طباعة هذه الصفحة

رئيس المنتدى المدني للتغيير لـ «الشعب»:

المجتمع المدني سيكون ضمن ورشات إستراتيجية الجزائر الجديدة

حاورته: سهام بوعموشة

يرى رئيس المنتدى المدني للتغيير عبد الرحمان عرعار، أن الأوان اليوم للسير نحو ممارسة حقيقية للديمقراطية، مؤكدا في حديث لجريدة «الشعب» أن المجتمع المدني في الجزائر «ظلم بسبب السياسات المتعاقبة التي لم تستثمر فيه باحترافية»، رافضا استغلاله سياسيا. وبحسبه، فإن النموذج الاقتصادي يتطلب حوكمة سياسية، مشيرا إلى أن طبيعة نظام الحكم أهم مقترحات المنتدى في وثيقة تعديل الدستور المقبل.

 الشعب: خلال الأزمة الصحية، شارك المنتدى المدني للتغيير في عمليات تضامنية وحملات تحسيسية، لكن لم يكن لها الصدى، لماذا؟
 عبد الرحمان عرعار: بالنسبة لنا شيء عادي أن نتضامن مع العائلات المحتاجة والمتضررة ونرفع من مستوى الوعي، خاصة في قضية احترام الوقاية والحجر الصحي، الذي كان ضرورة في بداية الأيام الأولى.
نحن في مبادئنا، مهما يكن التضامن الذي نقوم به لسنا محتاجين للإشهار أو استعمال الصورة والصوت لإيصال ما نقوم به.
في هذا الوقت بالذات يظهر دور المجتمع المدني كفاعل حقيقي في الميدان، والمبادرة بعمليات من شأنها أن تعزز الوعي لدى الإنسان والانتماء وثقافة المواطنة.
 هناك بعض المواطنين لم يتقيدوا بقواعد الحجر الصحي، ويرون في العقوبات المسلطة عليهم ظلما، ما رأيكم؟
 العقوبات هي تدابير احترازية لأنه ليس كل الناس في نفس المستوى من المعلومة والسلوك. الإنسان المنضبط بسلوك لا يخاف، لأنه إلتزم بالقانون. لاحظنا بعض الأشخاص خالفوا القوانين ولم يستطعوا التقيد بهذه الإجراءات لظروف خاصة، كضيق في السكن، أحياء شعبية... وهناك من ليس لديهم موارد ومضطرين للخروج.
لكن الضرورة تقتضي فرض هذه القيود، لأن صحة المواطن والمجموعة الوطنية قبل كل شيء حتى قبل لقمة العيش. لكن بالمقابل كانت هناك مجهودات لتلبية هذه الاحتياجات وهذا كان ضرورة قصوى، يجب علينا الانتباه للتقليل من تواجد الفئات الهشة في الجزائر ونرتقي بها كي لا تصبح دائما فقيرة، المهم هو الاشتغال للخروج من الفقر نهائيا لهذه الفئات وليس فقط العمل في مجال التضامن.
 يأتي شهر رمضان في ظروف استثنائية، حيث تغيب فيه موائد الإفطار الجماعية خشية الوباء، كيف تكون مشاركتكم في العملية التضامنية لفائدة العائلات المعوزة؟
 أكيد نحن سنشارك ويمكن يكون الجهد أكبر، لأن الاحتياج في شهر رمضان يكون كبيرا وعملنا التضامني يستمر طيلة السنة وليس فقط خلال الشهر الفضيل. لكن في ظرف استثنائي مثل هذا، يتطلب جهدا أكثر، قمنا بإيقاف كل المشاريع الأخرى، همنا الوحيد كيف نعود للحياة الطبيعية ونخرج بأقل الأضرار على المستوى الوطني، وبهذا يكون جهدنا قيمة مضافة لكل المجهودات التي تبذل من طرف الدولة أو المجتمع المدني، أو القطاع الاقتصادي أو الإعلامي، نحن نستمر في نفس السياق بدون تضييع الوقت أو جهد لا يكون له أثر إيجابي.
 هناك توجه لاعتماد الجمعيات المدنية المحلية والوطنية الجادة، غير المتحزبة، في إطار مسعى إعادة بناء المجتمع المدني، كيف يمكن ذلك؟
 يجب معرفة السياق العام، فالسياسات المتعاقبة لم تستثمر في المجتمع المدني باحترافية وبتوفير الوسائل والإطار القانوني المرن له وبإشراكه في السياسات العمومية والحوكمة والتنمية، وفي مسائل محاربة الفساد وترقية حقوق الإنسان وغيرها... للأسف، لدينا الآلاف من الجمعيات لكن دون أثر إيجابي كبير في المجتمع، رغم بعض التجارب النموذجية التي يمكن الاستناد عليها في تغيير الواقع.
أظن أن المجتمع المدني سيكون ورشة من الورشات الإستراتيجية للجزائر الجديدة، وللانتقال الديمقراطي. ونحن نساند هذا المسعى، لأنه ينبغي علينا الارتقاء بالمجتمع المدني ويصبح عندنا قوة لتغيير الواقع ولتنظيم المجتمع، أعتقد أن هناك كثير من المسائل نقترحها، المهم أن يكون هناك تصور مشترك للمجتمع المدني، حتى لا يتم استغلاله سياسيا، نرفض أي استغلال سياسي وإنما نريد أن يكون مجتمعا مدنيا يخدم الجمهورية والشعب الجزائري على حد سواء.
 كيف يمكن لمنتدى التغيير أن يكون قوة اقتراح في التعجيل بتطبيق أنموذج اقتصادي جديد قائم على المعرفة وتنويع الإنتاج؟
 لدينا مقترحات في هذا الاتجاه، لكن الأنموذج الاقتصادي يتطلب إصلاحات في الحوكمة السياسية، لأنه مرتبط بالقرار السياسي، كلما كانت هناك مرونة ولامركزية في القرار، خاصة على مستوى الجماعات المحلية، وتحرير المبادرة الاقتصادية والاجتماعية يمكن كسب الكثير من الكفاءات والأفكار التي تعطي القيمة للنمو الإقتصادي الذي سيكون التحدي القريب للجزائر، لأن التحولات السياسية والجيو سياسية على المستويين الإقليمي والدولي ستؤثر علينا كثيرا وسنرى انعكاساتها في الأشهر المقبلة.
ولهذا، يجب بناء اقتصاد محلي وطني بسواعد جزائرية وأفكار جديدة تستثمر في الرقمنة والتكنولوجيات والطاقات المتجددة، وهذا مهم جدا، ولا يمكن للإدارة القيام به لوحدها دون القطاع الاقتصادي، وإنما هو عمل مشترك متعدد الأطراف بما فيها مع المجتمع المدني.
 ممكن معرفة بعض اقتراحاتكم في تعديل الدستور، وما هي أهم النقاط التي ترونها ذات أولوية؟
 نظمنا ورشات في مسألة مشروع تعديل الدستور، لكن جمّدت كل هذه الأعمال. لدينا ورقة عمل في هذا الإتجاه وننتظر أن يتم إطلاق المشاورات حول وثيقة تعديل الدستور.
 تكلمنا على ضرورة التأريخ لمسار التغيير من خلال الحراك في وثيقة الدستور، لأنه في الديباجة تعتبر نصا قانونيا، لهذا يجب أن نلتفت إلى هذه النقطة بأن الحراك هو الذي أتى بمسار اعتماد دستور جديد وهذا مهم جدا.
أكدنا على قضية المبادئ العامة للمجتمع الجزائري، لأنها تبقى من المكاسب لا مساس بها، قضية حقوق الإنسان والتوازن بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية حتى لا يصبح هناك جهة تؤثر على جهة أخرى، كأن يصبح وزير العدل هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء فهذا متناقض، لأن المجلس هو هيئة مستقلة تتشكل عن طريق الانتخاب من منتسبي هذه الفئة.
 الجزائر تحتضن قريبا، ندوة دولية حول مكافحة الفساد، هل ستكونون من ضمن المشاركين؟
 سوف نرافع حتى نكون من المشاركين، لأن الفساد كان هو المحرك الأساسي الذي أخرج الشعب الجزائري في 22 فيفري 2019. حصل فساد سياسي، إقتصادي، مالي، إداري، وفي إستغلال الإعلام وفي كل المجالات، فالشعب قال كفى يجب تغيير هذا الواقع، لهذا يجب إعادة النظر في الآليات القانونية الحالية لتجسيد شفافية أكثر في محاربة الفساد، لأن المتضرر هو المواطن ومصلحة البلد قبل كل شيء.
اليوم، مثلا، توجد هيئتان لمحاربة الفساد، واعتقد الافضل إحداث هيئة واحدة بصلاحيات شاملة وبحماية كبيرة للأعضاء الذين يشتغلون بها، وأن يكونوا بنص قانوني ودستوري وتعطى لها صلاحيات كبيرة من ناحية الإجراءات الجزائية أو الرقابة المدنية وغيرها من المسائل، وهذا يجب أن يكون في الدستور المقبل، دون إغفال العمل الوقائي لمحاربة الفساد، فلابد أن تكون هناك برامج ومناهج تربوية في هذا الاتجاه من خلال التحسيس والتوعية وهذا مهم، كون البناء السليم لترسيخ نبذ الفساد يقتضي العمل الوقائي قبل الذهاب للمسائل العقابية والجزائية.
 هل ترون أن هذه الندوة الدولية مهمة في هذا الوقت الراهن؟
 أكيد انها مهمة إذا أعطي لها البعد الأساسي الخاص بها ولا تكون ندوة فقط للاستهلاك. يكفينا من الإستثمارات التي ننفق فيها الكثير من الأموال دون تحقيق نتيجة أو مردود علينا أو الآليات التي نشتغل عليها، الندوة يجب ان تحقق لنا إضافة من الناحية السياسية والعملياتية، واليوم يوجد مسار دولي لمحاربة الفساد يجب أن نكون حاضرين فيه بمؤسساته على مستوى الأمم المتحدة والمستوى الإفريقي والأوروبي، لأن الكثير من القوى تمارس الفساد، وتستغل في بعض الأحيان غيابنا ومناخا معينا نمر به، لهذا يجب أن يكون لنا حضور إقليمي ودولي.
 هل لديكم برامج ومشاريع لآفاق مستقبلية؟
 المنتدى المدني للتغيير لديه إستراتيجية إلى غاية 2025، نعتمد فيها على بناء قدراتنا الفنية والمؤسساتية للمنتسبين للمنتدى حول الحوكمة السياسية والاقتصادية والإجتماعية، نشتغل على الإعلام والإتصال حتى نقرب الصورة أكثر والفهم والسلوكات الحقيقية للممارسة السياسية كي لا تبقى ممارسة وقتية، نرافع من خلال ملفات مثل ملف الفساد ومحاربة البيروقراطية، مشاركة المواطن في الإنتخابات وغيرها من المسائل.
نحن مرتاحون في تصورنا، منذ 22 فبراير 2019 لما أسسنا المنتدى وعقدنا المؤتمر ووضعنا هذا التصور، وأكثر من ذلك وضعنا تجربتنا كمجتمع مدني من ممارسة 20 سنة في خدمة الجزائر من خلال هذا المنتدى، لكن بممارسة سياسية جديدة وبنوعية جديدة.