طباعة هذه الصفحة

ما وراء الأحداث

الخطاب التفاؤلي وجائحة الفيروس التاجي...!!

بقلم: د. محمد النذير عبد الله ثاني أستاذ جامعي وباحث في علوم الإعلام والاتصال

بعد اجتياح وباء كورونا العالم بأسره، وافتقد الناس فيه إلى وصفة سحرية تنهي أزمته الوبائية، وانحساره عنهم، فبث الرعب في النفوس، وهاجت الناس وماجت، وانقسم معظمهم إلى فريقين؛ فريق ينظر إلى هذه الجائحة نظرة تشاؤمية، وينظر الآخر إليه نظرة تفاؤلية، وكل يدلو بخطابه حول هذا الوباء الذي زاد من حدة سرعته وقضى على الآلاف إن لم نقل الملايين، وتباينت الناس في الخطاب، فمنهم من أصبح يدعو في وسائل التواصل الاجتماعي وبمختلف أبواقها إلى التفاؤل، وبث الاطمئنان في النفوس ليزيد من شحذ همم الجمهور، بالطاقة الإيجابية؛ والتشديد على أن هذا الوباء سيزول لا محالة، وأن الأزمة الكورونية على وشك الاحتواء ولا يكون هذا إلا بتضافر جهود الساكنة بالحجر المنزلي وحظر التجول في كافة التراب الوطني، وهذا مصداقا لقول الله تعالى: «لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا» و«لا تيأسوا من روح الله» وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وأحسنها الفأل» يعني الكلمة الطيبة، ورفع معنويات الناس.
أما التيار الثاني، فقد أطلق العنان في تداول الأخبار المزيفة والشائعات التي لا مجال لمشاركتها في الوقت الراهن، باعتبارها تزيد من القلق والتشاؤم في النفوس، ولكن الاستراتيجية التي يجب أن يتبناها الصحفي المواطن، وخاصة من قبل قادة الرأي في الفضاءات الافتراضية؛ هو نشر الأخبار الجميلة، ومنها المبادرة التي أطلقها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، مثل «قبلت التحدي» وهي مبادرة تدخل في سياق الخطاب التفاؤلي الذي يزيد من سكينة النفوس بمشاركة صور المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في صورة تفاؤلية، كما يظهر هذا في خروج بعض المهرجين والبهلوانين في فرق للتجمعات السكانية للتنفيس على الساكنة والأطفال، وهذا من باب الترفيه؛ طبعا مثل هذه المبادرات في هذه الأزمات تروح على النفوس.
فالخطاب التفاؤلي ينشر كل ما هو إيجابي من الحملات الخيرية والتوعية مثل المساهمات في تزويد المناطق الموبوءة بالتموين والمعونات الغذائية والمستلزمات الطبية، وطبعا في هذا المقام ما أحوجنا إلى تكريس هذه القيم الاجتماعية الحاضرة بقوة في مثل هذه الأزمات، فروح التضامن عند المواطن تزيد من حلحلة الأزمة إنسانيا، وهناك نماذج يضرب بها المثل في هذا التيار.
فالمبتغى من الخطاب التفاؤلي؛ هو أحسن العوالم الممكنة وأن الشرور مفيدة وضرورية لخير أعظم ولعالم أجمل، فالمقاربة النفسية في مثل هذه الظروف أكثر من ضرورية، وفي هذا السياق أشارت منظمة الصحة النفسية إلى أن التفاؤل هو عملية نفسية إرادية تولد أفكارا ومشاعر للرضا والتحمل والثقة بالنفس، وهو عكس التشاؤم الذي يميز الجوانب السلبية للأحداث مما يستنزف طاقة المرء ويشعره بالضعف والنقص في نشاطه، ولكن الإشكال الذي أصبح يطرح الآن هو ظهور خطاب منافس للخطاب التفاؤلي؛ ألا وهو الخطاب التشاؤمي.
وفي المقابل يعد تبني الخطاب التشاؤمي المروج للشائعات المتنبأ بالأسوأ الذي يعيش وينقل اليأس للآخرين؛ طبعا هذا من باب ترويع الساكنة وربما هذا الخطاب ينفع أو بالأحرى يقنع بعض المواطنين المتهورين الغير ملتزمين بالإجراءات الوقائية كالحجر وحضر التجوال، ويمكن أن يتسببوا في تمديد عمر الأزمة...
وبالتالي فإن مسؤولية الخطاب الإعلامي في وسائل الإعلام هو مركز ضبط بين الخطاب التفاؤلي والتشاؤمي، وحتى لا يخرج الخطاب الإعلامي عن وظيفته المهنية والأخلاقية، وجب عليه التنبيه للسلوكيات المارقة التي لا محالة تجلب المضرة للمواطن في هذه الأزمة، فالخطاب الإعلامي له قدرة تأثيرية وإقناعية على المتلقي بغية تشغيل آلته التأويلية لإعادة تشكيل وعيه اتجاه مصلحة مجتمعية ما. فالخطاب الإعلامي في إدارة الأزمات يقوم على أساس الاستراتيجية العامة لإدارة الأزمة التي وضعتها القيادة العليا ممثلة في الحكومة. وإدراك شمولية وعمق الطبيعة الخاصة لكل طرف من الأطراف على ضوء ظروفه وموقعه على الخريطة العامة لإدارة الأزمة.
ويساهم في صياغة رؤية موحدة للأطراف كافة أثناء الأزمة. بالإضافة إلى فهم طبيعة الجمهور المستهدف (خاص أم عام، محلي أم خارجي، مواطن أم مقيم، متعلم ومثقف أم عادي.. الخ). كما يجب إدراك الخصائص المميزة العميقة لكل وسيلة من وسائل الاتصال (الطباعية والسمعية – البصرية والشفهية). إضافة إلى التحليل الملموس للواقع، وعدم إحلال الشعارات والأوهام والرغبات الذاتية محل التفكير والتحليل العلمي والحقائق الموضوعية.
فالتفاؤل ضرورة شرعية، وخطاب الاطمئنان وتهدئة النفوس من قبل وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي يلعب دورا مهما في دورة الأزمة، وبالتالي أصبح التفاؤل وظيفة إعلامية في الزمن الراهن وضرورة حتمية وخاصة في وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر تفاعلا من قبل.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.