طباعة هذه الصفحة

التفكير الصوري في العيون العقليّة

لا نصوص شعريّـــــة عظيمـة دون معانـاة إنسانيّة عظيمـة

بقلم : كريم عبدالله – العراق

يبقى العالم الخارجي عالماً مجهولاً كما هو العالم الداخلي للذات الانسانية، فحينما تكون الحياة عبارة عن كابوس مرعب نحتاج الى خلق مشاهد جديدة أكثر فرحا لتخفّف عنّا وطأة هذا الرعب، وأن نغوص في أعماقنا لنتعرّف على ذواتنا فنحن أعرف بها من غيرنا. ويبقى الأنسان قلقاً حائراً أمام هذا الكون والأحداث التي تحدث فيه والمعاناة التي ترافقه في مسيرة حياته، ويبقى العقل البشري مصدراً للمعاناة والآلام والحيرة والقلق والاضطراب حينما ينام العقل الباطن وتتكشّف الحقيقة أمامنا جلّية مُرّة مؤلمة، وتستيقظ إحساسات الذات منتبهة لما يحدث وتدرك حجم الفجيعة وتتأثر بآثارها وتتفاعل معها سلباً أو إيجاباً.

 يبقى الشاعر ونصّه الشعري هو المعبّر الحقيقي عن الواقع وعن محنة الذات وسط هذا المحيط الممتلئ بالمثيرات الخارجية المختلفة. لهذا فإنّ الشعر لابدّ أن يشتمل على تجربة نفسية حقيقية، ولابدّ للشاعر أن يمتلك إحساسا بما يحيط به وأن يحسّ إحساسا لا يعرفه غيره ومن ثمّ ينقل هذا الاحساس والشعور الى المتلقي، فالنصّ الشعري يعتمد في تأثيره على قوّة الفكرة الى حدّ ما وتحريك الخيال ممزوجا بالوجدان واستغلال الذاكرة البعيدة في استرجاع بعض المواقف والذكريات وإعادة صياغتها مع الواقع من أجل انضاج الفكرة وبلورتها وإقحام المتلقي في بركان النصّ ومعايشة أدق تفاصيله.
 إنّ النصوص الشعرية العظيمة هي النصوص التي تعبّر بصدق عن معاناة انسانية عظيمة وتفتح الآفاق مشرعة أمام الكثير من التأويل وتعدد القراءات، وهذا ما وجدته في نصّ الشاعر: قيس مجيد المولى»ترقيع بصري لفاصلة وهميّة».
منذ البداية يُقحمنا الشاعر في مشاهد بصريّة حسّية متعددة تقترب حينا وتتباعد حينا آخر، وكأنّها عملية مراوغة فلسفية مارسها الشاعر ربما للتنفيس عمّا تعانيه الذات، لقد استطاع الشاعر وعن طريق الإيحاء أن يقودنا الى التوقع، توقع ما سيحدث في قادم الأيام نتيجة خبرته فيما مضى ومعايشته لما عليه الآن مما لعب دوراً بارزاً في الانفعالات وردود الأفعال في الوقت الحاضر إستجابة لما حدث وسيحدث، فجعل من الفقرات النصّية في نسيجه الشعري بدل أن تتحدث عن الموضوعات الماديّة تتحدث عن المعطيات الحسيّة عبر مشاهد / لقطات – حسّية بصرية زاخرة بالمواقف الفلسفية والإنسانية.
لقد استطاع الشاعر أن يختزل ضمير الجماعة ومحنتها ورؤيتها عبر وجهة نظره الشخصية وجسّد فيها عملية الوعي الجماعي ونقل لنا تجربته الشخصية على ما فيها من العمق والقوّة فكانت أكثر تعبيراً عن الجماعة كونه ينتمي الى هذه الجماعة. لقد ترك هذا الواقع انطباعاته على حواس الشاعر فاستوعبتها العواطف والعمليات العقلية فكانت حسّية نتيجة الانطباعات الحسّية القادمة من المحيط وتأملية عقلية قامت بربط هذه الافكار فكان النصّ عبارة عن قطعة من الألم والتشظّي والغربة والقلق المستمر.

مشهد جديد وواقع آخر مغاير

 لقد تكرّرت مشاهد الشاعر وحاول ترقيعها من خلال نقل مشهد معين من نسيجه الشعري الى مشهد آخر لينمو الأخير ويتكامل وتتضح الصورة أكثر فأكثر وتدبّ الحياة فيها أو ينتابها الموت والضمور والتلاشي، وكأنه ينقل مشهدا معينا من ذاكرته البعيدة أو القريبة ويملأ بها فراغات زمنية – مكانية لتتماشى مع الواقع الجديد، أي أنه استطاع أن ينقل إلينا صورا بصريّة حسّية من مكان ما الى مكان آخر غير ممتلئ لوجود فواصل وهمية تحتاج الى أن تمتلئ، فواصل مكانية وزمانية وربطها فيما بينها لتدلّ الى استمراية الاحداث، وكأنّ الأحداث تجري بحسب مسبباتها شئنا هذا أم أبينا فهناك سبب ما وهناك أثر له، وقد تجلّى ذلك بوضوح في هذا النصّ. لقد سخّر الشاعر «الريح» لأكثر من مرّة وكأنّه بها يستعين في كنس واقع أو مشهد معين عن قصد لينشئ لنا مشهدا جديد وواقعا آخر مغايرا . يبدأ النصّ هكذا «لبلوغ الريح.. تُطوي صفحات العقل الباطن» مستخدما اللام السببية والريح من أجل اغلاق صفحات العقل الباطن «الأفكار» والتهيئة والدخول في خضم المحنة والكشف عمّا تعانيه الذات من قسوة واضطهاد وظلم وقهر وخيبات، ويعود الشاعر الى نفس لعبته مستخدما اللام السببية واستحضار «الزمن» الحاضر وسكب الزيت ليتصاعد إيقاع النصّ بالتدريج «لبلوغ الوقت المعاد» توضع الألواح في عُلب الزّيت «ويعود للمرّة الثالثة الى نفس اللعبة» لإبعاد الشكل الهندسي، وللطبيعة الخاملة للرسم العشوائي « ، ليأخذنا الى المشهد الأول « فتاة تقف فوق الجسر  تتلهى برؤية البط والقوارب، وتتأمل طاولةً تحت شجرةٍ في الضفة الأخرى» هذا المقطع أو المشهد نجد الأثر المنطقي له في مكان آخر من النصّ وكأن الشاعر حاول أن يملأ هذا الفراغ الممتد ما بين هذا المشهد والمشهد الذي نعنيه في المكان الآخر بعملية ترقيع بصري وربط الأسباب بمسبباتها» يُنتظر أن تتحدث الفتاة التي فوق الجسر على الأقل عن الطاولة التي تحت الشجرة على الأقل عن أخر قدح شاي يفترض أن تكتب أشياء أخرى في الورقة الهزيلة» .
 ثم «تقترب المشاهد» ولا ندري هل هي لحظة من التجلّي والوضوح أم هي محاولة لرسم مشهد آخر فيجيء الجواب «لتشكيل لحظةٍ مجهولة المُسمى» وكانّ الشاعر يحاول ملء الفراغات ما بين مشاهده، كما قلنا بزخم من الصور الحسّية الادراكية حتى يمتلئ النصّ ويتوهّج أكثر ..
«تلتئم وزجاجَ النوافذ، بقايا الأمطار العالقة على واجهات المباني، الضّبابُ في الرّسوم المتحركة، والشّرابُ المُعتقُ في دِنان الزواحف» عملية ترقيع بصري حسّي ادراكي ليبدأ مشاهد أخرى لم تنته بعد فالمحنة مستمرة والتداعيات النفسية الحسّية والادراكية مستمرة تداهم الذات الشاعرة ..» فالمشاهد لم تنهِ واللّيل لايكف عن تأخره  والضبابُ ملأ الرسوم المتحرّكة والفراغات بين الفراغات الحاجة الآن مجرد ترقيع بصري للمشاهد، إن إقتربت أو إبتعدت أو إمحت» والحاجة مستمرة الى ترقيع بصري للمشاهد حتى تكتمل الرؤية وتملأ الفراغات وتتخلص من هذه الصراعات المحتدمة فمازال الليل متأخرا والغياب لم يحن موعده بعد والحياة مازال الضباب يعجّ فيه والمصير أصبحت صورته ضبابية الملامح وبحاجة الى أن تمتلئ.
ثمّ «تتباعد المشاهد» ويضمحل بريقها، ولا ندري هل هي مشاهد مغروزة في ذاكرة الشاعر البعيدة أم هي مشاهد آنية، وما هو كنه هذه المشاهد وتأثيرها على الشاعر ونتساءل مالذي يجعلها تتباعد هكذا .. ؟؟ . يبدو ان هذه المشاهد قد بعثرتها الريح العاتية وتحاول الذات الشاعرة ان  تعيد بعضها والإمساك بها قبل ان تنمحي وتتلاشى، لكن يبدو أنّ «ماتبقى منها: حقيبةٌ خالية وأصواتٌ مبعثرة أقدامُ منتظرين لخطابٍ بصري، بإنتظار أن تتبلور الوقائعُ»، انّ هذا المشهد يدلّنا على «السفر والرحيل والخواء وأصوات وانتظار للحظة ما» انتظار أن تتضح الصور والأحداث وتكتمل الحقيقة، لهذا لابدّ أن من
«تعتيمٌ للفواصلِ الزّمنية لتبرئةِ الخلط المكاني من مسمياتٍ تستبدلها الوقائعُ، بين حين وأخر بين مساحةٍ مفترضةٍ وأخرى ستُفتَرض    ستفترض تشابهاً بأعدادِ الذاهبينَ الى ساحاتِ القتال، لتجسيرِ فاصلة وهمية عندما يعاد توزيع النجومِ في السّماء لبلوغ الشكل الهندسي للطبيعة الخاملة وفكرةٌ لتنسف أخرى وطريقٌ يمحو طريقاً»، ومن فسحة أخرى من زمن- مكان نرقّع بها المشاهد حتى تكتمل الصورة، فما الحياة إلا عبارة عن فواصل زمنية تتعاقب فيها دوريا الذات الشاعرة ما بين الفرح والحزن والمرض والصّحة بين هدوء واضطراب بين حرب وسلام، ماتبدأ فترة إلاّ وتنتهي لتبدأ أخرى، يبدو بأنّ هذه الذات تعيش في قلق مستمر نتيجة مجهول يداهما، كلما تشعر بالأمان والهدوء والسلام تنتهي هذه المرحلة وتداهمها مرحلة أخرى تقسو عليها وتبعثر أحلامها وتجعلها تعيش في رعب مستمر، إنها فواصل زمنية نحتاج ان تمتلئ بما يدعو الى السلام والاستقرار والهدوء .

أصوات في صمت خلف الجدران والحقيقة المؤلمة

 ثم تعود هذه الذات القلقة الى واقعها، فهناك من الأساب ما تجعل أصواتنا تعيش في صمت متوارية خلف الجدران والحقيقة المؤلمة، قبل ان تبدأ الأيام من جديد وتدبّ الحياة، فالفراغات مازالت موجودة والمشاهد بحاجة الى ترقيع «فثمة سببية لإبقاء الأصوات في الصمت  قبل أن يأتي باعة الألبان من القرى ويفترشونَ الأسواقَ نكتبُ في اللّواحق المتبقية بين الفراغات ماكتب فوق الشّواهد نعيدُ أماكنَ الرّسوم»، فلابدّ من وجود أسباب منطقية لكل ما يحدث وحدث وسيحدث لتبقى الذكريات جميلة زاهية ملوّنة عامرة بالحياة، ذكريات ستخلّد الذات الشاعرة في يوم من الأيام، وتبقى مجرّد ذكرى، وربما ستكون مجرد محاولة من الذات الشاعرة لإحتواء المكان والزمان والتشبث بالبقاء، فتعود الى عملية الترقيع البصري في المشاهد البصرية الحسّية والادراكية» من الضرورة أن تكون هناك أسباباً منطقيةً لترك فرشاة الألوان بملفات الذكرى العبث ونوافذ الباص    ستُعصر الفاكهةُ ويسقى بها الطريق، إن تقاربت المشاهدُ أوتباعدت   الذي نراه والذي لم نره بحاجة لتفسير الغروب الذي تقدم عن وقته المعتاد الملوحة الحمراء في صحن الرز الورقة الهزيلة التي كتب عليها    مجرد تأثيت لأقفاص،  لأقفاص كي تبتسم بنات آدم ربما مجرد إحتواء» انّ الأحداث التي نراها ونعيشها لابدّ ان يكون لها من تفسير منطقي، لأن حدوثها لم يكون عبثاً، وأن كل حدث له ما يبرر بقاءه لفترة محددة ومن ثَمّ يختفي ليحلّ مكانه حدث آخر، وأنّ كل زمان سوف يترك مكانه لزمان آخر جديد، كل هذا التعاقب في الظهور والاختفاء في المشاهد البصرية والحسيّة هناك من سبب منطقيّ لحدوثها وتعاقبها بهذا الشكل، حتى الافكار والرؤى والأماكن هناك سبب منطقي يدعو الى حدوثها واختفاء .
وتتهيأ فرصة أخرى لهذه الذات الشاعرة المعذّبة، فاصلة أخرى بحثاً عن إلغاء فترة معينة من هذه الحياة التي أصبحت طويلة لكثرة المعاناة ودوام الآلآم والآحزان» تتهيئا لنا فرصةٌ أخرى فرصة الرّيح الرّطبة    الإنتقال من الصمتِ الى الأصوات الخفيةِ من عباراتِ الرِّثاء، نتفهم ماكُتب ماوضع من تواريخ، تواريخ لاتشير لأمكنة محددة ولا للرؤيةِ التي وضعت تلك العناوين عناوين تبدو للوهلة الأولى كغياب قسري    كموت فجائي» ويستمر مشهد الغياب القسري والصمت والرثاء لكي نفهم، أين نحن والى أين نسير وأي التواريخ ستؤرخ لنا وأي الأمكنة ستحتوينا وأي العناوين سيُعلن بها عنّا ساعة الغياب الأبدي، أي محنة انسانية هذه التي تعانيها هذه الذات الشاعرة المعذّبة ..؟؟ !! . ومن جديد يعاد ترقيع المشهد هذا بمشهد آخر لتكتمل الصور وتبدو واضحة المعنى والمضمون» ويفترض أن يعاد طلاء الشواهد ويفترض أن يذوب الجليد، يذوب لترتيب الفواصل الزمنية وتبكي بناتُ حواء» وكأنّها حالة من الاستعدادات القسرية للحظة الغياب حتى تكتمل سلسلة هذه الحياة وتبدأ مرحلة الغياب والبكاء .
 ويقترب شبح الغياب أكثر وتتوالى المشاهد المرعبة وتتقارب المشاهد» ربما أرقدُ اللّيلَ على عُشبِ الممرات ربما بينَ زرائب الخنازير    تعتيمٌ للفواصلِ الزّمنية لتبرئةِ الخلط المكاني» وتمارس الذات الشاعرة نفس اللعبة في ترقيع المشاهد واضافتها الى مشاهد أخرى، وتضيفها إليها مقطع آخر من النصّ وكأنّها عملية مقصودة وربما لاشعورية جاءت هكذا «لاضير ستحتفي زرائب الخنازير بضيفها الجديد وتتفرق المشاهدُ في الطُرق. إذ لم يبق غير الغروب الذي تقدم عن وقته المعتاد والثقوب الخفية في مرايا التجميل والغريب الذي يقف عند سياج الباخرة ولا أملَ أن يذوبَ الجليد وتضاف عبارةٌ أخرى لعباراتِ الرّثاء، ومازالَ الوقتُ يُرَقعُ بفاصلةٍ وهمية» بهذه المشاهد المأساوية تحاول الذات الشاعرة أن تنهي حياتها « النصّ « وكأنّها كانت في رحلة عنيدة أمتدت على مساحة من « الزمان والمكان» تمددت ومن جديد عادت وتقلصت شيئا فشيئا.

الذات الشاعرة لمن يتبعها

إنّ الذات الشاعرة تبدو لمن يتابعها من خلال صناعتها هذه المشاهد المثيرة للقلق والتأمل العميق والقراءة المنتجة والواعية كانت تعيش الحياة داخل محنة لا تخرج منها إلاّ وتعود إليها وكأنّها في شكل دائري مغلق لا خلاص منه ولا فكاك، حاولت في لحظة تأمّل عميق لما مرّ من مشاهد حياتها أن تلجأ الى خلق وصناعة عوالم جديدة لها صلة مباشرة بما تعانيه وتعيشه يوميّا، وجاءت هذه المشاهد مرّة قريبة وأخرى متباعدة، عن قصد أو غير قصد نتيجة للتداعيات التي تمرّ فيها، مرّة واضحة وأخرى ضبابية، مرّة هانئة وأخرى قلقة حزينة، نتيجة ما يمور في أعماق الروح من تصدع وعذابات وأهوال مرعبة ورنتظار مملّ، وكأنّي بهذه الذات جندي محارب دخل الحرب وخاض غمارها وخرج في فاصلة زمنية لتستجمع قواها وتعود مرّة أخرى تخوض الحرب وحيدة بلا سلاح وعتاد، وكأنّي بجسدها هذا وقد تناهشته أهوال الحرب ففقد أعضاء وأجزاء منه، فصار لزاما أن تجرى له عملية ترقيع واصلاح ونقل أجزاء منه لزرعها في أماكن تالفة متضررة علّ هذه العملية تصلح ما أفسدته الحرب.

النصّ:
ترقيع بصري لفاصلة وهمية
لبلوغ الريح..
تُطوي صفحات العقل الباطن،
لبلوغ الوقت المعاد
توضع الألواح في عُلب الزّيت،
لإبعاد الشكل الهندسي،
وللطبيعة الخاملة للرسم العشوائي
فتاة تقف فوق الجسر  
تتلهي برؤية البط والقوارب،
 وتتأمل طاولةً تحت شجرةٍ في الضفة الأخرى
تقتَربُ المشاهد..
لتشكيل لحظةٍ مجهولة المُسمى
تلتئم وزجاجَ النوافذ
بقايا الأمطار العالقة على واجهات المباني،
الضّبابُ في الرّسوم المتحركة
والشّرابُ المُعتقُ
في دِنان الزواحف،
تَتَباعدُ المشاهد.
يُلمُ ماتبقى منها،
ماتبقى منها :
حقيبةٌ خالية
وأصواتٌ مبعثرة
 أقدامُ منتظرين لخطابٍ بصري،
بإنتظار أن تتبلور الوقائعُ
فثمة سببية لإبقاء الأصوات في الصمت
قبل أن يأتي باعة الألبان من القرى ويفترشونَ الأسواقَ
نكتبُ في اللّواحق المتبقية بين الفراغات
ماكتب فوق الشّواهد
نعيدُ أماكنَ الرّسوم
تتهيئا لنا فرصةٌ أخرى
فرصة الرّيح الرّطبة
 الإنتقال من الصمتِ الى الأصوات الخفيةِ
 من عباراتِ الرِّثاء،
نتفهم ماكُتب
ماوضع من تواريخ
تواريخ لاتشير لأمكنة محددة
ولا للرؤيةِ التي وضعت تلك العناوين
عناوين
تبدو للوهلة الأولى كغياب قسري
كموت فجائي
الآن…
من الضرورة أن تكون هناك أسباباً منطقيةً
لترك فرشاة الألوان بملفات الذكرى
العبث ونوافذ الباص
ستُعصر الفاكهةُ ويسقى بها الطريق،
إن تقاربت المشاهدُ أوتباعدت
الذي نراه والذي لم نره بحاجة لتفسير
الغروب الذي تقدم عن وقته المعتاد
الملوحة الحمراء في صحن الرز
الورقة الهزيلة التي كتب عليها
مجرد تأثيت لأقفاص،
لأقفاص
كي تبتسم بنات آدم
ربما مجرد إحتواء
لصيحات صاحب الحانة
مجرد تأنيب لغرائز الجلاس
إستعارة لفظية لمكنون خرافي
ينتظرُ خلق إمرأة،
أمام وقت غير معلن لخلقِ رجل،
للإستدلال على طيور الزينة وخلايا النحلِ
والثقوب الخفية في مرايا التجميل
يحين الوقتُ
تبدأ الثلوجُ بأشغالِ المساحةِ المائيةِ
تصفنُ البحيراتُ وتتنفسُ من خياشمِ الأسماك
لاأملَ لشمسٍ تشرق بعد يومين
الجليد لن يذوبَ
لحين عودة الخُطى الى الخرائط
لحين طلاء أعلى النوافذ
إغلاق الكتاب الذي بيد الفتاة
ربما أرقدُ اللّيلَ على عُشبِ الممرات
 ربما بينَ زرائب الخنازير
تعتيمٌ للفواصلِ الزّمنية لتبرئةِ الخلط المكاني
من مسمياتٍ تستبدلها الوقائعُ،
بين حين وأخر
بين مساحةٍ مفترضةٍ وأخرى ستُفتَرض
ستفترض تشابهاً بأعدادِ الذاهبينَ الى ساحاتِ القتال،
لتجسيرِ فاصلة وهمية
عندما يعاد توزيع النجومِ في السّماء
 لبلوغ الشكل الهندسي للطبيعة الخاملة
وفكرةٌ لتنسف أخرى
وطريقٌ يمحو طريقاً
يُنتظر أن تتحدث الفتاة التي فوق الجسر
على الأقل عن الطاولة التي تحت الشجرة
على الأقل عن أخر قدح شاي
يفترض أن تكتب أشياء أخرى في الورقة الهزيلة
ويفترض أن يعاد طلاء الشواهد
ويفترض أن يذوب الجليد
يذوب لترتيب الفواصل الزمنية
وتبكي بناتُ حواء
فالمشاهد لم تنهِ
واللّيل لايكف عن تأخره
والضبابُ ملأ الرسوم المتحركة
والفراغات بين الفراغات
الحاجة الأن مجرد ترقيع بصري للمشاهد
إن إقتربت أو إبتعدت
أو إمحت
لاضير ستحتفي زرائب الخنازير بضيفها الجديد
وتتفرق المشاهدُ في الطُرق.
إذ لم يبق غير الغروب الذي تقدم عن وقته المعتاد
والثقوب الخفية في مرايا التجميل
والغريب الذي يقف عند سياج الباخرة
ولا أملَ أن يذوبَ الجليد
وتضاف عبارةٌ أخرى لعباراتِ الرّثاء،
ومازالَ الوقتُ يُرَقعُ بفاصلةٍ وهمية،