طباعة هذه الصفحة

مدير معهد العالم العربي بباريس الدكتور معجب الزهراني لـ«الشعب»:

تملك صورا مشرقة ومشرفة عن الثقافة والحضارة العربية الإسلامية

حاورته بباريس: زهرة بوسكين

تدعيــــم التفـــاعل الخلاق بيننــا وبين أوروبا، فالجغرافيا لا تختار سكانها
 المعهـد مرّ بإصـــــلاحات عديـــــدة وهو الآن في حلّة جديدة وفي أوجّ شبابه

يعتبر معهد العالم العربي بباريس من أهم المعالم الثقافية بفرنسا التي تشهد توافدا وإقبالا على فضاءاتها المتنوعة كالمكتبة المتخصصة والمتحف الوطني، كما يعدّ جسرا مهما بين أوروبا والثقافات الشرقية والعربية بصفة عامة وفي هذا الحوار نستضيف الناقد السعودي الدكتور معجب الزهراني الذي تولى إدارة المعهد منذ سنة ويسعى ليرسخ انفتاحا على مختلف الثقافات وتحديثا للفكر العربي المسلم.

الشعب: في بداية الدردشة نرحب بكم دكتور ليتعرّف القاريء الجزائري من خلالكم على معهد العالم العربي بباريس؟
الدكتور معجب الزهراني: تحية خالصة للجزائر هذا البلد الذي كنا نردّد أناشيده الوطنية ونحن في المتوسط والثانوي، والكثيرون لا يعلمون هذا خاصة من الجيل الجديد، فالأناشيد الحماسية الجزائرية والفلسطينية كانت جزء من برنامجنا الصباحي قبل دخول القسم، وبالتالي أنا سعيد جدا أن أتواصل مع هذا البلد الذي له مكانة خاصة ومتميزة في الذاكرة الجماعية العربية والإسلامية.
توليكم لإدارة المعهد مكسب لكل مواطن عربي، فما هي المهام المنوطة بهذه المؤسسة الفكرية والثقافية؟
 لابد أن نذكر بأن هذا المعهد يعمل منذ خمسة وثلاثين سنة ويعمل في مقره على نهر السين منذ ثلاثين سنة، وعندما افتتح في نهاية الثمانينات كنت طالبا في جامعة السربون وتشرفت بأن عينت العام الماضي مديرا عاما للمعهد الذي يعتبر مختبرا وخلية نحل لا تتوقف وهو مكسب حضاري لنا جميعا، لأنه مخصص لنشر صور مشرقة ومشرفة عن الثقافة العربية الإسلامية وعن الحضارة العربية الاسلامية بشكل عام وأيضا لتدعيم التفاعل الخلاق بيننا وبين أوروبا، فالجغرافيا لا تختار سكانها ونعرف جيدا أنه بين ضفتي المتوسط لقاءات متنوعة ونقاط مشتركة، بعضها صراع وبعضها سلام وبعضها تبادل، وللأمانة فالمركز الحضاري للعالم القديم كان من هذه المنطقة، سواء من جهة العالم العربي والفضاءات الثقافية الإسلامية، أو من جهة أوربا وفرنسا وأثينا وروما...
ومن حيث الهيكلة، ماهي أهم الأجنحة التي تقدم الثقافات العربية وتستقطب الزوار إليها؟
 المعهد يضم مكتبة عربية متخصصة تعدّ الثانية من حيث الزيارات والإستشارات، ويضم متحفا صنف منذ سنتين كمتحف وطني، فيه قطع فريدة من نوعها، كما يضمّ مركزا للغة والحضارة العربية وهناك قسم للمعارض وكذلك القسم الثقافي الذي يسهر على تنظيم العديد من الفعاليات الأسبوعية والشهرية والفصلية والسنوية، وغالبا نهاية الأسبوع نسجل قرابة العشرين ألف زائر وهذا يدل على أن المعهد يقدم رسالة وأن الجمهور أيضا متعطش فنحن نساهم في ترسيخ الهوية.
 لديكم برامج ثرية وعلى أبرز نشاط تركزون عليه وتمنحونه اهتماما وأولوية هو كرسي المعهد، فماذا عن هذه الفعالية التي تجمع بين الأكاديمية والثقافية؟
 أولا، أنا قضيت ربع قرن في الجامعة وأعتبرني أكاديمي في المقام الأول، تخرجت من السربون وعملت بجامعة الملك سعود أكثر من عشرين سنة ثم أربع سنوات في جامعة خاصة، وبالتالي أنا ابن الوسط الأكاديمي ومطلع على مختلف جوانبه في أنحاء الوطن العربي لذلك جاءت فكرة كرسي المعهد لأترك أثرا يخصني، خاصة وقد سبق لي إنشاء كرسي غازي القصيبي بجامعة خاصة اشتغلت بها، وغازي القصيبي أديب وشاعر متميز ومن أهم الوزراء الذين ساهموا في التنمية الصناعية الحديثة في السعودية، وبالمقابل ولحسن الحظ وجدت للمعهد كرسي سبق تدشينه في 1991 وتوقف في 1994، فأعدت إحياءه وأعطيته بعدا ثقافيا وبدأنا نشتغل على برامج ثقافية نسعى لتكون ثرية ومتميزة.
 ما هو مضمون هذه البرامج وأهدافها؟
 من خلال كرسي معهد العالم العربي نعقد ندوات فكرية تهتم بقضايا تحديث الفكر العربي الإسلامي المعاصر، لأن هذا هو التحدي الذي يواجهنا جميعا، ولعلّ الكل يدرك أن صورة هذا الدين العظيم السمح المتفتح الذي ينتمي إليه مليار ونصف مسلم تشوّهت بسبب المتشددين الذين أراهم طاقات ضائعة، طاقات لم يحسن إستثمارها.. وبالتالي نحاول أن نساهم من خلال هذه الندوات ولو بقسط في تحديث رؤية الانسان المسلم المعاصر للعالم، وفي هذا الإطار أضفنا تقليدا جديدا يتمثل في تكريم شخصية فكرية ساهمت في تطوير الحوار بين العالم العربي وأوروبا وقد كرمنا شخصية فرنسة معتبرة «إدغارد موران» الذي ترجمت له ثلاثة كتب للغة العربية، وسننتقل في 18 جانفي إلى الرباط لتكريم العلامة والمؤرخ والفيلسوف عبد الله العربي وبعده ننتقل إلى تونس وعمان والجزائر وبيروت ودول الخليج لنبرز أيضا دور المعهد كجسر بين الضفتين وملتقى للفكر والثقافات.
ماذا بعد ثلاثين سنة من نشاط معهد العالم العربي بباريس؟
  المعهد مرّ بإصلاحات عديدة وهو الآن في حلة جديدة وأزعم أنه في أوج شبابه وفي أوج طموحه ونشاطه فهو من أكثر المعالم التي تشهد عددا كبيرا من الزائرين، لا يختلف عن اللوفر وجورج بومبيدو..
أسبوعيا نسجل حوالي 12 ألف زائر وهذا يدل على أن المعهد في أوج عطائه.
 لديكم عديد الدراسات النقدية في الشعر، المسرح، الرواية... ماهي التيمات الفكرية والثقافية التي اشتغلتم عليها؟
 سبق واشتغلت في أطروحة دكتوراه بالفرنسية على صورة الغرب في الرواية العربية المعاصرة، كما سترجملي الملحقة الثقافية السعودية بباريس هذه الفترة كتابي المعنون بـ «مقاربات حوارية» .. انشغالاتي حداثية من بينها تمثيلات الجسد في الرواية العربية، صورة الآخر العربي والمسلم في الأدب الفرنسي، اشتغلت أيضا على تيمة وضعية المرأة كوضعية مركزية في ثلاثة دراسات، عند الإمام الغزالي وعند ابن حزم ثم عند ابن رشد... بالإضافة إلى دراسات حول ألبير كامي .. فيكتور هيغو وأسماء ونصوص عديدة من الأدب الفرنسي والعربي.
 ما هو الخطاب الثقافي الذي ترون أنه يستطيع أن يحتوي القاريء العربي؟
 شكرا على هذا السؤال وأعتقد أن الرواية هي الخطاب الذي يحتوي العالم العربي لأنها أكثر الخطابات جرأة وتعبيرا على المسكوت عنه في المجتمعات العربية، والسبب بين بنفسه ـ كما يقول ابن رشد ـ، هو أن هذه المجتمعات المحافظة تجد في الرواية متنفسا، فخطاب الأعماق هو الذي يظهر في هذا الشكل الأدبي، فقد قرأنا كاتب ياسين في الستينات والآن لا يمكننا أن نمر دون أن نقرأ نجيب محفوظ وأحلام مستغانمي أو غازي القصيبي أو ابراهيم الكوني، لأن الخطابات الرسمية تغطي الواقع في كل أنحاء العالم خاصة في الوطن العربي، ومن يريد أن يلامس الإشكاليات العميقة في الثقافة العربية عليه أن يقرأ الرواية  فهي الخطاب الذي يجب أن ننصت إليه لأنه ينصت للمجتمع أكثر.