طباعة هذه الصفحة

ضرورة تبني مقاربة «سوسيو- اقتصادية» لتنميتها

المناطق الحدودية حلقة أساسية في الاستقرار

أمين بلعمري

وددت في البداية وقبل الخوض في موضوع المناطق الحدودية وما توفره من فرص للرفاه والتنمية العابرة للحدود بدل أن تكون بؤرا للتهريب والاتجار غير الشرعي بكل شيء، بداية من السلاح والمخدرات وصولا إلى الغذاء والدواء ناهيك عن تهريب البشر والاتجار بالأعضاء، الإرهاب وغيرها من المظاهر والآفات التي وجدت في تلك المناطق المناخ الملائم والحاضنة أحيانا للعديد من الأسباب من أهمها التهميش و غياب التنمية في تلك المناطق والتي لم تترك لسكانها إلا خيارين اثنين وهما  إما الانتقال إلى أماكن أخرى بحثا عن شروط أفضل للحياة وآفاق أوسع أو الارتماء في أحضان المهربين والمضاربين الذين تربط بعضهم تحالفات مع الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ؟ مستغلين الطبيعة الخاصة لتلك المناطق التي تعرفها الموسوعة الحرة ،»ويكيبيديا» كما يلي :

« المناطق الحدودية بالإنجليزية ( Border zones ) هي المناطق التي توجد بالقرب من الحدود السياسية والتي تخضع لقيود خاصة في الحركة. قد تقوم الحكومات بحظر الدخول أو الخروج غير المصرح به للمناطق الحدودية وتقييد ملكية الممتلكات الموجودة في تلك المناطق، حيث تعمل هذه المناطق كمناطق عازلة تتم مراقبتها من قبل حرس الحدود بهدف منع الدخول أو الخروج بشكل غير قانوني، فتقييد الدخول يساعد على تحديد المتسللين غير الشرعيين،  كما يمكن أن تكون المناطق الحدودية مزودة بوسائل الدفاع العسكري مثل حقول الألغام، الأسلاك الشائكة، وأبراج المراقبة. بعض المناطق الحدودية تكون مصمّمة لمنع الهجرة غير الشرعية سواء كانت داخلية أو خارجية ولا يوجد فيها الكثير من القيود ويتم الاكتفاء بوجود نقاط تفتيش للتحقّق من حالة الهجرة.
التحرك داخل منطقة حدودية دون ترخيص في بعض الدول جريمة تؤدي إلى الاعتقال، مجرد الوجود داخل هذه المناطق بشكل مقصود بدون سبب يعتبر جريمة، حتى مع وجود ترخيص، حيث أن التصوير، إشعال الحرائق، حمل الأسلحة النارية، والصيد، كلها أمور محظورة في المناطق الحدودية».
إن هذا التعريف يبيّن أنّها مناطق ذات طبيعة خاصة وبالتالي تخضع لإجراءات وقوانين خاصة لتنظيم حركة تنقل الأشخاص على اعتبار أنها خط فاصل بين دولتين أو بين سيادتين ونظرا للحساسية التي ترافق  مثل هذه الأمور عادة تحرص كل دولة على ممارسة سيادتها التامة على آخر نقطة من الحدود التي تتقاسمها مع دولة أخرى، لهذا كثيرا ما تكون هذه المناطق مسرحا لمناوشات أو اشتباكات مسلّحة بين حراس الحدود لمجرد اختراق حدود دولة من طرف أخرى  حتى لو كان ذلك محض خطأ، خاصة عندما تكون منطقة متنازعا عليها مثل الحدود بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير أو بين الكوريتين ...الخ و هذا ما يفسر إعلانها مناطق عسكرية خالية من السكان المدنيين تماما لأنها تخضع لرقابة مشددة وتأهّب دائم من الطرفين واحتمالات دائمة لوقوع اشتباكات أو هجومات مما يشكّل خطرا على المدنيين وبالتالي يتم إخلاؤها ولكن تبقى حالات استثنائية تعرفها بعض الحدود المشتركة بين الدول.

تأمين الحدود.. العبء الثقيل
إن طول و امتداد الحدود البرية الجزائرية التي تتقاسمها مع سبع دول، يجعل مسألة تأمينها من النقاط التي يجب أن تحظى بأهمية وبرامج خاصة كما يجب أن تكون ضمن أولى أولويات الدولة الجزائرية خاصة وأن حدودنا البرية تناهز 7000 كلم، لهذا فإن تكلفة تأمينها ومراقبتها باهظة جدا، حيث تحتاج إلى تأهّب دائم لأفراد حرس الحدود وما يتطلبه ذلك من إمكانيات بشرية ومادية هائلة لإنجاز مهمة بهذا التعقيد والصعوبة وإذا كان هذا في الحالات العادية فما بالك بالأوضاع الاستثنائية؟  علما أنه بداية من 2011 أصبح تأمين الحدود معضلة حقيقية تحتاج إلى مخطط استعجالي خاصة بعد الانهيار الأمني وغياب أجهزة ومؤسسات الدولة في كل من مالي وليبيا بعدما فقدتا السيطرة على أراضيهما أو على جزء منها وبالتالي أصبحتا غير قادرتين على بسط سيادتهما عليها، مما فتح ثغرات أمنية واسعة استغلتها الجماعات الإرهابية المتحالفة مع جماعات التهريب لاستحداث مناطق رمادية، خاصة بعد سيطرة تلك الجماعات الإرهابية على شمال مالي بعد حصولها على ما يكفي من الأسلحة والذخائر من ليبيا التي حوّلها التدخل العسكري الفرنسي - الأطلسي إلى مخزن مفتوح على كل أنواع الأسلحة الحربية بعد إسقاط النظام الليبي والتصفية البشعة للقذافي ؟.
إن كل هذه المعطيات اضطرت الجزائر إلى الدفع بالمزيد من أفراد الجيش إلى جنوبنا الكبير لملء الفراغ الذي خلّفه غياب الدولة ومؤسساتها في كل من مالي وليبيا مما وفّر فرصة ثمينة للجماعات الإرهابية لاستعمال تلك المناطق الحدودية كملاذات آمنة لحشد قواها والتقاط أنفاسها ومن ثمة تحضير وتنسيق هجماتها الإرهابية، غير أن مخطط إعادة نشر القوات الذي أقرته رئاسة أركان الجيش الوطني الشعبي اعتبارا من 2013 جعل تلك الجماعات تعيد حساباتها، بعدما فقدت القدرة على المبادرة والمباغتة بفضل التأمين المحكم لحدودنا الجنوبية والعمل الجبّار والمتواصل الذي أنجزته المؤسسة العسكرية الذي لم يكن ليتحقق لولا تعبئة موارد بشرية ومادية ضخمة وهو عبء يتطلب التفكير في بدائل أخرى تخفف من وطئته وتكلفته.

المعادلة التنموية..
لا شك أن تنمية المناطق الحدودية وتحويلها من بؤر للتهريب إلى منصات محتملة للتصدير والتبادل سيكون من نتائجه المباشرة التأسيس لما يسمى بـ «اقتصاد الحدود» لتعويض اقتصاد حدودي مواز فالت تماما من مراقبة الدولة و لا يعود على خزينتها بأي فائدة، بل على العكس تماما والحالة الجزائرية أكثر تعقيدا بسبب المواد الأساسية المدعمة مثل الوقود والمؤن التي يتم التنازل عنها بأبخس الأثمان في إطار عمليات المقايضة الحدودية وهذا ما يفسر استهلاك بعض الولايات الحدودية لهذه المواد بنحو يفوق المعدل الوطني بل يتجاوز ما تستهلكه الولايات الشمالية الكبرى رغم أنه ليس هناك وجه للمقارنة من حيث التعداد السكاني ولكم أن تتصوروا كمية الوقود والمواد الاستهلاكية التي يتم تهريبها عبر الحدود والأثر الوخيم لذلك على الخزينة العمومية ؟.
الملاحظ أنه ومنذ تكثيف تواجد وحدات الجيش الوطني الشعبي على الحدود إلى جانب حرس الحدود تراجع التهريب بشكل واضح وأي واحد يمكنه أن يستشف ذلك من خلال تلاشي الطوابير التي كانت لها بداية ولم تكن لها نهاية في محطات البنزين المتواجدة بالمدن الحدودية الغربية أو الشرقية للجزائر؟ بينما تلاشت الآن كل تلك المظاهر، الحدود لم تعد كما كانت؟ ولكن ذلك لم يكن دون تأثير على سكان تلك المناطق التي كانت تعتمد بشكل أساسي على امتهان التهريب لإعالة أسر بأكملها، مدخلوها يأتي أساسا من التهريب ومختلف أوجه الاتجار غير الشرعي؟

تينزاواتين تعرّي المؤامرة  ..
لقد كشفت الأحداث التي شهدتها تينزاواتين بتمنراست بأقصى جنوب الجزائر، الاسبوع الماضي، أن الخناق الذي فرضه الجيش الوطني الشعبي ووحدات حرس الحدود شلّ تحرّكات جماعات التهريب والجريمة المنظمة على طول حدودنا الجنوبية، خاصة بعد الاعتداء الإرهابي الذي نفذه انتحاري بداية شهر فيفري 2020 والذي خلّف استشهاد جندي جزائري في عمل إرهابي لم يشهده جنوب الجزائر منذ اعتداء تينقنتورين على المنشأة الغازية العام 2013،  مما اضطر السلطات الجزائرية إلى تشديد الرقابة على الحدود و فرض حصار على جماعات التهريب والجريمة المنظمة التي لم تجد بدا إلا محاولة زرع البلبلة والارتباك لفك الخناق عنها من خلال استغلال حادثة «ايخرابن» التي ذهب ضحيتها مواطن من تينزاواتين، إثر تلقيه طلقة نارية قاتلة، لم يعرف مصدرها بعد، في محاولة يائسة للدفع باحتجاجات اجتماعية متعلّقة بمسائل تنموية محلية نحو مواجهة مفتوحة بين أفراد الجيش والمحتجين لاستغلال الوضع لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، غير أن السلطات تفطنّت للمؤامرة وسارعت وزارة الدفاع الوطني إلى إصدار بيان كذبّت فيه ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار مغلوطة حول ما وقع كما أعلنت عن فتح تحقيق لكشف ملابسات الحادث.

خاتمة
إن الاستثمار في المناطق الحدودية وبعث وتيرة تنموية بها عبر مخططات مدروسة تراعي طبيعتها، يمكن أن يجعل منها واحات للرفاه والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وسيكون لذلك أثره على السكان مما قد يحوّلها إلى مناطق استقطاب ديموغرافي وليس طاردة ومنفرة ؟ وبهذا تصبح حلقة أساسية في المعادلة الشاملة للأمن الوطني الجزائري بأبعاده الناعمة أو الصلبة وحصنا منيعا ضد العديد من الظواهر التي استفحلت سابقا بسبب عوامل تم ذكر بعضها وفي مقدمتها الهجرة غير الشرعية، خاصة وأن المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الساحل جنوب الصحراء أصبحوا يصلون بكل سهولة إلى العاصمة وإلى الولايات الشمالية الأخرى بعدما انتقلت الجزائر من محور للعبور إلى وجهة لاستقرار المهاجرين غير الشرعيين؟
تأسيسا على كل ما تقدّم من معطيات ولأسباب أخرى كثيرة لم يتم التطرّق إليها، تجتمع كلها على أن تنمية المناطق الحدودية لم تعد مجرّد خيار ولكن ضرورة مستعجلة بل نظرة إستراتيجية، خاصة في ظل استفحال التهديدات اللاتناظرية المحيطة بالجزائر واحتدام التنافس بين القوى الكبرى الباحثة عن موطئ قدم في القارة الإفريقية وفي منطقة الساحل تحديدا وهي المنطقة التي أصبحت محورا لتقاطع مصالح، مطامح ومطامع هذه القوى، تنافس سيكون من نتائجه المباشرة استفحال أكبر لظواهر الإرهاب، التهريب والجريمة المنظمة التي أصبحت مصالحها متقاطعة ومتداخلة هي الأخرى، مما يفسر تعايشها بل ودخولها أحيانا في تحالفات مصلحية، كلها عوامل زادت من خطر هذه التهديدات مما يحتاج إلى يقظة وتأهّب مستمرين من خلال المراقبة المتواصلة لحدودنا المترامية والتي رغم هذا الامتداد، استطاع الجيش الوطني الشعبي التحكم في مهام تأمينها بشكل محترف خاصة بعد إقحام آخر التقنيات وأحدث الإمكانيات في إنجاز مهمة بهذا التعقيد والصعوبة مثل الطائرات بدون طيار «درون» التي أثبتت فعالية عالية في دعم الوحدات المتواجدة على الأرض.