طباعة هذه الصفحة

رأي في الأحداث

ألفُ تحيّة لتونسَ البهيّة من فلسطينَ الأبيّة

بقلم د ـ مصطفى يوسف اللداوي كاتب وباحث فلسطيني

اليوم نشارك الشعب العربي التونسي الأصيل فرحته، ونشاطره سعادته، ونردّد الأشعار والأهازيج معه، ونتلقّى التّهاني مثله، ونخرج إلى الشّوارع والسّاحات العامّة مع التّونسيّين جميعاً لنحتفي بنصرهم، ونفرح لعرسهم، ونبتهج بانتهاء ديمقراطيتهم وانتخاب رئيسهم، فقد أثبتوا بحقٍ أنّهم أهلٌ للديمقراطية، ويستأهلون الحرية، ويتفوّقون على كثيرٍ سواهم في الوعي والبصيرة، والرقي والحضارة، والتمدن والحداثة، إذ اجتازوا بجدارةٍ واستحقاقٍ كبيرين، وفاة رئيسهم، وانتقلوا من بعده بسلاسةٍ ويسرٍ إلى المرحلة الجديدةِ، دونما انقسامٍ واحترابٍ، أو خوفٍ وقلقٍ، وقد وقف جيشهم بعيداً يحرس الحدود ويحمي البلاد، ولم تنزل دباباته إلى الشوارع، ولم ترهب بنادقه المواطنين أو ترعبهم، كما لم تسلبهم سلطتهم وتنقلب على إرادتهم، بل حمت ديمقراطيتهم، وكانت سبباً في طمأنينتهم، وعاملاً في استقرارهم.
في هذا اليوم التّونسي الأغر، الذي نتقدّم فيه إلى الشّعب التونسي الشّقيق بأسمى آيات التهنئة وأزكى صور المباركة، فإنّنا نحن الفلسطينيين في الوطن والشتات، نزجي التحية إلى رئيسها الثالث بعد ثورتها الرّائدة، بمناسبة انتخابه رئيساً للبلاد، ورائداً للشعب، وأميناً على العهد، وصادقاً في الوعد، ووفيّاً للمُثُلِ، ومحافظاً على الثوابت، فقد أسعدتنا كلماته، وأكرمتنا مواقفه، إذ سبقت مواقفُه الرائعة وكلماتُه الصّادقةُ انتخابَه، وعَبَّرَ بكلماتٍ قوميةٍ أصيلةٍ، بتنا نتوق إليها ونتمنى سماعها من قادة بلادنا وزعماء شعوبنا، إذ اعتبر أنّ التطبيع مع الكيان الصّهيوني الغاصب خيانةً عظمى، ينبغي على مقترفها أن يحاكم بتهمة الخيانة، وأكّد في تصريحاته أنّنا في حالة حربٍ مع كيانٍ اغتصب الأرض، وشرّد الشعب لأكثر من مائة سنةٍ.
إنّ فرحتنا التي نشاطر فيها شعبنا التونسي بتمام انتخاباته الرّئاسية فرحةٌ كبيرة، إذ نستبشر برئيسهم الجديد كما نستبشر بهم خيراً، ونشعر أنّه سيكون على نفس المسافة مع الشعبين التونسي والفلسطيني، ولن يفرّق بينهما، وسيقف إلى جانب الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وسيناصرهم في قضيتهم، وسيساعدهم في نضالهم، وسيعزّز صمودهم، وسيؤيّد مطالبهم، وسيصمد أمام الضّغوط الدولية التي قد تطالبه بتغيير مواقفه، وتبديل سياسته، وسيقف إلى جانبه الشعبُ التونسي العزيز مؤيداً ومؤازراً، وهو الذي عوّدنا على مواقفه الرّائدة، ودعمه الكبير، وثباته أمام المحن، وصموده في مواجهة التطبيع، فقد أحبّ فلسطين وأهلها، وعشق القدس وهام بأقصاها، وحارب المطبعين ووقف في وجه المهادنين، وتمنى أن يكون أبناؤه جنوداً في معركة التحرير، وروّاداً في مسيرة العودة، وحرّاساً للقدس ومرابطين في مسرى رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنّنا نأمل لتونس الحبيبة، في ظل رئيسها المنتخب، وأحزابها التي تمثلت في برلمانها الجديد، أن تواصل مسيرة التعايش الفريد بين أبنائها، والتكامل الجميل بين قواها، وأن تنجح في الارتقاء باقتصادها، وتحسين مستوى عيش أبنائها، فلا يشعرون بفاقةٍ، ولا يشكون من فقرٍ، ولا يعانون من بطالةٍ، ولا يحتاجون إلى مساعدة، ولا يمدّون يدهم إلى غريبٍ، بل ينهضون في ظل قيادتهم المنتخبة، بقدراتهم الذاتية ومؤهّلاتهم الشخصية، ويواجهون معاً الصّعاب والتحديات والمحن والابتلاءات، لتغدو تونس قويّة عزيزة، قادرة عفيفة، فلا يتدخّل في شؤونها أحدٌ، ولا تتآمر عليها قوى، ولا يحاول إجهاض تجربتها جاهلٌ، أو إفساد فرحتها حاقدٌ، أو تخريب مستقبلها أعمى، أو الانقلاب على مبادئ ثورتها عدوٌ متآمر.
هنيئاً للشّعب التونسي العزيز رئيسه الجديد قيس سعَيِّد، الصادق الطيب، الخلوق الكريم، الشفاف المتواضع، المتقشّف الورع، الشّعبي البسيط، القانوني المهني، الجامعي المثقّف، الأستاذ المهذّب، نظيف الكف، عف اللّسان، نزيه القلب، الذي يصدح بكلمة الحق، ويعلن الحفاظ على العهد، ويصر على صيانة الدستور وحماية الثورة ومكتسباتها، وعدم الانقلاب عليها وخذلان أهلها. وإنّنا لنسأل الله عز وجل أن يأخذ بيده إلى جادّة الحق وطريق الصّواب، وأن يوفّقه في حماية البلاد وضمان كرامة العباد، لتبقى تونس الخضراء حرّةً أبيّةً، عزيزةً كريمة، يرفل أهلها بالعزة والكرامة، ويزدهر اقتصادها بالرّخاء والنّعيم، وينعم أبناؤها بالسّلام والأمان، ويتفاخرون بلغتهم العربية الأصيلة، الرّصينة الجميلة، البليغة الرّشيقة، التي يحسن رئيسهم النّطق بها، ويبدع في التّعبير بها، ويحافظ على ألقها وروعة إيقاعها، وجمال مخارج حروفها وبيان معانيها

بيروت في 15 / 10 / 2019
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.