طباعة هذه الصفحة

هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية

الجزائــــر...التحول والتحرر ورهانــات المستقبـل

بقلم: د-وليد بوعديلة جامعة سكيكدة

يقول رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم:»إياكم وبعض القراصنة الذين يركبون السفينة في عرض البحر، ليحولوها عن مسارها، ويرفعوا شعارا غير شعارها..حافظوا على صفاء النبع، وأصالة الطبع، ووحدة الجمع، وسلمية الوضع».
 أردنا أن نبدأ مقالنا بهذا القول للتنبيه لكل خطر قد يصيب الحراك الشعبي الجزائري، وقد بدأ الحراك السلمي يحقق التحول السياسي، باستقالة الرئيس بوتفليقة، في انتظار انسحاب كل الحاشية المحيطة بالسلطة ، ليقع التغيير ليس في الجزائر فقط، وإنما في الساحة العربية، وقدم ملامح راقية تفيد كل دول العالم، وقد سجل التاريخ محطات هامة نحاول اختصارها.
الحراك.. الإرادة والمطالب
لقد مر الحراك الشعبي بمحطات كثيرة قبل أن يصل ليوم 2 أفريل الذي استقال فيه الرئيس بوتفليقة، وقد تذكرت المقولة «هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية»، وسيسجل التاريخ محطات هذا الحراك الشعبي، فمن مسيرة 22 فيفري كانت البداية في مسيرات عمت الوطن للرد على إعلان الرئيس ترشحه يوم 10 فيفري ،رغم اعترافه بحالته الصحية الصعبة، مقترحا على الشعب تنظيم ندوة وطنية وتعديلا للدستور وتنظيم استفتاء لتعديله وتعديل قانون الانتخابات.
 لكن الرئيس المترشح غادر الوطن ليعالج في مستشفى جنيف السويسرية، فتلاحقت الوقفات الرافضة له ولنظامه طيلة شهري فيفري ومارس، من الطلبة إلى الأساتذة، ومن الصحافيين إلى المحامين،ومن متقاعدي ومعطوبي الجيش إلى الحرس البلدي،... ومن كل الجزائريين،لكن الرئيس المريض أصر على الترشح وقدم مدير حملته ملفه ورئيس المجلس يستلم الملف دون حرج دستوري أوسياسي أو...؟؟؟
وجاءت مسيرة الثامن مارس لتشارك فيها المرأة الجزائرية بقوة رفضا للوضع السياسي ومطالبة بالتغيير العميق ، في مسيرات مليونية سلمية احتفالية أدهشت كل العالم، وبدأت السلطة الخفية في التراجع أمام الحراك فأبعدت أويحي وحكومته.وأعلن الرئيس يوم 11 مارس تراجعه عن الترشح لعهدة خامسة، ويؤجل الانتخابات الرئاسية ويقترح ورقة الطريق للمستقبل؟؟؟
 فرد الشعب في وقفاته السلمية وفي مسيراته الحضارية (15 مارس) رفضا لرموز النظام والفساد والتزوير، في شعارات رافضة للتدخل الأجنبي، ومؤكدة على رحيل الجميع (ترحلو.. قاع). مع الإصرار الدائم على إنشاد الشعر التحرري: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا أن يستجيب القدر..ولا بد لليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر»، وقد رفعه وردده الصغار والكبار في المسيرات.
بدأت ملامح المواقف الدولية تتضح في وقوفها، لكن الحراك الشعبي تواصل وانضمت له كل الفئات الاجتماعية، وتدعم بالعصيان المدني وبإضرابات في قطاعات مختلفة، قبل أن يميل موقف الجيش إلى شعبه وتتوالى بيانات الحلول الدستورية لانسحاب الرئيس واستقالته،في ظل تحركات مشبوهة للسلطة الخفية غير الدستورية كما وصفها اكثر من محلل ورددها اكثر من شخص في مسيرات سلمية.
وتكسرت تحركات الجماعات السياسية الخفية أمام جدار الشعب المتضامن، الناهض بقوة واحدة، خلفها مجد الشهداء ودمهم ، ومعهم قصائد مفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة والشبوكي والبرناوي...، وعلى أكتافهم صور بن باديس وعميروش وزبانا وزيغود يوسف...فكانت أمسية يوم 2 أفريل نهاية مسار بوتفليقة في رئاسة الجمهورية في انتظار الاستجابة لمطالب اخرى يعيرها الحراك الاهتمام والضرورة القصوى؟؟؟
سلطة أم عصابة؟؟
لقد كانت للشباب الجزائري الثائر في حراكه السلمي كل الشجاعة لقول الحقيقة وتسمية الأمور بمسمياتها دون دوران ومراوغة،، فرفع شعارات تصف « رجال النظام بالعصابة»، وهوما جاء ا في بيان للجيش يدعوللتطبيق الفوري للمواد الدستورية التي ترجع السلطة للشعب ومؤسساته،حيث جاء بيان الجيش في 2 أفريل ليصف محيط الرئيس ب: «عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع، وهي تصدر بيانات باسم رئاسة الجمهورية، بطريقة غير دستورية...»، وكأن الجزائريين أمام جماعة مافيوية وليس سلطة؟؟
لقد تحدثوا نيابة عن الرئيس لسنوات واتخذوا القرارات المصيرية وتحكموا في الرقاب وخنقوا الإعلام ووجهوا العدالة لأغراضهم وحاصروا كل أصوات التغيير والانتقال الديمقراطي، وهم الذين سلبوا الأموال ونهبوا المؤسسات العمومية وحولوها لمصالحهم الشخصية، وسرقوا كل ثروات البلاد، قبل أن يكنسهم الشعب، بثورة برز فيها طلبة الجامعات بقوة وبحراك سلمي منظم ومتحضر رغم غلق الجامعات في وجوههم؟؟
واستغرب الجزائريون كيف كشف حراكهم الشعبي أقنعة العصابات الفاسدة، لدرجة تنظيم اجتماعات مشبوهة ونشر بيانات مفبركة، ومحاولات غريبة لتشويه الجيش وغلق العداء بن الجيش والشعب،مثل بيان الأول أفريل الصادر عن من يسير رئاسة الجمهورية؟؟.
يقول بيان قيادة أركان الجيش الذي كشف ممارسات العصابة بعد أن استحسن ورحب الشعب من موقف مقترح الجيش لتفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور، للخروج من الأزمة،: «مع الأسف الشديد قوبل هذا المسعى بالتماطل والتعنت، بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير بلادهم».
 وتستعمل العصابة المؤامرات والدسائس والخداع لحماية مصالحها الداخلية والخارجية، ولا يهمها موت الشباب الجزائري في البحر أومعاناته تحت الأنفاق والجسور في الدول الأوربية من غير وثائق ومن غير مستقبل؟؟ وقد قلنا في مقالات سابقة أننا لم نجد من أبناء الوزراء من ركب قوارب الموت؟ ولم نجد منهم من سار في مسيرات احتجاجية بحثا عن العمل أوالسكن أوالعلاج؟؟
لقد جاء الموقف التاريخي للجيش للتطبيق الفوري للحل الدستوري ليفتح الباب أمام الحساب القانوني لكل المجرمين الذي حطموا جزائر الشهداء وسعوا للالتفاف على الحراك الشعبي لتحطيم أحلام الشعب النوفمبري.
ولن ينسى الشعب هذا الموقف، كما لن ينسى التسيير الحضاري العالمي لأجهزة الأمن المختلفة للمسيرات المليونية، وهي تجربة يمكن تصديرها لكل الدول، ولا غرابة أن تطلب الدول مستقبلا من شرطتنا التكوين لرجال الأمن العربية أوالأوربية أوالافريقية... حول طريقة التعامل الاحترافي مع المسيرات الشعبية الضخمة.
لقد كررت بيانات قيادة الأركان - في كل أيام الحراك الشعبي - مساندة الشعب والتحام رجال الجيش معه، وأكدت في بيان يوم الثاني أفريل ضرورة حماية الشعب من العصابة التي استولت علة مقدراته وأرادت الالتفاف على مطالبه المشروعة بعد ان كونت ثروات طائلة بطرق غير شرعية، ثم تريد تهريبها للخارج؟؟
وهنا تدخلت النيابة العامة لتمنع رجال الأعمال وعائلاتهم من السفر، وفتح تحقيقات ابتدائية في قضايا الفساد والتهريب... كما حذرت الغرفة الوطنية للموثقين من التعامل مع الممنوعين من السفر أثناء، حذرت من تسوية معاملات لصالح رجال أعمال مشبوهين.
وستستمر الحول الدستورية والسياسية للخروج النهائي من النفق، عبر وضع رئيس توافقي للمرحلة الانتقالية، ثم لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات وتعديل قوانين الانتخابات وتشكيل حكومة فاءات ونظافة ونزاهة من الحراك الشعبي...
وقد يسهم الحراك الشعبي بدستوره المستقبلي باسترجاع اسم «جبهة التحرير الوطني» التي ناضل تحت لوائها الشهداء، أمثال العربي بن مهيدي وديدوش مراد وغيرهما، كما ناضل المجاهدون النوفمبريون الوطنيون الذين لم يخونوا الأمانة، وندعومن الآن لفتح خلية تفكير لدسترة منع استعمال اسم الجبهة في الصراع السياسي ، بل ندعولإرجاعه للضمير الجمعي الجزائري.
في النهاية اختار هذه الأبيات الشعرية للشاعر الوطني الكبير لمحمد العيد آل خليفة لأختم هذه الوقفات:
رحم الله معشر الشهداء
وجزاهم عنا كريم الجزاء
وسقى بالنعيم منهم ترابا
مستطابا معطر الأرجاء
إنما تربة الجزائر مهد
عبقري لثورة العظماء
كل من لم يثر على الهون والذلة
داسته أرجل الأقوياء
جلّ من أخضع الطغاة فذلّوا
وعليهم قضى بحكم الجلا