طباعة هذه الصفحة

لزهاري، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لـ«الشعب»:

لم نتلـــق أية شكـــوى بخصـــوص «معتقلي» الحــراك

حاورته: سارة صرياك

 بعـــض أحكــام قانـــــون العقوبــات لا تتمـــــاشى مـــــع حقـــــوق الإنسـان

 نحـــن مـــع محاربــة الفســاد في ظـــل محاكمـــة عادلــة

 تفعيـــل استشـــارة الحكومـــة والـــبرلمان للمجلــــس حول كل ما يتعلق بالحريات

تداعيات الوضع الذي عاشته وتعيشه الجزائر السنوات الأخيرة في مجال حقوق الإنسان، نجاعة النصوص القانونية ومدى تطبيقها، معتقلو الحراك ومدى قرب تقارير المنظمات الدولية والتصنيفات من أرض الواقع كلها أسئلة; أجابنا عنها البروفيسور بوزيد لزهاري، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان; في هذا الحوار الذي خصنا به.

-«الشعب»: ما تقييمكم لواقع حقوق الإنسان في الجزائر، خلال السنوات الأخيرة 
 بوزيد لزهاري:  الجزائر تمتلك ترسانة من القوانين لكن التحدي الكبير الذي يجب أن نرفعه هو جعلها واقعا معيشا يلمسه المواطن، واعتقد أن حراك 22 فيفري هو بداية مطالبة الجزائريين بإعمال حقوق الإنسان المنصوص عليها في الوثائق لتتحول إلى حقيقة على الأرض وأقول أن التظاهر السلمي في حد ذاته هو من أهم حقوق الإنسان الذي فرض الشعب ضرورة أن يمارسه لتجسيد حقوق أخرى كحقه في انتخابات حرة ونزيهة وحقه في أن يشارك في اختيار من يمثله على جميع المستويات، حقه في أن يسود العدل والمساواة وعدم التمييز، بالإضافة إلى الحقوق الأخرى الاجتماعية كحقه في العمل والسكن والصحة وإلى ما ذلك، كما اعتبر أن الحراك هو بداية في الحقيقة لدخول المواطن على الخط من أجل أن لا تبقى حقوق الإنسان مجرد وثائق لا روح لها، ونحن كهيئة تابعة للدولة نعمل في هذا الاتجاه، إذ نعنى بمهمة حصرية وهي السهر على أن تطبق الالتزامات التي صادقت عليها الجزائر وفي هذا الإطار فقد صادقت الجزائر مؤخرا على أكثر من 10 اتفاقيات على المستويين الدولي والإقليمي.

- الترسانة القانونية موجودة و لا تنتظر إلا تطبيقها على الأرض، هل يعني هذا أنه لا توجد نصوص تسعون لإضافتها أو تعديلها؟

 بالنسبة للجزائر تقريبا صادقنا على كل الاتفاقيات الدولية، كما أن الدستور الحالي ينص على مجموعة كبيرة من الحريات، نعم يمكن أن تضاف بعض المسائل الدقيقة لكن الإطار العام جيد، وأؤكد  كلامي بأن المطلوب هو أن تتجسد القوانين على أرض الواقع.
بالنسبة لتلك النقاط الدقيقة أذكر مثلا حرية إنشاء وعمل الجمعيات وهو موضوع نعاني منه فالمنظمات الدولية دائما ما تتحدث أنه يوجد تضييق وبيروقراطية بالنسبة لإنشائها بالرغم من أن الدستور ينص على قانون عضوي جديد ينظم عملها، لكنه لحد الآن لم يصدر ومطلبنا هو إصدار هذا القانون لتنظيم عمل الجمعيات بما يتماشى والمعايير الدولية التي صادقت عليها الجزائر بما في ذلك اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص في المادة 21 منها على المعايير التي يجب أن تتوفر في الجمعيات وكيفية إنشائها لكون القانون الحالي صارم ونريد التخفيف في بعض أحكامه ليكون في مستوى تلك المعايير .
هنالك أيضا بعض النصوص في قانون العقوبات لا تتماشى مع حقوق الإنسان، أقصد هنا المادة المتعلقة بتجريم انتهاك حرمة المواطن والتي جاءت بهذه الصيغة في القانون دون أي إضافة يعني بالإمكان استثناء الأجانب في حالة تعرضهم لانتهاك وقد يستغل المحامي المادة «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» لربح القضية لذا طالبنا بتعديلها.
توجد نقطة مهمة كذلك وهي تفعيل استشارة الحكومة والبرلمان للمجلس وهم يتعاملون مع التشريع فيما يخص مشاريع القوانين التي تمس بالحريات للحرص على مطابقتها للاتفاقيات الدولية التي أمضيناها حيث أن القانون 16/13 الذي يحكمنا يعطينا هذه الصلاحيات وسنعمل في إطارها، كون هذا الأمر لم يطبق ولا مرة وهو ما أدى إلى وجود بعض القوانين التي تمس بالحريات.
أما بالنسبة للحبس المؤقت فإنه من حق القاضي أن يستعمل هذه السلطة في بعض الحالات كالجرائم الكبيرة أو حتى لحماية الشخص المتهم على أن يكون استعمالها استثنائيا وليس القاعدة .

- كيف تنظرون إلى تقارير بعض المنظمات التي انتقدت وضعية حقوق الإنسان ببلادنا وأدرجتها في الخانة السوداء وهل سترّدون عليها؟

 أنا أختلف معك حول أن الجزائر «تصنّف في خانة سوداء» في مجال حقوق الإنسان، اطلع على التقارير بصفة دورية، صحيح هنالك بعض النقاط السوداء مثل حق التجمع والتظاهر السلميين،  وذلك لما كانا ممنوعان في الجزائر العاصمة بالإضافة لاستقلالية العدالة و اليوم لم تعد تلك التقارير تعكس الواقع بتاتا ؟ ولكن هذه المنظمات ثمنت بالمقابل مجهود الجزائر في مجال الحقوق الاجتماعية كالحق في السكن والحق في الصحة وأعطي مثالا في الخامس من جويلية من العام الفارط أمام أهم لجنة تسهر على تطبيق العهد الدولي والذي يذكر حقوق الإنسان من الحق في الحياة إلى منع الاسترقاق والاحتجاز التعسفي وإلى ما ذلك، هذه اللجنة بدأت بالثناء على التقرير الذي قدمته الجزائر طبعا دون إغفال أنها تناولت النقاط السلبية التي ذكرتها سلفا ولنكن صريحين لا توجد دولة لا تملك مشاكل مع حقوق الإنسان.
تبقى إرادة الدولة في مجال تعزيز حقوق الإنسان قوية وهي موروث واضح من بيان» أول نوفمبر» الذي اعتبره الوثيقة الأولى للدولة الجزائرية التي تتكلم عن أهم حق من حقوق الإنسان وهو تقرير المصير والمساواة وعدم التمييز ونحن نؤمن بهذه المرجعية بالإضافة لقيم ديننا الحنيف وروح العصر والاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر سنعمل على أن نحول دون المساس بحقوق الإنسان وذلك أيضا يتأتى بمحاربة الفساد الذي استشرى في قطاع العدالة و العمل السياسي، كما يطلق عليها»الشكارة» وفي مجالات كثيرة أخرى ما أدى إلى تضييع حقوق المواطن كحقه في انتخابات حرة ونزيهة، هذه الأخيرة التي سنحرص على أن تتم وفق ما يقتضيه القانون، وهذا يعتبر تحديا كبيرا لنا لذا فنحن مع محاربة الفساد، لأنها أسست لمفهوم مبدأ المساءلة لكن مع احترام حقوق المحاكمات العادلة وبدون تميز لأنها الطريقة المثلى لاسترجاع ثقة المواطن المفقودة ليصبح هنالك حكام ومنظومة حكم في خدمة المواطن وليس العكس .
فيما يخص الرد على تقارير المنظمات الدولية فأنا في تواصل معها والقانون يعطينا هذا الحق لوضعهم في الصورة ولا يخفى عليكم أن مجال حقوق الإنسان هو ميدان ملغم مليء بالتلاعبات والاستغلالات السياسية وبناء مسرحيات لمصالح وأغراض أخرى خاصة في الوضعية الحالية التي تعيشها الجزائر من حراك، لكننا أيضا لن نصمت بل سنتكلم في هدوء.

- كنتم وسيطا في الأزمة بين القضاة ووزارة العدل واستقبلتم وفدا عن نقابة القضاة، هلا أطلعتمونا على تفاصيل أكثر ؟

 الدستور يعطينا الحق في المادة 199 منه بالمراقبة والتقييم والرصد والإنذار المبكر في حالة وجود أزمات أو توترات ممكن أن تؤدي إلى احتمال حدوث انتهاكات للحقوق فنقوم بإنذار السلطات للتدخل واتخاذ الإجراءات المناسبة للحول دون ذلك ، في هذا الإطار كان تدخلنا كوسيط لإنهاء النزاع بين وزارة العدل ونقابة القضاة حول الإضراب الذي شنته هذه الأخيرة والذي شل العمل القضائي وبالتالي مس بمجموعة من الحقوق التي يضمنها الدستور وتضمنها الاتفاقيات من هذه الحقوق على سبيل المثال شخص محجوز على مستوى الضبطية القضائية تجدّد له فترة الحبس المؤقت كل 48 ساعة ويمكن أن يجدد حتى خمس مرات وهذا الإجراء من اختصاص وكيل الجمهورية ولك أن تتصوري الوضع في حال كان هذا الأخير في إضراب ؟
القضايا الإستعجالية من ساعة إلى ساعة تتطلب هي الأخرى التدخل الفوري فيما كان القضاة مضربين، مما أدى الى تضرر بعض العائلات من هنا كان تدخلنا كوسيط  بغص النظر عن شرعية مطالب الإضراب من عدمها.
في هذا الصدد، و من باب الإنصاف لمسنا روح المسؤولية لدى الطرفين أي  لدى وزير العدل، بالقاسم زغماتي وكذا رئيس النقابة ، يسعد مبروك اللذان رحبا بالجلوس الى طاولة الحوار وتكلمنا واستمعنا للقضاة وتداولنا معهم أفاق الحلول ورفعناها للوزير مع أطراف أخرى تم بعدها الوصول إلى  اتفاق و عاد القضاة إلى العمل.
بخصوص ما جرى بمجلس قضاء وهران ، تابعنا  كمجلس واستنكرنا ما حدث وطلبنا من كل الأطراف التحلي بروح المسؤولية والتعقّل و حذّرنا من مغبة توظيف تلك  الصور من طرف بعض القنوات الأجنبية التي تخدم أجندات من أجل تشويه سمعة الجزائر خاصة وأننا نعلم أن قواتنا الأمنية تعاملت بكل احترافية مع الحراك وهو ما يشهد له العالم ككل وهذا دون أن ننفي وجود بعض التجاوزات الفردية.

- ما ردكم على الذين يعتبرون “معتقلي” الحراك معتقلي رأي، وهل تلقيتم أي شكوى من عائلاتهم أو من أطراف أخرى؟

 هنالك من يريد أن يمس بهذا الحراك الكبير وهذا الاحترام الذي نعيشه، باستعمال مثل هذه القضايا، بالنسبة للمجلس لم نتلق أي شكاوى بهذا الخصوص، وأنا أدعو منظمات حقوق الإنسان في الداخل بل وأذهب أبعد من ذلك وحتى الدولية للتحقق من وجود أي حالات لانتهاك حقوق الإنسان وبإمكانهم إيداع شكاوى وسيقوم المجلس بالتحقيق فيها مع أن يتم ذلك  دون أي تدخل في عمل القضاء احتراما لاستقلاليته مع مراعاة سرية التحقيق وعلى المحامين استعمال الوسائل القانونية المتاحة لديهم و يبقى أن الحقيقة تعرف بالعودة إلى الملفات فقط.

-  تشاركون في معرض الكتاب لأول مرة، هل هي مؤشر على انتهاجكم لسياسة انفتاح أكثر على المواطن؟

 نتبنى سياسة الانفتاح على المواطنين لنعلمهم حقوقهم ومتى بإمكانهم اللجوء إلينا ونعمل على التحسيس والتدريب والرفع من القدرات و المعرض يعتبر بوابة للتعريف بالمجلس وعمله، والأصداء من هنالك جيدة حيث يشهد الجناح إقبالا من زوار الصالون الذين يسألون عن ماهية الهيئة ودورها.