طباعة هذه الصفحة

الحاجة إلى تجديد المنظومة الحزبية في الجزائر

أحزاب سياسية عاجزة.. انتخابات رئاسية قادمة

بقلم : الدكتور إدريس عطية أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3

بعد تنصيب السلطة المستقلة للانتخابات ومن أجل انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وتعددية حزبية وإعلامية واسعة...برزت آراء تبدو غريبة من قبل البعض على خلفية المواقف حول الديمقراطية الناشئة في المنطقة (المصدّرة بعد إفلاسها في الغرب)، وحول «انتهاء»دور الأحزاب كما الموطنين والإسلاميين واليساريين...
نعتقد أنه من الضروري التريّث، فالتجربة مازالت في مهدها مقارنة بالتجارب الأخرى (الأوروبية أساسا)، صحيح، أن الأحزاب لم تعد قادرة على استيعاب واقناع قطاعات واسعة من الشباب وأنها فشلت في التواؤم مع شعارات الحراك لأسباب داخلية (الأداء والسلوك) وأخرى خارجية..غير أن الاستطلاعات تبين أن المرشحين للرئاسيات القادمة الأكثر قبولا سيكونون أحرارا لكن بدعم حزبي (من خلال الدعم والمساندة)، فحزب جبهة التحرير كان لعقود من الزمن لا يقدم مرشحين ودوره هو مساندة المرشح الأوفر حظا، وكذلك حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي لم يقدم أي مرشح للرئاسيات طيلة عمره السياسي، وحركة مجتمع السلم التي عزفت عن تقديم أي مترشح أمام بوتفليقة بعد تجربة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله.
حتى ظاهرة ماكرون في فرنسا كان وراءها حزب(أسس بسرعة)، وهاهي تتكرر التجربة في تونس مع قيس سعيد من خلال ظهور الأحزاب المساندة رغم أنه مترشح حر، ومهما كان الأمر لا نعتقد أن التغيير الحقيقي يتم خارج نطاق الأحزاب، فالأحزاب برغم كل ما يمكن أن يوجه لها من انتقادات تظل أهم مؤسسة بإمكانها إحداث التغيير خاصة في نظامنا السياسي السائد والمتجدد كما في أغلب الدول الديمقراطية.
أما ما سيحدث عندنا في الانتخابات الرئاسية القادمة فسيكون عابرا وربما لن يتكرر في المستقبل فالتجربة الحزبية في الجزائر (في إطار ديمقراطي حقيقي) مازالت غضة طرية وفي طور التجربة ومفتوحة على كثير من الاحتمالات.
رغم أن الغرب دخل مرحلة ما بعد الحزبية من خلال رصد توجهاتهم الايديولوجية بين يمين ويسار، أوبين محافظين وأصوليين، ولذلك ومن أجل أحزاب سياسية مستديمة وفاعلة نحتاج إلى تجديد المنظومة الحزبية بشكل كامل، أي كما نسعى اليوم لتطهير البلاد من الفساد وكذا تطهير القوائم الانتخابية، نحتاج أيضا إلى تطهير الأحزاب السياسية والتخلص من كل الأحزاب غير القادرة على التجنيد ولا على المنافسة، ويمكن أن يكون ذلك من ضمن الورشات الكبرى التي ستفتح بعد الانتخابات الرئاسية بما في ذلك المراجعة العميقة للدستور، وكذا حزمة الإصلاحات الكبرى؛ المالية والإدارية، والتشريعية والقانونية، والتي ستمس كل بنيان الدولة وهياكلها المؤسساتية والتنظيمية، بما فيه إعادة رسكلة الأحزاب السياسية  وإعادة ضبط بوصلة العمل الحزبي الهادف والمؤسسي في كنف مجتمع سياسي فاعل بين معارضة حقيقية وموالاة شريفة، ليمتهن ويمارس الجميع أساليب سياسية صحيحة قوامها خدمة الوطن وهدفها الارتقاء بالمواطن.
لتبقى الأحزاب السياسية في الإطار التنظيمي الشامل والموحد في قيادته والساعي للوصول إلى السلطة بدل الاكتفاء بمجرد المشاركة  في إدارة دواليب السلطة، سواء من قريب أوبعيد، وبدل التخندق الضعيف في خدمة الأجندات الخاصة والفردية للقيادات الحزبية أوحتى الخارجية، ينبغي التوجه إلى تجديد المقاربة النضالية من خلال التمدد الداخلي نحو كسب وتجنيد شرائح واسعة من المواطنين، ليبقى الرهان الحقيقي والدائم للأحزاب السياسية الوطنية في الجزائر هو العمل على ديمومة الأمة ووحدة الشعب واستقرار الوطن.
من أجلك يا وطني