طباعة هذه الصفحة

رئيـس اللجنـة الجزائريـة للتاريخ والذاكـرة لحســن زغيدي فـي لــ”الشعــب”:

5 جويلية يوم للحرية الإنسانية ونحتفــل بتعداد المنجزات لا بسرد الذكريات

حوار: حمزة محصول

عهود الرئيس تبون 54 لها دلالات الوفاء والاستشراف للدولة الجديدة

 بلادنــا مدرسـة للعـالم التــوّاق للتحـــرّر والانعتـاق الرافـض للفكـر الاستعمـاري

الثـورة التحريريـــة جــاءت للقضـاء علـى النظـام الاستعمـاري..ونجحــت

المغتربـــون هـم مـن بنــوا باريــس ورمـوز فخرهــا..بـرج إيفـل والأنفــاق

لن ينفع اليمين المتطرف الفرنسي نكران الفضـل والتغنـي بالجريمة ومحاولة وأدها

يؤكّد د.محمد لحسن زغيدي، رئيس اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، أن الخامس جويلية، مناسبة خالدة حافلة بالدلالات ليس للجزائر فحسب، بل للإنسانية جمعاء، وشدّد في الحوار الذي خصّ به “الشعب” على أن اللجنة تحدوها إرادة قوية لإنجاز مهمتها في معالجة ملف الذاكرة بشكل عادل، مهما بلغت المعوقات التي يضعها الجانب الفرنسي.

الشعب”: تحيي الجزائر الذكرى 63 لعيدي الاستقلال والشباب، ما خصوصية الاحتفال بهذه المناسبة هذا العام؟
 د.محمد لحسن زغيدي: الاحتفال بعيد استرجاع السيادة الوطنية، يحمل عدة دلالات ومعاني، أهمها أن الجزائر أصبحت مدرسة للعالم التواق للتحرر ودفع ثمن الحرية وضريبة التحرير. لأن الجزائر وحتى تصل إلى هذا اليوم في عام 1962 دفعت قوافل من الشهداء عبر أجيال متعاقبة، يقدر عددها بالملايين.
وقيمة ذكرى استرجاع السيادة الوطنية، نابعة أيضا من كون ما عاشته الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، قل ما شهدت مثله البشرية في مجال سياسات المحتل، الذي لم يعرف معنى لحياة الآخر ومعنى للإنسانية، بل سار فوق الجماجم والجثث واستعمل كل الأساليب الإبادية التي لا يمكن إحصاؤها في ساعات أو أيام.
ورغم ذلك ظل الشعب الجزائري، طيلة 132 سنة من المعاناة والتضحيات وصنع البطولات، وطنيا مخلصا لوطنه، عنيدا لا يقبل إلا ما يوصله إلى استرجاع سيادته الوطنية.
ولذلك، أقول إن 05 جويلية يعتبر دائرة معارف، صفحاتها عدد أيام 132 سنة من الاستعمار، في كل يوم فيها، كان للشعب الجزائري آثاره، سواء تلك المسجلة بالنور أو بالتضحيات الجهادية أو المسجلة بالدماء جراء التنكيل والإجرام من قبل المحتل.
رمزية أخرى بارزة للمناسبة، تكمن في التاريخ في حد ذاته، فهو اليوم الذي وقع فيه الاحتلال (05 جويلية 1830) وهو نفسه اليوم الذي وقع فيه استرجاع السيادة، وهذا لم يسجل في تاريخ البشرية على الإطلاق..وشاءت الصدف، أيضا أن يكون شارل الملك (شارل العاشر) هو من أشرف على الاحتلال وشارل الرئيس (شارل ديغول) الذي انتزع منه الاستقلال.
إلى جانب هذه الرمزيات، لاشك أن الكفاح التحرّري عرف دروبا صعبة، ما أقوى لحظاته؟
 الجزائر، وطيلة فترة الاستعمار، شهدت محطات تاريخية أعطت بموجبها، دروسا للإنسانية في مفهوم الحرية والتحرر وبالأخص دروسا في ثمن الحرية، وسجلت قواعد من أجل أن تكون ذات دلالات للشعوب للاقتداء بها، إلى أن توجتها وبثورة 7 سنوات ونصف.. هذه الثورة التي سجلت النصف الثاني من القرن العشرين، بأروع الملاحم التي يمكن لشعب أن يسطرها..الثورة التحريرية، أكّدت أنها لم تكن لنفسها، وإنما أكدت - كما صدر في بيان أول نوفمبر 1954 (تاريخ اندلاعها)، أنها ثورة ضد الاستعمار دون سواه، وجاءت للقضاء على النظام الاستعماري، وفعلا حققت هذا المبتغى بحيث حررت شعوبا أخرى، في قارات أخرى وحررت جناحيها الغربي والشرقي (المغرب وتونس)، من أجل أن يتفرغ المحتل لها دون سواها؛ لأنها كانت هي جوهر التاج الإمبراطوري الاستعماري لفرنسا..إذن، لابد من التذكير بأن فرنسا كانت سيدة العالم، باحتلالها للجزائر والتي قضت على الدور الاستعماري لفرنسا في العالم، عقب نيلها استقلالها، فيوم 05 جويلية 1962، هو اليوم الذي انتهى فيه الاستعمار من شمال إفريقيا ومن أجزاء كبيرة من القارة الإفريقية، فكان يوما للحرية الإنسانية.
وأشير إلى أن الخامس جويلية كان طيلة 132 سنة يوما للحداد بالنسبة للجزائر، حتى لا تنسى الأجيال هذا اليوم وما ترتب عنه، لكن الثورة التي بينت أهدافها في بيان أول نوفمبر قررت في وثيقة مؤتمر الصومام (1956)، العمل على محو هذا اليوم الأسود من التاريخ الوطني، وجاء بالنص الصريح في خلاصة الوثيقة، وتحديدا في السطر الثالث ما قبل الأخير: “وسيمحى يوم 05 جويلية الأسود المشؤوم وترفرف الراية الوطنية في سماء الجزائر خفاقة”..إذن، هذا قرار ثوري فرض بأسلوب ثوري من طرف قادة ثوريين من أجل تحديد يوم استرجاع السيادة الوطنية وهذا يعتبر انتصار تاريخي للشعب الجزائري.
ما مدى انصهار قيم ودلالات الكفاح التحرّري، التي ذكرتها، مع الجهد الوطني، اليوم، في ظلّ حرص السلطات العليا للبلاد على إيلاء الذاكرة الوطنية بعناية خاصة؟
 عيد الاستقلال يتطلب أن نحتفل به بتعداد المنجزات، لا بسرد الذكريات، فلابد أن نقف عند القفزة النوعية التي أصبحت عليها الجزائر الجديدة. لأنه حينما نقول في أديباتنا، الوفاء لرسالة الشهداء، لابد أن يتجسد في إبراز ما أنجزناه من أشياء.
اليوم، نحن في الجزائر الجديدة التي ولدت بعد حراك مبارك جسد نداءات ولافتات وشعارات تزين بها الحراك السلمي الرائع الذي دخل التاريخ على أنه الحراك الوحيد الذي شهده العالم ولم تسقط فيه قطرة دم واحدة..هذا في حد ذاته يضاف إلى الانتصارات التاريخية للشعب الجزائري..انتصارات جسدت الذاكرة ونادت بالذاكرة، ومنها تولدت الدولة الجديدة بمنهج يعتمد على مبدأ الوفاء لرسالة الشهداء ولمبادئ الحركة الوطنية والثورة التحريرية وما جاءت به أرضية أول نوفمبر المجيد من أجل إعادة بناء دولة متطورة، واستعادة الدولة التي كانت قبل 1830 بقوتها وبدبلوماسيتها وإنتاجها..بفكرها وإنتاجها الفكري، بثرائها، بجيشها البري والبحري، وأيضا برسالتها العسكرية التي كان يحملها جيشها وهي السلم والتأمين لكل المنطقة التي تقع في محيط الدولة الجزائرية.
وهو ما بدأت به الجمهورية الجزائرية الجديدة فيما بعد انتخابات ديسمبر 2019، وفقا لـ54 التزام، كانت هي الانشغالات والركائز التي ستبنى عليها الدولة الجديدة برئاسة منتخب الشعب السيد عبد المجيد تبون..وللرقم (54) دلالاته فيما يتعلق بالوفاء والاستشراف للدولة الجديدة، وهو ما نلمسه اليوم في العهدة الثانية من نهضة شاملة عمت كل مؤسسات وأركان الدولة في جميع المجالات، حيث أن الدولة الجزائرية أصبحت اليوم، قوة إقليمية عسكريا واقتصاديا وعلميا، بحصد الجوائز الأولى عالميا في الاختراعات والإنجازات العلمية، وأصبحت الجامعة الجزائرية، مصنفة ضمن الأوائل علميا وتتمتع بكفاءات وطاقات سواء من حيث التأطير العلمي أو من حيث الابتكارات العلمية من طرف مخابرها وطلابها وبحوث طلابها.
ومن أهم الإنجازات، دخول الجزائر، في السنتين الأخيرتين مرحلة الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس في عدة مجالات..
أما مجال الذاكرة، فالحلم الذي راود الدولة المستقلة منذ استعادة سيادتها، كان السعي الحثيث إلى جمع أرشيفها وجمع شهاداتها وذكرياتها وسرد أحداثها، والسعي لاسترجاع منهوباتها التي تقدر بالملايين في جميع المجالات سواء الأرشيف المادي أو الشفاهي أو التوثيقي، لكن، تعطلت هذه المسيرة لعوائق متعددة، واستعملت دولة الاحتلال أعذارا متعددة تتميز بالتسويف والعرقلة إلى أن جاء اليوم الذي تقرر فيه أن تكون بداية الجزائر الجديدة هي بداية عودة الذاكرة بكل ما فيها وبكل ما سلب منها ونهب لتكون أول شاهد لبناء الدولة الجديدة، فكانت عودة الجماجم في أول عيد استقلال تحتفل به الجزائر الجديدة (2020)، وكان عهدا ووفاء وإنجازا عظيما، قام به الرئيس تبون ليكون البداية لما يأتي بعده لاستكمال العهد الذي قطعه على نفسه.
عادت الجماجم التي احتجزت منذ أواسط القرن 19 لتكون هي عربون النصر الذي تبنى به الجزائر الجديدة، ثم تلتها إنجازات ميدانية في مجال الذاكرة الوطنية، حيث خصها السيد رئيس الجمهورية، بمنصب استشاري برئاسة الجمهورية لمتابعة الملف ميدانيا ومباشرة، كذلك أعدّ السيد الرئيس منجزات لتخليد الذاكرة التي تشمل كل من ضحى في سبيل الجزائر ومن تعذب ومن نفي بنصب تذكارية تقف وتجمع ما بين أبناء الداخل وأبناء المهجر.
أقرّ السيد رئيس الجمهورية، يوما من أيام السنة، ليكون مميزا سماه “يوم الذاكرة الوطنية” واختار الثامن ماي الذي يعتبر بداية تاريخ التحرير النهائي، ورمزا للتضحية الوطنية أمام الجريمة الاستعمارية التي قتلت فيه في أيام معدودة 45 ألف شهيد ويزيد..