طباعة هذه الصفحة

أ.عضامو تشخّص عوامل بناء مسار ناجع للطاقات المتجدّدة

الجزائر تملك أوراقاً رابحة تؤهلها لإحداث طفرة الانتقال الطاقوي

حاورها: سعيد بن عياد

توجد كفاءات بشرية تتميّز بالابتكار لكنها تحتاج فقط إلى محيط ملائم

أدعو إلى إحداث هيئة لديها القوة العمومية لتثمين وتطوير الموارد

 الإطار القانوني ينقصه الوضوح والنصوص التطبيقية تأخرت كثيرا

 

تؤكد الباحثة عائشة عضامو أن للجزائر أوراقا رابحة لإرساء طفرة الانتقال الطاقوي سواء بالنسبة للموارد البشرية التي تحتاج لمحيط يواكب الطموح أو للخزان الطبيعي المولد للطاقة الشمسية. وتشير في هذا الحوار إلى أن اللجوء إلى الشراكة بالمعنى التقليدي ليس إلزاميا وإنما ضرورة اعتماد إستراتيجية للتنمية التكنولوجية وليس الرهان على نقلها. وتدعو إلى بناء أرضية منسجمة بين عالم المؤسسات وفضاء البحث العلمي الذي يتطلّب التوجيه متسائلة عن عدد المنشورات التي وجدت تجسيدا أو براءات اختراع في هذا المجال وحظيت باهتمام مستثمرين.
 وتعتبر الخبيرة التي تتمسّك بطموح رؤية انجاز التحول الطاقوي أن المدن الجديدة كفيل بأن تعطي دفعا لإدخال الطاقات المتجدّدة في العمران والمرافق الكبرى ضمن قواعد الاقتصاد الأخضر الذي يبرز في العالم. غير أنها توضح ضرورة مراجعة الإطار القانوني لتوضيح مهام كل متدخل لتبقى الدولة الطرف المطور والضابط لحقل الطاقات المتجدّدة وفق استراتيجية الدفع بإنشاء سوق ترتكز على دراسات واتصال تجيد بالتدرج. واعتبارا للطابع الاستراتيجي للطاقات المتجدّدة فإن الأمر يتطلّب برأيها تأسيس هيئة عليا تكتسي طابع القوة العمومية تتبع هيكليا الوزارة الأولى بدل إحداث مجلس وزاري مع الحرص على التحكم في جميع حلقات المسار من المنبع إلى المصبّ. وفيما يلي الحوار كاملا:

«الشعب»: هل الانتقال الطاقوي اختيار أو حتمية في ظلّ الظروف الراهنة بكل مؤشراتها السلبية والايجابية حتى إن كانت محدودة خاصة من الجانب المالي؟
«الخبيرة عائشة عضامو»: إذا كان الانتقال الطاقوي في الماضي اختيارا فإنه اليوم يعتبر ضرورة حقيقية تفرض نفسها. الأسباب متعدّدة ومن أهمها ما يلي:
- العالم يتغير بسرعة فائقة وحتى أكبر البلدان المنتجة للنفط دخلت في مرحلة تنمية الطاقة المتجددة ومن ثمّة فإن الوقت يضغط ويجب أن نتجه إلى تطوير هذا الفرع.
- على الصعيد الجيواستراتيجي والاقتصادي فإن سوق النفط تعرف تقلبات عميقة ولذلك يجب أن تراجع الجزائر (اقتصادها مرتبط بقوة بالمحروقات حيث 98 بالمائة من ايراداتها من الضريبة البترولية) أوراقها في هذا المجال.
- عقب انهيار أسعار البترول أصبح النشاط الاقتصادي يواجه وضعية صعبة مثلما تؤكده اجراءات ترشيد النفقات أو التقشف التي اعتمدت.
- على الصعيد البيئي (الإيكولوجي) فإن ظاهرة تقلبات المناخ تحدث كوارث خاصة الجفاف وندرة المياه على سبيل المثال من مجموعة عوامل تضر بالاستقرار. ويجب التذكير في هذا السياق، أن الجزائر صادقت على اتفاقية باريس حول المناخ والتزمت بتقليص الغازات المنبعثة من خلال سياسة طموحة للتحوّل الطاقوي ترتكز على تنمية الطاقات المتجدّدة.
- على الصعيد الاجتماعي يعرف الطلب الداخلي ارتفاعا في ظلّ مؤشرات السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة (إحصائيات جانفي 2016) مع معدل نمو طبيعي يقدر بـ 2.2 بالمائة سنويا. وتوجد الجزائر في المركز الـ 25 ضمن الترتيب العالمي للسكان.
في الخلاصة هناك التزامات يجب احترامها وتهديدات ينبغي الاحتياط لها أو تحويلها إلى فرص. حقيقة لدينا أوراق قوية تتمحور حول طاقة شمسية هائلة ومتنوعة من طاقة شمسية حرارية 170000 تيراوات ساعة، (وحدة قياس الطاقة)، حيث لدينا صحراء تمتد على 1.8 مليون كلم مربع مع رصيد بشري شاب يتطلّب فقط التأطير كما نتمتع بموقع جغرافي أكثر ملاءمة (القرب من أوروبا التي تسمح لنا بتنمية السوق بالتصدير).
في إطار تنمية الطاقات المتجدّدة خاصة الشمسية ما هي الحصيلة التي يمكن وضعها بمعيار المتخصصة؟
  تعرف تنمية الطاقات المتجدّدة اليوم تقدما بطيئا. لقد صدر القانون المتعلق بالطاقات المتجددة في سنة 2004ن تلاه المرسوم المتعلق بالتنويع وبرنامج وطني للطاقات المتجددة صودق عليه في 2011 وخضع لمراجعة جزئية في 2013.
يحدّد البرنامج هدفا يتمثل في 22000 ميغاواط في 2030 مع نسبة اندماج تقدر بـ 37 بالمائة من القدرات المركبة إلى غاية 2030 و27 بالمائة من إنتاج الكهرباء الموجهة للاستهلاك الوطني تكون من مصدر متجدّد. غير أنه بعد خمس سنوات أي في 2017، لم تتجاوز نسبة الاندماج 2 بالمائة ولهذا التأخر عدة أسباب ومن أبرزها ما يلي:
إطار قانوني ينقصه الوضوح والدقة ونصوص تطبيقية تعرف تأخرا. كما أنه ملزم كثيرا كونه يتجه نحو المحطات الكبرى ومن ثمّة يكون مصير المنتجين الصغار الإقصاء في الواقع.
فيما يتعلّق بالفاعلين الحاضرين في فرع الطاقات المتجدّدة نحصي مجمع سونلغاز من خلال فرعه شركة كهرباء طاقات المتجددة (س ك ت م) وثلاثة متدخلين آخرين بمستويات مختلفة وهي مصنع كوندور الكترونيكس، مصنع ايني سولار ومصنع اوراس. ويلاحظ أن القطاع الخاص يكاد يكون غائبا تماما من المشهد (إجراءات معطلة، أجّل منح القروض ومعوقات أخرى بيروقراطية). هناك جانب يخص اعتبار المقررين قطاع الطاقة ذي طابع استراتيجي والقطاع الخاص طرف عملي خالص في المستوى البدائي ومن ثمّة لا يتمتع بكفاءات وتقنية كافية.
 ما هو الأمر الضروري وما ذا يلزم القيام به للدفع بمسار تنمية الطاقات المتجدّدة؟
 يبقى الدفع بتنمية الطاقات المتجدّدة مرهونا باجتماع شرطين، الأول يخصّ نمط عمل أفقي يرتكز على مقاربة قطاعية تحمل المسؤولية لكافة القطاعات والثاني اعتماد نمط قيادة مشتركة. اليوم لدينا الانطباع أن تنمية الطاقات المتجدّدة لا تعني سوى قطاع الطاقة وبالتالي لديه كامل المسؤولية لتنميتها وهو خطأ بالطبع.
يجب أن يستجيب الانتقال الطاقوي لثلاثة تحديات كبرى وهي على التوالي: التحدي الاقتصادي، البيئي والمجتمعي. ويجب تجسيد هذا عمليا بـ:
على الصعيد المؤسساتي: إنشاء ووضع كيان (إطار) يعمل كقوة عمومية يتكفّل بترقية وتثمين الطاقات المتجدّدة وهو اقتراح قدمته خلال ايرا ERA في 2016. لماذا هيئة تتبع الوزارة الأولى لأن الرهانات كبيرة ومتعدّدة الجوانب اليوم وليس لدينا مزيدا من الوقت
لقد اقترح الوزير إحداث مجلس استشاري بينما في نظري أفضل إحداث هيئة ذات قوة عمومية تتدخّل في المنبع والمصب (أي من البداية إلى النهاية) بمعنى على مختلف حلقات سلسلة القيم مع تحديد مؤشرات النجاعة. وأرى أن كل ما يتمّ تصوره يجب السيطرة عليه وقيادته بإحكام.
على المستوى التنظيمي، بالتأكيد الترسانة القانونية موجودة غير أنه يتطلّب التوضيح (قوانين ونصوص تطبيقية).
وعلى الصعيد الاقتصادي يجب التوجه إلى إستراتيجية الدفع  la  stratégie  Push أي إنشاء سوق لفرعي الطاقات المتجدّدة والفعالية الطاقوية عن طريق وضع أدوات حقيقية وميكانيزمات ترتكز على:
أولا - انجاز دراسات حول الجوانب الخارجية للطاقات التقليدية (الاحفورية) ومزايا المتجددة وإعلان النتائج. قيادة التغيير وتغيير السلوكات يكون مرفوقا بإستراتيجية اتصال التي بدونها سوف تكون هناك مقاومة. خلاصة الدراسات يتمّ تبسيطها وتعميمها مع تحسيس يتعلّق باستعمال الطاقات المتجدّدة من أجل الحدّ من مختلف أشكال المقاومة والحصول على انخراط الأطراف المعنية حول تنمية الطاقات المتجدّدة. يكمل هذا المحور بتجزئة الساكنة حسب الدخل (دخل عال، متوسط ومنخفض) كون الهدف النهائي هو إلغاء الدعم المخصص للطاقة بالتدريج واستبدالها بالمتجدّدة ويتعين أن يتناسب ذلك مع الدخل، ثانيا: دراسة لتحديد الاحتياجات حسب كل قطاع وحسب كل منطقة جغرافية، ثالثا: تحديد كمي ونوعي للفاعلين في المجال من القطاع الخاص، رابعا: دعم قوي للبحث، خامسا: بناء قدرات وتقويتها خاصة تلك المتعلّقة بالموارد البشرية المدعوة للتكفل بالمشاريع، وأخيرا مخطط أعباء معد بشكل جيد ونابع من تفكير معمّق للقطاع الخاص الذي يكون على جدول الأعمال حينما يكون السوق جاهزا وتوزع الأدوار بطريقة دقيقة. والعامل الأخير يخصّ الصندوق الوطني للطاقات المتجدّدة والتوليد المشترك للطاقة. حقيقة الصندوق موجود لكن ينبغي ضبط الحصص التي تكون للمتدخلين. وهنا ينبغي التفكير حول توزيعها من حيث الحصة التي يجب أن تكون للمتعامل وحصة حملة المشاريع والحصة المخصصة للبحث وكذا الحصة التي تخصص للتكوين.
على أي مستوى توجد عليه العلاقة بين البحث والمؤسسة ومن يقع عليه المبادرة بالخطوة الأولى نحو الطرف الآخر؟
 إذا كان مقبولا أن يكون البحث في خدمة الصناعة ينبغي الملاحظة بقوة، إن الجامعة غير مطلوبة بشكل حقيقي من المؤسسة. اليوم تشتغل المؤسسات وعالم البحث في إطار منغلق على الذات، بينما يجب أن تشتغل ضمن تواصل دائم. هذا يعني ضرورة إقامة انسجام وتآزر بين الفاعلين بحيث يتمّ تبليغ احتياجات المؤسسات للبحث ذلك أن التقريب يشجّع إحداث ديناميكية حقيقية.
بما يعني من خلال نمط تفكير أفقي وتعاون بمسار يرتكز على قاعدة زبون - ممون، حيث تعبّر المؤسسة عن احتياجاتها والتي يجب أن يجيب عنها البحث. ويمكن للجامعة مساعدة المؤسسة في التعرف على احتياجاتها.
 على من تقع هذه المهمة، على عاتق الدولة أم على المتعاملين والمستثمرين؟
 في الواقع المهمة مشتركة بين الطرفين فالدولة يجب أن تتدخل كمطور وضابط. هذان الجانبان من المهمة يتمحور أن حول إستراتيجية حقيقية للاتصال والتوضيح والإثراء للإطار التنظيمي.
أما المستثمرين فهم أصحاب الرأسمال والمتعاملين يتكفلون بإنجاز المشاريع، ولا يمكن تجسيد هذه المهمة إلا عندما يتمّ تحديد وبدقة للمسؤوليات وتوضيح للأدوار ذات الصلة.
لماذا لا يدرج في القانون بنود تلزم باعتماد الطاقة المتجدّدة (الشمسية) في البرامج الاستثمارية المستقبلية (المناطق الصناعية الجديدة، المنشآت الكبيرة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي) خاصة بالهضاب العليا والجنوب؟
 منطقيا التسجيل يجب أن يتم مباشرة، ذلك أن تطوير الطاقة المتجدّدة يجب أن يشمل كافة المناطق وجميع مناطق النشاطات عبر التراب الوطني دون إقصاء مع تركيز على الجنوب والهضاب العليا بطبيعة الحال.
تمنح المدن الجديدة (حاسي مسعود، بوغزول، بوينان وغيرها) فرصا حقيقية لإنجاز معالجة الطاقة المتجددة والفعالية الطاقوية، لذلك يجب أن تكون هذه المشاريع مدنا ذكية بالكامل، لكن المشاريع اليوم ليست بتلك الوتيرة المطلوبة. وتوجد إمكانية جدّ هامة في السكن ضمن البرنامج المسطر من وزارة القطاع، كما توفر السياحة فرصا حقيقية لتنويع إيرادات الدولة من خلال تثمين المحطات الحموية وعددها حوالي 200 محطة تتطلب التثمين باعتماد الطاقة الحرارية الأرضية .
إن التوجّهات العالمية اليوم تتجه نحو السياحة الخضراء، ومن ثمّة لماذا لا نحرص على تثمين هذا القطاع الذي سوف يكون من الآن فصاعدا المصدر الذي يزود عالم الشغل بملايين مناصب العمل ويحد من البصمة الكربونية.
يعود النقاش حول الموضوع لعشريات مضت، كيف ينظر الباحث في هذا المجال للمستقبل؟
 شخصيا أعتقد أن الباحث ليس لديه حقيقة رؤية حول المستقبل للأسباب التالية.
إذا اعتبرنا البحث يجب أن يكون القطعة الأساسية للتنمية الاقتصادية من خلال توضيح الرهانات وتوفير الحلول للفاعلين الاقتصاديين، ينبغي الملاحظة في الواقع أن البحث ينقصه التوجيه، فكم هو عدد المنشورات في الأدراج اليوم وكم من هو عدد براءات الاختراع التي لم تجد مهتم بها أو مقتن لها.
لذلك كما ذكرت آنفا يمكن لبناء مسار تآزر وانسجام بين عالم المؤسسة والمجتمع العلمي أن يدمج الباحث في موقعه وتمكينه من رؤية أكثر وضوحا.
 بلغة واضحة هل لدينا الكفاءات العملية والموارد المبتكرة لإحداث الطفرة أم أن المرور إجباري عبر بوابة الشراكة الأجنبية؟
 ببساطة تتوفر الجزائر على أوراق رابحة ممتازة لإرساء الطفرة وإنجاح الانتقال الطاقوي. لدينا الكفاءات البشرية التي لا يقل شأنها، غير أنه يجب أن نمنح لها المحيط الملائم حتى يمكنها أن تقدم أفضل ما لديها. وأوضح أن القدرات الجزائرية مبدعة ونتائجها بارزة في الخارج، لذلك ينبغي أن نضع الثقة في رصيدنا البشري الذي يمكنه أن يصنع معجزات.
بهذا الصدد أدعم كثيرا اعتماد مسار إستراتيجية للتنمية التكنولوجية بدل اللجوء إلى خيار نقل التكنولوجيا. وأعتقد أن نجاح الانتقال الطاقوي وبالتالي الآمن الاقتصادي يقتضي استقلالية اقتصادية وتكنولوجية ومن ثمّة فإن اللجوء إلى الشراكة ليس بالضرورة إلزامي.