طباعة هذه الصفحة

الأستاذ عبد السلام فيلالي في حوار لـ«الشعب»:

حماية الوحدة الوطنيـــة .. ونبذ الجهويــة والعنصرية أكـــــبر التحدّيــات

حاورته: فريال بوشوية

 تطوير الأداء السياسي مرتبط بأحزاب تعمل وفق الدستور وبرامج

يجزم أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عنابة عبد السلام فيلالي  في حوار  لـ«الشعب»، أن التحدي الأكبر اليوم «حماية الوحدة الوطنية ومنع تخريبها من خلال اللعب على وتر الجهوية والعنصرية   والإقصاء والتطرف»، لافتا إلى أن «مسار إنتاج النخب السياسية وتطوير الأداء السياسي، مرتبط بأحزاب سياسية تعمل وفق ما يفرضه الدستور، يجب أن يبرز هذا التقدير لدى صانع القرار في الجزائر».
- هل يمكن القول بأن الجزائر دخلت بعد الانتخابات الرئاسية لـ 12 ديسمبر ، التي تزامنت ومرور حوالي ١١ شهرا عن الحراك الشعبي، مرحلة جديدة؟ ما هي قراءتكم لها؟
فعلا، يجب طرح هذا السؤال حول هذه المرحلة. بوجود متغير جديد هو رئيس جديد للجمهورية، واستمرار الحراك الشعبي، لا بد من ربط الإجابة عليه بتطلعات الجزائريين وطموحاتهم التي عبروا عليها طيلة أشهر، أنا غير موافق على أي استخفاف بالحراك الشعبي، الأفكار والتطلعات التي يرفعها هي من صميم المشروع الوطني الذي رغب الجزائريون في الدفع به منذ 22 فيفري 2019.
يجب ألا ننسى أن الجزائر خسرت الكثير، خلال «تغوّل» الفساد والأوليغارشية التي سيطرت على مقاليد الحكم منذ مرض الرئيس السابق سنة 2013 الذي أقعده .  إذن العمل والطموح في جعل التغيير مشروعا سياسيا واجتماعيا هو سمة هذه المرحلة.
إنه مهما كانت اختلافاتنا كجزائريين حول كثير من القضايا، إلا أني أعتبرها كتدافع من أجل التخلص من معيقات تحقيق الديمقراطية والتنمية (المستدامة). فأمكن القول أن النتيجة يجب أن تكون في مستوى هذا الطموح.
- ما مدى أهمية مراجعة الدستور في الظرف الراهن بالنسبة للجزائر؟
شخصيا مازلت أعتبر دستور 1989 قد حدد المعالم الكبرى المنظمة للعمل السياسي والمؤسسات السياسية:
- الأمر الأول هو التأكيد وصيانة الحريات (السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية)، لأنه بدون حرية لا يمكن الحديث عن الديمقراطية.
- الأمر الثاني هو إعادة الاعتبار للعمل السياسي، من خلال ضبط آلياته وحمايته من التلاعب والفساد.
- الأمر الثالث هو إقامة تفصيل دقيق ومحدد لطبيعة عمل المؤسسات السياسية والسلطات،
 وبيضة القبان هي تأكيد استقلالية السياسي عن أي تدخل أو توجيه، وفيه أيضا تحقيق التوازن بينها، ما يعني في حالة الجزائر أن يكتسب البرلمان صلاحياته التي تعرف أولويات العمل الديمقراطي  (الشرعية والسيادة الشعبية).   لقد تم تغييب البرلمان منذ دستور 1976 بشكل أثر على مبدأ التوازن، حيث نرى هيمنة السلطة التنفيذية   بشكل كامل على مقاليد الحكم، هذا ما تدل عليه صلاحيات الرئيس الواسعة جدا،  ومن ثم استرجاع البرلمان ما يعود إليه (وبالتالي الأحزاب السياسية الفائزة بثقة الشعب)  من صلاحيات.
-الأمر الرابع، يتأسس من مقاربة عامة حول ما عانت منه بلادنا منذ بداية المسار الديمقراطي في            التسعينات، بدعوتي إلى تحويل المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية، الهدف هو :  حماية العملية الديمقراطية من الانزلاقات وأوهام الأيديولوجيات الشمولية، ثم    مرافقة وإدارة العمل الديمقراطي لكي يعمل ضمن كنف احترام قوانين الجمهورية ومبادئ الوطنية    الجزائرية.
- بادر رئيس الجمهورية بسلسلة لقاءات جمعته بشخصيات محسوبة عموما على المعارضة، ما       مدى أهميتها في إرساء حوار يمّهد للاستجابة إلى انشغالات الشعب الجزائري؟
 تتبع مسار إنتاج النخب السياسية وتطوير الأداء السياسي،  مرتبط بأولية وجود أحزاب سياسية تعمل وفق ما يفرضه الدستور،  ووفق ما تقدمه من برامج   عامة (في السياسة، الاقتصاد، الثقافة، الاجتماع..)، يجب أن يبرز هذا التقدير لدى صانع القرار في   الجزائر.
إن التلاعب الذي يمكن معاينته بسهولة منذ سنة 1989 بالعملية السياسية في عمومها قد نشأ من عدم استفادة الأحزاب السياسية (معارِضة ومُمَثلة في الحكم) من جو سياسي مناسب، ينعكس هذا في عدم ثقة الجمهور وفي منظومة التزوير العاملة بشكل يوحي بعدم مراعاة إرادة الشعب واحتقار العمل الديمقراطي وبالتالي تكريس صورة استخفاف بالسياسة والسياسي، هذا أمر مَرَضي ينبغي التخلص منه.  
- تواجه الجزائر تحدّيات خارجية لم تعد خفية، تفرض عليها تقوية جبهتها الداخلية، ما مدى صحة الطرح وكيف يتم الأمر؟
 هذه التحدّيات لا أخشى منها، الشعب متحّد وراء جيشه في مواجهتها. وهذا درس استقاه كل من تابع جنازة فقيد الوطن الفريق أحمد قايد صالح،  لكن يجب أن نعي أن التحدي الأكبر هو حماية الوحدة الوطنية ومنع تخريبها من خلال اللعب على وتر الجهوية والعنصرية والإقصاء والتطرف، ثم تحقيق تنمية كفيلة بزرع التفاؤل في نفوس شبابنا خاصة.
- مرّت 11 شهرا كاملة عن حراك شعبي، انطلق يوم 22 فيفري من العام المنقضي، انطلاقا من تخصصك علم الاجتماع السياسي، ما هو تحليلك له؟
 تقييمي العام وبحسب الأفكار التي عُرضت ونوقشت، أن الحراك قد حقق نسبة 35 ٪ من أهدافه العامة، نصفها الأول (50 ٪) يكون بإقامة القطيعة مع ممارسات النظام السياسي السابق، بإعادة الاعتبار للسياسة والمؤسسات السياسية ومحاربة كل أشكال الفساد (أعيد التذكير بمفاهيم العدالة الانتقالية، قانون العزل السياسي يعالج مخلفاته). النصف الثاني (50٪) هو إنتاج منظومة حُكم سليمة من العيوب متوافقة مع تطلعات الشعب في تحقيق العيش الكريم.
- كلمة أخيرة.
أنا متفائل جدا.