طباعة هذه الصفحة

الخبير القانوني أحمد غاي لـ«الشعب»:

تعزيز حماية الطفولة يستدعي وضـــع إستراتيجيــــة متكــــاملــــة

حاورته من ورڤلة: إيمان كافي

تطرق الأستاذ أحمد غاي محامي مختص وباحث في العلوم الجنائية وحقوق الإنسان إلى ظاهرة العنف في أوساط الأطفال والتي أضحت تشكل أحد الموضوعات الشائكة والمتعددة الأبعاد خاصة مع تداخل عوامل وأسباب تفشيها، مؤكدا أن تعزيز حماية الطفولة يستدعي تضافر جهود جميع الهيئات والمؤسسات مع التركيز على الإبقاء على دور الأسرة والمدرسة كوسيطين يجب العناية بهما من أجل تكوين جيل صالح وذلك باعتماد الدولة لإستراتيجية متكاملة وسياسة شاملة لتحقيق هذا الهدف. 

الشعب: لقد تفشت ظاهرة العنف بالرغم من الجهود التي تبذله الدولة لاحتوائها وقاية وعلاجا، بحكم تخصصكم في مجال العلوم الجنائية وحقوق الإنسان ما هو مفهوم العنف من الناحية العلمية وما هي مظاهره وأنواعه؟
المحامي أحمد غاي: العنف سلوك غير سوي لدى الأطفال أو لدى الكبار والكل يحفظ الحديث النبوي الشريف «ماكان الرفق في شيئ إلا زانه وما نزع منه إلا شانه» وتفشيه في أوساط المجتمع يلحق أضرارا معنوية ومادية ويمس بالأمن والنظام العام وتماسك المجتمع.
والعنف لدى الأطفال يشمل العنف المادي والمعنوي الذي يصدر عن الطفل أو العنف الذي يمارس ضد الطفل، فمن حيث طبيعته يكون العنف ماديا كالضرب والخطف ومعنويا كالسب واللفظ الجارح الذي يحط من قيمة الطفل ومن حيث مصدره يقسم إلى عنف صادر من الطفل ويتدرج في جسامته من العنف البسيط إلى ارتكاب جريمة أي نكون بصدد جنوح الأحداث أو يكون العنف صادرا من الغير بحيث يكون الطفل ضحية له.
وفي أيامنا أصبح عنف الأطفال ظاهرة، إذ أصبح سلوكا متفشيا في أوساط المجتمع ومتمظهرا في الاعتداء المادي، أحيانا يكون باستعمال السلاح الأبيض واللفظي بالسب والشتم والألفاظ البذيئة واستفزاز الطفل لأقرانه ومعاندة الوالدين والمعلمين وعصيانهما وعقوقهما وقد يصل سلوكه إلى ارتكاب أفعال جرمها القانون، ومن ناحية أخرى أصبح الأطفال يتعرضون للعنف من طرف من هم ملزمون بتربيتهم أو يتعرضون من طرف الكبار للخطف والاستغلال في العمل أو الضرب أو الإساءة اللفظية أو الاستغلال الجنسي، لذلك فإن تفشي ظاهرة العنف لدى الأطفال هو مؤشر على ختلال القيم في المجتمع وتقصير من طرف المؤسسات ذات الصلة بمهام التربية والرعاية الاجتماعية والحماية القانونية وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة وغيرهما.
ظاهرة العنف ضد الأطفال تحظى باهتمام المجتمع الدولي وبعناية السلطات العليا في بلادنا فما هي أهم الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحماية الأطفال وما هي الحقوق المكرسة لهم وهل اعتمدها المشرع الجزائري في قانون حماية الطفل؟
تضمن قانون حماية الطفل مصطلح الطفل المعرض للخطر في المادة الثانية، حيث عددت هذه المادة بصفة حصرية الحالات التي يكون الطفل فيها معرضا للخطر، وهي فقدان الوالدين والإهمال والمساس بحقه في التعليم أو التسول به وكذا عجز الوالدين عن القيام برعايته وتربيته وتعريض سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية للخطر وسوء معاملته وتعريضه للتعذيب والاعتداء على سلامته البدنية كمنعه من الطعام أو يكون ضحية لجريمة من ممثله الشرعي أو للاستغلال الجنسي بمختلف أشكاله واستغلاله الاقتصادي بتشغيله وحرمانه من الدراسة أو تكليفه بعمل يضر بصحته البدنية والمعنوية.
إن الهدف من تحديد هذه الحالات هو تمكين الجهات المتخصصة الإدارية والقضائية من اتخاذ التدابير الوقائية والتي من شأنها منع الطفل من الانحراف أو السقوط في أحضان العصابات الإجرامية.
وفيما يخص أهم الاتفاقيات المتعلقة بحماية الطفولة فقد صدرت العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة برعاية الطفولة وكرست الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الطفل نذكر منها، اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1989 التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 92-41 المؤرخ في 19 ديسمبر 1992 وهي أهم اتفاقية تتضمن المبادئ والحقوق التي يجب على الدول احترامها، الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته المعتمد بأديس أبابا في يوليو سنة 1990 صادقت عليه الجزائر سنة 2003، البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال لهم في البغاء وفي المواد الإباحية المعتمد بنيويورك سنة 2000 والذي صادقت عليه الجزائر سنة 2006، البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة المعتمد بنيويورك في 25 ماي سنة 2000 والذي صادقت عليه الجزائر سنة 2006، وأيضا اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر سنة 2006 والتي صادقت عليها الجزائر سنة 2009.
إن الاتفاقيات المذكورة كرست جملة من المبادئ والحقوق التي يجب على الدول التي تصادق عليها أن تحترمها وتعمل على تنفيذها، وهي الحقوق المرتبطة بحقوق الإنسان عامة وبفئة الأطفال بوجه خاص.
وبالنسبة لحقوق الطفل فقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل على مبدأين أساسيين لصالح الطفل  وكرسهما قانون حماية الطفل وهما، المبدأ الأول الذي يؤكد على أنه يجب أن يكون المعيار الأساسي الذي تلتزم الدول بمراعاته في جميع النصوص التشريعية والتنظيمية وكل الإجراءات والتدابير التي تتخذها مختلف المؤسسات والهيئات والمحاكم والإدارات في مجال الرعاية الاجتماعية ومحاكمة الأحداث ومعاملتهم هو مراعاة المصلحة الفضلى للطفل (المادة 7 من قانون حماية الطفل).
المبدأ الثاني ويتعلق بالمسؤولية المشتركة للوالدين في تربية الطفل (ابن أو بنت) ونموه مع مراعاة المصالح الفضلى له، ومسؤولية الدولة في حماية حقوق الطفل (المادتان 5- 6 من قانون حماية الطفل).
وتتمثل الحقوق التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي كرسها المشرع في المادة الثالثة من قانون حماية الطفل، في الحق في الاسم والجنسية ومعرفة والديه ورعايتهما له، عدم فصل الطفل عن والديه ماعدا في حالة إساءتهما له أو إهماله، ضمان حق التعبير عن آرائه في المسائل التي تهمه في إطار احترام حقوق الغير وسمعتهم وحماية الأمن الوطني والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة، الحق في عدم أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة وأسرته ومنزله أو مراسلاته أو أي مساس بسمعته وشرفه، حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية والعقلية والإهمال وإساءة المعاملة بما فيها الإساءة الجنسية، حق الطفل المعوق عقليا أو جسديا في الحياة الكريمة وظروف تكفل كرامته وتعزيز اعتماده على نفسه وتيسير مشاركته في المجتمع وتمتعه برعاية خاصة، الحق في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية للطفل ولأمه، الحق في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، الحق في التعليم الابتدائي الإجباري والمجاني، حماية الأطفال من آفة المخدرات والكحول والمهلوسات، منع بيع الأطفال واختطافهم، عدم تعريض الأطفال للتعذيب أو لغيره من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، عدم فرض عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد ضد من تقل أعمارهم عن 18 سنة، عدم حرمانه من حريته إلا طبقا للقانون ويفصل عن الراشدين في التوقيف للنظر وله الحق
في الاتصال بأسرته وفي الفحص الطبي وفي محاكمته وفق إجراءات خاصة وفي محكمة خاصة بالأحداث.
هذه هي الحقوق التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، غير أن احترامها ليس أمرا متاحا لكل الدول نظرا لجملة من العوامل الموضوعية لها صلة بالمستوى الاقتصادي لكل دولة ومستوى دخل الفرد ومستوى إمكانياتها المادية في مجال التعليم والصحة، فضلا عن مدى تقيد الدولة سياسيا واقتصاديا باحترام حقوق الإنسان، فهذه الحقوق هي الهدف الأمثل الذي يجب على كل دولة أن تسعى وتعمل قدر المستطاع من أجل بلوغه.
بالرغم من هذه الاتفاقيات والنصوص التشريعية تعاني الجزائر كسائر الدول من ظاهرة الإجرام عموما والعنف لدى فئة الأطفال خاصة، في نظركم ما هي عوامل وأسباب الظاهرة على ضوء الدراسات والبحوث التي يقوم بها علماء الاجتماع والمهتمين بظاهرة الإجرام عموما؟
اعتمادا على العديد من الدراسات يمكننا تلخيص أهم العوامل التي تجعل الطفل يميل إلى العنف أو يمارسه في الشعور بعدم الأمان وفقدان الرعاية والإهمال من طرف الوالدين، الدلال الزائد للطفل والاستجابة التلقائية لكل طلباته مما يجعله اتكاليا ولا تنمو شخصيته المستقلة ولا يعتمد على نفسه، وإذا حرم من تلبية طلباته قد يلجأ إلى العنف، أيضا ممارسة القسوة الزائدة إزاء الطفل وكثرة الشجار بين الوالدين يجعل فكرة الانتقام تتكون لديه ممن يسيئون إليه أو حتى مع الأقران، التفكك الأسري بسبب انفصال الوالدين نتيجة الطلاق وهذا العامل أثبتت العديد من الدراسات أنه من أهم العوامل التي تجعل الطفل يفتقد لرعاية ومراقبة الوالدين ويحرم من العطف والحنان، وفي تصريح أخير لوزير العدل جاء فيه أن الجهات القضائية سجلت خلال سنة 2017 حوالي 86 ألف حالة طلاق، كما صرح عبد الرحمان عرعار رئيس شبكة ندى وهي جمعية تعنى بحقوق الأطفال في الجزائر أن ما يزيد عن 300 طفل يعانون سنويا من الإهمال نتيجة ظاهرة الطلاق وأن 80 في المائة من أسباب الانحراف لدى الأطفال مردها إلى التفكك الأسري والخلافات العائلية والطلاق حسب وسائل الإعلام.
ومن العوامل التي تؤدي بالطفل إلى العنف والإجرام أيضا، الإدمان على الألعاب الإلكترونية وأفلام العنف، فالطفل بطبيعته مقلد وما ضحايا لعبة الحوت الأزرق إلا مثال حي  للآثار الضارة لهذا الإدمان، بحيث أن منظمة الصحة العالمية صنفت الإدمان على الألعاب الإلكترونية  كمرض يتطلب المتابعة والعلاج، بالإضافة إلى حرمان الطفل من تلبية حاجياته الجسدية والنفسية والروحية وفقدان القدوة الصالحة نتيجة الفقر أو العيش في وسط غير صالح، تراجع القيم الأخلاقية والتمسك بمتطلبات الشريعة الإسلامية اعتقادا وسلوكا والتأثر بالقيم الدخيلة لاسيما بعد تعميم وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الأنترنت وما تتضمنه من سبل الانحراف الفكري والجنسي، الفقر وفقدان الطفل لما يشبع حاجياته من مأكل وملبس ومستلزمات اللعب، فالعامل الاقتصادي له دور كبير في ظاهرة العنف.
لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة وآثارها خاصة أن فئة الأطفال هم رجال المستقبل، قامت الدولة الجزائرية بمجهودات لا تنكر سواء من حيث التشريع أو من حيث إنشاء المؤسسات التي تعنى بالرعاية الاجتماعية والحماية القانونية والقضائية لفئة الأطفال والشباب عموما، ما هو الإطار القانوني والمؤسسي في هذا المجال؟
لقد أولت السلطات الجزائرية اهتماما بالغا بالرعاية الاجتماعية والحماية القانونية والقضائية للأطفال وذلك من خلال أولا سن النصوص التشريعية والتنظيمية التي تخصص أحكاما تراعي المصلحة الفضلى لفئة الأطفال والشباب وثانيا إنشاء المؤسسات المتخصصة لرعاية الأطفال وحمايتهم وعلى رأس المنظومة القانونية خصص دستور 2016 مادتين، المادة 37 التي قررت أن الشباب قوة حية في بناء الوطن وتسهر الدولة على توفير كل الشروط الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته، كما نصت المادة 72 على أن الأسرة، باعتبارها الحاضنة الأولى لتربية الأطفال، تحظى بحماية الدولة والمجتمع وتكفل الدولة الأطفال المتخلى عنهم ومجهولي النسب، ويتعرض كل شخص يمارس العنف ضد الأطفال للمتابعة الجزائية، كما ألزمت هذه المادة الدولة بأن تعمل على تسهيل استفادة الفئات الضعيفة ذات الاحتياجات الخاصة من الحقوق المعترف بها لباقي المواطنين.
وبعد المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الطفل صدر القانون رقم رقم -12-15 المؤرخ في 15 يوليو 2015 المتعلق بحماية الطفل الذي كرس الأحكام الواردة في الاتفاقية ووضع النصوص الكفيلة بضمان الرعاية الاجتماعية والحماية القانونية والقضائية  للأطفال وهو قانون حديث راعى فيه المشرع مستلزمات حماية الطفولة بناء على واقع المجتمع الجزائري الراهن وتنفيذا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
يستفيد الأطفال من كامل الحقوق التي سبق أن أشرنا إليها والمنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي كرسها قانون حماية الطفل في المادة 6، كما أن النصوص القانونية المتعلقة بالأطفال منها ما وضع أساسا للطفولة ومنها ما تضمن بعض الأحكام ذات الصلة بالطفولة والتي تعالج جانبا من الجوانب التي تهم فئة الأطفال، وفضلا عن ذلك فإن قانون حماية الطفل قد تضمن من الناحية النظرية كل الحقوق المكرسة للطفل في مختلف مراحل عمره، لكن تطبيقها ميدانيا يتطلب تضافر جهود جميع الهيئات والمؤسسات واستكمال النصوص التنظيمية التي أحال إليها القانون.
في الأخير هلا تفضلتم بتوجيه بعض التوصيات التي من شأنها أن تساعد على احتواء ظاهرة عنف الأطفال؟
إن ضمان مستقبل زاهر لبلادنا مرهون بالعناية بفئة الطفولة فالأطفال، هم رجال المستقبل، ومن الشروط التي يجب على كل المعنيين بالطفولة مراعاتها لتربية جيل صالح، استكمال المنظومة التشريعية والتنظيمية التي تساعد على التطبيق الفعلي لبنود قانون حماية الطفل، تفعيل دور الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام وتعبئتها لمواجهة أسباب القيام بأعمال العنف فأحسن وسيلة لمواجهة الانحراف هي الوقاية والحد من الأسباب التي تؤدي بالطفل إلى الانحراف، نشر القيم وغرس الوازع الديني بتجنيد مؤسسة المسجد لتوعية الآباء في مجال تربية الأولاد، وضع الآليات الكفيلة بالتنسيق بين مختلف الهيئات والمؤسسات التي تعنى بالتربية والتهذيب ومكافحة الانحراف والجريمة، الاستفادة من الدراسات التي تنجز على مستوى الجامعات ومراكز البحث من طرف من لديهم سلطة القرار، اعتماد معيار الكفاءة والتخصص في إسناد المناصب ذات الصلة بالرعاية الاجتماعية والحماية القانونية والقضائية للأطفال، تقنين وضبط استعمال التكنولوجيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ورقابتها  للوقاية من مخاطرها على فئة الأطفال مع التركيز دور الآباء في مراقبة أبنائهم، وتبقى مؤسستا الأسرة والمدرسة هما الوسيطان اللذان تجب العناية بهما لتكوين جيل صالح وهو ما يجب أن تقوم به الدولة عبر وضع إستراتيجية متكاملة وسياسة شاملة على المدى القريب والمتوسط والبعيد  لهذا الغرض.