طباعة هذه الصفحة

250 بحث ودراسة قدمت للنهوض بها

مؤتمر بيروت حذّر من التحديات اللغوية واقترح الحلول

بقلم عبد القادر حمداوي

عانت الأمة العربية منذ مرحلة القرن التاسع عشر إلى الآن من إشكالية كبيرة فرضتها الظروف على المجتمعات، تحديات كبيرة تحتاج إلى ضرورة إعادة النظر في أساليب وطرق بعث اللغة العربية وتوجيه الأنظار والقلوب إليها ونريد من الاهتمام بها ونشرها والارتقاء بها وتطوير المهارات في تدريسها وتهيئة المدرس الكفء القدير الذي يمكن أن يكون قدوة صالحة في سعة معرفته ومسلكه العلمي والخلقي، وفي عمق تفكير وبعد نظر وجمال ذوقه ووفائه لمهنته في فصاحة لغته وطلاقة لسانه، وتهيئة الكتاب المدرسي الذي تقدم فيه اللغة حية متجددة مرنة، ملبية لكل متطلبات الحضارة بالمنهج السليم الذي ينظر إلى اللغة وكأنها كائن حي متطور، وإذا نظر نظرة فاحصة نجد أن الطلبة الذين ينهلون العلم  حتى في الجامعات يجدون مشقة في فهم دروسهم .

اللغة العربية حيّة متجدّدة

كانت وثيقة بيروت من نتائج المؤتمر للغة العربية الذي عقد في شهر مارس 2012 والتي أطلق على اللغة العربية في خطر.
معظم المشكلات والتحديات التي تواجه اللغة العربية من خلال 250 بحثا ودراسة قدمت للمؤتمر، وكانت بعض الفقرات من الوثيقة التي تمت المصادقة عليها تطالب بيوم عالمي للغة العربية يحتفل به العالم بهذه اللغة، فهي اللغة الجامعة ولغة العلوم والتقنية والفلسفة والفلك والترجمة والطب والرياضيات وغيرها من مختلف العلوم.
لقد ظلت العربية لغة علم عندما كان الأوروبيون يتوافدون على الأندلس للتعلم من جميع دول العالم والعمل على بناء مفهوم جديد للإرتقاء بهذا التعليم وتحسين نوعيته وربط باحتياجات علام الغد. فالتعلم عملية مستمرة كما أن التحديات التي تواجه القرن الواحد والعشرين تستدعي المواظبة على نشر العلم بطريقة جادة في العلم العربي.
هذا هو الدور الذي يجب أن يضطلع به العام والخاص بالتعليم يساعد على إيجاد حلول لمشاكل المجتمع، ولذا فإن تغيير أو إعادة تشكيل نظم التعليم وخاصة المجتمعات التي تواجه أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية.
الجامعات تعيش في أوطاننا العربية حالة مزرية لأسباب كثيرة أولها غياب البحث العلمي واحتياجات وتطور الحياة العامة والعلم، عدم وجود الارتباط بالتعليم والتربية كلها تحتاج إلى ارتقاء واهتمام لتوفير لنا قوة ومتطلبات العصر.
إن زيادة الاهتمام بالبحث في فلسفة التعليم والهدف منه ومدى ملاءمة أساليب وطرق التدريس.
كيف يمكن إعادة بناء المنظومة التربوية
لابد من تحقيق التنشئة المتكاملة للشخص منذ الصغر مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر وتوقعات المستقبل في مختلف المجالات فلم يعد يكفي الحديث عما يجب أن تكون عليه المصطلحات العلمية والفكرية التي تعطى في مراكز التكوين للطالب والأستاذ، فالتكنولوجية الجديدة تتطلب نظام التعليم الحالي الذي يتولى فيه المعلم التدريس لمجموعة صغيرة محدودة من الطلاب في مشروعات الصناعات الصغيرة، وأن العلاقة المباشرة بين المدرس والتلاميذ تشبه علاقة المعلم بالأسر في نظام الصناعة فالكل ينقل خبرته بطريقة مباشرة إلى الطالب بترديد أو محاكاة وتقليد ما يتلقوه من أستاذهم لتظهر لديهم الكفاءة والمهارة والتفكير الإبداعي، وفحص ومناقشة ما ينبغي عليهم.
ماذا لو قمنا بوضع كل طاقاتنا المعنوية والمادية على إحداث أكاديميات متخصصة ومرتبطة بمحبة العلم الصحيح، وقد خاطب الله عزّ وجل بهذه اللغة جميع الأجناس ودعاهم لعبادته وطاعته وحثهم على التفكير والتدبر والبحث عن أسرار هذا الكون.
ولكن بهذه اللغة التي اختصها عن غيرها وجعلها جزءا من نظام الكون ومن ميزانيه الكوني الذي صنعه الله وأبدع في صنعه ....
تداعيات عولمة
إننا ندعو أن تكون النخوة والشهامة لإسحاق وإخراج هذه اللغة إلى النور وإلى التطور في شكل يتلاءم مع تطورات هذا العصر وتبرير فيها ثمرات العقول والقرائح تجمع بين نقاء الماضي وعراقة الحاضر، أين أبحاث الأساتذة وكتبهم؟ وأين المقالات التي ترجموها بتعلمهم اللغة الأجنبية؟.
إننا نريد أن تكون اللغة في عهد الفصاحة والنقاء.
اللغة وفصاحتها.
الحقيقة أن هذا النفور من اللغة العربية أو عدم التحمس لها أو رفض قبول التعامل بها.
لغة اتصال وتعلم وتكون ولغة انفتاح على العالم، إن العولمة غزت الشعوب ومسّت قلوبهم وعقولهم فصدقوا ما قيل لهم وروجوا بأن اللغة العربية عاجزة عن استيعاب العلوم المعاصرة، فهؤلاء لا يعرفون التاريخ، لقد تمتعت بقوة وإحالة بوعاء ثريا لبناء الحضارة الانسانية في الأندلس وكانت مصدرا كبيرا للفكر العالمي، أعلامه وأقطابه تعلموا من هذه اللغة بشكل قوي اللغة العربية ناقلة معرفة تراث وشاهدة حية على الجذور التي استفاد منها الغرب بنهضة حديثة في كل العلوم .
لكن اليوم وقف لها بالمرصاد يجهض ويقف حاجزا وعائقا.
ويجب إزالة هذه العراقيل في الوقت ذاته وأن نسعى جميعا إلى حضورها وعلاقتها بالفكر العالمي، وأن نجعل من هذه الأجهزة منابع صافية يستقي الجمهور منها مفردات لغة سليمة فصيحة، لقد نزل القرآن على العرب بلغتهم التي ينطقون بها وفي عهد نقائها وصفائها وفصاحتها وكان أهم ما يميز هذه الأساليب الجديدة للحصول على المعلومات ونشر التعليم على نطاق واسع بفضل الثورة العارمة والحديثة في التكنولوجيا ... فهو مكان التواصل والتفاهم والتعامل مع أطراف كثيرة متعددة ومنتشرة في كل بقاع العلم ببساطة وسهولة وسرعة وبغير تكاليف تذكر.
فتدفق المعلومات لم يعد خاضعا لتحكم الناشرين على سوق الكتب والمراجع وتمكنهم أن يتدخلوا بشكل أو بآخر في عملية إنتاج وتداول المعلومات فأصحاب هذه القدرات  عند بعضهم يولد ولا يصنع، فالكفاءة موهبة وعطاء توجد وتنمو بنفسها، وإنما بالعلم والتدريب وفهم طبيعة العمل والتكيف المكتسب.

ممارسات معقدة

فاللغة العربية لها قواعد وأصول وفن وممارسات أصبحت معقدة، ويتطلب من الجميع وعي الواقع الذي نعيشه الذي يعترف بالتقصير نحو اللغة العربية، واليقين بأنها ستتبوأ مكانها الحقيقي بالإعداد المرغوب لتنمية كفاءات أنه أعداد جامعي عال لكل المعلمين.
إنه إعداد شامل ومستمر لا يقف عند حدود الشهادات، إنه إعداد متكامل لنمو القدرات العقلية والعلمية، إنه إعداد علمي وفني يهتم بدراسة العلوم الحديثة، ويدرب على استخدام تكنولوجيا تعليمية متقدمة وفهم مبادئها وابتكار أدواتها وتجديد أساليبها، كما يتطلب دراسة سبل النهوض وبعث تراثها وتصحيح مسارها لتطوير الحياة الفكرية والعلمية. وهل يمكن لها أن تحضى بمكانها في سيرورة الفكر العالمي وتعود إلى مكانتها لتحافظ على وحدتها.
وتميزها بغزارة مادتها بفضل مرونة أصواتها وطوعية مفرداتها وتعدد طرائق نموها وتوسعها.
واذكر عندما انحطت اللغة الفرنسية سارع رئيس الجمهورية الفرنسية ميتران بعقد مجلس لهذا الغرض وتولى بنفسه مجمع اللغة الفرنسية لحمايتها وترقيتها، بينما نحن نسكت دهرا ثم ننطق كفرا إنهم لا يتقنون فن الكلام ولا يتحكمون في تقنيات الاتصال ولا يحترمون المثقفين ولا يقدرون حجم المسؤولية ولا يشعرون بأحسيس المواطن، ولا يفهمون حتى طباعه.
أيها السياسيون، الاتصال فن والمسؤولية أمانة، والأخلاق حضارة، فمتى تفهم هذه المصطلحات وتجد طريقها إلى التجسيد.
زمن هنا نؤد مرة أخرى دور الأحزاب، فهي أقوى واهم دعائم في تكوين الفرد في المجتمع.