طباعة هذه الصفحة

الخبير في النّظم الانتخابية المقارنة، لخضر بوعافية لـ «الشعب»:

4 شــروط لوضـع دستــور قانـون يسمو على الجميــع

حاورته: زهراء ــ ب

يفصل الدكتور بكلية الحقوق والخبير في النّظم الانتخابية المقارنة وعضو جمعية مصرية للقانون الدستوري لخضر بوعافية في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب»، في جملة التعديلات الواجب إدراجها في مشروع تعديل الدستور العميق، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية وشكلت من أجله لجنة خبراء، من أجل بناء جمهورية جديدة، حيث حدّد 4 شروط من أجل إعداد دستور قانون وليس برنامج مثلما قال، مقترحا تقليص مواده الكثيرة لأن لا فائدة منها إذا كانت غير  مجسدة على أرض الواقع، كما وافق مقترح   الداعين إلى ثنائية السلطة التنفيذية لتجسيد الفصل بين السلطات، والعودة إلى تسمية رئيس الحكومة بدل الوزير الأول، كما اقترح جملة من التعديلات تابعوها في بقية الحوار.

- الشعب: أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن مراجعة عميقة للدستور لبناء جمهورية جديدة، وقد شكّلت لجنة خبراء تتولى إعداد مشروع قانون دستوري، برأيكم ما هي التّعديلات التي ترونها جوهرية حتى نجسد هذا المسعى؟
 الأستاذ لخضر بوعافية: عندما نتكلّم عن الدستور من المفروض أن نتكلم عن نوعية نظام الحكم الذي سيكون هل هو نظام رئاسي؟ أم شبه رئاسي؟ أم برلماني؟ والإشكالية ليست في الدستور بحد ذاته، إنما في التعديلات المعمقة التي يريد رئيس الجمهورية القيام بها، هل هو بصدد إعداد دستور قانون؟ أم دستور برنامج؟ فإذا كان يسمو على الجميع ويصبح الوثيقة الأسمى للبلاد، ويحدد فيه الصلاحيات بين الحاكم والمحكوم، في هذه الحالة نكون بصدد دستور قانون، وإذا كان كالدساتير السابقة سيكون دستور برنامج، وهذا ليس بإصلاح، ولكن لبناء دستور قانون وقوي ينبغي توفر 4 شروط أساسية، كما حدّدها الفقهاء في القانون الدستوري.
والدستور من المفروض أنّه يحدّد المبادئ العامة والأسس التي تقوم عليها الدولة ثم تأتي القوانين العضوية التي تحدّد هذا، فلماذا لا يكون لدينا دستورا قصيرا وليس طويلا في مواده مثلما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية 32 مادة أو في فرنسا 98 مادة، 218 مادة كثيرة. نحن بحاجة إلى دستور يجسد مبدأ الفصل بين السلطات، فمادامت السلطة التنفيذية مهيمنة على السلطات الأخرى تبقى تلك المواد دون معنى لأنها عير مجسّدة.
نجد دستور 63 أكثر ديمقراطية من 2016، فمثلا في المجلس الدستوري كانوا الأعضاء من ينتخبون عضوا فيما بينهم ولا يختاره رئيس الجمهورية حتى دستور 89 رغم أنه دستور أزمة كما يقال، إلا أنه أكثر انفتاحا وأكثر فصلا بين السلطات.
- قلتم إنّه لإعداد دستور قانون قوي ينبغي توفّر أربعة شروط، فما هي؟
 الشّرط الأول: أن يقوم على مبدأ سيادة الأمة، وهذا المبدأ السياسي هو ثمرة للثورة التحريرية ، أي عندما تقوم مبدأ سيادة الأمة تكون ملك لجميع الأمة، وهي الحق الأصيل لها وجزء لا يتجزأ منها، ولا يمكن التنازل عنه بأي حال من الأحول، وهذا ما يتجلى في الدستور في المادتين 7 و8، والذي طالب بتطبيقهما الحراك الشعبي سابقا.
الشرط الثاني: أن يقوم التنظيم الدستوري على احترام مبدأ الفصل بين السلطات، ذلك المبدأ الذي يسمح بعدم تركيز السلطة السياسية ووظيفة الحكم في هيئة واحدة وهذا ما نلاحظه يتجلى في السلطة التنفيذية التي تهمين بشكل مطلق على السلطة القضائية والتشريعية، وبالتالي لا يمكن أن يكون نظام سياسي دستور، عندما يكون رئيس الجمهورية مهيمن هيمنة مطلقة على السلطات الأخرى.
الشرط الثالث: ضرورة أن ينص على حقوق الأفراد والحريات الفردية والجماعية ويفصلها، لكن ما نلاحظه في الدستوري الحالي أن الكثير منها مازالت حبرا على ورق، وليست مجسدة على أرض الواقع، وقد قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتجسيد أحد هذه الحقوق على أرض الواقع رغم أنه مازالت 100 يوم لم تنته إلا أن هذا الحق اتّضحت الرؤية بشأنه عندما أصبحت الدولة توفر حق العودة لكل شخص يموت خارج الوطن، وهذا عكس ما كان في النظام السابق، حيث كانت الدولة لا تتابع عملية الحقوق الفردية في ديار الغربة، ولا تتكفل بأي حق من حقوقهم رغم أن الدستور ينص على ذلك صراحة في المادة 27، وهذا الحق ظل حبرا على ورق إلى أن أتى تبون رئيس الجمهورية، وبدأ يعمل وهذه بادرة خير في إطار تجسيد بقية الحقوق والحريات.
الشرط الرابع: ضرورة أن تحترم أحكام الدستور، بألا يسمح لأي سلطة أوهيئة بالخروج على الشرعية القائمة إلا بالأسلوب الذي قرره الدستور، واحترام الإجراءات التي بينها في هذا الشأن، كأن يمنع البرلمان من إصدار نصوص تشريعية مخالفة للدستور، كذلك نجد رئيس الجمهورية يخالف البرلمان حيث يحق له التشريع بأوامر وهذا يحد من صلاحيات البرلمان ولا يجسد مبدأ الفصل بين السلطات، وهذه من النقائص، يجب تداركها، فحتى في عطلة البرلمان بإمكان رئيس الجمهورية استدعاءه لأمر طارئ للتشريع.
- يقترح بعض المختصّين العودة إلى السّلطة التّنفيذية برأسين، وتسمية رئيس الحكومة بدل الوزير الأول مثلما كان معمول به قبل تعديلات 2008، هل توافقون هذا الطّرح؟
 صحيح قبل 2008 كانت صلاحيات لرئيس الحكومة، لكن كانت أكبر في دستور ١٩٨٩، وهذا انتقال نوعي من نظام شبه رئاسي إلى نظام رئاسي متشدد، مثلا النظام السياسي والدستور في الولايات المتحدة الأمريكية يمنح لرئيس الجمهورية صلاحيات منفردة على غرار المخول له دستوريا، وهي 5 منها إصدار قوانين، إعلان السلام، له الحق أن يخاطب الشعب مباشرة، حق الموازنة العامة، لكن في الجزائر هناك هيمنة مطلقة للسلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وهذا يجرنا إلى ضرورة الفصل بين السلطات وعدم تمركزها في يد واحدة لأن ذلك يؤدي بنا إلى حكم مطلق، ويجب توزيع السلطات بين هيئات متعددة، وهذا يمنع الاستبداد ويبقي كل سلطة في حدود وظيفتها فكل سلطة تراقب وتوقف كل سلطة أخرى.
نقترح العودة إلى ثنائية السلطة التنفيذية وإرجاع التسمية القديمة رئيس الحكومة، وأن يكون النظام شبه رئاسي يمنح الصلاحيات لرئيس الحكومة، كما هوالشأن في التجربة الفرنسية، ولا نقول هنا أنه يجب نقل التجربة الفرنسية، ولكن على الأقل نمنح 30 بالمائة من الصلاحيات لرئيس الحكومة.
- القوانين يجب أن تكون مرتبطة ببعضها البعض كما يجب أن تكون المواد الدستورية تفسر بعضها البعض، ولكن نلاحظ تناقضا في بعض مواد الدستور الحالي، ما تعليقكم؟
 الدستور الحالي فيه عدة تناقضات، فمثلا بالنسبة لحقوق المرأة التي تتغنى بها جميع التشريعات العالمية والمنظمات كلها تنادي بإعطاء المرأة حقها السياسي، وهنا نلاحظ أن الدستور في المادة 34 يضمن المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وفي المادة التي تليها 35 نلاحظ تناقضا حيث تنص على أن الدولة تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة. هنا هذا المبدأ أعطى للمرأة حق التمثيل في المجالس المنتخبة أكثر من تلك الموجودة في الدول الأوروبية... صحيح يوجد إصلاحات سياسية بداية من القانون رقم 1 إلى القانون رقم 6، ومن ضمنها القانون 03 / 12 الذي يعطي حق للمرأة بالتمثيل في المجالس المنتخبة، ولكن لم تبن هذه القوانين على أساس واضح، فالمرأة بالعاصمة ليست أكثر تحضرا من المرأة في بشار، لأن الفضاءات الجديدة والتطور التكنولوجي أذاب كل الفوارق.
وهنا النظام من خلال القانون 03 - 12 الذي انبثق بعد موجة الربيع العربي في 2012 أعطى للمرأة حق زيادة، وهنا الجزائر كان يفترض بها أن تتبع بعض اللوائح والتشريعات العربية مثلا مصر والمغرب.
كيف لنا أن نخصّص 146 مقعدا للنساء من أصل 462 مقعد حتى أصبحت المثقفات في الجزائر يمقتن البرلمان لأنه تحول إلى نظام حلاقات.
الدستور الجديد عليه أن يوضّح المساواة بين المرأة والرجل في الجانب السياسي، فالمرأة  لها الحق في تولي الوظائف العليا والتمثيل في المجالس  المنتخبة في إطار مدى مساهمتها في ذلك، وليس بمنحها حق أكبر من قدرتها، فنظام الكوطة فتح المجال لغير الكفاءات بتولي المناصب النيابية.
- وماذا تقترحون لتجسيد الفصل الفعلي بين السّلطات؟
 تمنح المواد 91، 92 و93 صلاحيات لرئيس الحكومة ومنها التعيين في المناصب، ولكن حتى يستشير رئيس الجمهورية وهذا يعتبر حدا من صلاحياته، وبالتالي لا بد أن تكون السلطة التنفيذية ثنائية بين الرئاسة والحكومة.
والسلطة التشريعية لابد أن تمنح للبرلمان بغرفتيه ولا يحق لرئيس الجمهورية التدخل في صلاحياته، حتى التشريع بالأوامر مثلما تنص عليه المادة 142 التي تمنح لرئيس الجمهورية الحق بأن يشرع بأوامر في المسائل العاجلة، وهنا يمكن لرئيس الجمهورية استدعاء البرلمان بغرفتيه للتشريع، لذا نقترح إلغاء هذه المادة  لأنها تحد من صلاحيات السلطة التشريعية.
بالنسبة للسلطة القضائية، لماذا نقول في المادة 156 أن السلطة القضائية مستقلة وهي تمارس في إطار القانون ورئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلالية السلطة القضائية؟ لماذا لا نقول أن الدستور هو من يمنح هذه الاستقلالية بما أنه هو الوثيقة الأسمى للبلاد، وفي المادة 165 تقول أنه لا يخضع القاضي إلا للقانون وهذه يناقض المادة 156 كذلك بالنسبة للمادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية هورئيس المجلس الأعلى للقضاء بأي حال يكون ذلك، لماذا لا يكون مستشارا أو قاضيا من أهل الاختصاص، فهذا يحد من صلاحيات السلطة القضائية، كذلك لماذا يتدخل وزير العدل في صلاحيات القاضي، ولماذا النيابة العامة تابعة لوزارة العدل؟ فهذا كذلك يحد من صلاحيات القاضي، أما في المادة 177 فهي تنص على أن المحكمة العليا للدولة هي من تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية، وهذا نؤيده خاصة إذا كانت تتكون من كفاءات، ولكن لماذا لم تؤسس لحد اليوم؟
في باب الترشيح لرئاسة الجمهورية وضع شرط تعجيزي في المادة 87، وهو إثبات الإقامة الدائمة بالجزائر لمدة 10 سنوات على الأقل قبل إيداع ملف الترشح، هذا يقيد، فهل المقيم في دولة أجنبية ليس وطنيا، هو يملك الحق في الترشح بما أنه يملك الجنسية الجزائرية وغير متجنس بأخرى، ولدينا سوابق مع الراحل محمد بوضياف فقد عاد للجزائر و قام بواجبه على أحسن ما يرام، كذلك بالنسبة لحسين آيت أحمد.

- وكيف تستعيد المؤسّسات الاستشارية والرّقابية صلاحياتها للقيام بالدور المنوط بها؟
 المجلس الدستوري من المفروض لديه دور رقابي وإصدار قوانين، ونتائج غير قابلة للطعن بأي حال من الأحوال لأن قراراته لديها قوة الإلزام، لكن كيف لرئيس الجمهورية أن يحد من هذه الصلاحية بتعيين رئيس المجلس ونائبه، معنى ذلك أنه يسيطر على هذا المجلس كمؤسسة رقابية واستشارية كما السلطات الأخرى، وهذا يحد من صلاحياته، لماذا لا نذهب في الدستور الجديد الذي نحن بصدد تحضيره لما هو معمول به في مصر والكويت بأن تكون المحكمة الدستورية العليا هي التي لها قوة الإلزام، حتى رئيس الجمهورية، ورؤساء المجالس المنتخبة (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) عندما تنتهي عهدتم ينظمون إلى عضوية المجلس الدستوري بقوة القانون، لماذا لا نقنننن ذلك؟ مثلما هو معمول به في فرنسا.
من جهة أخرى، الدستور ينص صراحة على أن رئيس المجلس الدستوري يسهر على حماية الاستفتاء، ولكن بأي وسيلة وهو لا يملك الإمكانات، كيف نتأكد من صحة المحاضر وصحة الهيئة الناخبة في ظل غياب الإمكانيات لتجسيد هذا، لذا نرجو توضيحا وتحديد هذه الآليات في التعديلات المقترحة.
بالنسبة لآليات الإخطار، لماذا يوجد عدم المساواة في قضية الإخطار بين رئيس الجمهورية والهيئات الأخرى، حتى أنّنا نجد الدستور يتكلم عن حماية المعارضة البرلمانية وحقها في الإخطار، ولكن عندما تكون اقل من 20 عضوا لا يحق لها ذلك.
ما جاء في الرقابة عن طريق الدفع كما في المادة 188 التي حدّدت مجال إخطار المجلس الدستوري بعدم دستورية القوانين وإحالتها على المحكمة العليا، لم يحدد كيف تكون، لأنّه قيّدها بالقانون العضوي، وهذا ما يقلّص من عدم الدفع بدستورية القوانين.
والدفع بعدم دستورية القوانين تكون من قبل من؟ القانون تكلّم عن قضاة لكن لم يحدّد من يكونون هل من ذوي خبرة ومؤهّلات ومواصفات معينة؟ أم ماذا؟ لذا نتوقّع أن يكون الدستور القادم دستور قانون وليس دستور برنامج كما عهدناه في الدساتير السابقة.