكة.
-  مع كل هذا، ألم تتحقق مطالب الحراك تدريجيا على أرض الواقع، باجتثاث العصابة؟
 خلال الأسابيع الأولى، برز رد فعل العدالة رغم كونها لازالت غير مستقلة، و إصلاحها لن يتم إلا بانتخاب رئيس جمهورية، لكن ظهور نية حسنة و صادقة إلى حد بعيد في حملة اجتثاث رؤوس العصابة إذ وصل الأمر إلى توقيف طاقم حكومي برمته بسجن الحراش، و هذا دليل قوي على أن مطالب الشعب يجري تحقيقها تدريجيا، رغم أن بعض الرؤوس لازلت مختبئة و لم يصلها المنجل بعد....
بدخول رؤوس الفساد و على رأسهم رئيسي الحكومة سلال و اويحيى، ووزير العدل لوح، تبين أن ما كان يروج له من بعض الأطراف للتشكيك في نية العدالة في تطهير البلد من الفساد مجرد صيد في الماء العكر و مجرد دعاية مغرضة لتقسيم الحراك و بث جذور التفرقة بداخله.علما ان جهاز العدالة و على رأسه لوح الطيب كان متعفنا، و لازال القضاة المرتشون بداخله، لكن تنصيب زغماتي شكل انتصارا كبير للحراك الشعبي و لقطاع العدالة ككل، كون الرجل على دراية بقطاعه و عرف عنه النزاهة و الشرف في ممارسة مهامه كقاض.
يبقى التحدي الكبير أما العدالة و القطاع ككل ،هو إصلاحها من الداخل و القضاء على جذور العصابة المتشعبة و المعشعشة في الولايات و البلديات.
حكومة تكنوقراطية لتسيير المرحلة ضرورية
-  في رايكم ماهي الخطوة الكبيرة المطلوبة لانفراج الأزمة؟
 منذ بداية الحراك ، كانت المطالب مركزة خصوصا على رحيل الباءات بداية من بلعيز، بوشارب،  بدوي بن صالح... ،  و كل الباءات التي سقطت كانت مباركة من طرف الشعب، لكن اعتقد ان إشكالية حكومة بدوي بقي قائما، كونها مجرد حكومة تصريف أعمال و للسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع يد في اختيارها، و تأخر رحيلها كان حتما بسبب التخوف من الفراغ في أركان الدولة سواء على المستوى الوطني أو المحلي، لكن مطالبة الشعب برحيل حكومة بدوي، كونه كان جزء من العصابة الحاكمة،  و كونه شارك مشاركة مباشرة  سواء كوال سابق أو كوزير للداخلية، في تزوير الانتخابات السابقة بكل اشكالها، و كذا تزوير استمارات الرئيس المخلوع.
زيادة الى هذا، كل الولاة الذين هم في مناصبهم لهم ولاء تام لبدوي، و بالتالي تبقى أوجه الفساد متجذرة في الولايات و البلديات، و الإدارة المحلية ككل، و لهذا السبب بالذات، ألح الشعب على رحيله و جعله جزء من حل الأزمة، فحتى بعد تعديل قانون الانتخابات و الذي سينجر عنه حتما تحييد كلي للإدارة، تبقى العصابة السفلى متجذرة و متأصلة في كل طبقات الادارة و مفاصلها، و يصعب استئصالها بنص قانوني بل بفتح الملفات الكبيرة للفساد سواء تعلق الأمر بالصفقات العمومية أو بيع العقارات بالدينار الرمزية وكذا التنازل على مؤسسات الدولة لأفراد من العصابة و أقاربهم.
حتى و إن رحل بدوي و صدر قانون جديد للانتخابات و ترسيم لجنة إشراف و مراقبة مستقلة سوف لن يرضي الفئة المنادية للمرحلة الانتقالية و المجلس التأسيسي. بل سيجدون حجة أخرى يتحججون بها إن رحل بدوي الذي كانوا في مرحلة ما يطالبون برحيله، لانهم يرفضون أصلا الانتخابات و يبحثون عن المحاصصة و الفئوية، يتظاهرون بالنداء لإرساء الديمقراطية، لكنهم يرفضون الاقتراع و الصندوق.
-   أي الحلول المطروحة والممكنة؟، هل يقبل الحراك بحكومة كفاءات وطنية ؟
 تثمينا للمسيرة و حسن النية و مسايرة للخطوات التي سبقت، يجب على رئيس الدولة البداية في المشاورات لتنصيب حكومة كفاءات وطنية، و التي بدورها ستكون مطالبة بالعمل على انجاح الانتخابات الرئاسية و بقانون جديد وبلجنة مستقلة للمراقبة والاشراف بسلطة تنفيذية.
ومدة ثلاثة أشهر قد تكون جد كافية لمراجعة القوائم الانتخابية و تطهيرها من الموتى الأحياء كون ملف الحالة المدنية أصبح رقميا و يسهل إسقاطه على ملف القوائم الانتخابية.
وعليه، من أجل إنجاح كل المحطات القادمة، يجب الانخراط في العمل داخل السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات لحماية الصندوق و اصوات الجزائريين و عدم ترك المجال لرجال التحالف الرئاسي وللأحزاب التي ساهمت في تخريب البلد للمشاركة و احتلال الميدان .
محاربة الفساد لا بد ان يطال العصابات السفلية ايضا
- تامين المسار الديمقراطي اذا يفرض توسيع الاجراء لمحاربة العصابات السفلية.كيف ؟وهل تتم بالسهولة؟
 إن التحول الديمقراطي و إقرار دولة الحق و القانون والمؤسسات يستدعي القضاء على الفساد ورؤوسه في الإدارة الجزائرية، و في كل مؤسسات الدولة، وبالرغم من العمل الذي تقوم به العدالة حاليا وتوقيف لحكومة بأكملها وسجنها بالحراش، و هي سابقة لم تحدث في اي بلد على مر التاريخ، ما يدل على استفحال الفساد ونهب ثروات البلد من طرف من كان مخول بالحفاظ عليها و حمايتها، ومن هنا نستنتج أن بوتفليقة  عصبته خلال 20 سنة عمل على تخريب البلد و تمييع الحس الوطني و روح الانتماء لهذا الوطن و نسج عصابات سفلية متشعبة محظور شجرة التوت أفقيا وعموديا وكل الولايات والادارات. حيث أصبح ابسط موظف بالبلدية خاضع لبوتفليقة بحكم هو من يملك سلطة التعيين. وفي الحقيقة، اصلاح و تنظيف ما ترسخ وتجدر يتطلب وقت طويلا.
بالرغم من سجن العصابات العلوية التي كانت تنهب بالتواطؤ مع  العصابات السفلية على المستوى المحلي، بحكم أن الصفقات والثروات والتعاملات كانت تبرم على مستوى الولايات و البلديات. وعليه، فالعصابات تقتات بالتواطؤ مع بعض المدراء التنفيذيين، و بعض الولاة، وبعض مدراء الامن، والامناء العامون للبلديات والدوائر، ومن هنا يتجلى بأن استئصال العصابات ليس بالأمر الهين و قد يطول لسنوات.
وكل ما تقوم به العدالة حاليا هو بفضل صرامة وزير العدل الحالي، الذي عرف بحزمه وعمله على محاربة الفساد حتى في وقت الرئيس بوتفليقة ، مما كلفه منصبه وتحامل الإعلام عليه آنذاك، لان الاجراءات الحالية رغم أن جملة الشعب استحسنها، تبقى محدودة في الزمان والمكان.
- كناشط سياسي  ما الحل الامثل في ظل اقتصاد منهار والخروج الى بر الامان؟
 منذ انطلاق الحراك وسقوط الرئيس بوتفليقة دخل الاقتصاد الوطني في مرحلة ركود غير مسبوقة، حيث توقفت الاستثمارات الوطنية و الأجنبية، بسبب عامل الثقة و الخوف من الاستقرار السياسي، حدوث تضخم و ارتفاع محسوس في البطالة رغم الإجراءات الاجتماعية الغير مجدية التي تقوم بها الحكومة التي هي في الأصل مجرد حكومة تصريف أعمال.
وكذلك الركود الاقتصادي و العجز المسجل خلال الستة أشهر الأولى لسنة 2019 و المقدر ب 3 ملايير دولار مما يشكل تهديدا للاحتياط الصرف المتناوي سنة بعد سنة.
هذا بالإضافة إلى كون النمط الاقتصادي الوطني الذي تبنته حكومات بوتفليقة بني مائة بالمائة على الريع في غياب سياسة ناجعة لخلق الثروة و أثقل كاهله الفساد وسياسة النهب الممارسة من طرف الحكومة بذاتها ضد أموال الشعب.
وفي هذا الصدد، ومن أجل أن نتجاوز أية أزمة اقتصادية خانقة تجعلها تخرج الشعب إلى الشارع بحثا عن رغيف، ارى انه من الضروري الذهاب الى انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جمهورية مخول قانونا بإجراء إصلاحات اقتصادية و سياسية وبتعديل الدستور، وهذا لا يتم إلا بتوفر الظروف الملائمة السالفة الذكر.
ويبقى الحراك الشعبي هو السلطة الحقيقية التي تستطيع أن تراقب كل إصلاحات الرئيس المنتخب.