طباعة هذه الصفحة

إستشراف

المقاومة الفلسطينية والجهة الخامسة خلال السنوات الأربع القادمة

وليد عبد الحي

تتعامل الدراسات المستقبلية مع متغيّر تسميه المتغير «قليل الاحتمال عظيم التأثير» (Low Probability-High Impact)، أي المتغير الذي يكون احتمال حدوثه محدودا لكن حدوثه - إذا وقع - يترك أثرا كبيرا للغاية، وهو ما يذكرنا بمقولة رئيس أركان الجيش البروسي هيلموت فون مولتكة «كثيرا ما توقعت أن يأتيني العدو من إحدى الجهات الأربع، لكنه كثيرا ما جاء من الجهة الخامسة» أي الجهة التي لم تخطر على بال مولتكة.
سؤالي: ما هي الجهة الخامسة أو المتغير قليل الاحتمال عظيم التأثير الذي يمكن أن تواجهه المقاومة الفلسطينية المسلحة بخاصة في غزة خلال السنوات الأربع القادمة:
أولا: حدوث تغير في إيران يؤثر على مستويات مساندتها للمقاومة مثل:
أ‌- أن يموت المرشد الإيراني علي خامنئي ويحدث صراع على السلطة يجلب قوى تكون أكثر تحللا من الالتزام بالقضية الفلسطينية.
ب‌- أن تربط إدارة جو بايدن وبعض الدول الأوروبية التخفيف التدريجي للعقوبات بمطالب من إيران من بينها التخفيف التدريجي من المساندة الإيرانية للمقاومة (وهي مساندة أعلن كل قادة المقاومة الفلسطينية المسلحة وجودها وفاعليتها لهم).
ت‌- أن يحدث اضطراب داخلي في إيران –لأي سبب- يؤدي إلى تغير في سياسات إيران.
ث‌- أن تحدث حرب إسرائيلية إيرانية تؤدي لإضعاف إيران بقدر كبير يجعلها عاجزة عن مواصلة المساندة.
ثانيا: حدوث صدام عسكري بين حماس والجهاد الإسلامي في غزة نتيجة:
أ‌- مسايرة حماس لبعض مشاريع السلطة الفلسطينية بشكل يفجر الصراع بين حماس والجهاد الإسلامي.
ب‌- حدوث خلافات داخل حماس أو بين أجنحتها العسكرية والمدنية وتؤدي لتقارب أحد هذه الأجنحة المختلفة أكثر من غيره من الجهاد الإسلامي.
ت‌- حدوث هجوم إسرائيلي على قطاع غزة يؤدي لاختراق بمستوى استراتيجي لدفاعات المقاومة تتبادل على أثرة الأطراف المقاوِمة الاتهامات بالمسؤولية عما وقع.
ثالثا: اتساع قاعدة التطبيع مع إسرائيل إلى حد اتخاذ الجامعة العربية قرارا بذلك، بخاصة أن المبادرة العربية في بيروت 2002 هي مبادرة سعودية الجذور تنطوي على قدر من ذلك، لاسيما أن الجامعة العربية أصبحت أسيرة وبقدر كبير لمجاراة توجهات الدول الخليجية وهو ما كشفته مرحلة العشرية المنتهية من 2010 إلى 2020.
رابعا: حدوث صراع بين أجهزة سلطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية تغذيه إسرائيل ويؤدي لموجات هجرة قسرية وطوعية في الضفة الغربية. وقد يظهر ذلك نتيجة:
أ‌- صراع على السلطة تغذيه إسرائيل ودول عربية بعد غياب رئيس سلطة التنسيق الأمني في ظل تقدم عمره.
ب‌- ذهاب قيادات من السلطة لمزيد من التنازلات تصل إلى حد القبول بإدارة مدنية ذاتية واعتبار الضفة الغربية امتدادا إقليميا لإسرائيل.
خامسا: عدم السيطرة على جائحة كورونا إلى الحد الذي يجعل من غزة غير صالحة للعيش بخاصة مع استمرار الحصار المصري والإسرائيلي.
سادسا: تبني سياسات التوطين للفلسطينيين إلى درجة تقبل فيه الدول العربية بتوطين الفلسطينيين في أراضيها ومنحهم جنسياتها بخاصة في دول الخليج ذات الجاذبية الأعلى اقتصاديا وسكانيا.
سابعا: إعلان سلطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية قطاع غزة إقليما متمردا بما يسمح لتدخل دولي لإنهاء التمرد المزعوم.
ثامنا: أن تسوء الأحوال الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية في لبنان إلى حد يغرق فيه حزب الله في أزمة داخلية تجره لساحات جديدة وصراع داخلي.
هذه متغيرات قليلة الاحتمال وإن تفاوتت مستويات احتماليتها، لكن حدوثها يجب أن لا يجري استبعاده، فما هي الخطط الفلسطينية لمواجهة مثل هذه المتغيرات قبل أن نكتشف أنها جهة خامسة؟
إن عبارة الجنرال جياب (الذي عاصر هزائم فرنسا وأمريكا في فييتنام) تستيقظ في ذاكرتي، حيث قال «الاستراتيجي الجيد يخطط بعقل الجبان وينفذ بقلب الشجاع»... فهل من مستمع؟