الردّ الجزائــري علـى “التهافـت” الفرنــسـي انبـثق من روح نوفمــبر
ا ستقلالنــا استرجعناه بأيدينــا ولا نحتــاج مزيـة من أحــد
20 أوت.. يوم مفصلي أعاد توجيه الثورة ووحد الصف الجزائري
الشباب محصّن بالعلم لبناء الوطن ويستلهـم التاريـــخ للحفاظ عليـه
مع حلول العشرين من شهر أوت، تعود الذاكرة الوطنية الجزائرية لتستحضر محطتين مفصليتين في مسيرة الكفاح التحريري، وهما هجومات الشمال القسنطيني عام 1955 ومؤتمر الصومام عام 1956.. ولإلقاء الضوء على أهمية هذين الحدثين التاريخيين، كان لنا لقاء مع المجاهد محمود العرباجي الذي شاركنا شهادته حول التحضير لمؤتمر الصومام، ودور هجومات الشمال القسنطيني في إنقاذ الثورة.. وفي حديث لا يخلو من الحكمة العميقة، يعود المجاهد العرباجي بنا إلى فظائع الاستعمار الفرنسي التي لا تُنسى، ليؤكد أن حزم الجزائر اليوم في مواجهة الاستفزازات الخارجية، هو امتداد لروح نوفمبر التي لا تقبل المساومة، كما يوجه رسالة خاصة لجيل الشباب، يحثهم فيها على التمسك بالعلم، السبيل الأوحد لمواصلة مسيرة الأجداد، وحماية الوطن من التحديات والمؤامرات.
- الشعب: أولا كبداية، كلمنا عن أهمية الحدثين التاريخيين هجومات الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 55 ومؤتمر الصومام 1956؟
المجاهد محمود العرباجي: بالنسبة لمؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956، كان بمثابة إعادة تحديد ورسم لمسار نوفمبر 54، وإعطاء نفس جديد لها ولجيش التحرير الوطني، وتم التحضير له من قبل أربعة أعضاء وهم محمد بجاوي، وعبان رمضان وعمر زرقان، وشخص آخر يدعى تمام.. وكان عمر زرقان هو من يكتب ما يمليه عليه عبان رمضان من أجل التحضير لكل ما يتعلق بتنظيم المؤتمر، من حيث القيادة وإسداء الرتب، وتعيين المسؤولين، كما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية بين مختلف مناطق الوطن والولايات الثورية، وساعد في توجيه الدعم الدولي للثورة وشرح أهدافها للعالم الخارجي
أما بالنسبة لهجومات الشمال القسنطيني، فقد جاءت لفك الحصار الذي ضربه المستعمر الفرنسي على منطقة النمامشة والقبائل، وكان الهجوم الذي نفذه يوسف زيغوت العظيم، هجوما كبيرا زعزع العدو وأثخن فيه، وتمكن الأبطال من فك الحصار على المجاهدين في النمامشة ومنطقة القبائل، ولولا ذلك الهجوم لهلك المجاهدون، خاصة مع التعزيزات العسكرية ورفع عدد الجنود الفرنسيين في تلك الفترة حيث بلغ أربعين ألفا.. إذا هجمات الشمال القسنطيني كانت امتدادا لثورة أول نوفمبر وما تلاه من إضراب الثمانية أيام ثم مظاهرات 11 ديسمبر ووقف إطلاق النار إلى الاستقلال يوم الخامس جويلية 1962، كلها محطات خالدة في تاريخ كفاح الشعب الجزائري في سبيل استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنية.
- في تعاملها مع السذاجات التي تولى كبرها اليمين المتطرف الفرنسي، ردّت الجزائر بقرارات سيادية قوّية، وكان الرّد حازما، لا يقل عن حزم روح يوم المجاهد وثورة نوفمبر التي تقود العمل السياسي والدبلوماسي للجزائر إلى غاية اليوم..
لا يمكن أن ننسى ما اقترفته فرنسا من جرائم فظيعة بحق أبناء شعبنا، لن ننسى التعذيب والعقاب الجماعي الذي سلطته فرنسا الاستعمارية على قرى ومداشر بأكملها، حيث كان الجزائري يعود إلى قريته أو دشرته ويجدها أحرقت عن بكرة أبيها، فيضطر للنزول إلى المدينة بلا مأوى، ولا ننسى الفظائع ضد نسائنا وبناتنا، ولا يمكن أن ننسى - بأية حال - جرائم الفرنسيين في صحرائنا بتفجير القنابل النووية، والتي مازالت آثارها المميتة شاهدة إلى اليوم، ويعاني سكان المناطق القريبة منها من آثار الإشعاعات النووية، والتلوث البيئي.. ما اقترفته فرنسا، لا يمكن أن ينسى ولا أن يسامح، مازلنا نحيا ونحن نحمل آثار الجرائم الفرنسية، وبالتالي، فإن الرد الجزائري، خلال “الأزمة” التي افتعلها الحالمون بـ«الفردوس المفقود”، كان واضحا، ففرنسا التي ليس لها عهد، مخادعة كما عرفناها دائما.. تعد وتخلف، ولا تحفظ العهود ولا تلتزم بها، عكس الجزائر التي في كل علاقاتها مع الدول، تحفظ التزامها ومواقفها ثابتة.. فرنسا مازالت تحلم بالصحراء وثرواتها التي ضاعت منها بفعل استرجاع الاستقلال.. الكولون مازالوا يحنون إلى الماضي الاستعماري، وإلى السيطرة على الجزائر، وهم ينتقمون من أبناء الجزائر المقيمين هناك، ويفرغون حقدهم عليهم، ووصل الأمر بهم إلى التحريض ضدهم من طرف اليمين الحاقد، ورأينا كيف أصبحوا يعتدون بالضرب على المحجبات الجزائريات، هذا أمر غير مقبول وغير معقول...
لهذا، فإن رد الجزائر على تجاوزات واستفزازت فرنسا يأتي من منطلق التجربة المريرة، وروح الثورة، ومن معرفتها بفرنسا بأنها لا تحفظ العهود ولا يؤتمن جانبها، والرد عليها لا يكون إلا بالحزم والصرامة، كما كان رد جيل نوفمبر ورباطة جأش منفذي هجومات الشمال القسنطيني.. استقلالنا استرجعناه بالقوة ولا نحتاج مزية أحد، وقد قال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إن الله وهب الجزائر خيرات كثيرة، ولا نحتاج مزية أحد..
- ونحن نحيي ذكرى 20 أوت الخالدة، ماذا تقول عن غرس روح الثوار في قلوب الأطفال، خاصة في الظرف الدولي الراهن والتحديات المستقبلية حيث تتغير مفاهيم الدولة الوطنية؟
أحث جيل اليوم على التعلم والتمسك بالعلم، لأنه ليس له حدود، بالعلم يمكن لشباب اليوم أن يبني جزائر المستقبل، نحن جاهدنا بالسلاح واسترجعنا استقلالنا، ونسلم المشعل للشباب الذين هم قادة المستقبل، العلم ليس له حدود ويرفع من شأن المتعلم.. تاريخنا عظيم بكل محطاته نريد من شبابنا أن يستلهم من هذه المناسبات.. أول نوفمبر و20 أوت و 11 ديسمبر، والخامس جويلية، ويأخذوا منها العبرة، لمواجهة ما يحاك ضد الجزائر، خاصة ونحن نرى الجارة الغربية وهي تحاول إغراق الجزائر بالمخدرات والمؤثرات العقلية لإفساد الشباب، لذلك أحثهم على التعلم، لأنهم، بالعلم فقط، يبلغون أعلى المراتب، يصونون أرضهم وأرض أجدادهم، وليس ذلك أمرا صعبا، ونحن نرى شباب الجزائر في كل بقاع العالم يتبوأ مكانة مرموقة.. علماء ومخترعون وأطباء، وأذكر هنا - على سبيل المثال - أن هناك ثلاثة آلاف طبيب جزائري في فرنسا وحدها.. بالعلم يبني شبابنا وطنه ويحميه ويرفع رايته، وهو يستقي روحه من تاريخنا المجيد.