طباعة هذه الصفحة

في الذكرى 62 ليوم الطالب الدكتور محمد جلال في حديث لـ«الشعب»:

التحاق الطلبة بالثورة رفع في مستواها بالمحافل الدولية والتكتيك الحربي

أجرت الحوار: سهام بوعموشة

 أغلبية الذين صعدوا للجبال من طلبة الثانويات وأول دفعة كانت بالولاية الرابعة

 حوالي 3880 طالب منهم 264 طالبة من طلبة الثانويات لبوا النداء

أكد الدكتور محمد جلال، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وحاليا في تخصص تاريخ الجزائر المعاصر ووحدة الاستعمار وحركات التحرّر، أن إلتحاق الطلبة المسلمين الجزائريين بالثورة رفع من مستوى هذه الأخيرة بالمحافل الدولية وصناعة الأسلحة، مشيرا إلى أن أغلبية الذين صعدوا للجبال من طلبة الثانويات وأول دفعة بالولاية الرابعة التاريخية وعددهم 157 طالب، مضيفا أن المشكل في الأرشيف الخاص، الذي ما يزال محتكرا من قبل العائلات والأشخاص والجمعيات.

«الشعب»: بداية، ما هي رمزية اضراب الطلبة المسلمين الجزائريين في 19 ماي 1956 كحدث تاريخي سجل بأحرف من ذهب في ذاكرة الامة الجزائرية؟
الدكتور محمد جلال: الاحتفال بذكرى يوم الطالب المناسب لـ 19 ماي 1956، هذا اليوم بالنسبة للطلبة والجزائر بصفة عامة يميز درجة تضحية الطلبة إبان الثورة، لأنه آنذاك لم يكن من السهل على الطالب الوصول الى مقاعد الدراسة في الجامعة وثانيا أن هؤلاء اتخذوا قرارا بطوليا وشجاعا في نفس الوقت، بطولي لأن الثورة لم تكن بالقوة التي أرادها الزعماء والشعب، وقرار شجاع للطلبة لأنهم ضحوا بدراستهم، هذه الدراسة التي كانت غالية، لأنه لم يفتح مجال للدراسة على مستوى عال للطلبة الأهالي المسلمين، نسبة ضئيلة جدا حددناها في دراستنا حوالي 15٪، من الطلبة الجزائريين وصلوا إلى مستوى التعليم العالي.
: بالأمس الطلبة كانوا حاملين قضية دافعوا عنها بشجاعة، لكن طالب اليوم، أين هو من طالب أمس؟
 أهنئهم بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للطالب، الأمور تغيرت كثيرا وأعتقد أن طالب اليوم ما يزال يرمز إلى شيء بالنسبة للمجتمع كما كان بالأمس، إذا كان أثناء الثورة الطالب يمثل قدوة المجتمع، لما يسمع لكلمته آنذاك معناه رمز للثقافة، العلم، السيادة، والزعامة، علما أن أغلب الطلبة الذين التحقوا بجيش التحرير أصبحوا زعماء، أما اليوم يرفع شعار الطالب على أنه يساهم في تطوير الجزائر من جميع النواحي الاقتصادية، الثقافية، والاجتماعية، وتطوير العلم والطب إلى غير ذلك  وكل بحسب تخصصه، نعم طالب اليوم يحمل قضية عنده طموح للمساهمة في تطوير البلاد.
- : إذن هذا هو الدور المطلوب منهم اليوم؟
  نعم من المفروض، لأن الفرد الذي ليس له دورا في المجتمع لا وجود له سواء كان متعلما أو غير ذلك، يجب عليه أن يؤدي دورا في المجتمع أولا خدمة للمجتمع والشعب ولنفسه ولأولاده، إذا لم يكن له دور في هذا المجتمع من الأحسن أنه لا يكون.
- ما حقيقة أن أغلبية الطلبة الذين إلتحقوا بالجبال، تعرضوا لمضايقات وبعضهم لتصفيات، بحجة أنهم مندّسين من إدارة الاحتلال الفرنسي؟
: سمعت بالموضوع في أحد الملتقيات منذ سنوات على أنه تم تصفية بعض الطلبة، خاصة بالولاية الرابعة لأنه، بحسب المصادر، فإن  دفعة أولى الطلبة الذين إلتحقوا بالجبال كانت في هذه الولاية وبلغ عددهم 157 طالب جامعي، لكن الحقيقة لا نعرفها لأنها لا تقال هكذا، ونشير إلى أن إلتحاق الطلبة بالثورة رفع من مستوى الثورة في المحافل الدولية وتكتيك الحرب، في صناعة الأسلحة، المتفجرات والقنابل، كل من يقوم بهذه العملية هم الطلبة.  
- وهنا يكمن ذكاء وحنكة قادة الثورة في تحضير جزائر ما بعد الاستقلال؟
: أكيد، ذكرتني في شيء، الإجتماع الأول المنعقد في نادي الدكتور سعدان الذي كان مقر سابق لحزب أحباب البيان، طرحت فيه قضية الإضراب الشامل والمفتوح إلا أنه لم يقع إجماع بسبب معارضة بعض الطلبة، هذا الإضراب الشامل والمفتوح، مثلما وقع اليوم بعض الإضرابات على مستوى المؤسسات التعليمية، وحجة هؤلاء أن بقدر ما تحتاج الثورة إلى مؤطرين اليوم تحتاج الجزائر إلى مؤطرين بعد الاستقلال، هذا تفكير منطقي لأنه لو قمنا جميعا بالثورة ويستشهد الأغلبية من سيقود الثورة، قالوا من الأحسن أننا نقوم بتكوين أنفسنا لما بعد الثورة، تشير بعض المصادر إلى أن الذين عارضوا قرار الإضراب المفتوح كانوا يمثلون الأقلية، في اليوم الموالي استطاعت هذه الأغلبية أن تقنع هؤلاء مع دخول  طلبة الثانويات في الإضراب الذي شرع فيه يوم 19 ماي 1956.
- :بالنسبة للدراسات على مستوى الجامعة خاصة قسم التاريخ، هل هناك دراسات جادة من أطروحات دكتوراه ومذكرات حول هذا الموضوع ؟
: نعم، قد سبق لي منذ سنوات وأن أشرفت على طالب متخرج في شهادة الليسانس، لإنجاز مذكرة حول موضوع إضراب الطلبة المسلمين الجزائريين، وناقشنا عدة مذكرات في موضوع الثورة منها دور الطالب ودور المرأة في الثورة، ومواضيع متعلقة بالثقافة والتعليم إلى غير ذلك.
- : يقال أن هناك ضعف في توثيق الشهادات بالنسبة للذين عايشوا الأحداث التاريخية، أين دور المؤرخين في هذا الاطار؟
 : لا أعتقد، شاركنا على مستوى المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 بالأبيار، عدة مجاهدين منهم من توفي رحمه الله ومنهم من بقي على قيد الحياة سجلوا بعض الشهادات، والآن فيه تنظيم وترتيب ورقمنة هذه الشهادات التي يمكن للباحثين الاستفادة منها باعتبارها مادة خام صالحة للبحث.
مشكلتنا الأرشيف الخاص وعلى العائلات والجمعيات تسليمه لمراكز البحث..
- نلاحظ على مستوى بعض وسائل الإعلام الحديث عن أربعة أشخاص من الطلبة، في حين هناك الكثير من الطلبة شاركوا في الثورة، لكن للأسف مغيّبون ولم يأخذوا حقهم من التعريف، ما قولكم؟
 : للتصحيح لما نتحدث عن يوم الطالب، الأغلبية يذهبون إلى طلبة الجامعة مع العلم وأنا أملك إحصائيات صحيحة من منشورة «أكاديمية الجزائر»، تشير إلى أن عدد الطلبة الجزائريين في الثانويات سنة 1954، بلغ حوالي 3880 طالب، منهم 264 طالبة، بينما في نفس السنة، في مصدر آخر، الذي هو خمسينية جامعة الجزائر الصادر في 1959، عدد طلبة جامعة الجزائر التي كانت تعد الجامعة الوحيدة كان 557 طالب فقط، وصل عددهم في نفس السنة إلى حوالي 818 طالب إذن هناك فرق في العدد، وتشير المصادر إلى أن أغلب الذين إلتحقوا بالثورة كانوا من الثانويين.
تشير بعض وسائل الاعلام إلى أسماء بارزة وأكثرهم لا تذكرهم، حتى بالنسبة للثورة ككل عامة الناس يعرفون اسماء مشهورة تحدثت عنها وسائل الإعلام، مع أن الثورة كانت تضم أعداد من المجاهدين والثوار، نتكلم عن الشهيد العربي بن مهيدي، فرحات عباس بالنسبة للسياسة، مصالي الحاج، ديدوش مراد، سويداني بوجمعة، طالب عبد الرحمان، هؤلاء لعبوا دورا استيراتيجيا في الثورة هم الذين تذكرهم وسائل الإعلام لكن الأغلبية لا تشير إلى الأسماء الأخرى. كما أن الدراسات التاريخية قليلة وغير كافية في هذا الجانب، لأن أغلب الدراسات تتكلم عن هؤلاء الزعماء الكبار، إن صح القول، يجب أن تكون فيها بحوث على مستوى الجامعة حول هؤلاء الأشخاص لإخراجهم من الظل، وإخراج أسمائهم إلى عامة الناس، وهي تحتاج لوثائق.
- : في هذا الإطار، هل هناك صعوبة في الوصول الى الارشيف لأن بعض المواضيع يجد فيها المؤرخون صعوبة في الوصول إلى الأرشيف، أو عدم توفره؟
 : المشكل في الأرشيف الخاص، ما يزال محتكرا من قبل العائلات والأشخاص والجمعيات، بما فيها الصور والتقارير، رسائل، البعض لديهم القرارات التي اتخذتها قيادة الثورة، نأمل أن تكون فيها توعية لإخراج هذه الوثائق، علما أن هناك من سلم للمؤسسات  كالمركز الوطني للدراسات والبحث بالأبيار الذي تلقى بعض الأرشيف من بعض الأشخاص، لكن الأغلبية ما تزال مدسوسة.
- : وفي ختام هذا الحديث رسالتك للأجيال؟
:  بقدر ما اعتنت الجزائر منذ 1962 إلى اليوم بمشاكل الجزائريين إجتماعيا بما فيها السكن والعمل وشق الطرقات وبناء المساجد، أتمنى أن تعتني سلطات الجزائر أكثر بالعلم لأنه هو الأساس في جميع الدول والمجتمعات، نحن مسلمون نقدس الله عزّ وجل ونحترم الرسالة المحمدية وأول آية نزلت على رسولنا الكريم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، هي «إقرأ باسم ربك الذي خلق...»، لكن يجب أن نقدس العلم وهذا ليس عيب لأننا مسلمون،  أشدد على الاعتناء بالعلم في الجزائر.