طباعة هذه الصفحة

جهود الجزائريّين في تطْويـر البحـثِ اللّسانيّ

عبْدِ الرّحْمن الحاج صالِح.. مؤسّـــس اللّسانيّات العربيّة الحديثة

بقلم: البروفيسور علـــــيّ كشــــرود

 إنّ الحديثَ عن التّعليم الجامعيّ بالجزائرِ المستقلّة، يقودنا حتما إلى ذكْر أولى جامعة جزائريّة ظهرت في حقْل التّعليم العاليْ في سنة 1877م في فترة الاحتلال الفرنسيّ الغـاشم، والّتيْ اضطلعت بمهام تعْليم أبناء المستوطنين الأوروبيّين داخلَ الجزائر وخدمتهم في ظلّ التّحريم القطْعيّ لِدراسة اللّغة العربيّة، وكلّ ما له صلة بالثّقافة والانْتماء والهويّة، لعلْم فرنسا أنّ دراسة اللّغة العربيّة، تُشكّل خطرًا على الوجود الفرنسيّ، ونفوذها المهيمن على الكثير من مجالات الحياةِ اليوميّة، والقطاعات التّجاريّة والاقتصاديّة، والتّنمويّة على
العموم.

 وقد أجمع رأْي أهل الاختصاص، أنّ سنة 1877م هي الانطلاقة الفعليّة لبدْءِ التّعليم الجامعيّ في الوطنِ العربيّ، هذه البداية الّتيْ ارتبطت ولا شكّ بظهور الجامعة الجزائريّة إبّان الاحتلال الاسْتدماريّ؛ لكن، يرى البعض أنّ الجامعة الجزائريّة تأسّستْ فعْلًا بعد الاسْتقلال على أنْقاضِ الجامعة الفرنسيّة.
وعرفتِ الجامعة في نشأتها ومراحل تطوّرِها محطّاتٍ نوجزها على النّحو التَّالِيْ:
المرحلة الأولى (1962 – 1970)، فتح الجامعاتِ بالمدُن الرّئيسةِ.
المرحلة الثّانية (تبدأ منْ سنة 1970)، تُؤَرِّخُ للسّنة الأولى من ظهور وزارة التّعليم العاليْ والبحثِ العلْميِّ.
المرحلة الثّالثة (تبدأ من 1983)، تميّزت هذه المرحلة بِإعداد الخارطة الجامعيّة في صورتها الأولى، والّتيْ كان الهدف منْها التّخْطيط للتّعليم العاليْ حتّى آفاق 2000م في ظلِّ النّظرة الاسْتشْرافيّةِ المرْتبِطةِ بِمتطلّباتِ الواقِعِ الاقْتصاديِّ لِلْجزائرِ.
المرحلة الرّابعة (تبدأ من سنة 1989)، وهي المرحلة الّتيْ شهِدتْ اِسْتقْلاليّة الجامعة بِحُكْمِ المَهمَّةِ السّاميَةِ الّتيْ أُنْشئَتْ منْ أجلِها، وهيَ تكْوينُ الإطارِ الجزائريِّ الكُفْءِ.
فكلُّ المراحلِ الّتيْ خطتْها الجامعةُ الجزائريّةُ  بدْءًا من تاريخِ اِسْترْدادِ سيادتِها المسْلوبةِ، ترجمت بِحقٍّ تلْك الجهودَ الثّمينة ذات القيمة المُضافة لِتطوير البحْثِ العلْميِّ والتّكنولـوجيّ والإنْسانيّ بوجهٍ أعمّ، وكان للبحثِ اللّسانيِّ النّصيبُ الوافِرُ منْ تلْك الجهودِ الّتي قاد رايتَها وجسّدها ثلّة منَ العلماءِ والأساتذةِ الجامعيّينَ الّذينَ أظْهروا كفاءَةً (كِفَايَةً) عاليةً، وأدْلوا بِدَلْوِهِم في مجالٍ هو منَ المجالاتِ الحديثةِ العهْدِ في جزائرِ السّيادةِ والعِزّةِ، ألا وهو مجالُ: البحثِ اللِّسانيِّ.
هذا، وقد ركّزنا في التّصميم الّذيْ رسمْناهُ لِمَقَالِنَا، على الجهْدِ المبذولِ منْ قِبَل جزائريّين ذوي كفاءاتٍ (كِفَايَاتٍ) عاليةٍ لِتطويرِ البحْثِ اللِّسانيِّ.
نظرَ أهْلُ الرّأْيِ منَ العلماءِ اللِّسانيّينَ المُحْدَثينَ، وعلى رأْسِهِمْ الباحثُ اللِّسانيُّ الإنْجليزيُّ ر.روبنز (R.Robbins) نظْرَةَ إجلالٍ وإكْبارٍ لإسْهاماتِ العربِ القُدامى في مجالِ الدِّراساتِ اللِّسانيَّةِ، وذلكَ في كتابِه الموْسومِ: التّاريخ الوجيز للّسانيّات (A short History of linguitics)، وأعلنَ بِصراحةٍ أنّ تاريخَ الأُممِ السّابقةِ، زخَر بِالدِّراساتِ اللُّغويَّةِ الّتيْ تستقرئ الظّواهرَ اللُّغويَّةَ منَ الوجْهةِ الصّوْتيَّةِ والتّركيبيَّةِ والدّلاليَّةِ، وتكشِفُ عنِ العلاقاتِ المُمكنَةِ لهذِه المجالاتِ اللُّغويَّةِ الثّلاثَةِ بِالعالَمِ الّذيْ يعيشُ فيهِ الإنْسانُ. وعليْهِ، يقولُ الدّكتورُ مازن الوعـر: “اللُّغةُ ظاهرَةٌ فيزيولوجيّة-إنْسانيّة، لاحظها الإنْسانُ منْذُ أنْ خُلِق على وجْهِ الأرْضِ، وقدْ حاولَ وما يزالُ يُحاوِلُ سَبْرَ أَغْوَارِها.
وهكذا، فإنّ تاريخَ الإنْسانِ - بِغضِّ النّظرِ عنْ جِنسِهِ وعِرْقِه وأصْلِه وفصْلِهِ - مليءٌ بالدّراسات الّتيْ تناولَتْ الظّاهرَةَ اللُّغويَّةَ، ولوِ الْتَفَتَ الغرْبُ المُعاصِرُ إلى التّاريخِ اللُّغوِيِّ التُّراثيِّ العربيِّ، لكانَ علْمُ اللِّسانيّاتِ الحديثُ في مرْحلَةٍ مُتقدِّمَةٍ منَ الزّمنِ الّذي هو فيه”.
ويُؤكِّد الدّكتورُ مازن الوعر، أنّ حقيقةَ ما ذكرَهُ عنْ إشادةِ الغرْبِ المُعاصِرِ بِما فعلَهُ علماءُ اللُّغةِ العرَبُ، والتّنْويهِ بِجهودِهِم المبْذولَةِ في مجالِ الدِّراساتِ اللُّغويَّةِ، قدْ شارَكهُ في تلْك الحقيقَةِ عالِمُ اللِّسانيّاتِ الأمْريكيُّ نعوم تشومسكي في إطارِ حوارٍ أجْراهُ معهُ عامَ 1982م. وهذِه حقيقةٌ لا يُنْكِرُها جاحِدٌ، فلقدْ أثْبتَ باحثونَ لِسانيّونَ غـرْبيّونَ وُصِفـوا بِالاعْتِـدالِ والإنْصافِ أمْثالَ: أ.روبنز (Anthony Robbins)، ونعوم تشومْسكيْ، وو.كوك
(Walter Cook)، تأثُّرَ اللِّسانيّاتِ الحديثَةِ بِالتُّراثِ اللُّغوِيِّ العربيِّ عنْ طريقٍ مُباشِرٍ مثْل الاطِّلاعِ على التُّراثِ اللُّغوِيِّ العربيِّ بِاللُّغةِ العربيّةِ أوْ عنْ طريقِ ترْجمَةِ أعْمالِ النُّحاةِ واللُّغويّينَ والبلاغيّينَ العربِ إلى لُغاتٍ كثيرَةٍ، وبِالخُصُوصِ اللُّغة الألْمانيّة مثْلما ذكرَهُ الدّكتور مازن الوعر في مجلّةِ التُّراثِ العربيِّ، في ظلِّ المقالِ الموْسومِ: “صلَة التُّراثِ اللُّغوِيِّ العربيِّ بِاللِّسانيّاتِ”.
وَإجْمَالًا، نتوجَّهُ في العنْصُرِ هذا منْ مَقَالِنَا إلى الوقوفِ على جهودِ الجزائريّينَ في تطْويرِ البحْثِ اللِّسانيِّ، مُنْطلِقينَ منْ عوامِلَ كثيرَةٍ دفعتْنا لِلْخوْضِ في هذا المجالِ، نعْملُ على ذِكرِ بعْضٍ منْها على النّحوِ التّالِيْ:
عرْضُ صورَةٍ واضحةِ المعالِمِ عنْ مسارِ البحثِ اللِّسانيِّ بِالجزائرِ.
التّعريفُ بِاتِّجاهاتِ أوْ بِالأحْرى المذهب (المدْرسَة) اللّسانيّ الّذي تشبَّعَ بِه البحْثُ اللِّسانيُّ بِالجزائرِ وتبنّاهُ، معَ ذكْرِ مُنطلَقاتِه وأهْدافِه.
الإشادَةُ بِجهودِ عُلماءِ الجزائرِ في مجالِ البحْثِ اللِّسانيِّ المُعاصرِ.
بيانُ القيمةِ النّظريّةِ لِلْمدرَسَةِ الخليليَّةِ، والمنْهجيّةِ الّتيْ وسَمَتْ المُنْتَجَ اللِّسانيَّ.
وحتّى تكونَ الاِنْطلاقَةُ واضحةً وهادِفةً، فَضَّلْنَا أنْ نَعْرِضَ منْحًى لِسانيًّا حديثا ترَكَ بصماتِهِ في حقْلِ الدِّراساتِ اللُّغويّةِ، والّذي جسّدهُ بِحقٍّ ومثّلَهُ أحْسنَ تمْثيلٍ، العالِمُ اللِّسانيُّ الجزائريُّ الفذُّ عبْدُ الرّحمن الحاج صالِح - رحمه الله - في إطارِ النّظريّةِ الخليليّةِ الحديثةِ الّذي اِسْتلْهمَ بعْضًا منْ مفاهيمِها ممّا جاءَ بهِ الخليلُ بْنُ أحْمدَ الفراهيديّ، بدليلِ نِسبةِ هذِه النّظريّةِ إليْهِ. وتُعدُّ النّظريّةُ الخليليّةُ أحْسَنَ ما يعْكِسُ البحثَ اللِّسانيَّ المُعاصِرَ في الفكْرِ المغارِبيِّ، لِكونِها - أيْ: النّظريّة - حقّقتْ شُروطَها، والّتيْ هـيَ: “الأصالَةُ والتّحكُّمُ فيْ المنْهجِ، والامْتِدادُ الزّمانيّ والمكانيُّ، والتّطوُّرُ في المفاهيمِ، وصلاحُها في كثيرٍ منَ اللُّغاتِ، ولها أتْباعٌ ومُؤيِّدونَ”، وفعْلًا، حقّقَتِ المدرسَةُ الخليليّةُ شروطَ النّظريَّةِ اللِّسانيّةِ، والّتيْ هيَ:
الأصالَةُ (منْبعُها الموْروثُ اللُّغوِيُّ العربيُّ).
المنْهجُ الواضِحُ (الدِّراسةُ النّقْديّةُ للنّظريّةِ اللُّغويّةِ القديمةِ في إطارِ الدّرْسِ اللُّغويِّ العربيِّ).
العالَميَّةُ (الاِمْتدادُ في الزّمانِ والمكانِ).
الحداثَةُ (نظْرَةٌ شُموليّةٌ مُتجدِّدَةٌ، وقراءَةٌ ثانيَةٌ لِلّغةِ العربيّةِ).
ذاتُ قيمةٍ مُضافَةٍ، فقدْ أَثْرَتِ الخزانَةَ العربيّةَ.
لها أنْصارٌ ومُؤَيِّدونَ.
وليْسَ هذا فحسْبُ، فقيمةُ هذِه النّظريّةِ تبْدو جليًّا منْ حيْثُ موضوعُها الّذيْ كانَ محلَّ الدِّراسةِ “التُّراثُ العربيُّ القديمُ في شُموليَّتِهِ موْضوعًا لِدراساتِهِمْ المُتنوِّعةِ، أمّا المنْهجُ الّذيْ يَصْدرُ عنْ أصْحابِ هذِهِ الكِتابةِ فهوَ ما يُعرَفُ عادَةً بِمنْهجِ القراءَةِ أوْ إعادَةِ القِراءَةِ، ومنْ غاياتِ لِسانيّةِ التُّراثِ وأهْدافِه، قِراءَةُ التّصوُّراتِ اللُّغويّةِ القديمةِ وتأْويلُها وِفْقَ ما وصَلَ إليْهِ البحْثُ اللِسانيُّ الحديثُ، والتّوْفيق بيْن نتائجِ الفكْرِ اللُّغويِّ والنّظريّاتِ اللِّسانيّةِ الحديثَةِ”، فقدِ اِرْتبَط موْضوعُ النّظريّةِ الخليليّةِ اِرْتِباطًا وثيقًا بِالمنْبعِ الأصيلِ حينَ اِسْتقْرأَتِ التُّراثَ العربيَّ القديمَ، ومنحتْهُ قِراءَةً ثانيَةً أهَّلتْها لِتَحْمِلَ الرٍّيادةَ، وتوصَفَ بِالأصالَةِ حينَ اِسْتوْحتْ أفْكارَها ومُنطلقاتِها منَ المنْبَعِ اللُّغويِّ الّذيْ ظهَرَ على يَدِ سيبَويْهِ وأتْباعِه، أفلمْ يكُنْ سيبَويْهِ تلْميذَ الخليلِ؟ “ما وصلَ إليْنا منْ تُراثٍ فيما يخُصُّ ميْدانَ اللّغةِ، وبِخاصّةٍ ما ترَكهُ لنا سيبَويْهِ [ت 180 هجريّة] وأتْباعُهُ ممَّنْ ينْتميْ إلى المدرسَةِ الّتيْ سمّاها بِالخليليّةِ، وكانَ ذلك بِالنّظرِ في الوقْتِ نفْسِه إلى ما توصّلتْ إليْهِ اللِّسانيّاتُ العربيّةُ”.
والحديثُ عنْ منْهجِ النّظريّةِ الخليليّةِ، يقودُنا إلى القوْلِ بِأنّهُ مُسْتوْحًى منْ فعْلِ القراءَةِ الجديدةِ لِما ترَكهُ الأوَّلونَ منْ نُحاةٍ عربٍ ولُغويِّينَ “قِراءَةٌ جديدةٌ لِما ترَكهُ الخليلُ بْنُ أحْمدَ الفراهيديّ [170 هـ] وتلْميذُه سيبَويْهِ [180 هـ]، إلى غايةِ القرْنِ الرّابِعِ بِخروجِ كتابِ سيبَويْهِ وغيْرها، أضِفْ إلى ذلك البحوثَ الّتيْ كتبَها بعْضُ العباقرَةِ منَ العُلماءِ كعبْدِ القاهرِ الجُرْجانيِّ [471 هـ] والسّهيليّ [581 هـ] والرّضيّ الاِسْتراباديّ [686 هـ] وغيْرهم..”.
هذا، ولا يسَعُنا في هذا المقامِ العلْميِّ الرّفيعِ، إلاّ أنْ نذْكرَ الغايَةَ الّتيْ رصَدها اللِّسانيُّ الجزائريُّ عبْدُ الرّحْمنِ الحاج صالِح حينَ وضَعَ النّظريَّةَ الخليليَّةَ وأرْسى دعائمَها، فهو القائلُ: “تقْويمُ النّظريَّةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ الّتيْ كانتْ أساسًا لأغلَبِ ما يقولُه سيبَويْهِ وشيوخُـهُ، ولا سيّما الخليلُ، وكيفيّة مواصلةِ هذِه الجهودِ الأصيلَةِ في الوقْتِ الرّاهنِ، ويبْدأُ في وصْفِ المبادئ المنْهجيّةِ الّتيْ بُنيَتْ عليْها هذِه النّظريّةُ، وذلكَ بِالمُقارنَةِ بيْنَ المبادئ الّتيْ تأَسَّستْ عليْها اللِّسانيّاتُ الحديثَةُ وبِالخُصُوصِ البِنْيَويّة والنّحْو التّوْليديّ التّحْويليّ، وبيْنَ هذِه النّظريّةِ”.
ويُمكِنُ لنا أنْ نُلخِّصَ أرْكانَ النّظريّةِ الخليليّةِ في النِّقاطِ التّاليَةِ:
العالَميّة: الجمْعُ بيْنَ الأصالَةِ والحداثَةِ، والامْتدادُ فيْ المكانِ والزّمانِ.
قيِّمة: حمَلتْ قيمةً مُضافَةً ولها أتْباعٌ ومُؤيِّدونَ.
موْضوعُها: التُّراثُ اللُّغويُّ العربيُّ القديمُ في شُموليَّتِه.
منْهجُها: القِراءَةُ الجديدةُ للتُّراثِ اللُّغويِّ العربيِّ القديمِ لِلْخروجِ بِتصوُّرٍ آخرَ للُّغةِ العربيّةِ وقواعدِها الضّابطَةِ لها.
الغايَةُ منْها: عمَلٌ إجرائيٌّ الهدَفُ منْهُ تقْويمُ النّظريّةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ.
يجعلُنا الحديثُ عنِ اللِّسانيِّ الجزائريِّ عبْدِ الرّحْمنِ الحاج صالِح نثيرُ نوْعيْنِ اِثْنيْنِ منَ الجهودِ المبْذولَةِ في البحْثِ اللِّسانيِّ، وهما: جهودُهُ على المُستوى الفرْديِّ، وجهودُهُ على المُسْتوى الجماعيِّ.
فالمُسْتوى الفرْديُّ:
يُميِّزُه ما قامَ بِه منْ إثارَةٍ لقضيَّةِ التّرجمةِ، وقـضيَّةِ المصطلَحِ العـربيِّ ومحاولة معالجةِ مشاكلِهِما المطْروحةِ، وكذا الأسس الّتيْ وضعَها في إعْدادِ الرُّموزِ العربيّةِ الخاصَّةِ بِكتابةِ الكلامِ المنطوقِ.
وأمّا المُستوى الثّانيْ، يتجلّى أمامَنا فيْ:
مشْروع الرّصيدِ الوظيفيّ المغاربيّ، وهو عبارَةٌ عنْ مسْحٍ شامِلٍ لِلرّصيدِ منَ اللُّغةِ الّتيْ يجِبُ إكْسابُها المُتعلِّمَ (الطِّفلَ)، أيْ: تلْكَ المجْموعةُ منَ المُفرداتِ والجُملِ العربيّةِ الفصيحةِ وما جاءَ على مِنوالِها، ويكونُ المتعلِّمُ (الطِّفلُ) فيْ أمسِّ الحاجةِ إليْها وهو في سِنٍّ مُعيَّنةٍ منْ مراحلِ عُمُرِه حتّى يتمكَّنَ منَ التّـواصُلِ والتّعْبـيرِ عنْ أغْـراضِهِ اليّـوميّةِ، والمعانيْ العاديَةِ الّتيْ تعِنُّ بِفكْرِه، يقولُ عبْدُ الرّحمنِ فيْ هذا الشّأْنِ: “الرّصيدُ منَ اللّغةِ الّتيْ يجبُ أنْ تُعلَّمَ للطِّفْلِ، هيَ مجموعةٌ منَ المُفرداتِ والعباراتِ العربيّةِ الفصيحةِ أوْ ما كانَ على قِياسِها مِمّا يحْتاجُ إليْها التِّلْميذُ فيْ سِنٍّ مُعيَّنَةٍ منْ عُمُرِه حتّى يتسنّى لهُ التّعْبيرُ عنِ الأغْراضِ والمعانيْ العاديَةِ الّتيْ تَجْريْ في التّخاطُبِ اليوْمِيِّ، ومنْ ناحيةٍ أُخْرى التّعْبيرُ عنِ المفاهيمِ الحضاريّةِ والعِلْميّةِ الأساسيَّةِ الّتيْ يجبُ أنْ يتعلّمها في هذِه المرْحلَةِ”.
مشْروع الذَّخيرَةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ، وهيَ فكْرَةٌ لِسانيّةٌ ترْميْ إلى وضْعِ قاعِدةِ بياناتٍ أوْ بنْكِ مُعْطياتٍ آليٍّ حاسوبيٍّ يضُمُّ كلَّ النّصوصِ القديمةِ والحديثَةِ الّتيْ كُتبَتْ بِاللُّغةِ العربيّةِ الفُصْحى “إنَّ ما أسْميْناهُ بِمشْروعِ الذَّخيرَةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ يرْميْ إلى ضبْطِ بنْكٍ آليٍّ حاسوبيٍّ منَ النّصوصِ القديمةِ والحديثَةِ بِالعربيّةِ الفُصْحى”.
المدْرسة الخليليّة، وهيَ - مثْلَما نوَّهْنا بِه في السّطورِ المُتقدِّمَةِ - قِراءَةٌ جديدةٌ تقْويميّةٌ لِلنّظريّةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ القديمةِ. بِمعْنًى آخرَ، تصوّرٌ جديدٌ لِما ترَكهُ العلَّامةُ الخليلُ بْنُ أحْمدَ الفراهيديُّ وتلْميذُهُ سيبَويْهِ الّذيْ عمِلَ على ذِكرِ الأشْهرِ منْ أقْوالِ أُسْتاذِه وأغْلبِها في الكتابِ، مُتوسِّعًا في شرْحِ المفاهيمِ وتوْضيحِها والّتيْ اِكْتسبَها وتلقّاها على يَدِ شيْخِه. وهيَ قراءَةٌ تمَخّضَتْ عنْها قيمةٌ عظيمةٌ حتّى أضْحتْ نُقْطةَ إشْعاعٍ علْميٍّ لِلْعديدِ منَ المجالاتِ، مثْلُ: الهنْدسة الحاسوبيّة، وأمْراض الكلامِ، والبحْث اللِّسانيّ، فهو القائلُ عنْ أهمِّيتِها: “وقدْ صارَتِ النّظريّةُ منْ ذلِك الوقْتِ العِمادَ النّظرِيَّ اللُّغوِيَّ لِعدَّةِ دراساتٍ قامَ بِها باحِثونَ منْ مُخْتلِفِ الآفاقِ العلْميّةِ، وخاصّةً منْ مرْكزِ البُحوثِ لِترْقيَةِ اللُّغةِ العربيّةِ بِالجزائرِ مِنْ مُهنْدسينَ في الحاسوبِ وأساتذة في اللُّغةِ العربيّةِ والإنْجليزيّةِ وباحثـينَ فيْ أمـراضِ الكلامِ”. وهذا الكلامُ لِلْعلَّامةِ يُثمِّنُ الطّرْحَ اللِّسانيَّ العربيَ ويُحسِّنُهُ بِطريقَةٍ تأْخُذ فيْ الحسْبانِ ما يُلائمُ وطبيعةَ اللُّغةِ والفكْرِ والمفاهيمِ اللِّسانيَّةِ العربيّةِ، ألمْ نَعْرِضْ وجْهةَ نظرِهِ في إرْساءِ دعائمِ هذِه النّظرَةِ حينَ قُلْنا فيْ فضاءِ هذهِ الدِّرَاسَةِ، إنّ عبْدَ الرّحْمنِ الحاج صالِح أخذَ العصا منْ وسطِها؟ فقدْ جمَعَ بيْنَ المفاهيمِ اللِّسانيّةِ منَ التُّراثِ العربيِّ القديمِ وما تمخَّضَ عنْه منْ إرْهاصاتٍ توحيْ بِالبحثِ اللِّسانيِّ عنْدَ العرَبِ، وبيْنَ المفاهيمِ اللِّسانيّةِ المُعاصرَةِ، أيْ بِمعْنًى آخرَ: الجمْعُ بيْنَ الأصالَةِ بِالحفاظِ على خُصوصيّاتِ اللُّغةِ العربيّةِ، وبيْنَ الحداثَةِ حينَ تفتَّحَ فكْرُهُ الموْضوعيُّ ليَرْكَبَ بِذلكَ موْجةَ المفاهيمِ اللِّسانيَّةِ المُسْتحْدثَةِ: “وقدْ حاولْنا منْذُ ما يَقْرُبُ منْ ثلاثينَ سنةً أنْ نُحلِّلَ ما وصَل إليْنا منْ تُراثٍ فيما يَخُصُّ ميْدانَ اللُّغةِ، وبِخاصّةٍ ما ترَكَهُ لنا سيبَويْهِ وأتْباعُه مِمّنْ يَنْتميْ إلى المدرسَةِ الخليليّةِ، وكلُّ ذلِك بِالنّظرِ في الوقْتِ نفْسِه فيما توصَّلتْ إليْهِ اللِّسانيّاتُ الغرْبيّةُ، وكانتِ النّتيجةُ أنْ تكوَّنَ معَ مُرورِ الزّمانِ فريق منَ الباحثينَ...يُريدُ أنْ يُواصِلَ ما اِبْتدَأَهُ الخليلُ وسيبَويْهِ”.
إذنْ، حاولَ هذا الفريقُ بعْدَ الجهودِ المُضْنيَةِ الّتيْ اِسْتغْرقَتْ لأكْثرَ منْ عقْديْنِ منَ الزّمنِ، أنْ يسْتنْبِطَ نظريّةً جديدَةً منْ رَحِمِ ما توصَّلَ إليْهِ عُلماءُ النّحْوِ الأوَّلونَ “والّذيْ نُريدُ أنْ يَنتَبِهَ إليْهِ إخْوانُنا الباحثونَ، هوَ وُجودُ نظريَّةٍ اِسْتخْرَجها بعْضُ الباحثينَ الجزائريّينَ مِمّا أخْرجَهُ عُلماءُ النّحْوِ الأوَّلونَ”.
نُحاولُ وبِإيجازٍ شديدٍ قبْلَ أنْ نصِلَ إلى خاتِمةِ المقَالِ، أنْ نَعْرِضَ أهمَّ الأُسُسِ الّتيْ بُنيَتْ عليْها النّظريّةُ الخليليّةُ على النّحْوِ التَّالِيْ:
مفْهومُ الاسْتِقامةِ المُتأَرْجِحُ بيْنَ اللَّفْظِ والمعْنى.
مفْهومُ الاِنْفِرادِ فيْ التّحْليلِ وما يتفرّعُ عنْ هذا المفْهومِ.
مفْهومُ الوضْعِ والاِسْتعْمالِ والعلامةِ العدَميَةِ.
مفْهومُ اللَّفْظةِ والعاملِ.
هذا، وقدْ تفرَّعتْ عنِ المفاهيمِ أعْلاهُ، جُملَةٌ منَ المُصْـطلَحاتِ، منْها: الأصْلُ والفـرْعُ والتّفْريعُ والقِياسُ والاِنْفصالُ والاِبْتِداءُ.
الاِسْتقامةُ:
وَتُحيلُنا إلى قاعدَةِ التّحْليلِ عنْدَ النُّحاةِ القُدامى الّذيْ كانَ يقومُ منْ جهةِ اللّفْظِ وحْـدَهُ، ومنْ جهةٍ أُخْرى على المعْنى. فاللَّفْظُ إذا فُسِّرَ بِمفاهيمَ تخُصُّ المعْنى، كانَ التّحْليلُ معْنويًّا وحسْبُ. أمّا إذا فُسِّرَ اللّفظُ منْ غيْرِ اِعْتبارٍ لِلْمعْنى، كانَ التّحليلُ لفْظيًّا نحْويًّا. فالنُّحاةُ العرَبُ لمْ يَخلِطوا أبدًا بيْنَ هذيْنِ التّحْليليْنِ “فالتّخْليطُ بيْنَ هـذيْنِ الاِعْتبـارَيْنِ، يُعْتـبَرُ خـطأً وتقْصيرًا”.
الاِنْفِرادُ وحدُّ اللَّفْظةِ:
فالأوّلُ يُمثِّلُ طريقَةَ النُّحاةِ الأوَّلينَ فيْ ضبْطِ وحَداتِ اللُّغةِ سواءٌ كانتْ جُملًا أمْ ألْفاظًا، والتّخريج لها بِالاِعْتِمادِ على اللُّغةِ ذاتِها بِإدْراجِ شيءٍ مُفْترَضٍ كما هو الحالُ في النّظريّاتِ اللِّسانيَّةِ الحديثَةِ على غِرارِ التّوْليديَّةِ. أمّا مصْطلَحُ اللَّفظَةِ، فهيَ الكلمةُ الّتيْ يُمكِنُ اِنْفِرادُها، كما تعْنيْ الكلمةَ بِلواحِقِها الّتيْ لا تُخْرِجُها عنْ بابِها معَ إمْكانِ نِيابتِها عنْ تلْك الكلمةِ المُفْرَدَةِ.
الموْضِعُ والعلامةُ العدَميَةُ:
فالمُصْطلَحُ الأوّلُ يُمثِّلُ المحلَّ الّذيْ يُمْكِنُ أنْ يُوضَعَ فيهِ عُنصُرٌ منَ العناصِرِ المُؤثِّرَةِ، فإذا غابَ فيْ ذلِك المحلِّ العُنْصُرُ، سُمِيَّ علامةً عدَميَةً، وهيَ الّتيْ تَخْتفيْ فيْ موْضِعٍ لِمُقابلَتِها لِعلامةٍ ظاهرَةٍ فيْ موْضِعٍ آخرَ.
العامِلُ:
ويرْتبِطُ مفْهومُهُ بِالبِنيَةِ التّرْكيبيّةِ لِلْجمْلةِ، فالعامِلُ هو المُحـرِّكُ الـرّئيسُ لِعناصرِها، والمُوَجِّهُ لِعلاقاتِها ولإسْنادِ الحركاتِ الإعْرابيَّةِ المناسبةِ لها.
الأصْلُ والفرْعُ:
ثُنائيَّةٌ مُرْتبِطةٌ عنْدَ النُّحاةِ القُدامى بِالعُنصُرِ الثّابِتِ أوِ النّواةِ. أمّا الفرْعُ “فهوَ الأصْلُ بِزيادةٍ إيجابيَّةٍ أوْ سلبيَّةٍ”. والأصْلُ هو “ما يُبْنى عليْهِ ولـمْ يُبْنَ على غـيْرِه. والفرْعُ هوَ الأصْلُ معَ زيادَةٍ معَ شيءٍ منْ تحْويلٍ”. وقدْ عرَّفَ الحاج صالِح الأصْلَ في موْضعٍ آخرَ بقولِهِ: “ما يُبْنى عليْهِ ولـمْ يُبْنَ على غـيْرِه. وهو ما يسْتقِلُّ بِنفْسِه، أيْ: يُمكِنُ أنْ يوجدَ في الكلامِ وحْدهُ ولا يحْتاجُ إلى علامـةٍ لِيتمايَزَ عـنْ فُروعِه، فلـَه العلامةُ العَدميَةُ”، وهو ما يُطلَقُ عليْهِ مُصْطلَحُ
 (Signifiant zéro)، أيْ: أنّ الأصْلَ عنْصُرٌ ثابِتٌ مُستمِرٌّ لا يُمْكِنُ أنْ يَنْحلَّ أوْ يتجزَّأَ إلى أجْزاءٍ صُغْرى وإلاّ فقَدَ معْناهُ بِفقْدِهِ لِبنائهِ. ومنْ خصائصِهِ:
خالٍ منْ كلِّ زيادةٍ إيجابيَّةٍ أوْ سلبيّةٍ.
يتعلَّقُ وُجودُهُ بِمفْهومٍ آخرَ يُدْعى الفرْعُ.
يَنْتميْ إلى جميعِ المُسْتوياتِ.
كأنْ نقولَ: المُذكَّرُ أصْلٌ لِلْمؤنَّثِ، والنّكرَةُ أَصْلٌ لِلْمعرِفَةِ...
المِثالُ:
مفهومٌ منْطِقيٌّ رياضيٌّ، وهو وزْنُ الكلمةِ أوْ حدُّها أوْ بِناؤها، ومفهومُ المِثالِ لا مُقابِلَ لهُ في اللِّسانيّاتِ الغرْبيّةِ “حدٌّ إجْرائيٌّ تتحدَّدُ بِه العناصِرُ اللُّغويّةُ؛ لأنّهُ تُرْسَمُ فيهِ جميعُ العمليّاتِ الّتيْ بِها يتولَّدُ العُنصُرُ اللُّغوِيُّ فيْ واقِعِ الخِطابِ”. والمِثالُ، يَحمِلُ فيْ النّظريّةِ الخليليّةِ مفْهومَ: “مجموعةٌ منَ المواضِعِ الاِعْتباريّةِ مرتّبةً ترْتيبًا مُعيَّنًا يَدْخُلُ فيْ بعْضِها، وقدْ تخْلو منْها العناصِرُ الأصْليّةُ وما فوْقَها”. ويرْتكِزُ المِثالُ فيْ مُستوى العمليّةِ الأولى على ضَمِّ الحروفِ الأصْليّةِ لِلْكلمةِ. وفيْ مُستوى العمليّةِ الثّانيةِ على العلامةِ العدَميَةِ، أيْ بِمعْنًى آخرَ: التّغيُّراتُ الطّارئةُ على الكلمةِ فيْ ظلِّ دخولِ الزّوائدِ عليْها.
القِياسُ:
أداةٌ يُعوَّلُ عليْها فيْ مُعظَمِ القضايا النّحْويّةِ، وهو يَعْنيْ: “حمْلُ شيءٍ على شيْءٍ لِجامِعٍ بيْنهُما، وحمْلُ شيءٍ فيْ الحُكْمِ، وهذا الحُكمُ هو ما يُعْرَفُ فيْ المنْطِقِ الرٍّيّاضيِّ: تطْبيقُ النّظيرِ على النّظيرِ
(Bijection)، وتطْبيقُ مجْموعةٍ على مجْموعةٍ حتّى يَظْهرَ تَطابُقٌ فيْ البِنْيَةِ بيْنَ مجْموعتيْنِ على الأقَلِّ”.
الوضْعُ والاِسْتعْمالُ:
ما دامتِ اللُّغةُ نِظامًا منَ الرُّموزِ والعلاماتِ، وما دامَ المتعلِّمُ يَختارُ منْها ما يُساعِدُهُ على التّعْبيرِ عنْ نفْسِه وحاجتِهِ وغرَضِهِ، فهيَ إذنْ: “قبْلَ كلِّ شيْءٍ وضْعٌ، ثُمَّ اِسْتِعْمالُ النّاطقينَ لها”. وإنْ كانَ الأمرُ كذلِك، فلا بُدَّ منْ إبْداءِ العنايَةِ الفائـقَةِ بِـالنّحْوِ والبلاغةِ، يقولُ الحاج صالِح: “البلاغةُ فيْ مَظْهرِها الأوَّلِ، أيْ: كعلْمٍ لِلْمعانيْ، هيَ اِمْتِدادٌ لِعلْمِ النّحْوِ؛ لأنّها تنْظُرُ فيْ كيفيَّةِ اِسْتعْمالِ الفرْدِ لِمعانيْ النّحْوِ، وهيَ المعانيْ الّتيْ تدُلُّ عليْها كلُّ الوُجوهِ الّتيْ يَقْتضيها النّحْوُ”.
مفْهومُ البابِ:
ويُشيرُ إلى ما تجْمعُهُ بِنيَةٌ واحِدةٌ “مجْموعةٌ منَ العناصِرِ تنْتميْ إلى فئَةٍ أوْ صِنْفٍ وتجْمعُها بِنيَةٌ واحدَةٌ”.
هذِه بِاخْتِصارٍ، أهمُّ المُرْتكزاتِ الّتيْ تأَسَّسَتْ عليْها النّظريّةُ الخليليّةُ بِرِيادةِ اللِّسانيِّ الجزائريِّ عبْدِ الرّحْمنِ الحاج صالِح. وفيْ الختامِ، لا يسعُنا إلاّ أنْ نترحَّمَ على أبيْ اللِّسانيّاتِ والمتميِّزِ في لُغةِ (الضّادِ) العلاّمةِ عبْدِ الرّحمن الحاج صالِح الّذيْ رحلَتْ نفسُهُ إلى بارئها يومَ: 05 مارس 2017 بعْدَ أنْ وقفَ حياتَهُ خِدمةً للُّغةِ العربيّةِ بِالبحثِ والتّنقيبِ في مجالِ الدِّراساتِ اللُّغويّةِ فيْ ظلِّ الموروثِ العلْميِّ اللُّغوِيِّ العربيِّ المُجسَّدِ فيْ (الكتابِ) لِسيبَويْهِ إمامِ البصْرَةِ وتلْميذِ الخليلِ.
إنَّ اللِّسانيَّ الجزائريَّ الفقيدَ، دعا فيْ كلِّ مرَّةٍ، ومِنْ على المنابِرِ العلْميَّةِ إلى تعدُّدِ اللُّغاتِ لدى الفردِ العربيِّ، والتّمكُّنِ منْ ناصيَةِ كلِّ لغةٍ يتعلَّمُها، فهوَ مَنْ وصَفَ الإنْسانَ المُكْتفيْ بِلُغةٍ واحدَةٍ بِالمِسْكينِ المُعاقِ.
أبْرَزُ أعْمالِ العلَّامةِ - رحِمهُ اللهُ - تأْسيسُهُ لِلْدّرْسِ اللِّسانيِّ فيْ الجامعةِ الجزائريّةِ على غِرارِ ما فعلَهُ زميلُهُ الباحثُ اللِّسانيُّ المغْرِبِيُّ عبْدُ القادِرِ الفاسيْ الفِهْرِيُّ، وكذا مشْروع الذَّخيرةِ اللُّغويّةِ العربيّةِ بِاسْتعْمالِ البَرْمجَةِ الحاسوبيّةِ، أَوَ لمْ يَكُنْ أيْضًا منْ دُعاةِ إنْشاءِ غوغلْ عربيٍّ؟
ومنْ مُؤلّفاتِ الشّيْخِ العلَّامةِ عشراتُ البُحُوثِ والدِّراساتِ فيْ اللُّغةِ واللِّسانيّاتِ ومعاجِم علـومِ اللِّسانِ الّتيْ تَـمَّ نـشْرُها فيْ الكَثِيرِ منَ المجـلَّاتِ المُتَخصِّصَةِ بِاللّغـاتِ: العربيّةِ والإنْجليزيّةِ والفرَنْسيّةِ، كما ترَكَ لنا كتُبًا كثيرَةً فيْ علومِ اللُّغةِ العربيّةِ واللِّسانيّاتِ العامّةِ، ومنْها: مُعْجَمُ علومِ اللِّسانِ، وبُحوثٌ ودراساتٌ فيْ علومِ اللِّسانِ، والسّماعُ اللُّغوِيُّ عنْدَ العرَبِ ومفْهـومُ الفَصَاحةِ، وعـلْمُ اللِّسانِ العربِيِّ، وعلْمُ اللِّسانِ العامِّ، والنّظريّةُ الخليليّةُ، ومنْطِقُ العرَبِ فيْ علومِ اللِّسانِ.