على اللّيبيين إبرام عقــد اجتمــاعي لدولــة عصريــة تســع الجميــع
يمكن للجزائر أن تلعــب دورا في إعــادة الإعمــار وحفــظ التّوازنات
أشاد الدكتور محمد حسان دواجي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مستغانم، بالخطوات التي قطعها الأشقاء الليبيّون للخروج من الأزمة الدموية التي تعصف بهم منذ عشر سنوات، وشدّد على أهمية الوحدة والمصالحة وإبعاد التدخلات الخارجية لإنجاح عملية الانتقال السياسي المرتقب تتويجها بانتخابات عامة في ديسمبر القادم.
الدكتور دواجي، أشار في حديثه مع «الشعب» إلى أهمية الدور الذي لعبته الجزائر لحلحلة الأزمة الليبية، ودعاها لمشاركتها في إعادة الاعمار ومواصلة مدّ يد المساعدة للأشقاء الليبيين حتى بلوغهم برّ الآمان.
كما خلص إلى أنّ الوضع في ليبيا هو درس لكل شعوب المنطقة مفاده أن الأمن والاستقرار، وبقاء الدولة أمر أساسي وحسّاس، ولا يمكن لأي مشكل سياسي أن يكون سببا في تدمير الدولة لأنّ ذلك يعني الدخول المباشر في دوامة العنف وعدم الاستقرار.
- الشعب: قطعت ليبيا خطوات هامّة في طريق الخروج من أزمتها، حيث توقّف القتال، وتولّت سلطة جديدة قيادة المرحلة الانتقالية المقرّر أن تتوّج بتنظيم انتخابات في نهاية السنة، ما تعليقكم على هذه التطورات؟
الدكتور محمد حسان دواجي: اهتدت الأطراف المتصارعة في ليبيا أخيرا للاتفاق القاضي بوضع أسس لحل الأزمة التي طال أمدها، وهذا بعد اقتناع الليبيين أنّ لا حل لأزمتهم إلا بالاتفاق وتقديم تنازلات جماعية دون الرجوع لحسابات الأطراف الإقليمية والدولية التي عملت لإطالة الأزمة والمراهنة على التجاذبات الإستراتيجية، وقد كانت أطراف إقليمية نادت بضرورة وقف التدخلات الخارجية، ومساعدة الليبيين على الوصول لأرضية سياسية مشتركة تمكّنهم من إطلاق عملية بناء توافق وطني، ومن أهم هذه الدول الجزائر.
- رغم التّوافق الذي يبديه اللّيبيّون وحرصهم على إنجاح العملية السياسية، فإن مسار السلام والاستقرار تعترضه العديد من التحدّيات لعلّ أهمّها إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، فكيف ترون السّبيل لتخليص ليبيا من تجار الدمّ هؤلاء؟
إنّ توقيف دوامة الدم في ليبيا تم أساسا بوقف أي عمليات عسكرية خارج نطاق القانون والشرعية، وهذا يمر حتما عبر بناء مؤسسات أمن شرعية توافقية وإخراج المرتزقة والمجرمين من ليبيا وسحب السلاح المنتشر بطريقة فوضوية كبيرة، وهذا يتأتى بتضافر جهود كل الليبيين، والعمل على تغليب الحل السياسي على الحسم العسكري.
- من التحدّيات الصّعبة الأخرى، هو وقف التدخّلات الخارجية التي كانت السبب في تشتيت وحدة الليبيين ودفعهم للاحتراب، فهل سترفع الدول العابثة بأمن ليبيا أيديها، وتترك قطار السّلام يصل إلى هدفه؟
فيما يخص التدخلات الأجنبية، فإنّ الأزمة الليبية منذ بدايتها شهدت تدخلات خارجية ثم تحولت بعد انهيار الدولة إلى ساحة لتصفية الحسابات والضغوطات الإستراتيجية ممّا عقّد الأزمة، وأبعد كل سبل الحل وأدخل البلاد في دوامة عنف ودم كبير كادت تعصف بالمنطقة، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من النموذج الصومالي، ولولا حرص بعض الدول على عدم انفلات الوضع لحلت الكارثة. فالجزائر كان لها دور محوري في منع انتشار العنف خارج ليبيا، وقطع الطريق على الجماعات الإرهابية في المنطقة، ورغم أن بعض الأطراف تريد التغطية على دور الجزائر، إلا أن الأشقّاء الليبيين يدركون هذا، وكانت تصريحات السيد رئيس الجمهورية واضحة في هذا الشأن، والتي دعا من خلالها لترك الليبيين يحلون أزمتهم دون تدخلات خارجية.
^انتبه الليبيّون إلى مسألة في غاية الأهمية، وقرّروا إنشاء مفوضية للمصالحة الوطنية، ما قولكم في هذا الشأن؟ وكيف يمكن الوصول إلى رأب الصّدع الذي زلزل أركان المجتمع الليبي؟
^^ لقد أدرك الليبيون أن المصالحة أمر ضروري لإعادة بناء أسس الدولة الليبية من جديد، ولعل أمثلة الإقصاء في دول عربية أخرى سابقة لم تكن مجدية، وهذا ما أدى لعدم استقرار هذه الدول، وبالتالي الحل الوحيد والمجدي هو المصالحة الحقيقية، وعدم إقصاء أي طرف خاصة ممّن كانوا في النظام السابق، والتحدي هو بناء أسس دولة جديدة وإبرام عقد اجتماعي جديد بين الليبيين مبني على المستحقات المشتركة، وإنشاء دولة عصرية تضم وتتّسع للجميع على اختلاف مشاربهم السياسية والإيديولوجية.
- منذ توليها القيادة، باشرت السلطة الليبية الجديدة تحرّكاتها وزياراتها للخارج، فما جدوى هذه التحركات باعتقادكم؟
الزيارات الخارجية الأخيرة للسلطات الليبية الجديدة مهمة، وهذا لإدراك الليبيين مدى أهمية العامل الخارجي في أزمتهم ومحاولة الحصول على دعم المجتمع الدولي لمسار المصالحة والسلام لإنجاح العملية السياسية الفتية حتى لا يتم إفسادها من قبل أطراف إقليمية لا تريد للأزمة الليبية أن تجد طريقا للحل. أظن أن العالم اليوم مطالب بدعم الليبيين لإنجاح مسار بناء السلطة الجديدة لأن المنطقة لا تحتمل أزمة جديدة، والعالم في حاجة لاستقرار ليبيا والمنطقة، والانطلاق في مشاريع اقتصادية وتنموية تعود فائدتها على الجميع خاصة بعد الآثار المدمرة لجائحة كورونا على المنطقة.
- ينتظر الليبيون موعدا حاسما في 24 ديسمبر القادم، وهو موعد إجراء الانتخابات، فكيف السبيل لإنجاح هذا الحدث وجعله قاعدة صلبة لبناء ليبيا الجديدة؟
إنّ الانتخابات تتويج لمسار سياسي، وبالتالي فهي نتيجة لعملية سياسية معقّدة، ونجاحها متعلق بنجاح النوايا والمساعي والسياسات، لهذا فالانتخابات ستكون حلا إذا بنيت على أساس سياسي صحيح يستجيب فعلا لما يتطلّع له الليبيون بعد عشرية من الأزمة الدموية، ومن ثمّة فنجاح انتخابات 24 ديسمبر مرتبط بإرادة الليبيين شعبا وطبقة سياسية، وكذلك بتجند المجتمع الدولي لإنجاح العملية، ومنع أي تشويش يمكن أن تقوم به أطراف دولية أو إقليمية لإفشال العملية.
- لا شكّ أنّ العيون كلّها تترقّب انطلاق عملية إعادة الإعمار، فكيف يمكن إنجاح هذه العملية وجعلها في صالح الليبيين؟
إنّ مسألة إعمار ليبيا أحد أهم أسباب إطالة الأزمة الليبية، فبعض الأطراف ترى أن الكعكة الليبية يجب أن تكون من نصيبها، وهذا ما جعل التدخلات الأجنبية لا تتوقف.
كما أنّ عملية إعمار ليبيا لا يجب أن تكون عائقا أو سببا في إفشال العملية السياسية، ويجب على الليبيين أن يكونوا أذكياء ويحولوا العملية لصالح وطنهم وشعبهم، وليس لنقمة قد تضر بهم، ومن ثمة فالمفاوضات حول هذا الملف يجب أن تكون بيد الليبيين وحدهم، وبتعاون أطراف ليس لها أطماع في ليبيا، ويمكن للجزائر أن تلعب دورا مهما فيها.
- انفراج الوضع في ليبيا أثلج صدر الجزائر التي رأت أن المقاربة التي رافعت من أجلها، والتي تقوم على الحوار والحل السياسي السلمي هي التي تحقّقت في نهاية المطاف، اليوم وليبيا تدخل معركة بناء الدولة والاقتصاد، أيّ دور يمكن أن تلعبه بلادنا للمساعدة؟
يمكن للجزائر كما قلت أن تلعب دورا هاما في إعمار ليبيا وحفظ التوازنات، لأنّ الجزائر ليس لها أطماع توسعية وليست على خلاف مع أي طرف في ليبيا، كما أن مشاركتها في إعمار ليبيا لن تكون ذات بعد إيديولوجي مصلحي، ومن ثمة يمكن للجزائر بعد الرجوع لمقاربتها وأفكارها في حل الأزمة أن تلعب دور الضامن للعملية كشقيقة كبرى ودولة صديقة.
- باختصار، كيف تقيّمون الوضع الليبي؟
إنّ الوضع في ليبيا هو درس لكل شعوب المنطقة، مفاده أن الأمن والاستقرار وبقاء الدولة أمر أساسي وحسّاس، ولا يمكن لأي مشكل سياسي أن يكون سببا في تدمير الدولة لأنّ إعادة بنائها صعب، وسقوط الدولة هو الدخول المباشر في دوامة العنف وعدم الاستقرار لذلك فإنّ استقرار الأوطان اليوم أصبح أولوية الأولويات، ومثال ما حدث في ليبيا يجب أن يزيد من وعي شعوب المنطقة تجاه الحملات الإعلامية والحروب الالكترونية التي تريد بث اليأس وزرع الفتن لدى الشعوب وصولا لإسقاط أعمدة الدولة.