طباعة هذه الصفحة

الدكتور والخبير الأمني حكيم غريب لـ «الشعب»:

في ظل التدخل الأجنبي الحل السياسي في ليبيا مازال بعيد المنال

حوار: نور الدين لعراجي

أي تهديد في إقليم معين تنتقل تبعاته إلى دول الجوار لتتحمّل الأعباء

لا تزال المسألة اللّيبية تحمل في كل يوم العديد من المفاجآت الغير سارة بالنسبة للمشهد الأمني بصفة عامة، بحيث لا يخلو يوم إلاّ وتسجّل فيه حصيلة جديدة من القتلى من أبناء البلد الواحد سواء بنيران التّنظيمات المسلّحة وعلى رأسها  داعش الإرهابي، أو بواسطة النّيران الصّديقة من العشيرة والفصائل التي تتّخذ من حدودها العشائرية نقطة تحول في المشهد الأمني بصفة عامة، ونظرا لأنّ العديد من الفواعل أصبحت تراهن على إعادة ترتيب البيت اللّيبي، إلاّ أنّ الأمور لا تزال على حالها دون تغير أو تحسّب مرتقب.

 تعرف الحدود الجزائرية على طول ساحلها الصّحراوي وخاصة مع ليبيا العديد من التأهّبات الأمنية، كيف ترسمون المشهد الأمني في ظل هذا الانفلات؟
 الدكتور حكيم غريب: أعتقد ذلك بسبب انتشار ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظّمة بكل أشكالها المستحدثة في عدة دول، خاصة ليبيا التي يشكّل فيها الوضع الأمني المنفلت التحدي الأكبر، فبوجود سلاح منفلت وعدم تشكيل جيش وطني موحّد قادر على ضبط البلاد، بقي الأمن على الغارب ومفتوحا ًعلى كل الاحتمالات، وانطلاقا منها تتحالف خلايا الإرهاب الداعشي ضد الدولة المستهدفَة، وكلّما كان هناك تهديد في إقليم معين تنتقل تبعاته إلى دول الجوار التي تتحمل الأعباء، خاصة من حيث إجراءات ضبط الحدود والتحكم في تدفق الأعداد الهائلة للاجئين. والجزائر كغيرها من دول العالم عرفت عدم الاستقرار واللاّأمن لمدة تجاوزت عشرية كاملة، حيث تحمّلت تكلفة مكافحة الإرهاب لوحدها، واكتسبت الجزائر في حربها ضد التّهديدات الإرهابية.
كما أنّ الجزائر في موجات ما عرف بالرّبيع العربي وتداعياته على المنطقة المغاربية أخذت هذه التّهديدات على محمل الجد من طرف السلطات الجزائرية لا سيما بعد توسع دائرة تجارة الأسلحة الثقيلة وتأزّم وتفاقم الأوضاع الأمنية في دول الجوار، والذي يرجع الفشل الدولاتي في ليبيا، وما ترتّب عن ذلك من آثار جدّ سلبية على الأمن الوطني في الجزائر، في ظل تعقّد الأمور وتداخلها بزيادة حدة انتشار السلاح والتطرف الديني، وتجارة المخدرات، والهجرة غير الشّرعية، والأخطر من ذلك هو تحالف الجريمة المنظّمة مع الإرهاب (تهديدات صلبة) لتنويع مصادر تمويله.
 وهكذا فإنّ ملامح الوضع الأمني ما تحمله من رهانات يتطلّب المزيد من الحذر واليقظة لأنّ الحل السياسي في ليبيا مازال بعيد المنال في ظل التدخل الأجنبي، وتمدّد التنظيم الإرهابي في المنطقة ليبيا. وحسب اعتقادي وجدت الجزائر نفسها في مأزق أمني كبير، لأنّه حتى ولو تمّ تحقيق التعاون الاقليمي في مجال مكافحة التهديدات الارهابية في اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، ويرجع ذلك إلى ضعف المنظومة المؤسساتية وانعدام أو محدودية القدرات المالية والعسكرية لدول الجوار، وهذا ما جعل الجزائر تتحمّل تكلفة أمنها وأمن جيرانها عن طريق تقديم مساعدات لهذه الدول، ممّا يزيد من أعباء التصدي للتهديدات والأخطار المحتملة. ومن الناحية الإقتصادية هذه الدول أصبحت عبئا على ميزانية الجزائر من حيث تدفق اللاّجئين والتّهريب، ونظرا لشساعة مساحة الجزائر 2831741 كلم 2 وطول حدودها 6343 كلم، من غير الممكن ضبط كل حدود التراب الوطني. فحسب تقرير أمريكي الجزائر أنفقت حوالي 2 مليار دولار لحماية أمنها منذ بداية الحرب في ليبيا، وهي الآن تتفاوض مع روسيا لشراء (30) طائرة بدون طيار لمراقبة وحماية حدودها، والأرقام مرشّحة للارتفاع بسبب فشل دول الجوار ليبيا، تونس، مالي، النيجر، وسيطرة الجريمة المنظمة على دول الساحل وتحالفها مع الإرهاب (تهديدات صلبة)، وهو ما تطلّب إعادة وضع استراتيجية أمنية موسّعة تتماشى مع ديناميكية التهديدات، التي عرفت تطورا كبيرا وسريعاً، بسبب الانفلات الأمني في ليبيا، وعدم قدرة السلطات الليبية على التحكم في أسلحة ، حيث أن العمليات الإرهابية التي تعرفها مالي من فترة الي أخرى مصدره السلاح الليبي، كما أنّ هذا الوضع المتدهور من الممكن أن يعطى ذريعة لتدخل قوات دولية بحجة تطهير ليبيا من الإرهاب، وباقي السيناريو مفهوم كما يعلم الجميع. وحسب اعتقادي على الجزائر إعادة رسم وتبنّي استراتيجية أمنية جديدة تهدف إلى تأمين الحدود الجنوبية والشرقية للجزائر مع ليبيا، وتحديدا بمناطق الدبداب وجانت، وتفرض التزام أقصى درجات الحذر في التعامل مع الجانب الآخر من الحدود، بالتوازي مع استنفار نحو 20 ألف عسكري على الحدود مع ليبيا ومثلهم مع مالي.
 توسّع تنظيم داعش الإرهابي في الأراضي الليبية إلى أن بلغ 250 كلم من الساحل الليبي، رغم العمليات المضادّة لزحفه، أين تكمن قوته وما هي أهدافه؟
 في الحقيقة إنّ «ليبيا المنقسمة» لا تستطيع أن تصمد أمام داعش الارهابي. وفي الواقع، كثّف التنظيم حضوره المادي والإعلامي بشكل ملحوظ في ليبيا منذ أن أعلن «مجلس شورى شباب الإسلام» في مدينة درنة مبايعته للجماعة في شهر تشرين الأول / أكتوبر 2015، وبعد ذلك، اعترف زعيم التنظيم الارهابي «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي بانضمام «أقاليم» برقة وطرابلس وفزان الليبية إلى «الخلافة» التي ينسبها إلى نفسه. وفي الوقت عينه، عمد داعمو التنظيم الناشطون على شبكة الإنترنت إلى تجنيد أعضاء جدد بصورة مكثّفة بينما أخذوا يروّجون لصالح توسع داعش الإرهابي في ليبيا واتّباع استراتيجية جديدة في شمال أفريقيا. وباعتبار ليبيا البوابة الاستراتيجية لـ «الدولة الإسلامية»، ومركز لانتشار الأسلحة المتنوعة، فليبيا تطل على البحر والصحراء والجبال، بالإضافة إلى مصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر وتونس.
 إضافة أنّ الإيديولوجيات تلعب دوراً مهماً في طبيعة عمل داعش الارهابي، إلا أن أهدافه الاستراتيجية ليست منساقة بالإيديولوجيات وحدها، بل تتمحور حول حيازة الأموال، والموارد، والقوة. ولذا، إقامة الخلافة في ليبيا وسوريا هي مجرد البداية، لا النهاية لهذا التنظيم، ولا ننسى استخدامه الاعلام والدعاية بشكلٍ فعّال للغاية لأن عملياته الإعلامية مركزية إلى حدٍّ بعيد، ناهيك عن أنه يتحكّم بدقّة بما يُنشر وبتوقيت النشر، وتخضع كل حسابات تويتر المرتبطة بالتنظيم إلى إدارة مركزية. فعند انضمام مقاتلين بارزين جدد إلى داعش، يمارس التنظيم ضغوطاً عليهم ليسلّموه حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك إن قوة التنظيم على شنّ هجمات شاملة وواسعة النطاق تعتمد على العديد من الانتحاريين، ما يُساعد على تفسير تجنيده عدداً كبيراً من الأطفال. يدرّب تنظيم داعش الإرهابي الأطفال خارج الدوام الدراسي، ويعرّضهم إلى عنفٍ شديد، ويُنتج أشرطة تدريبية لتشجيع المراهقين الشباب على القتال. ويبقى هناك خطرًا من تمدد التنظيم إلى عمق إفريقيا، والالتحام مع جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا والنيجر وتشاد رغم الهزائم الأكيدة للتنظيم الإرهابي بسيرت يثير كثيرا من التساؤلات حول البلدان التي يمكن لعناصر هذا التنظيم الإرهابي أن يلجؤوا إليها، خاصة أن هذه التنظيمات لا تزال تمثل خطرا على ليبيا وعلى دول الجوار، مع فرار قيادات وعناصر من تنظيم «داعش» الإرهابي بمدينة سرت ودرنة إلى الجنوب الليبي، وتزايد المخاوف من إعادة تشكيل خلايا ومعاقل جديدة لهذا التنظيم، وكذلك مع استمرار تواجد قوات لتنظيم «القاعدة» بغرب ليبيا، ولجوء هذه الأخيرة إلى هذه المنطقة الشاسعة والمفتوحة، سيسمح لهم بالتواصل مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة في المنطقة على غرار «بوكو حرام» في نيجيريا، و»القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وتنظيم «الموقّعون بالدم» وجماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. وقد تساعدهم السيطرة على طرق التهريب العديدة في الصحراء الليبية من توفير مصادر تمويل لنشاطاتهم وتحركاتهم الإرهابية في ليبيا، ومنطقة الساحل الإفريقي.
مشهد واحد في منطقة
تمثّل مجالا من النّفط اللّيبي
 عدة عمليات قادتها القوات اللّيبية سواء الجيش النّظامي «حكومة السراج» والأخرى المنطوية تحت لواء المشير خليفة خفتر للقضاء على انتشاره، لكن المشهد هو نفسه أين تكمن العوائق؟
 المشهد في ليبيا رغم العمليات الذي قام بها «الجيش النظامي السراج» والأخرى المنطوية تحت لواء خفتر للقضاء على التنظيم الارهابي داعش، لأنّ المشهد هو نفسه لم يتغيّر خاصة كان لسيطرة المشير خليفة حفتر على منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية أثر كبير على مواقف القوى الدولية، حيث تشكّل هذه المنطقة قاعدة أساسية لتصدير النفط الليبي، حوالي 60 % من الخام الليبي، وتعمل 8 شركات نفطية كبرى متعددة الجنسيات بليبيا، فغالباً ما تنظر هذه القوى لليبيا من نافذة الموارد النفطية والأهمية الاستراتيجية لليبيا في سياستها الخارجية، والوصول إلى من يسيطر على هذه الموارد، ومن ثم لا تخرج مواقفها عن تحقيق مطامعها. ربما هذا ما يجعل الإرهاب مغذي لهذه المصالح الغربية بعيدا عن تحقيق استقرار أمني ونجاح سياسي في إعادة بناء الدولة المنهارة، وبناء قوات مسلحة قوية وموحدة لمواجهة الإرهاب بصارمة وفعالية أكثر.
كما لا ننسى الصّراعات بين الميليشيات، وعلى رأسها ميليشيا «ثوار طرابلس» التي يتزعّمها هيثم التاجوري وميليشيا ما يعرف بقوة الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة. بينما يلتزم المجلس الرئاسي الصمت إزاء ما يحدث من تطورات أمنية في العاصمة طرابلس، برغم أن هذه التطورات قد تكون بداية لحرب مرتقبة ستشهدها العاصمة هذا ما يجعل الإرهاب يتحرك بسهولة وقوة لأن «الوحدة» كلمة تبدو صعبة التطبيق في هذا البلد. ففي الواقع، لا تزال الاحتكاكات بين مختلف الفاعلين السياسيين مرتفعة، وإضافة إن هذا التنظيم يعتمد في أسلوبه القتالي على الانتشار والتوسع في دوائر جغرافية ممتدة كثيرا، لذلك لا يمكن الجزم بأن هذا التنظيم أجتث من أصوله، لأنّه دخل مرحلة أخرى تتناسب وميولاته العسكرية والقتالية بأن تفادى المواجهة المباشرة التي كلفته خسارة المواقع لكن حافظ على مقوماته القتالية وأصبح يواجه بها الهجوم. هذه المقوّمات القتالية التي يحذقها تقوم على عنصر الإرباك والمباغتة، والمفاجأة على حرب العصابات، التي يعتمد في هذه المرحلة الثانية من داعش الإرهابي القنص  على التفجيرات وعلى السيارات المفخخة والانتحاريين..هذا أسلوب الإرهاب والإرهابيين، وهو ما يعتمده العمليات القتالية في ليبيا، كما أعتقد أنه هناك عوائق متعددة، وأهمّها تسريب السلاح إلى تونس داعش الارهابي.
وتسلّل المقاتلين الأجانب من البر والبحر لأنّ التنظيم يسعى إلى جعل المنطقة كاملة تخضع إلى مفاهيم حرب إرهابية يرغب في إبرازها عسكريا عملياتيا وإعلاميا حتى يجعل لنفسه مكونا له أبعاد دولية، وهذه الحرب ستمتد في أشكال مختلفة وبالشكل الذي يرغب فيه التنظيم، وهي الدخول في حرب الشوارع وحرب العصابات والممرات التي تم تركها في معركة سرت الأخيرة، بالإضافة إلى الدور المريب للقوى الغربية في هذه المعارك، وهذا يذكرنا ببعض المعارك التي دارت في العراق ما ترك فرصة للهروب وتموقع الدواعش في جهات أخرى من التراب الليبي.
 منع الإرهابيّين من أي تسلّل محتمل، قاعدة تعتمدها الولايات الأمريكية الآن لمحاربة داعش الإرهابي، وإن كان ظاهرها استخباراتيا، فإنّ خفيها لن يحمل دلالات أخرى، هل من توضيح أكثر؟
 فعلا إنّ إستراتيجية أمريكا لمواجهة داعش غامضة الأهداف والأدوار، وتبحث عن تحقيق مصالحها في المنطقة العربية، ومسألة منع الإرهابيين من أي تسلل محتمل تدخل في صلب السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، فبسبب العنف المسلح وبفعل التدخل الخارجي الإقليمي والدولي في الشأن الداخلي تعرضت ليبيا و سوريا واليمن...تقريباً للدمار الشامل ولا توجد بنى تحتية في كافة المجالات، وتعرضت شعوب هذه الدول إلى مآس يصعب وصفها (من ضحايا وشهداء، وفقدان أهل وأبناء وجرحى، وسجون ومعتقلات وتعذيب ومرض وجوع وحرمان وتهجير، ولجوء في مخيمات دول الجوار...إلخ)، ورافق ذلك مزايدات ومتاجرة وابتزاز بالقضايا العربية من قبل هذه الدول التي لها مصالح وأجندات إقليمية ودولية، والتي أوصلت المنطقة العربية الى طريق مسدود بفعل مصالحها وأجنداتها، فالولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين يفكّرون في إنتاج ماركة جديدة من داعش أكثر إجراما وفتكاً وتدميراً وإرهاباً من داعش الحالية لتسويق أجندتهم الأخرى الغير معلنة لأنّ الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب هي غطاء الاستنزاف الطويل المدى لمقومات الامة العربية، وتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير وتفتيت الدول العربية إلى دويلات طائفية تتناحر فيما بينها لأنها ليس لديها نية بالقضاء على داعش، وكما تهدف على المدى البعيد تهيئة مستلزمات وضع خارطة جديدة لمنطقة الشرق الاوسط، من خلال تفرّدها بمحاربة داعش والحركات الارهابية الاخرى ومسكها بهذه الورقة لتنفيذ أجنداتها ومصالحها ومصالح حلفائها، ومنهم إسرائيل وعلى حساب مصالح الشعوب العربية.
فوضى السّلاح وراء
انقسامات نفوذ قبلية وسياسية
 بؤر التّوتّر والانفلات الأمني لا تنحصر على ليبيا فقط، فهل ما يحدث على الحدود التّونسية ومالي وغيرها له علاقة بالضّربات التي تتلقّاها داعش الإرهابي؟
 إنّ انفلات الوضع الأمني إضافة إلى فوضى السلاح، أدّى بليبيا لأن تنقسم إلى مربّعات نفوذ قبليّة وسياسيّة متناحرة، لم تجد حتّى هذه اللحظة صيغة توحّد سياسيّ وعسكريّ واضح. ورغم الضربات الجوية الامريكية على التنظيم الارهابي داعش، فإنّها لم تحقّق نتائج ملموسة على أرض الواقع، أما الحالة الأمنية بالنسـبة إلى تونس في رأيي خطيرة، فتتمثل بكون ليبيا أصبحت ملجأ للعديد من المتشددين، الذين كانوا يقاتلون في مختلف بؤر التوتر في إفريقيا والعراق وسوريا، ما أصبح ينذر بتحول ليبيا إلى قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد دول الجوار. الخطر الأمـنـي الآخـر بالنسبة إلـى تونس هـو تحوّل ليبيا إلى مركز دولي لتجارة السلاح، فضلا عن خطر حدوث موجات نزوح كبيرة من اللاّجئين سبب تـدهـور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية فـي ليبيا، إضافة إلى دول الجوار، التي سينال كل منها نصيبه من زعزعة الاستقرار الداخلي، إذا ما استطاع التنظيم زرع خلاياه، النائمة واليقظة على السواء، في الدول المحيطة بليبيا خاصة تونس ومالي لانهما الحلقة الأضعف في الترتيبات الامنية والقوة العسكرية يمكن اعتبار تونس أكثر دول الجوار تأثراً بسيطرة التنظيم على مدن ليبية، فإضافة إلى بؤرة التوتر والتسليح والتجنيد التي باتت على مقربة من حدودها. أما على الصعيد الاجتماعي فستضع العودة الواسعة للعمال التونسيين والأفارقة إلى بلدانهم أعباء ثقيلة على كاهل بلدانهم في ظل عجز السلطات عن تأمين فرص العمل للعائدين أو حتى لقسم منهم.
ويعني هذا أنّ تونس هي أكثر المتضررين من تداعيات تحول ليبيا إلى دولة فاشلة، وإن خطر اختراق الحدود التونسية مسألة وقت، خاصة في ظل وجود مجموعات محلية موالية لـ «القاعدة» مثل أنصار الشريعة وكتيبة عقبة بن نافع، وما يُغذّي هذه الظاهرة هو ارتفاع عدد المقاتلين التونسيين في سوريا والعراق، بحسب تقديرات وزارة الداخلية التونسية، إلى 3800 عنصر لا يُستبعد أن يعود كثير منهم إلى بلدهم. كما أن في ليبيا حالياً ما لا يقل عن 1500 مقاتل تونسي مدربين ومسلحين، أما على الدول الإفريقية، فإنّها الأزمة في ليبيا ستسمح للإرهابيين تنظيم صفوفهم جنوب البلاد المحاذية لكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، حيث أن الدول حيث غائبة تماماً والقبائل غير قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، إن لم تكن هي متواطئة مباشرة أو مداورة مع الجماعات المسلحة، شريكتها في التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة القادمة من ليبيا، فالجماعات المسلحة التي كانت بلا أرض صارت لديها مواطئ قدم شاسعة في جنوب ليبيا وشمال مالي، بما فيها معسكرات التدريب، وهي لم تكن تملك أسلحة فباتت تحصل عليها بسهولة من جميع الأنواع والأحجام، كما أنها كانت تعمل في الخفاء، فأضحت اليوم تعرض قوتها علناً وتبشر بتطبيق الشريعة.
 ما هي قراءتكم للسّياسة الأمريكية مع القادم الجديد للبيت الأبيض الرئيس ترامب، هل تستمر السياسة نفسها بالنسبة لليبيا أم هناك تغييرات جيوسياسية على المشهد ستطرأ؟
 أتوقّع أنّ الرئيس الأمريكي الجديد ترامب سيتعاطى مع المسألة الليبية سيكون أفضل من تعاطي الإدارة التي سبقته بقيادة باراك أوباما ومعه هيلاري كلينتون، لأن أغلب الليبيين كانوا يتخوّفون من وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض نظرا لتاريخها في ليبيا، حيث قادت الحملة على بلادهم ودعّمت الإخوان المسلمين، لهذا يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تجاوز الأخطاء التي وقعت فيها إدارة أوباما، وتغيير السياسة الخارجية التي اتبعتها بخصوص تعاطيها مع الأزمة في ليبيا وكذلك في منطقة شمال إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بدعمها لقوى متطرفة وتنصبيها قيادات على البلاد، إضافة إلى ضرورة إعادة حساباتها في ذلك إذا أرادت إعادة بناء علاقات الثقة مع دول المغرب العربي وشعوبها ورغبت في تدعيم التعاون معها على كافة الأصعدة.
ويبقى أن نعرف أنه رغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية تحكمها العديد من الثوابت والمحددات   والمصالح، لأن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة، سواء من حيث التدخل، أو الانعزال، أو من حيث آلياتها ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل القوة العسكرية، وبين القوة الناعمة مثل الحوار والدبلوماسية. ويمكن القول إن تحليل السياسة الخارجية الأمريكية، منذ نشأة الولايات المتحدة، يوضح أن تلك السياسة تتغير دوريا وبشكل روتيني من توجه انعزالي إلى آخر تدخلي من فترة إلى أخري، بحيث إنه يمكن توقع التغير من توجه لآخر في لحظات تاريخية معينة، فرغم تعاقب الرؤساء منذ الحرب العالمية الثانية، فإنّ الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية ظلت ثابتة تقريبا.
الحل السياسي..المخرج إلى برّ الأمان
 أي خيار ترونه حلاّ للمسألة اللّيبية في ظل الرّاهن المغاربي والإقليمي والدولي الآن؟
 إنّه من المؤكّد أنّ الحل بين يد الليبيين أنفسهم بعيدا عن التدخل الأجنبي، إضافة الركيزة الأساسية للخروج ليبيا من عنق الزجاجة هو أنّ الحوار الشامل والحل السياسي الإطار الوحيد لحل الأزمة بليبيا، موضحا أنّ الاتفاق السياسي يعد الآن الركيزة الوحيدة بين أيدي الليبيين والثمينة جدا في هذه المرحلة الحرجة لإعادة السلم والاستقرار في ليبيا، ووضع وبناء أسس دولة جديدة دولة مؤسسات ودولة سيادة القانون تنطلق فيها التنمية الشاملة توظف في إطارها ثرواتهم الطبيعية الهائلة لصالح رفاه ومستقبل واعد ليبيا. وهنا نؤكّد أهمية حشد الجهود وتعزيز التعاون بين دول الجوار خاصة الجزائر، ودورها الريادي في إدارة الأزمات الإقليمية من خلال الحوار و تصدير السلم ولعب دور إيجابي في حل هذه الأزمة نظرا لتداعيات الأزمة الليبية على المنطقة.
إنّ دول الجوار هي الأكثر تأثرا بالوضع في ليبيا، وبالتالي تقع عليها مسؤولية إنجاح مسار الحل السياسي للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الأجنبية المعلنة وغير المعلنة أجلت التوصل إلى المصالحة الوطنية.