طباعة هذه الصفحة

العـالم الجزائـري البروفيسور كريم زغيـب في حـوار حصـري لـ«الشعـب»

الرئيس تبون يؤسّس لصرح اقتصادي كبير

حاورته: فايزة بلعريبي

 لمستُ ثقة رئيس الجمهورية في الكفاءات المهاجرة وحرصَه على بناء اقتصاد سيادي

بطاريات ليثيوم جزائرية في سنتين...خطوة جبارة لمواكبة التحول الطاقوي العالمي

 أخص «الشعب» بخبر حصري..مصنعا الكاثود والبطاريات سيكونان في مدينة عنابة

أرافق المشروع الجزائري بصفة مستشار وأضع خبرتي العلمية والمعملية في خدمة الوطن

 الجزائر تمتلك جميع المؤهلات كي تتبوّأ الريادة في حقل الطاقات النظيفة..

إنشاء نواة بحثية جزائرية لتكوين مهندسين في مجال الانتقال الطاقوي

الجزائر قادرة على تجسيد السيارة الكهربائية بسواعد أبنائها

خصّه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في أفريل الماضي، باستقبال يكرّس الالتزام بتثمين الكفاءات الجزائرية..إنه العالم الجزائري، الباحث في مجال الكهروكيمياء والمتخصص في تحويل وتخزين الطاقة، صاحب براءات الاختراع والتكريمات الدولية، البروفيسور كريم زغيب الذي يعود إلى أرض الوطن ليقود مشروعا ضخما وطموحا يعول عليه في تثمين ثروات البلاد، وتنويع اقتصادها، فالجزائر تتوجه بخطى ثابتة نحو اقتحام سوق الليثيوم العالمي والمنافسة فيه، عبر مشروع صناعة بطاريات الليثيوم الذي يعد لبنة جديدة وخطوة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني، وتطوير الصناعات التكنولوجية.. بتواضع الكبار، استضاف العالم الجزائري، فريق «الشعب» وأطلعه، بلسان عربي مبين، على تفاصيل المشروع الذي يحظى بمتابعة شخصية من رئيس الجمهورية، فكان هذا الحوار..إليكموه..  

الشعب: تتجه الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، نحو تنويع اقتصادها وتحريره من التبعية لعائدات المحروقات، من خلال الاستثمار في مقدراتها الطبيعية مثل «المعادن»..هذا القطاع الذي تعزز بقانون جديد للمناجم، يفتح المجال واسعا أمام المستثمرين..في تقديركم، ما هي فرص الجزائر للنجاح في مجالي التعدين والطاقات المتجددة؟
 البروفيسور كريم زغيب: الجزائر بلد بحجم قارة، ولها من المقدرات الطبيعية ما يضعها في موقع الدول الثرية طبيعيا، فإضافة إلى مخزونها المعتبر من النفط والغاز، والمعادن الإستراتيجية، مثل الذهب والحديد والفوسفات والليثيوم، تحتوي على حجم كبير من الأتربة النادرة، ومن أجل أن تحافظ الجزائر على مخزونها من الطاقات الأحفورية، يتعين عليها الاستثمار في الطاقات المتجددة، لتحقيق التحول الطاقوي من جهة، وفي الوقت نفسه، إيجاد مصادر جديدة للعملة الصعبة، خاصة وأن بيئة الاقتصاد الجزائرية، محفزة جدا للتوجه نحو التعدين، وكما تفضلت في سؤالك..مع صدور قانون المناجم الجديد، أظن أننا نمتلك كل المؤهلات، وأن الفرصة ملائمة للتوجه بكل ثقة نحو التحول الطاقوي والاقتصاد الأخضر المستدام.
تراكمون خبرة تتجاوز الأربعين عاما، فقد تنقلتم بين دول العالم وكبريات الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا، وتعودون إلى أرض الوطن، تلبية لنداء الرئيس تبون، من أجل الإشراف على أحد المشاريع الاستراتيجية التي يُعول عليها في تسريع خطوات الانتقال الطاقوي بالجزائر..هل يمكن أن تعطونا فكرة عن المشروع؟
  أولا، أود وعبر منبركم الإعلامي «الشعب»، أن أقدم خالص شكري لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على تشجيعه واهتمامه بالكفاءات الجزائرية بالخارج، وحرصه على إشراكهم في بناء اقتصاد بلادهم..قبل الخوض في تفاصيل المشروع الضخم لإنتاج بطاريات الليثيوم، يجب التطرق إلى المعادن الأساسية التي تدخل في تركيبها، حيث سنعتمد على المعادن الثلاث، الفوسفات، الليثيوم والحديد..قضيتُ أكثر من ثلاثين عاما في العمل عليها وتطويرها، وهي اليوم من المكونات الأساسية للسيارات الكهربائية من علامات «Tesla»، مرسيدس بنز، فورد، تيوتا، BMW..إضافة إلى جميع السيارات والشاحنات مثل علامات «بي واي دي».
بالنسبة للمشروع..هو يعتمد على ثلاث موارد طبيعية: الليثيوم، الحديد والفوسفات، وهي معادن متوفرة بالجزائر، وتتميز بخصائص عديدة، فالحديد منخفض التكلفة، والفوسفات يمنع اشتعال البطاريات والليثيوم مورد استراتيجي نادر..وينقسم برنامج العمل إلى عدة مراحل، حيث سنبدأ في البداية بإنتاج كاثودات الليثيوم والحديد والفوسفات، بهدف إنتاج 5 آلاف طن/سنويا من المادة الفعالة خلال أول سنتين أو ثلاث سنوات، ثم نتجه نحو التصنيع التدريجي عبر التراب الوطني، حيث أطلقنا برنامجا من ثلاث مراحل، ننتج مسحوق الكاثود، ثم نستخدم حمض الفوسفوريك لتحويله، مع تطوير قطاع موازٍ لاستغلال الليثيوم.. وهنا أخص جريدة «الشعب» بخبر حصري لم يسبق نشره..مصنعا الكاثود وبطاريات الليثيوم سيكونان بعنابة..وقد وقع الاختيار على هذه الولاية لأسباب استراتيجية متعلقة بموقعها الجغرافي القريب من مواقع معادن الفوسفات والحديد والليثيوم، وإمكانية نقله عبر شبكة خطوط برية نحو المصنع، وتصدير إنتاج هذا الأخير من بطاريات الليثيوم عبر ميناء عنابة.
تحدثتم عن اللقاء الذي جمعكم برئيس الجمهورية، ومدى اهتمامه بالكفاءات الجزائرية بالخارج. كيف كانت رؤية رئيس الجمهورية لهذا المشروع الاستراتيجي، خاصة وأنه يندرج ضمن مقاربة تنويع الاقتصاد الوطني؟
 أهم ما لمسته لدى مقابلتي مع رئيس الجمهورية، هو ثقته واهتماماته بالكفاءات الجزائرية المتواجدة بالخارج، والإرادة السياسية لمرافقة المشاريع العلمية والتكنولوجية، في نهضة اقتصادية كتلك التي قادها الزعيم الراحل هواري بومدين، وإعادة المؤسسات الاقتصادية العتيدة..بخصوص فحوى اللقاء، أذكر لكم أن رئيس الجمهورية ركز على ثلاث معادن، الحديد والفوسفات والليثيوم، وتحويلها إلى بطاريات ليثيوم/حديد/فوسفات، وأنا متواجد بالجزائر منذ ثلاثة أشهر، خلال هذه المدة، تشرفت بلقاء مع وزير الدولة، وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، والتقيت البروفيسور نور الدين ياسع، وكاتبة الدولة المكلفة بالمناجم كريمة طافر التي تنقلت رفقة فريق من المهندسين والتقنيين إلى كندا، للتعرف عن قرب على مصانع بطاريات الليثيوم، ونقل النموذج الكندي إلى الجزائر..هنا أفتح قوسا لأوضح أن المشروع عمومي خالص، تحت وصاية الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، وهي الجهة الوحيدة الوصية عن إنجاز المشروع من خلال الشركة الوطنية للموارد المعدنية «سونارام» التي تتكفل بالمشروع بدءا من الفكرة إلى تسليم أول دفعة من البطاريات الليثيومية، وهذا لأسباب متعلقة بالأمن القومي، وأنا هنا للمرافقة وتقديم المساعدة، بصفتي مستشارا، بمعية فريق تقني يتمتع بكفاءة عالية وإرادة قوية، وهو ما يجعلني جد متفائل بقدرة الجزائر على الوصول إلى مصاف الدول الكبرى المتحكمة في هذه التكنولوجيا مثل الشيلي، الأرجنتين، كندا وأستراليا.
ما أهم الخطوات التي أقدمتم عليها لتسريع تجسيد المشروع على أرض الواقع، للتمكن من تعزيز مكانة الجزائر في السوق العالمية للطاقات المتجددة، وتحقيق السيادة الطاقوية والتحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام؟!
  كما سبق وأوضحت، أنا أرافق المشروع بصفتي مستشارا بمعية فريق تقني ذو خبرة واسعة، ونحن مستعدون كل الاستعداد لإنجاز المشروع في أقرب الآجال، والنتائج الأولية التجريبية التي أضفت إليها الأبحاث الجارية منذ ستة أشهر مشجعة جدا على مواصلة المشروع..من جهة أخرى، ستكون لي عدة لقاءات على مستوى وزارة الطاقة والمناجم لعرض آليات تنفيذ المشروع، مثلما كان لي لقاء مميز وثريّ من حيث الآفاق المستقبلية مع الرئيس المدير العام لمجمع سونارام، بمقر المجمع، من أجل تنفيذ مذكرة تفاهم تم توقيعها في 12 أفريل 2025، لتطوير شعبة الليثيوم، وهو اللقاء الذي مكنني من الإطلاع على مدى تقدم الأشغال بالمشروع الوطني لإنتاج بطاريات الليثيوم/حديد-فوسفات، ولقد اتفقنا على تحديد محطات أساسية أبرزها إنشاء وحدات لتحويل الفوسفات، لاستخراج حمض الفوسفوريك الضروري لسلسلة إنتاج البطاريات، ومعالجة خامات الليثيوم عبر وحدات تحويل متخصصة وفق المعايير الدولية..من جهة أخرى، تباحثنا حول كيفية تطوير حلول لمعالجة خام حديد غارا جبيلات، عبر خفض نسبة الفوسفور للحصول على حديد نقي موجه للاستخدام الصناعي، ولتعزيز خبرة الكفاءات الجزائرية، تم الاتفاق على تعزيز التعاون البحثي بين الجامعات الجزائرية ونظيراتها الكندية، مثل جامعة «كيباك»، ومركز البحث المعدني بجامعة لورانتيان، من أجل تطوير تقنيات مستدامة لمعالجة الحديد.
على ذكر تأهيل وتكوين الكفاءات الجزائرية في تخصصات تخدم مشاريع التحول الطاقوي، لاحظنا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تبذل جهودا معتبرة، لدعم وبعث هذه التخصصات المتعلقة بالطاقات النظيفة والاقتصاد الأخضر..هل هناك فرص للتعاون بينكم وبين الجامعات الجزائرية للاستفادة من خبرتكم العلمية والعملية في مجال تحويل وتخزين الطاقة؟   
  أكيد، هذا يسعدني كثيرا، فلقد تشرفت بلقاء مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري الأسبوع الماضي، بمقر الوزارة، وقد اتفقنا على إنشاء نواة بحثية تطويرية جزائرية للتميز، لتكوين مهندسين ومختصين في مجال الانتقال الطاقوي، كما اتفقنا على إطلاق أول جامعة صيفية حول تطوير بطاريات الليثيوم أيون أو الصلبة، إضافة إلى إطلاق مسارات تكوين وبحث في مجال الطاقات المتجددة والكيمياء الكهربائية..وبالمناسبة، كنت قد اقترحت إنشاء مدرسة وطنية للبطاريات، تقوم بتكوين تقنيين ومهندسين في أقل من عام، دورها الربط بين الجامعات والعالم الصناعي، وتدعم البحث التطبيقي، وهي ضرورية لمواكبة نمو مصانع «الجيغا» المستقبلية في الجزائر، حيث ستلعب هذه المدرسة دورا محوريا في الاقتصاد الأخضر، كمركز مهم للتكوين، وأداة فعالة لتنظيم الصناعة الخضراء في الجزائر، بتكوين آلاف الأشخاص للعمل في خطوط الإنتاج، والبحث، ومراقبة الجودة وغيرها من الأمور المرتبطة بالمجال، كما ستساهم في خلق ثقافة صناعية مستدامة أساسها البطاريات، الطاقات المتجددة، والتنقل النظيف.
كما تعلمون، تسابق الحكومة الزمن، ووزارة الصناعة بصفة خاصة، من أجل تجسيد مشروع صناعة سيارات جزائرية خالصة بسواعد وموارد وقطع غيار جزائرية..هل يمكن أن نذهب إلى أبعد من هذا، ونتحدث عن سيارة كهربائية جزائرية؟!
  لم لا، صناعة سيارة كهربائية جزائرية، طموح مشروع، والجزائر قادرة على تجسيده بسواعد أبنائها ولا أحد سواهم، فبمجرد إحكام تقنية البطاريات، يمكننا التوجه نحو إنتاج السيارات الكهربائية، مباشرة بعد تجسيد مشروع بطاريات الليثيوم، وأنا مستعد لوضع خبرتي العلمية والعملية للمساهمة في مشروع السيارة الكهربائية التي أصبحت اليوم خيارا استراتيجيا، من أجل تنقل نظيف.

 

البروفيسور كريم زغيـب في سطـور

البروفيسور كريم زغيب، حاصل على درجة دكتوراه، أستاذ الهندسة الكيميائية وهندسة المواد في جامعة كونكورديا منذ عام 2022. في عام 2023، تم تعيينه رئيسا تنفيذيا لشركة فولت-أيدج، وهو مشروع مدعوم من صندوق أبحاث التميز الكندي الأول مخصص لتزويد المجتمعات بالكهرباء وبناء مجتمعات مستدامة.
قبل انضمامه إلى كونكورديا، قضى البروفيسور زغيب 27 سنة في شركة هيدرو-كيبيك، حيث قاد وأسس مركز التميز في كهربة النقل وتخزين الطاقة، بصفته مديرا للأبحاث في شركة هيدرو-كيبيك التي ساهم في جعلها أول شركة في العالم تبتكر وتستخدم فوسفات حديد الليثيوم المغلف بالكربون في الكاثودات، وفي تطوير أنودات الجرافيت الطبيعي والنانو تيتاناتو.
ويعتبر البروفيسور زغيب من رواد أول بطارية ليثيوم-معدن-بوليمر تجارية صلبة، والبطارية الضوئية ثنائية القطب، والسوائل الأيونية. كما قدم مساهمات مهمة في الكيمياء الكهربائية للأملاح المنصهرة والكرومات الكهربائية. ومن خلال مشروع التعاون المشترك بين شركة سوني وشركة هيدرو-كيبيك، طور أنظمة تخزين طاقة عالية السعة ميغاوات/ساعة، تعتمد على فوسفات حديد الليثيوم/الجرافيت لتطبيقات الشبكة الذكية.
حاز البروفيسور زغيب على أكثر من 600 براءة اختراع، تم تفعيل 62 منها كتطبيقات علمية. شارك في تأليف 420 مقالا علميا، مؤشر هيرش = 83، وشارك في تحرير 20 دراسة، وشارك في تأليف كتاب «بطاريات الليثيوم: العلم والتكنولوجيا»، سبرينغر، 2016. حصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء الكهربائية عام 1990 من المعهد الوطني للبوليتكنيك في غرونوبل، ودرجة التأهيل في الفيزياء من جامعة بيير وماري كوري عام 2002. كما حاز على جائزة تكنولوجيا الطاقة عام 2010، وجائزة تكنولوجيا البطاريات عام 2013، وجائزة أبحاث البطاريات عام 2024 من الجمعية الكهروكيميائية، وجائزة البحث عام 2010، وجائزة التكنولوجيا عام 2017 من الرابطة الدولية للبطاريات. انتخب عضوا في الجمعية الكهروكيميائية سنة 2011، وفي الأكاديمية الكندية للهندسة 2017، وفي الجمعية الملكية الكندية 2021، وفي الجمعية الملكية للكيمياء سنة 2023.

الخــبرة المهنيــــة

-  أستاذ ممارس في هندسة التعدين والمواد، جامعة ماكجيل
-  مستشار استراتيجي للجنة الإدارة، هيئة الاستثمار في كيبيك
- مؤسس ومدير عام مركز التميز في كهربة النقل وتخزين الطاقة التابع لشركة هيدرو-كيبيك
-  المدير الأول المؤقت لمعهد أبحاث هيدرو-كيبيك
-  كبير مسؤولي التكنولوجيا في  InnovHQ
- الرئيس التنفيذي لشركة «إس سي إي فرانس»