طباعة هذه الصفحة

تساؤلات تبحث عن أجوبة

الذاكرة بين الاغتصـاب والتجميد

بقلم: الطاهر عرفه مفتش التربية سابقا


إذا كنت تنازع عدوك حول استرجاع ذاكرتك منه، التي سلبها منك في فترة من فترات التاريخ الاستعماري، وانتصرت عليه في افتكاكها منه للحفاظ عليها فإذا بك تضعها في مجمد (Congélateur) لتخرجها بين الحين والآخر فتحيي ذكراها وتتباهى بمخزناتها ثم تعيدها إلى المجمد لتخرجها تارة أخرى، أما تعاملاتك الحياتية فإنك تعتمد فيها كليا على حاسبة إلكترونية اشتريتها من عدوك، ليعينك بها على التخلي عن توظيف ذاكرتك... في مسيرة حياتك، بدءا بتاريخ ميلادك وميلاد أبويك ثم أبنائك، مرورا بانتصاراتك وهزائمك، مجمدا بذلك هذه الذاكرة التي أوجدها الله فيك لتوظيفها مدى الحياة.
إذا كنت تسعى لاسترجاع ذاكرتك من أجل تجميـدها بهذه الطريقة فإنه لا حاجة لك بها، فالأفضل لك أن تبقيها لدى عدوك، حفاظا على بقائها، وعدم إتلافها، فاحتجازها لديه هو أمان لها وامتناعه عن تسليمها إياك وحرصه على بقائها لديه هو حفظ لها من الضياع. فقد يصحو ضمير أحفاده وأحفادك ويخرجونها من سجنها ويوظفونها توظيفا حياديا وبموضوعية، لأنك لو منحت ذاكرتك فإنك لا تحسن توظيف مخزناتها ولن تتعظ بما مرّ بك، في حياتك، من إيجابيات وسلبيات، وبالتالي فقد تسيء إلى هذه الذاكرة من حيث لا تدري.  
 إن النزاع بين فرنسا الاستعمارية والجزائر المستقلة حول تمسك الأولى بذاكرة الثانية وحرص هذه الأخيرة على استرجاعها، وقد تعبت الأمة في إنجاز مخزناتها، عبرت عصور من الدهر، هو جزء لا يتجزأ من استرجاع السيادة الوطنية، لا يجادلك فيه أحد، غير أنك إن كنت لا تحسن توظيف محتوياتها في حياتك الحالية والمستقبلية، فالأفضل لك أن تبقيها لدى عدوك. قارن بين ما يجري هنا وهناك، لدى الآخرين، ستلاحظ محتويات الذاكرة مجسّدة من خلال توظيف محتوياتها توظيفا دقيقا محترما ومخلدا في تناسق تام لا يدع مجالا للصدفـة، بل إنه يفـرض عليك محتويات ذاكرته فرضا، في جميع مناسباته الدينية والدنيوية ولنبدأ من النهاية... فتاريخ انعقاد مؤتمر السلام في الشرق الأوسط في أنا بوليس بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2007  حدد له هذا التاريخ في الذكرى الــ 110 لانعقاد أول مؤتمر للحركة الصهيونية عام 1897 بـمدينة  بال، السويسرية بزعامة  تيودورهرتزل والذكرى 90 لوعد بلفور، عام 1917، ويمثل الذكرى60 لقرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين إلى ثلاث كيانات عام1947 وبالتالي الاعتراف بإقامة دولة لليهود بها. كما يمثل الذكرى الـ 40 لانتصار إسرائيل عام 1967التي تمثل هي الأخرى الذكرى  الـ20 لإنشاء دولتهم.  
 ألا ترى بأن هذه التواريخ مضبوطة كعقارب الساعة بينما راح بعض البلهاء من العرب يهرولون نحو أنا بولس فرحين باللّقاء والجلوس بكبار القوم ومجرميه وسفاحيه، بينما هم يفرضون عليك حضور هذا الاحتفال بإحياء ذكرى التواريخ المذكورة وليأخذوا صورا تذكارية في احتفالهم بالمناسبات المذكورة؟
( ألم يفرض عليك عدوك محتويات ذاكرته؟ هل يوجد منا من يخطط لحياته أو يحفظ مسيرة حياته بهذه الدقة وهذا التنسيق المحكم؟ فما بلك بحفظه لذاكرته الجماعية. أليس هذا هو التوظيف الإيجابي لمضامين الذاكرة الوطنية، وبكل احترام لها ولمن شارك في إنجاز مخزناتها العظيمة عظم ثورتها ورجالها.