طباعة هذه الصفحة

د. بوحنية عبد القوي عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة ل «الشعب»:

سياسات استباقية في ظل التهديدات الراهنة

حوار: نور الدين لعراجي

 صياغـة مفهــوم شامـــل للأمــــن بإشــــراك الخـــبراء
 الجزائر تجاوزت الأزمة الحالكة وتقدم مقاربة مرجعية للسلم

 اعتبر عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة الدكتور بوحنية عبد القوي، أن المؤتمر الذي تنطلق أشغاله اليوم بولاية ورقلة، سيكون دوليا نظرا لصبغة المداخلات والمشاركين في هذا الموعد الذي سيتحدث في مجمله على سياسات الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية، مع ما تشهده المنطقة من تطورات على الصعيد الأمني والتهديدات الإرهابية المفتوحة على بؤر التوتر سواء عبر الساحل الصحراوي أو الحدود الليبية أو تلك المتعلقة بعصابات المتاجرة بالمخدرات والأسلحة .وبحكم أن الجزائر تملك حدودا تجاوزت 6000 كلم كان لزاما تبني سياسات دفاعية متعددة الأوجه ومختلف الأهداف ومعقدة التكتيكات وهو ما رمت الدولة الجزائرية ثقلها فيه بتعزيز دول الجزائر في بناء مصفوفة السلام في إفريقيا باعتبارها دولة محورية مصدرة للاستقرار بدول الجوار من خلال خبرتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب.

الشعب : تعتزم جامعة ورقلة احتضان مؤتمر دولي بهذا الحجم تحت شعار «سياسات الدفاع الوطني : بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية «هل لكم أن تضعونا في الصورة، أي السياسات تقصدون ؟
د بوحنية  عبد القوي :  كل دولة تنتهج عدة أسس دفاعية لتأمين حدودها وهذه السياسات تنبثق عن سياسات أمنية متكاملة فالأمن يتضمن الدفاع كمصفوفة متكاملة وفي حالتنا عند الحديث عن سياسات الدفاع فنحن نتحدث عن مرحلة تنامت فيها التهديدات بشكل مضطرد بفعل تزايد أشكال عناصر التهديد غير التماثلي في أشكاله الاعتيادية السابقة فقد تنامت تجارة السلاح والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية والأوبئة وتعاظم الجماعات الراديكالية المقوضة لجهود بناء الدولة السلمية  وفي ضوء ذلك ومع تعثر مسار التنمية في بعض الدول المجاورة أصبحت الحديث عن سياسات استباقية دفاعية أكثر من ضرورة فالنار التي تحرق بيت جارك قد تصلك بالقطع وعليه ومع تعثر استكمال مسار التنمية وتدمير وتفكيك البنى الوظائفية لبعض الدول بفعل الثورات غير المتكاملة وبروز الآثار السلبية لما عرف بالربيع العربي، أصبح لزاما على الدول المستقرة وكذا المستقرة نسبيا البحث عن مقاربة تضمن ديمومة استقرار ومن ثم بناء الدولة الحديثة فقد حتم سقوط نظام العقيد القذافي في ليبيا وتنامي تجارة السلاح وبروز فشل الدول في دول هشة مثل مالي وبعض دول الساحل في زعزعة استقرار القارة  وبحكم أن الجزائر تملك حدودا شاسعة تجاوزت 6000 كلم كان لزاما تبني سياسات دفاعية متعددة الأوجه ومختلف الأهداف ومعقدة التكتيكات وهو ما رمت الدولة الجزائرية ثقلها فيه بتعزيز دول الجزائر في بناء مصفوفة السلام في إفريقيا باعتبارها دولة محورية مصدرة للاستقرار في دول الجوار من خلال خبرتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب.
باعتبار أن مؤتمر «سياسة الدفاع الوطني» يحمل الكثير من الدلالات في ظل الراهن الدولي ووضع الجزائر بصفة خاصة باعتبارها تتوسط ثلاثة بؤر للتوتر، ماذا يمكن للفعاليات أن تضيفه أو تزيح عنه الستار ؟
هذه الفعاليات تحولت مع مرور الوقت إلى بناء خلايا للتفكير العميق يهدف إلى جملة مرامي أولها صياغة مفهوم شامل للأمن يشارك في بنائه الخبراء وثانيا ربط مفهوم الامن بمقاربة التنمية فلا امن دون تنمية أما ثالثها أن صناعة الأمن عملية معقدة فيها العلمي والسياسي والاجتماعي ومثل هذه الفعاليات تدعم صانع القرار في الكشف عن نقاط الارتكاز في  بناء الأمن القومي من  منظور متكامل
 يبدو من خلال عنوان الملتقى أنه موضوع المؤسسات الأمنية أو مراكز الدراسات الإستراتيجية أو الأمنية، هل أدرجتم هذا الجانب في مداخلاتكم ؟
أدرجنا جزئية مهمة تتعلق بدور مراكز الأبحاث في صياغة السياسية الأمنية وننتظر من الباحثين في الورشات أن يركزوا على هذه الجزئية خصوصا في العلاقة التنموية بين المؤسسة الأمنية باعتبارها شريك تنموي واقتصادي  وكذا مراكز البحث خصوصا تلك المراكز التي تعالج مواضيع صناعة الساسة الأمنية في مجال بناء السلم ومكافحة الجريمة العابرة للأقطار
من خلال حجم وتنوع المداخلات المبرمجة هناك ثراء بين وجلي يمس الكثير من الزوايا الهامة، ألا تعتقدون أن دراسة سياسة الدفاع الوطني بالنسبة للجزائر كفيلة بأن تكون النموذج الفريد في المنطقة المغاربية وعلى المستوى الإقليمي؟
الجزائر قدمت مقاربة إقليمية ودولية مهمة فقد كافحت في المؤسسات الدولية بدبلوماسية ذكية لتجريم دفع الفدية للجماعات المسلحة وعملت على التركيز على دراسة عولمة الإرهاب باعتبارها خطر فوق قطري، وقدمت تصورا متكاملة في محاربة الراديكالية بمناسبة مرور عشر سنوات على تجربة السلم والمصالحة والتي قدمت من خلالها نموذجا يعكس الذكاء الجماعي للشعب الجزائري ولصانع القرار في تجاوز أزمة عويصة  غذاها الإرهاب الهمجي في سنوات العشرية السوداء وقد خرجت الجزائر منتصرة على الإرهاب عن طريق ميثاق السلم والمصالحة وتعزيز الأمن القومي الداخلي .
كيف تقيمون بصفتكم باحث وأستاذ العلاقات الدولية ما تقوم به الجزائر تجاه التهديدات الإرهابية التي تحاول زعزعة استقرارها خاصة على الساحل الصحراوي ؟
الجزائر بلد محوري وبلد يعد نقطة ارتكاز في إستراتيجية بناء السلم في العالم وهي تقود دبلوماسية أمنية عالية المستوى بين الفرقاء في ليبيا كما قادت حملة ذكية من أجل تجميع الفرقاء في مالي وذلك لتقويض أركان الجماعات الإرهابية وإعطاء فرصة استراتيجية لبناء الدولة المالية الهشة وبحكم علاقتها الإيجابية في الاتحاد الإفريقي فقد تحولت إلى الدولة الارتكازية في بناء السلم في إفريقيا من خلال حملة الوساطات الايجابية الناجعة ولا أدل على ذلك حجم الزيارات عالية المستوى من طرف الزعماء الافارقة  يقود السياسية الامنية المؤسسة العسكرية التي عملت بذكاء على تطوير منطق الاحترافية وضبط اجندة قوية في تنظيم البناء العلمي للمؤسسة العسكرية من خلال شراكات متعددة ومع مرور الوقت تحولت إلى حليف موثوق لأوروبا و أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب.
 يبقى الإرهاب ظاهرة عالمية لا وطن له و لادين، كيف تقيمون المشهد الأمني في الجزائر حاليا ؟
الجزائر تجاوزت الأزمة الحالكة لسنوات بحكمة كبيرة وهي تقدم نموذجا فريدا في بناء السلم والأمن الداخلي ومع ذلك وبحكم موقعها الجغرافي فهي ليست في منأى عن عديد التهديدات التي قد تتأتي من الجوار المضطرب في ليبيا وتونس ودول الساحل .