طباعة هذه الصفحة

حلقة مفصلية في عملية التنشئة الاجتماعية

المنظومة التّربوية أساس معادلة البناء الوطني

بقلم: الأستاذ عبد القادر حمداوي / باحث في التّربية

يعتبر المعلم همزة وصل بين المدرسة والأسرة، فهو يؤثر بأقواله وأفعاله ومظهره وعلاقاته في شخصية التلميذ، فمسؤولية المعلم لا تقتصر على التعليم فقط، بل تتعدى على ذلك.
المعلم يترك أُثرا كبيرا في نفوس تلاميذه ويستمر على مدى الحياة، لا يشك في ذلك فإن المعلم القادر الكفء على إدارة القسم وما يحتويه من التفاعل بين التلاميذ بدرجة عالية.
عليه أن يعرف خبراتهم وحصيلتهم وعلاقتهم الاجتماعية وميولهم واتجاهاتهم، وهذا يفيد في إثارة الدوافع وتوجيه المتعلم نحو تحقيق الأهداف المرجوة، هذا كله يؤثر في جذب اهتمام التلاميذ وإشراكهم في المواقف التعليمية، ومن هنا يتضح دور المعلم الكفء في علاقاته بالمعلمين وأساليبه في فرض الهدوء والنظام داخل القسم لإجراء التدريس بالقدرة الكافية فمسؤولية المعلم كثيرة في العملية التربوية داخل القسم وفي جميع الأحوال.
ويعتقد أن علم التربية علم يهدف إلى تكوين الفرد من أجل ذاته وبان توقظ فيه ميوله الكثيرة والآخر يرى فيها تكوين الأفراد تكوينا اجتماعيا، ويرى أحد الفلاسفة أنها تعني مجموعات العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية أن ينقلا سلطتها وأهدافها المكتسبة بغية تأمين وجودها الخاص ونموها المستمر فهي باختصار تنظيم تستثمر للخيرة.
 
أهداف التّربية: إعداد للمواطن الصّالح

فقد كانت أهداف التربية إعداد الفرد لذاته وتنمية الصفات المطلوبة والمرغوبة. التربية كإعداد يحقق لأغراض الدينية أو رفع العلوم حتما هو معرفة الله وصفاته ولكن العلوم لم تقيد بهذا المعهد.
التربية الإسلامية: إن التربية الكاملة هي التي تمن الرجل من أن يقوم بكل الواجبات الخاصة والعامة وقت السلم وزمان الحرب بكل حذاقة واعتزاز.
المعرفة وطريقة البحث كهدف أعلى للتربية بدأ بتوسع العلوم واضحا منذ مطلع القرن السابع عشر، وكان من نتائجه وقوف الفكر الإنساني أمام هذا الاتساع وقفة حائرة تتمثل في كيفية الإحاطة الكاملة بهذه المعارف، وإيجاد طريقة كوسيلة لازمة للوصول إلى المعرفة.
وأن يكون هدف التربية والتعليم فيها بناء جيل عربي واع مستثمر يؤمن بالله وبالوطن العربي، ويثق بنفسه وأمته ويستهدف المثل العليا في السلوك الفردي والاجتماعي ويتمسك بمبادئ الحق والخير ويملك إرادة النضال المشترك، وأسباب القوة والعمل الايجابي متسلحا بالعلم والخلق لتثبيت مكانة الأمة المجيدة وتأمين حقها في الحرية والأمن والحياة الكريمة.
 
التّنشئة الاجتماعية

هي عملية تربوية تقوم على التفاعل بين الطفل والأسرة، إذا فالتنشئة الاجتماعية تبدأ من البيت بوساطة الأسرة، حيث في جيل الرضاعة والحضانة المبكرة هي الوكيل الوحيد قبل أن تنتقل وكالتها إلى المربية في الروضة والى المربية والمعلمة في المدرسة، حيث تصبح المعلمة هي وكيلة أساسية في عملية تنشئة الطفل الاجتماعية، وعلى كل فإن التنشئة الاجتماعية الأسرية هي القاعدة الأساسية لتنشئة الطفل كيفما يتم التعامل معه في البيت في مراحل نموه الأولى، هكذا ينشأ ويترعرع ويصبح من الصعب تغيير سلوكه إنما يكون هناك حالات تعديل سلوك الوظيفة الأساسية للأسرة في تنشئة أطفالهم تنشئة اجتماعية، فإن الأسرة على عاتقها عمل صعب وشاق، وخاصة في توفير الأمن والطمأنينة للطفل، ورعايته في جو من الحنان والاستقرار والمحبة، إذ يعتبر ذلك من الشروط الأساسية التي يحتاج إليها الطفل لكي يتمتع بشخصية متوازنة قادرة على الإنتاج والعطاء، وكذلك تعلم الطفل على المبادئ الأساسية الثقافية الجماعية ولغتها وقيمها وتقاليدها ومعتقداتها.....
إنّ أبناء اليوم هم جيل المستقبل وقادته ومستقبله، ولن يصبح لهم تأثير أو مكانة أو قدرة على الإصلاح والتجديد والبناء وتحقيق آمال أمتهم ما لم نحسن تربيتهم في السن الذي يقبل التأثير والتشكيل من خلال جهد المعلم المربي الجاد والمخلص.
فكل جهد وإعداد في سبيل تكوين المعلم وتدريبه يهدف إلى مساعدته على الوصول إلى مستوى مناسب من التمكن، حيث يكون قادرا بالفعل على ممارسته هذه المهنة على أحسن وجه، وأن يكون متمكّنا وقادرا على ممارسة هذه الأدوار، وأن يملك المعارف والاتجاهات والقيم والمهارات ما يجعله قادرا على إدارة المسؤولية التربوية وما تحتويه من تخصصات ومعارف.
لا نعتبر المعلم مجرّد حلقة بين الكتاب المدرسي وعقول التلاميذ، فدور المعلم أثناء تعامله مع تلاميذه داخل القسم وخارجه، فدوره لم يعد دور نقل المعارف والمعلومات، والتلاميذ يفقدون فرصا عديدة لتعديل مفاهيم واتجاهاتهم وقيمهم الى جانب ضياع فرص اكتساب العديد من المهارات الفعلية والاجتماعية، يعرف خبراء التربية التعليم على أنه نقل معلومات منسقة في حصص قابلة للحفظ والاستظهار من كتب مدرسية معينة.
ولقد تبين لنا أنّ المتعلمين لا يتفاعلون مع المعلم من داخل القسم على النحو المنشود، ليتعوّد التلميذ على المشاركة في المواقف التربوية، فهو يتعلّم كيف يتكلم وكيف يستخدم الكلمات، وكيف يستمع إلى الآخرين، وكيف يقدر مواقفهم ومشاعرهم ، وكيف يميز بين الحقائق التي تفيد، وكيف يكون موضوعيا في حكمه على الأمور، وكيف يكون منظما في عرض أفكاره وما إلى ذلك من المهارات الضرورية والتي تأتي لبناء شخصية الفرد.
ومن أهم الاتجاهات التي نلاحظها في تحليل التفاعل اللفظي وتحديد أنماط السائدة في المجتمع اليوم تسمع العجائب مالا يرضى التعليم عملية مستمرة في حياتنا اليومية تضاف إلى العملية التربوية.
ومن خلال التوجيه والتدريب اللازمين هنالك كلام يحدث بين المعلم والمتعلم في أثناء المواقف التعليمية، هناك نقص في تحديد الأنماط الشائعة وتوجيه المعلم وتدريبه لتعديل مسار النمط المستخدم داخل القسم.  
أنشئت المدرسة من أجل نقل المعارف إلى المتعلمين، وإكسابهم القيم التي يفر فيها المجتمع، ومن هنا أصبح المعلم هو المسؤول عن هذا الأمر، ويمكن القول أنه ممثل المجتمع أن يعمل على تحقيق الأهداف المطلوبة وأن يكون نموذجا لتلاميذه في اتجاهاته وسلوكياته، وأن يكون واعيا بدرجة كافية عالية، وهنا يصبح المعلم قادرا على التأثير في المجتمع وأنهم يصبحون أكثر قابلية واستعدادا لتعلم هذه السلوكيات واكتساب الكثير من المعارف المرغوبة فيها.
يحتاج المعلم عادة إلى استخدام الأسئلة المختلفة داخل القسم لجلب الانتباه ونوعية الأسئلة المستخدمة بنوع التفكير السائد لدى المتعلمين، أسئلة التي تثير التفكير، يمكن استخداماها في عملية التدريب، فالكثير من المعلمين يعتمدون على أسئلة الكتاب داخل القسم، والتي تميل إلى التركيز ما جاء في الكتاب، الكثير منها تتعلق بأمور نوعية ضيقة وتتطلب إجابة واحدة وهذه الأسئلة تبدأ بماذا؟، وأين؟ ومتى؟، فالأسئلة التي لا تثير إلى الأمور الهامة فهي لا تقتضي سوى عمليات معرفة بسيطة.
على المعلم أن يثير بأسئلة التفكير واستغلال كافة طاقاته ومهاراته المعرفية كي يصل إلى إجابات سليمة، وهذا النوع من الأسئلة يفتح آفاق المعلم أمام التلاميذ، وتساعد على إكسابهم للمعرفة وكذلك مهارات واكتساب المعارف، ويمكن القول أن المعلم في حاجة إلى التمكن من كفاءات لتوجيه أسئلة، وهذا يتطلب معرفة عميقة ونواح كثيرة كالقدرات والمستويات الثقافية والمفاهيم والاتجاهات والميول والقيم إذا كان المعلم مطالبا بأن يستخدم طرقا ووسائل متنوعة في تناول المادة التعليمية وأن يكثر من الأمثلة، وأن يقدم النماذج التي تساعد المجتمع على التعلم، ومن ثم فإن المعلم الكفء الذي يعمل في إطار الفهم الكامل لكل هذه الأمور ومراعاته لها فيما يحدد من توقعات أو مستويات في تعلم تلاميذه داخل القسم الدراسي سيصبح معلما من نوع جيد، فالمعلم الذي يشعر بالاطمئنان والثقة والتمكن من المادة أثناء العمل هو الذي يستطيع أن يصل إلى نتائج طيبة مع تلاميذه.
كل شيء في هذا العالم يتغير لأن وجوده قائم على الخلق المستثمر والتجدد الدائم، لا معنى لأي فكرة بدون أن تضع في بوتقة التجربة والاختبار، فالرموز أو الحروف أو الكلمات لا معنى لها منفردة، فهي تكتسب معانيها من خلال الأشياء التي نرمز لها.
ان التغيرات التي طرأت في العقود الأخيرة، وسائل إيداع المعارف ونقلها ومعالجتها تسمح لعدد من الخبراء بوضع عتبة جديدة للمعرفة، فازدهار التكنولوجيا الذي شجع توسعا للشبكات لا سابق له فتلك الثورة المعلوماتية التي ضربت أطنابها في مختلف نواحي الحياة تتسارع الانجازات والمعلومات والاكتشافات، التي كانت تحولات جذرية في طبيعة المجتمعات المتقدمة، وهذا ما يؤكد التقرير العالمي لليونسكو الصادر في عام 2005 تحت عنوان: من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة، فالمعرفة أضحت موضع رهانات اقتصادية وسياسية وثقافية واسعة، فأولادنا هم مزرعة نزع فيهم أمالنا ونزرع فيهم الورود النضرة، هم نبضات
قلوبنا ، فلذات أكبادنا، وقرة أعيننا وبهجة حياتنا، هم جزء منا، نربهم في صغرهم فنجدهم سندا لنا في كبرهم فهم حصن الآن لنا فهم الحنين والشوق واللهفة والحياة نعم كل الحياة إذا أحسنا تربيتهم فالأبناء غريزة أودعها الله في نفوس الإنسان.
ومن خلال الوضع الراهن لأمتنا يستلزم منا حشد الطاقات لإعداد الجيل الذي يتمتع بالأخلاقيات والمهارات والكفاءات العالية الذي تصلح به أحوالنا في دنيانا وأخرانا، وتشير الدراسات العلمية الحديثة ان تدريب التلميذ وتعليمه منذ حداثة سنه له جوانبه الاجتماعية في صقل شخصية وتهذيب سلوكه.
يعد الكتاب من أهم دعامات تنشئة الطفل تنشئة سليمة، لأنه يعيش حياة سعيدة ويسهم في تنشئة صالحة سوية، فهو النبع الدائم للمعرفة، ورغم منافسة الوسائل الأخرى التي ظهرت في العصر الحديث إلا أنه يظل سند مصادر المعرفة لأنه يمتاز بطواعية لا تتوفر في وسائل الأخرى.
الكتاب مظهر حضاري نقدّمه للطفل ليعكس له صورة المجتمع الذي يعيش فيه فالمحتوى المعرفي الذي من خلاله يكتشف الطفل نوعية المعارف التي يرغب المجتمع أن يعرفها، ومن خلال شكل الكتاب وأسلوب إخراجه يكتسب الطفل ما يريده له المجتمع من قيم جمالية واتجاهات وميول وجدانية ينبغي للكتاب أن يحتل مكانته ويأخذ دوره في عمليات الإبراء الثقافي للأطفال وان تكون له وعاء غنيا متنوعا يشمل بعض القصص والكتب الدينية والتاريخ والتراجم والعلوم الاجتماعية والتراث الشعبي والأناشيد والمسرح والفنون الرفيعة والمعلومات وكتب الأساطير والخيال على أن يقدم كل ذلك بأسلوب ممتع جذاب.
ولازال الكتاب يحتل مكانة عالية مرموقة بين وسائل ثقافة الطفل وإعلامه بالرغم مما يواجه بعض الباحثين بأن تقدم الوسائل التقنية الطباعة ووسائلها، ويؤكد مكانة الكتاب العالية تهافت دور النشر على إصدار كميات هائلة من كتب الأطفال، لأن شعبية الكتاب وتوفره وسهولة التعامل معه تجعله الأكثر انتشارا وهو يحتفظ بمكانته، ومن أجل هذا الدور الطبيعي الذي يقوم به الكتاب وجب علينا أن نغرس حبه في أطفالنا لينشئوا على تقديره وهذا معناه أن تصبح القراءة نشاط أساسيا في حياتهم، ولذلك يبقى الكتاب وسيلة من وسائل الاتصال لا تفوقها أي وسيلة أخرى، الكتب سوف تستمر كأداة هامة لنشر المعرفة والحضارة في المستقبل.
فالمدرسة التقليدية التي تتطلب من تلميذ الطاعة والهدوء والانصياغ لإرادة المعلم يفرض رأيه، فهو يلقن المعلومات.
أما المدرسة الحديثة التي محورها التلميذ فهي ورشة عمل تعاوني يشترك فيها المعلمون والتلاميذ، حيث يستمدون القواعد التنظيمية من طبيعة الدرس.
فالاستمرار والتجدد والنمو المطرد والتفاعل مع البيئة كلها، كما اهتمت المدرسة الحديثة بالتلميذ في سائر جنباته، واهتمام علماء التربية بالتلميذ، وطرق التدريس علما وفنا.
ومهما كانت الوسائل التكنولوجية متطورة..فستبقى مكانة الكتاب عالية.