طباعة هذه الصفحة

د.ادمون غريب أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بواشنطن في حوار مع «الشعب»

الأزمة الاقتصاديـة ألهبت الحملة الانتخـابيـة

أجرى الحوار: حمزة محصول

أرجع المختص في الشأن الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بواشنطن، الدكتور ادمون غريب في حوار لـ «الشعب»، المنافسة الشرسة بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، إلى قدرة مرشح الحزب الجمهوري على استغلال الأخطاء التي ارتكبها الرئيس باراك أوباما في عهدته الماضية لكنه يبقى مرشحا للفوز، فيما توقع بالمقابل ان تقوم الادارة الأمريكية القادمة باعادة النظر في بعض القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية  والملفات الكبرى خاصة بالشرق الأوسط.

  •  الشعب: يعتقد كثير من الملاحظين ان الانتخابات الأمريكية المنتظر إجراؤها اليوم، تعد الأكثر شراسة في تاريخ الولايات المتحدة، ما هي أسباب هذا التقارب الكبير بين المرشحين باراك أوباما وميت رومني، في رأيكم؟

@@ د.ادمون غريب: صحيح، الصراع بين الرئيس باراك أوباما ومرشح الحزب الجمهوري ميت رومني للوصول إلى البيت الأبيض بلغ درجة كبيرة من التنافس، ويمكن اعتباره من  المواعيد الانتخابية الأكثر شراسة، واعتقد ان هناك أسبابا عديدة جعلت الفوارق بين أوباما ورومني تتقلص إلى نقاط ضئيلة جدا، فالرئيس  باراك أوباما كان متفوقا منذ أشهر عديدة على خصمه، لكن المناظرة الأولى جعلت الكثيرين يغيرون رأيهم خاصة الذين كانوا يعتقدون ان الرئيس سيتفوق بخبرته وحنكته التي اكتسبها في السنوات الأربع الماضية، لكن العكس هو الذي حدث واستطاع رومني توجيه ضربات قوية لأوباما جعلته يخرج منتصرا، لكن أوباما استطاع العودة في المناظرتين الأخيرتين وسجل تقدما، استعاد به تفوقه الطفيف وهذا ما أشعل التنافس بين المرشحين.
السبب الثاني، المهم في اعتقادي، هو الوضع الاقتصادي، فعندما وصل أوباما إلى الحكم عام ٢٠٠٩ واجه مشاكل كبيرة وقام بالتحرك لإنقاذ الشركات الضخمة لصناعة السيارات من الافلاس وانفق  مبلغ ٨٠٠ مليار دولار ونجح إلى حد بعيد في المهمة، لكنه لم يتحرك من أجل إنقاذ أبناء الطبقة الوسطى وما دون الوسطى التي أنهكتها الضرائب و فقدت بيوتها، بعد عجزها عن تسديد الأموال التي تدين بها للبنوك، وهؤلاء غير راضين عنه ويريدون تحسين وضعيتهم، واشتعلت معركة بشان إنقاذ صناعة السيارات في ولاية أوهايو وبعض الملفات المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية.
كما خيب أوباما الآمال في تعاطيه مع العديد من القضايا، فقد وعد بإغلاق معتقل غوانتانامو ولم يفعل، ولم يقم بدفع عملية السلام كما يجب، ورغم انه يحظى بالدعم المطلق من طرف الأفارقة الأمريكيين إلا أنهم وأقلية اللاتينيين منزعجين من معدلات البطالة المرتفعة في أوساطهم، فالكثير منهم رفقة العرب الأمريكيين والمسلمين غير راضين على سياساته، إضافة إلى الخلاف الحاد بينه وبين المسحيين في بعض الحقوق المدنية .
ورغم هذا فان الرئيس باراك أوباما سيكون بنسبة كبيرة خليفة لنفسه في البيت الأبيض، لأنه لايزال يتفوق في بعض الولايات المتأرجحة وتنقصه نسبة قليلة من الأصوات ليصل إلى ٢٧٠ صوت للكلية الانتخابية، التي ستمكنه من الفوز، وهنا تأتي أهمية أصوات مثل أوهايو ميشيغان فلوريدا وغيرها من التي يطلق عليها بالمتأرجحة أو الحاسمة، وهو متقدم لحد الآن في هذا الموضع وسيحصل على غالبية الأصوات، هناك احتمال اخر يتعلق بالأصوات الشعبية، فاذا كانت متقاربة، سيتكرر ما حدث عام ٢٠٠٠ بين بوش وغور حين فصلت المحاكم لصالح الأول بعد معركة قضائية طويلة.

  •  ما هي نقاط القوة والضعف في خطابات المرشحين، على اعتبار انها ستوجه أصوات الناخبين؟

أعتقد أن الرئيس اوباما كان يظن أن ميت رومني ليس منافسا قويا واستخف بقدراته، قبل ان يتأكد من انه على خطا في المناظرات الثلاثة التي جمعتهما، وحاول مرشح الجمهوريين ان يظهر اوباما على انه عاجز عن حل المشاكل الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية للطبقة الوسطى للشعب الامريكي، وذكر الناخبين بنجاحه كرجل أعمال في معالجة الكثير من المشاكل التي واجهت الشركات التي سيرها و نجاحه كحاكم لولاية ماساشوستس بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٧.
أما ضعف رومني فيكمن حسب كثير من الملاحظين في انه متقلب المواقف وتراجع عن كثير من خططه في الاقتصاد والسياسة الخارجية، وتقاطعت الكثير من مواقفه مع مواقف أوباما، كما ارتكب عددا من الأخطاء، لما قال مثلا بشأن سوريا، أنها بوابة إيران إلى البحر وتحدث عن مالي على انها دولة عربية، وقال لأوباما في المناظرة الأخيرة بانه لم يصف مقتل السفير الأمريكي في ليبيا بالعمل الإرهابي وتدخلت المنشطة لتذكره بأنه فعل، وهذا ما جعله يبدو غيرمتمكن في السياسة الخارجية بالشكل الكافي.
كما ان أوباما لم يف بالكثير من والوعود التي قطعها في العهدة الماضية ماعدا الانسحاب من العراق، وبقي يتبع نفس سياسات سالفه الجمهوري جورج بوش، وتجد هذه السياسات معارضة قوية خاصة من طرف العرب الأمريكيين والمسلمين، وحتى الأمريكيين، لأنها مدمرة للاقتصاد خاصة وانه ورث وضعية متأزمة، وكان عليه ان لا يواصل في نفس الطريق.

  •  عودت الولايات المتحدة الأمريكية العالم، على انها تؤجل الفصل في القضايا الهامة إلى ما بعد الانتخابات، كيف تتصور تعامل الادارة القادمة مع القضايا الهامة كملف ايران النووي والأزمة السورية؟

@@ مرشح اليمين ميت رومني، قال انه لن يسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية، وانه سيكون أكثر تشددا حيالها كما دعا إلى تسليح المعارضة السورية، ونفس الشيء بالنسبة لاوباما الذي أكد مرات عديدة انه لن يسمح لإيران بصنع القنبلة النووية، ولكنه يفضل انتهاج الخيار الدبلوماسي واللجوء إلى سياسة العقوبات الاقتصادية، ويمكن احتمال التدخل العسكري مع رومني إذا تولى الرئاسة، ولكن هناك مؤشرات تدل على ان هذا لن يحدث، فقد سمعنا ان العسكريين الأمريكيين ليسوا مستعدين للتورط في حرب جديدة بالشرق الأوسط، ويحيط برومني عدد من المستشارين يطلق عليهم المحافظين الجدد سيقلصون من مواقفه المتشددة.
لكن الأكيد ان أمريكا ستقوم بإعادة النظر في الكثير من القضايا وستراجع سياساتها في المنطقة بعد ان تقلص نفوذها في العقد الأخير، وبرزت قوى اخرى مناهضة للهيمنة الأحادية ولا ترتاح، لانفرادها بالحلول.

  •  تراجع نفوذ أمريكا تزامن مع الوضع الاقتصادي المتازم في الداخل، كيف ستحاول الموازنة من أجل استعادة ما فقدته من مكانتها خاصة في الشرق الأوسط؟

@@ الولايات المتحدة، ستبقى منشغلة بقضايا الشرق الأوسط، رغم تقلص النفوذ كما قلت، لكنها لا تزال الدولة الأقوى اقتصاديا وعسكريا وستحافظ على دورها النشيط كي يستمر تدفق النفط والغاز من دول الخليج وباقي البلدان، وتبقي كذلك على القوى الموازنة في المنطقة لقدرتها على مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن وأفغانستان، كما ستظل دائما  الراعي الأول لإسرائيل بسبب المصالح الكبيرة بينهما والتركيبة الإستراتيجية، وما يعزز هذا هو التقارب في المفارقات بين المرشحين.

  •  عرف العالم العربي تحولات كبيرة خلال السنتين الاخيرتين، كيف ستتعامل معها الادارة القادمة؟

@@ المتفق عليه في أمريكا انه يجب التعامل مع المتغيرات الجديدة التي حصلت في المنطقة العربية كما يجب، فهي تراقب عن كثب ما يجري، وتبحث عن السبل المثلى للتعامل مع القضايا التي تحفظ مصالح واشنطن، فقد لاحظنا انه بعد المظاهرات التي هاجمت سفاراته في العديد من البلدان العربية، تعالت دعوات لقطع المساعدات عن الدول التي لا تحارب الإرهاب ولا تحمي البعثات الدبلوماسية الأمريكية، ولكن وزيرة الخارجية وبعض الصحف الكبرى قالت انه لا ينبغي قطع العلاقات مع هذه الدول بسبب تصرفات أقلية من المتظاهرين.